اتبع الغرب منهجيةً شبه ثابتة في التعامل مع الأنظمة السياسية التي كانت تسير في فلك الاتحاد السوفييتي السابق. تركزت تلك الأنظمة "المارقة"، في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى والشرق الأوسط وشمال إفريقيا. أنظمة كانت في ما مضى تصول وتجول في السياسة وترتكب حتى بعض أعمال العنف العسكرية، بغطاء ودعم سياسي وعسكري مؤثر من جانب الاتحاد السوفييتي.
عقب سقوط الاتحاد السوفييتي باتت تلك الأنظمة مثل أيتام سياسية واقتصادية وعسكرية؛ منها ما يصطف بتهافت على الموائد أو المخازن الغربية.
قلة من الأنظمة ما ظل يؤمن بضرورة مواصلة نهج التحدي والثبات والصمود، متمنياً تغييرات على المدى الاستراتيجي. زادت نبرة التحدي والمواجهة، وأصبح النظام "الطريد" هدفاً مشروعاً للتحركات الغربية لإسقاطه، أو التخلص منه بكافة السبل والأشكال.
تبدأ خطوات إسقاط نظام سياسي، بمحاصرته خارجياً وداخلياً. تقف وسائل الإعلام الأصلية والمملوكة والتابعة كأبواق دعاية، توجه كافة الأوصاف والنعوت والاتهامات لذلك النظام. في البداية تُخصَّص بضع ساعات كل يوم لكيل التهم المتاحة لذلك النظام؛ هنالك مثالب حقيقية وأخرى يتم تلفيقها وتحريف الجيد منها نحو السيئ. يدافع النظام عن نفسه بما أتيح لديه من وسائل إعلام وأذرع لها في الداخل والخارج؛ ينجح إلى حد ما في تثبيت نفسه عند الأتباع، وقلة من الخصوم.
حسب النتائج والوقائع والتقارير والمعلومات، يُرفع مستوى الهجمة الإعلامية الخارجية. يصحب ذلك بعض الإجراءات السياسية والدبلوماسية، ضد رموز النظام والأنشطة العامة التي تغذيه.
تُختار شخصيات مؤثرة وحاسمة في الحكم، ويتم توجيه الأنظار إليها على أساس أنها أس المشكلة؛ وفي زوالها يكمن الحل! يُضاعَف النشاط الإعلامي والإعلامي المضاد، مما يؤدي إلى إلهاب العواطف والمشاعر عند الطرف المستهدَف وبشكل يصبح شبه مزمن.
ذلك ما يؤثر على الحالة النفسية والمعنوية والاجتماعية، وحتى الصحية العامة للشعوب المستهدَفة. تظهر أصوات من المعارضة تنادي بضرورة التعامل بواقعية مع الهجمة الخارجية الشرسة "إنقاذاً لما يمكن إنقاذه"؛ عادةً ما يلجأ النظام المأزوم نفسياً ومعنوياً للجمها وقمعها، للسيطرة على الموقف الداخلي المتفاقم.
تقوم مجموعة الدول الغربية بفرض حصار اقتصادي ملطَّف، قابل للتطوير والشد في اتجاه الأسوأ على الدول المستهدَفة. عادةً ما يؤتي الحصار الاقتصادي أُكُله، بسبب السيطرة شبه المطلقة للدول الكبرى على الحالة الاقتصادية الدولية.
تلجأ الأنظمة السياسية المستهدَفة إلى محاولة استيعاب الحصار وتبعاته، بسلسلة من الإجراءات الاحترازية والتقشفية، واللجوء للبدائل المضنية. يزيد الغرب من تشديد الحصار، بحيث تضمحل فاعلية ونجاعة الأعمال الهادفة لاستيعاب الحصار وتبعاته.
تلجأ القوى الغربية إلى القوى الداخلية في الدول المستهدَفة، بالذات يأتي دور الأقليات المتمردة والمجموعات المعارِضة للحكم أو الناقمة عليه. يتم دعمها إعلامياً وسياسياً واقتصادياً، مالياً وعسكرياً.
تقوم تلك الفئات بمحاولة زعزعة الأمن والاستقرار، بعد أن يصبح من الهشاشة والقابلية للتحسس بمكان. إذا ما تمكنت هذه المجموعات المتمردة من القيام بدور مميز وحقيقي في التخلص من النظام، فما على الغرب إلا أن يقف موقف المتفرج، مع بعض التدخل كلما لزم الأمر. أقصى ما يحتاجه الأمر، هو تحريك بعض القطع العسكرية البحرية، أو التهديد بها.
إذا ما فشلت تلك الخطوات، قد يلجأ الغرب وحلفاؤه إلى التعاون والتعاضد لتوجيه ضربة عسكرية مباشرة؛ ثمة فيها قدر من المخاطرة والمجازفة. هذا ما قد يحدث في الحالة الإيرانية، حيث كافة الخطوات والإجراءات المضادة لم تتمكن من إحراز التقدم المطلوب لزحزحة النظام السياسي الإيراني عن مواقفه. عوامل نجاح المشروع الغربي في إيران موجودة، من حيث آثار الحصار والعزل الإعلامي والسياسي واحتمال تحريك القوى المناوئة في الداخل، أسوةً بما حدث في العراق وسوريا وليبيا.
ما بعد سقوط الأنظمة السياسية "سهلة السقوط"، قد يأتي دور القوى الدولية المتوسطة والكبيرة. تتمثل هذه القوى بالصين وروسيا وبعض القوى في أمريكا اللاتينية، كأهداف نهائية لمشروع السيطرة على السياسة الدولية. ورغم ضخامة قوتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، إلا أن عوامل إسقاطها لا تختلف كثيراً عن الدول والأنظمة التقليدية، التي اندثرت حتى الآن من الخريطة الجيو- سياسية الدولية.
574 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع