عبدالله حبه – موسكو
كتب الراهب نيستر اقدم مؤرخ روسي في اسفاره " كييف أم المدن الروسية ". وتوجد هذه العبارة اليوم محفورة على لوح من المرمر عند مدخل دير" بيتشورسكايا لافرا" احد اقدم الاديرة في كييف ذي الكهوف العجيبة تحت الارض.
كما يعتبر هذا الدير من اكثر الاماكن قدسية في الكنيسة الارثوذكسية الروسية. وقد شيد المدينة الروس القدامى في القرن السادس او السابع، واحتلها خاقانات دولة الخزر اليهودية ( قامت على سواحل بحر قزوين الحالي) وكانت تدفع لهم الجزية . لكن الامير اوليج حاكم نوفغورود، وهو من اسرة روريك التي يقال ان اصولها ترجع الى الفايكنغ في اسكندنافيا، دعا روريك لتولي منصب حاكم نوفغورود بعد ان دبت الخلافات بين امرائها حول من يتولى السلطة ، لكونه شخصية حيادية غريبة يمكن الاحتكامة اليه. وزحف روريك بجيشه على المدينة وحررها من سيطرة دولة الخزر التي اصابها الضعف والتفكك انذاك بسبب الخلافات الداخلية. واسس الامير اوليج دولة " كييفسكايا روس " التي قويت وتوسعت، وهاجم اوليج القسطنطينية واحتلها ووضع درعه عند بوابتها الرئيسية. ودانت له جميع مناطق جنوب اوكرانيا وروسيا. وفي عام 988، اعلن احد احفاده وهو الامير فلاديمير اعتناق المسيحية الارثوذكسية وغدت الدين الرسمي للدولة. وبقيت كييف خلال فترة طويلة عاصمة لأمراء روسيا القدامى ودولتهم القوية حتى وفاة الامير ياروسلاف الحكيم الذي اوصى قبل وفاته بان تقسم الدولة بين اولاده الخمسة. وحدث بعد ذلك ان دبت الخلافات بين الابناء وضعفت الدولة واستغلت الأمر قبائل السهوب ( بولوفتسي) الذين واصلوا الهجمات على المدن الروسية وسقطت كييف ودمرت واحرقت وزالت دولة"كييفسكايا روس " من الوجود في عام 1134 . واضطرت القبائل الروسية بعد تفكك دولتهم الى الهجرة الى شمال روسيا الحالية، ونشأت وتقوت المدن الروسية هناك ومنها نوفغورود وغاليتش وفلاديمير وموسكو. وبدأت الامارات الروسية التي تشكلت هناك بمسيرة التوحد في دولة موحدة مجددا، واستعيدت كييف مرة اخرى من سيطرة قبائل السهوب. لكن باطي حفيد جنكيز خان، هاجم في عام 1237 الاراضي الروسية من الشرق ودمر مدنها ومنها كييف في عام 1299 وفرض الجزية على اهاليها. واستمرت سيطرة المغول – التتار على روسيا طوال قرنين من الزمان.
وخلال هذه الفترة انقسمت القبائل السلافية القاطنة في اراضي روسيا القديمة الى مالايا روس ( روسيا الصغرى) وبيلوروس ( روسيا البيضاء) وفيليكايا روس ( روسيا الكبرى) طبقا للهجات القبائل السلافية القاطنة هناك. علما ان تسمية "مالايا روس" بقيت قيد الاستخدام في الاسفار التاريخية حتى القرن التاسع عشر حين ظهرت تسمية اوكرانيا. ان التسمية الصحيحة لها هي "اوكرايينا" ومعناها بالروسية "الاطراف" لانها تقع في اطراف الدولة الروسية، كما وجدت اطراف اخرى بهذا الاسم في الاورال وشمال روسيا. وقد انعزلت مناطق اوكرانيا الحالية عن بقية مناطق روسيا خلال فترة طويلة منذ الاحتلال المغولي و"الفترة المظلمة" حين استمرت الفتن والحروب الاهلية في روسيا. وادى هذا الانعزال الى حدوث تغيرات في العادات واللهجات وحتى المعتقدات الدينية بين الشرق والغرب، بالاخص بعد ان تعرضت اراضي غرب اوكرانيا وبيلوروسيا الى الاحتلال الليتواني في فترة 1316 – 1341 ومن ثم البولندي في فترة 1344 – 1345 . وادت قسوة النظام الاقطاعي البولندي الى قيام الفلاحين الاوكرانيين بثورات منها ثورة بقيادة الزعيم القوزاقي بوغدان خميلنيتسكي الذي حظي بدعم الامير اسلام الثالث غيري التتاري في القرم. وافلح خميلنيتسكي في احتلال كييف في عام 1648 وعقد اتفاقية صلح مع الملك البولندي يان الثاني كازيمير. لكن ملك بولندا خرق الاتفاقية في عام 1651 فاحتل كييف مجددا وضمها الى مملكته. وطلب الاوكرانيون مساعدة الامراء الروس ونشبت الحرب البولندية – الروسية التي دامت اكثر من عشر سنوات وانتهت بصلح اندرواس في عام 1667 الذي نص على ضم الاراضي الاوكرانية شرق نهر الدنبير الى روسيا وضم الاراضي غرب الدنيبر الى بولندا. وثبت الاتفاق مجددا في عام 1686 في عهد القيصر الكسي ميخايلوفيتش والد بطر س الاكبر.
وهنا بدأت محنة الشعب الاوكراني المقسم بين سلطة روسيا الارثوذوكسية وبولندا الكاثوليكية. فقد امر القيصر الروسي باتلاف جميع الكتب الكنسية باللغة البولندية في شرق اوكرانيا واستبدالها بكتب بطريركية موسكو . وفي فترة السيطرة البولندية فرضت اللغة البولندية وتعاليم الكنيسة الكاثوليكية على الاوكرانيين. وبمرور الاعوام، اصبح اهالي اوكرانيا غرب الدنيبر يتحدثون بلغة نصفها من التعابير البولندية. وكذا كان الحال في شرق الدنيبر حيث اندمج الاوكرانيون بالروس وانتشرت الزيجات المختلطة بينهم وتمسكوا بالارثوذكسية. لكن بولندا فقدت جنوب اوكرانيا وكييف في الحرب البولندية- العثمانية في 1672 - 1676 حين سيطر الاتراك على جنوب اوكرانيا ، وتدخلت روسيا وعقدت معاهدة مع السلطان العثماني في "بقجة سراي" تم بموجبها وضع القرم وزاروبوجيه تحت السيطرة العثمانية، بينما اصبحت كييف تحت سيطرة السلطة القيصرية الروسية.
وخلال هذه الفترة تنامت النزعة القومية لدى الاوكرانيين الذين استغلوا نشوب الحرب الروسية – السويدية 1700 – 1721، وقاموا بقيادة مازيبا بالانضمام الى الجيش السويدي . لكن السويديين هزموا في معركة بولتافا بقيادة بطرس الاكبر فهرب مازيبا الى اسطنبول مع رهط من جماعته. وهكذا فشلت محاولة تأسيس دولة اوكرانية، وبقيت مناطق شر ق وجنوب اوكرانيا تحت السيطرة القيصرية حتى نشوب الحرب العالمية الاولى اي من 1674 – 1917. علما ان القرم ضُمت الى روسيا في عام 1774 . وخلال هذه الفترة عمدت السلطة القيصرية الى "ترويس" هذه المناطق وشيدت مدن اوديسا وخيرسون ونقولايف وسيفاستوبول وماريوبل . واصبحت هذه المدن ذات طابع روسي تام. اما المناطق الغربية ولا سيما غاليسيا ولفوف فقد اصبحت تحت سيطرة النمسا وبروسيا. وقد شجعت السلطات النمساوية على نمو الحركة القومية الاوكرانية لمواجهة تنامي الحركة السلافية التي بدأت هناك على اساس وحدة الشعوب السلافية (الاوكراني و البيلاروسي والروسي) . وقمعت السلطات النمساوية الحركة السلافية بقسوة وادخلت 20 ألف اوكراني في السجون، واغلقت المنظمات والجمعيات التابعة للحركة السلافية. وشارك في القمع القوميون الاوكرانيون الذين انضموا الى اجهزة الامن والجيش كما حاربوا الجيش الروسي في الحرب العالمية الاولى.
واتيحت الفرصة لاوكرانيا لتحقيق الاستقلال فقط بعد قيام ثورة اكتوبر الاشتراكية في عام 1917، والتي اعلنت حق تقرير المصير للشعوب. وتشكلت جمهورية شعبية انضمت الى الاتحاد السوفيتي بعد تشكيله واصبح لها مقعد في هيئة الامم المتحدة على غرار بيلاروسيا. ولكن اوكرانيا الغربية بقيت ضمن بولندا التي احتلها الالمان عقب انهيار الامبراطورية النمساورية – المجرية في عام 1918. وقد رحب القوميون الاوكرانيون بالقوات الالمانية انذاك واسسوا دولة " اوكرانسكا ديرجافا" تحت سيطرة الالمان مع شئ من الحكم الذاتي. واعقب ذلك قيام الثورة الاشتراكية في المانيا واندلاع ثورة في غرب اوكرانيا بقيادة بتلورا. لكن في عام 1919 قامت بولندا بعد استعادة استقلالها بضم اراضي اوكرانيا الغر بية اليها بدعم من رومانيا وتشيكوسلوفاكيا، كما هاجمت الجيش الاحمر في اوكرانيا الشرقية . وفي عام 1921 ضمت اوكرانيا الغربية الى بولندا بموجب معاهدة ريجا في عام 1920.
لقد عمدت السلطة السوفيتية في البداية الى حماية الثقافة القومية للآوكرانيين، وسمحت بافتتاح المدارس لهم حيث الدراسة باللغة الاوكرانية. لكن في فترة القمع الستاليني بدأت من جديد حملة " روسنة " شرق اوكرانيا وحاربت النزعة القومية بتهمة " الشوفينية". ورد القوميون الاوكرانيون على ذلك بحملة ارهابية واسعة من اغتيالات وتفجيرات. وحدث الشئ ذاته في القسم الغربي حيث حظرت السلطات البولندية تعليم اللغة الاوكرانية في المدارس وقام الاوكرانيون بحملة ارهابية ضد البولنديين . وقد ادانت عصبة الامم آنذاك افعال الحكومة البولندية حيال الاوكرانيين وطالبت بمنح الاوكرانيين حقوقهم القومية. ولكن بلا فائدة.
في فترة الحرب العالمية الثانية استولت القوات الالمانية على جميع اوكرانيا وانضم القوميون في القسم الغربي الى القوات الالمانية في محاربة الجيش الاحمر وقمع الاهالي الموالين للسلطة السوفيتية. لكن السلطت الهتلرية رفضت طلب الاوكرانيين بتأسيس دولة خاصة لهم وزجدت بزعيمهم ستيبان باندير في السجن. اما الاوكرانيون في شرق وجنوب اوكرانيا فقد انضموا الى حركة المقاومة ضد الجيش الالماني النازي. وبعد هزيمة النازيين في الحرب العالمية الثانية اصبحت اوكرانيا كلها بعد تحريرها في عام 1944 ضمن الاتحاد السوفيتي . وقد اصاب جمهورية اوكرانيا الاشتراكية السوفيتية الخراب في الحرب وفقدت 5 ملايين شخص من ابنائها. ومارست خلال الفترة حتى سقوط الاتحاد السوفيتي تأثيرا كبيرا في سياسة الدولة السوفيتية، وكان الكثير من قادتها مثل خروشوف وبودغورني وبريجنيف على رأس الدولة السوفيتية خلال فترة طويلة، وعلماء كبار مثل سرغيه موروليوف عالم الفضاء السوفييتي.
والآن بعد ان اصبحت اوكرانيا دولة مستقلة تماما في عام 1991 واجهت منذ اعلان الاستقلال المشاكل الداخلية بنتيجة تصادم اتجاهات اهالي الاقاليم الشرقية والغربية. فالاوكرانيون في الغرب يميلون الى الاتحاد الاوروبي ويريدون الانضمام اليه والى حلف الناتو بأسرع وقت . انهم لقوا ويلقون التشجيع القوي من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي . وتدفقت من هناك مليارات الدولارات لدعم "الثورة البرتقالية" على الرئيس كوتشما ثاني الرؤساء الاوكرانيين الذي حاول الموازنة بين التيارين الشرقي والغربي، وتم اقصاؤه بطريقة غير ديمقراطية وسط تهليل الغرب. واليوم تم اقصاء الرئيس الرابع فكتور يانوكوفيتش بصورة غير ديمقراطية بالاستيلاء على مؤسسات الدولة وثكنات الحيش بالقوة وحتى باستخدام السلاح في ساحة " ميدان" في وسط العاصمة كييف مع سقوط مئات الضحايا ، في ظل ترحيب الدول الغربية بما يحدث والتي نسيت شعارات الديمقراطية وحقوق الانسان وهلمجرا. وجرى كل شئ بحضور وزراء خارجية بولندا والمانيا وفرنسا في كييف. علما ان الرئيس الثالث فكتور يوشينكو لقي في حينه المشاكل من جانب الاوكرانيين في الشرق والغرب على حد سواء لكونه لم ياخذ بنظر الاعتبار مصالح اصحاب المصانع الضخمة ورجال الاعمال في دونيتسك وزابوروجيه وخاركوف. بينما وجد السكان الروس في جنوب وشرق اوكرانيا وعددهم يتجاوز 10 ملايين شخص انفسهم مظلومين حيث لم تمنح اللغة الروسية وضع لغة رسمية وتم اغلاق المدارس الروسية والجمعيات الثقافية والاجتماعية الروسية . زد على ذلك ان الكنيسة الاوكرانية في الغرب اعلنت انفصالها عن بطريركية موسكو واصبحت تحت رعاية بابا روما رئيس الكنسية الكاثوليكية. وشن القوميون الهجمات على الكنائس التابعة الى بطريركية موسكو بهدف السيطرة عليها واتدوا على القسس والرهبان وطردوهم من المعابد والاديرة.
ان الرئيس المخلوع يانوكوفيتش حاول الموازنة بين الشرق والغرب ايضا واراد القيام باصلاحات اقتصادية، لكنه لم يكن ذلك الرجل الحازم الذي يمضي الى تحقيق اهدافه بلا هوادة . ولم يلق بالا الى تفشي الفساد والرشوة وتدهور الوضع المعيشي للسكان . علما ان مثل هذه الامور السلبية غالبا ما تكون العامل الحاسم في سقوط الانظمة في كافة البلدان. وعندما حاول الرئيس اجراء الاصلاحات الاقتصادية وجد امامه خزانة فارغة. فطلب المساعدة المالية من الغرب، ووعد بالانضمام الى الاتحاد الاوروبي وتشكيل سوق حرة معه بتوقيع اتفاقية الانتساب الى الاتحاد . لكن الغرب فرض عليه شروطا كثيرة منها اطلاق سراح رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشينكو التي حكم عليها بالسجن بتهمة الفساد، وتعديل القوانين التي تمنع الدعاية للشذوذ الجنسي وفتح الاسواق الاوكرانية امام السلع الغربية، والاهم من كل هذا وذاك الابتعاد عن روسيا. لكن اصحاب المصانع في اوكرانيا واكثرها في جنوب وشرق البلاد، وهم من اعضاء حزب الرئيس " حزب الاقاليم" عارضوا ذلك بشدة، لأن معنى ذلك اغلاق مصانعهم وتفشي البطالة وما ينجم عن ذلك من مشاكل اجتماعية. كما طلب الرئيس الاوكراني قروضا من صندوق الدولي الذي فرض عليه شروطا اخرى. وعندئذ توجه الى روسيا التي وافقت على منحه قرضا بمبلغ 14 مليار دولار وعلى تخفيض ثمن الغاز المصدر الى اوكرانيا . ويؤكد الجانب الروسي ان الهدف من المعونة مساعدة الشعب الاوكراني الشقيق في تجاوز الازمة الاقتصادية الخانقة. وأكد بوتين ان التعامل مع اوكرانيا سيتم على أساس براجماتي بما يضمن مصلحة الطرفين.
ولكن لا يخفى على احد ان وراء ذلك تكمن عوامل جيوسياسية . فالغرب يريد ابعاد اوكرانيا عن روسيا نهائيا، كما حاول ذلك من قبل مع بيلاروسيا لكنه فشل . لاسيما وان اوكرانيا دولة كبيرة المساحة وعدد سكانها حوالي 45 مليون نسمة و ان حوالي 10 مليون نسمة هم من الروس . ويشكل الروس 97% من سكان القرم و93% من سكان مقاطعة دونيتسك و85 % من سكان اوديسا وهلمجرا. وقد هددت ادارة جمهورية القرم ذات الحكم الذاتي بالانفصال عن اوكرانيا باعتبارها منطقة روسية اهداها خروشوف الاوكراني الى جمهوريته في عام 1954. واذا ما انضمت اوكرانيا الى الاتحاد الاوروبي فستكون جمهورية القرم الخاسرة قبل غيرها. علما بانه يرابط هناك حتى الآن اسطول البحر الاسود الروسي الذي يستأجر القاعدة البحرية السوفيتية السابقة في سيفاستوبول . ولا يمكن لروسيا أن تتجاهل اقامة قواعد حربية امريكية بالقرب منها في رومانيا وبولندا وبلغاريا، فمثل هذه القواعد لا تقام لغرض التسلية. ولهذا فانها تتخذ موقف الحذر وتعمل على تقوية قدراتها العسكرية من جانب، والحيلولة دون اقتراب حلف الناتو من حدودها عن طريق اوكرانيا في هذه المرة.
ان الدول الغربية تحاول اقصاء روسيا عن سواحل البحر الاسود، بحيث لن يتبقى لها في حالة ضم اوكرانيا الى نفوذ الغرب سوء شريط صغير لا يتجاوز عدة كيلومترات عند ميناء نوفوروسييسك الروسي حيث تشيد حاليا القاعدة البحرية الجديدة للاسطول بعد نقله من القرم. وبهذا يصبح البحر الاسود بحيرة تابعة لحلف الناتو حيث يوجد من الجنوب تركيا ومن الغرب رومانيا وبلغاريا، وتأتي الى موانئها السفن الحربية لحلف الناتو باستمرار.
إنه من الصعب التكهن بما ستكون عليه الاحداث القادمة. فالصراع الحالي في اوكرانيا، مهما كان المنتصر، لن يقود الى حل القضية الاوكرانية المتشابكة جدا. فقد ينتصر اليوم هذا الطرف (غرب اوكرانيا) وبعد عدة اعوام سينتفض الطرف الآخر(شرق اوكرانيا) مطالبا بحقوقه. ويمكن القول ان اوكرانيا التي تواجه اليوم خطر الانقسام، فهي تتألف من شعبين لهما خلفية تأريخية واساليب تفكير وثقافة متباينة. وربما ان الحل الوحيد ان يعترف كل طرف بحقوق الآخر وكذلك بحقوق الروس من مواطني البلاد، وان توقف الدول الاخرى تدخلها في الشأن الاوكراني ولاسيما بولندا الحالمة في بسط نفوذها هناك مجددا وكذلك جمهوريات البلطيق والمانيا ودول الناتو عموما. لكن هذا يتطلب طبعا توفر سلطة قوية في البلاد.
لقد وقفت اوكرانيا قبل ايام على حافة الحرب الاهلية. ووجد الرئيس الضعيف الارادة نفسه بلا دعم فترك الساحة من اجل ان يقوم القوميون بانقلابهم ضد سلطته بشكل غير دستوري واضطر لمغادرة القصر الجمهوري الى مدينته خاركوف حيث يوجد انصاره . وقرر البرلمان تعيين رئيس آخر مؤقتا ينتمي الى المعارضة مكانه والاعلان عن اجراء الانتخابات الرئاسية في أيار القادم . والطريف ان العشرات من النواب اعضاء حزب الاقاليم قرروا الانضمام الى المعارضة مما سهل على المعارضة الراديكالية تمرير جميع القوانين التي تريدها، ومنها اقصاء الرئيس عن منصبه والافراج عن المليونيرة يوليا تيوشينكو من السجن ( والتي يلقبها الناس في شوارع كييف باللصة رقم 1، والتي اعلنت فورا انها سترشح نفسها للرئاسة القادمة. اما الاتحاد الاوروبي فقد اعلن انه يعد العدة لضم اوكرانيا الى اتفاقية الانتساب اليه.
أما الجيش الاوكراني الضعيف جدا، فقد اعلن انه لا يتدخل في الصراع السياسي الداخلي وحتى سمح للمتطرفين بالاستيلاء على سلاحه ، وكذلك فعلت اجهزة الامن. اما الاغلبية الصامتة في المجتمع فهي تنتظر – كما فعل بعض النواب –اعلان من ينتصر لكي تنضم اليه. انها لاتهتم بمن سيأتي الى السلطة لانها تعرف مقدما ان الاوضاع المعيشية لن تتحسن، ويكفي ان تصون حياتها من القتل وبيوتها من الدمار اذا لم تنشب الحرب الاهلية. انها مثل الاغلبية الصامتة في جميع البلدان. لكنها طبعا تدفع في كافة الاحوال ثمن سكوتها. ان الازمة الاوكرانية هي مأساة شعبين في الواقع ولو انهما يسميان الشعب الاوكراني.
23/2/2014
502 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع