العدالة: مدخلها معالجة الظلم

                                       

                                             د. علي محمد فخرو

اذا أردنا في كل بلاد العرب التعامل مع أحد أهم الموضوعات في الحياة السياسية العربية الحالية، موضوع العدالة، فان المدخل يجب أن يجيب عن السؤال التالي: هل القضية الملحة الممكنة البدء بعلاجها في الحال هي الوصول الى العدالة أم أنها الابتعاد السريع الممكن عن المظالم؟

السؤال ليس أكاديميا نظريا، وليس فيه تناقض كما يبدو، اذ ان له انعكاسات عملية في الواقع. ذلك أن الوصول الى العدالة هو الوصول الى وضع مثالي مختلف حول الكثير من تفاصيله وشروطه والمعايير التي تحكمه. انه موضوع اختلف من حوله الفلاسفة والمفكرون الاصلاحيون وهو بالتالي لايزال في طور التكون. ومع ذلك فأيا تكون صورته النهائية فانه يقبع في مستقبل الانسانية البعيد وسيحتاج تحققه لزمن طويل وتضحيات جسام.

أما موضوع رفع المظالم، وهو أحد الطرق العملية المقربة من العدالة، فانه مغموس في الواقع السياسي، مرتبط بالحياة اليومية لأعداد كبيرة من المواطنين الذين يعانون الأمرين من تواجد تأثيراته، وهو بالتالي موضوع قابل للدخول في خطوات علاجه في الحال.

سيخطر على البال في الحال سؤال ملح: هل في طرح موضوع العدالة بهذا الشكل فائدة أم أن هذا الطرح سيؤدي الى تمييع موضوع العدالة؟ والجواب هو أن هناك فائدة كبيرة من جعل موضوع مقاومة الظلم ورفع المظالم ودحر الظالمين موضوعا مستقلا بذاته في جدول أعمال الحياة السياسية العربية الحالية. ان طرحه كبند أساسي دائم في قائمة مطالب ثورات وحراكات الربيع العربي سيؤدي في الحال الى التفكير في الأولويات على المستويين الوطني والقومي، والتركيز على الأهم قبل المهم، وتعرية السياسات والممارسات التي تقود الى ترسيخ وزيادة المظالم، وزيادة القدرة على حشد الجماهير المعنية على الأخص للنضال ضد مظالم محددة تكتوي تلك الجماهير بنارها.

بل ومن المنتظر أن تنشط مراكز البحوث لا لتوصيف المظالم فحسب وانما التعمق فيما تقود اليه من تأثيرات نفسية وسلوكية وذهنية وروحية على المواطن العربي مما يجعله عاجزا عن الاسهام الفعال في أي مشروع تنموي نهضوي انساني.

من هنا فان طرح بند معالجة المظالم التاريخية، التي بنيت عبر القرون على أسس دينية أو مذهبية طائفية أو قبلية أو عرقية أوثقافية، يجب أن يحظى بالأولوية، وأن تؤخذ الخطوات الأولى التصحيحية في الحال. ذلك أن تأجيل مواجهة تلك المظالم سيبقي على وسيزيد من الانقسامات والصراعات المجتمعية في بلاد العرب كلها، والتي تهدد بتجزيئ أو زوال بعض الدول العربية، والتي تستغلها بانتهازية بعض الدوائر الأجنبية الخارجية للتدخل الامبريالي والصهيوني السافر في الحياة العربية.

ازاء تلك المظالم لا يكفي الحديث عن المساواة والمواطنة والديموقراطية وغيرها من الشعارات الضرورية والمهمة بالطبع، ولكن النظرية والمبهمة في أذهان المواطنين العاديين، وانما المطلوب تسمية الأمور بمسمياتها ومواجهتها حسب حقائقها واحصائياتها وفواجعها.

وبالطبع فان اعطاء أولوية خاصة لتلك المظالم، بسبب الجحيم الذي تعيشه الأمة العربية حاليا، لا يعني تناسي المظالم الآخرى الكبرى من مثل الفحش في توزيع ثروات وخيرات الوطن، وعدم المساواة في وسائل بناء القدرات والامكانيات لكل المواطنين، بمن فيهم المرأة، من خلال الصحة والتعليم والسكن وفرص العمل والأجور، الأمر الذي يؤدي الى عدم تساوي الفرص الحياتية بين المواطنين.

القائمة طويلة والظلم متجذر في أرض العرب والظالمون يرتعون بلا حساب أو رقيب والأبواق المبررة الداعمة للظلم والظالمين كثيرة.

رسم صورة العدالة، فهما وتحديدا وأهدافا، سيكون أسهل وأكثر واقعية من خلال رسم ومواجهة ماهو ضدها وهو الظلم. وفي الدين الاسلامي، القابع في روح ونسيج الثقافة العربية، لا يقتصر الحديث عن العدل والقسط والميزان، بل تنبث في أرجاء قرآنه واحاديثه النبوية عدم الرضى الالهي عن قسوة وبشاعة وعدم انسانية كل ظلم وكل ظالم.

في الحياة السياسية العربية بند الظلم يجب أن يقف موازيا مواجها لبند العدالة.

 

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

510 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع