أكد الفنان العراقي الكبير "حسين نعمة" أن بعض الجهات في مدينته الجنوبية (الناصرية) منعته من الغناء فيها، معرباً عن أسفه لذلك، وأوضح أنه لا يؤمن بتصوير الأغاني على طريقة الفيديو كليب، لانها حسب رأيه ضحك على الذقون، وإعترف بأنه لولا الخمر لكان نجماً عربياً وفي القمة.
إيلاف/ عبدالجبار العتابي/بغداد: في حوار موسع مع المطرب العراقي الكبير حسين نعمة مع (ايلاف) إعترف أنه وأبناء جيله من المطربين السبعينيين كسالى، معللاً هذا الكسل بقضية الإنتاج وبالسباحة ضد تيار الموجة الجديدة من الأغاني الهابطة، مشيراً إلى أنه في أسوأ حالاته النفسية وأسوأ حالات الإحباط غنى أغنيته الأشهر (يا حريمة) عام 1972، والتي تعد من روائع الغناء العراقي، مشدداً على أن الإحباط يخلق حالتين، إما أن ينهي الفنان، أو يجعله يتحدى ويقدم الافضل، وأوضح أنه يعترف بأن الخمر كان سبباً في بقاء شهرته بحدود المحلية، بينما كان من الممكن أن يكون نجماً عربياً في القمة ، مؤكداً على أن الفنان كاظم الساهر إستفاد من أخطاء الآخرين فصار نجماً عربياً يفتخر به.
وإليكم التفاصيل:
* سنسألك أولاً عن حادثة منعك من الغناء في مدينتك الناصرية في أعياد نوروز الماضية .. ما مدى صحة ذلك الخبر؟
- رغم كل شيء إلا أن عشقي وحبي لمدينتي يجعلني أرى وميضاً من الأمل لهذه المدينة الطيبة الخيرة التي أعطت للعراق أجمل الإبداعات في مجال الفن التشكيلي، والموسيقى، والمسرح، وحتى في السياسة والدين، ومن لا يعرف مصطفى جمال الدين، ويوسف سلمان فهد، وغيرهما الكثير.
وفي حقيقة الأمر حدث أنني إتفقت للغناء خلال أعياد الربيع والتي تتزامن مع إحتفالات العراقيين بعيد الأم على الغناء في مطعم لبناني، وكانت الاسر العراقية تملأ كورنيش المدينة، وكان هناك إعلان لي بأنني في هذا اليوم سأغني في مطعم يديره طاقم لبناني، وكنت سعيد جداً ، خصوصاً وأنني إتفقت على إحياء الحفل مقابل رقم كبير وإدارة المطعم وافقت فوراً.
وبالفعل حجز أبناء مدينة الناصرية لحضور هذا الحفل بحيث أن التذاكر نفذت وإعتذرت إدارة المطعم للناس لعدم وجود أماكن شاغرة، وكان هذا شيء جميل، ولكن للأسف تم إبلاغ إدارة المطعم من قبل جهة معينة أن هذه الحفلة ممنوعة !!!
وعندما إستفهموا من هذه الجهة عن الأسباب كان الرد: لدينا معلومات .. أنه سيتم تفجير المطعم يوم غد !!! ولأجل الحفاظ على أرواح الناس يجب أن يؤجل الحفل أو يلغى، فإتصلت الإدارة بي وطلبت حضوري للتفاهم معهم، وأخبروني بما جرى، فقلت لهم: ليس بيدي شيء إن كانت هنالك جهات أمنية أو رسمية أبلغتكم بذلك، وأنا لست طرفاً في القضية، وفي اليوم التالي .. بالفعل، في وقت الغروب، تم وضع عبوة ناسفة في سيارة صاحب المطعم المتوقفة أمام المطعم فتفجرت السيارة، والكارثة .. أن الشخص الذي وضع العبوة تم تصويره بوضوح، فهناك كاميرات مراقبة، أي أن الذي وضع العبوة تم التعرف عليه، وللأسف .. لا أعرف كيف ستحل القضية، لا أعرف الجهة التي كانت وراء هذا الفعل، وهل ستغلق القضية أم ستتم معاقبة الفاعل وغلإعلان عن هويته؟
لكنني في المحصلة تألمت، لأن ومضة الأمل هذه لمدينتي قتلت في مهدها، وأنا شبه معتزل، ومن ثم ليس عيبا ً إن صرحت بأنني كنت بحاجة لهذا المبلغ، فأنا لست تاجراً ولا مقاولاً ولا مستثمراً ، أنا رجل يحيا على راتب بسيط، هذه الحالة آلمتني مثلما آلمت الكثير من ابناء المدينة، فلمنجد في بغداد مطاعم وسهر حتى الصباح، بينما الناصرية ممنوع عليها هذا؟ هل نحن دولة داخل دولة؟
لذا أتمنى من هذه الجهات العراقية ولأقل (الخيرة) أن تتنبه لمثل هذه الأمور، وألا يضغطوا على حرية الاخرين، لأن رب العالمين منحنا الحرية، والحساب يوم الحساب، ولكن ليس معنى الحرية التجاوز على الآخر أو أذية الآخرين، الحرية لها حدود ، وأدعو الله أن يهدي الجميع.
* لننتقل للحديث عن جديدك حالياً ، ما هو ؟
- هناك ألبوم جديد ضمن مشروع بغداد عاصمة للثقافة العربية، وأنا مقل، ولا يهمني عدد الأغاني بقدر نوعيتها، وخذ مثلا أغنية (بيّن عليّ الكبر) جعلتني أستعيد مجدي السبعيني، عندي أغاني بمستوى ذكائي الفني ومستوى فهمي لذوق الناس، وسأقدم اغنية من اللون البدوي لأول مرة مطلعها يقول: (يا حسرة تغلي حشايب لهبها، غلي الدلال مناطرات الضيوف/ يوم سرى ضعن التي قلبي حبها/ وتوشحت القلب بضمير عطوف/ وصلت الشمس عند المغيب/ وتلبس الليل ثوبا جديد)، وهي من الحان عباس ضاري الذي لحن لي اغنية (بين علي الكبر) خريج اكاديمية الفنون الجميلة، عازف عود جيد، وهو ملحن جيد يذكرني بطالب القره غولي في بداياته، ولديّ اغنية من الحان طالب القره غولي جديدة كلمات عادل عبد الكريم مطلعها (نفس الشعور ونفس الاحساس/ ونفس الحنين اليجمع الناس/ حسيت روحي اتطير يمك، ودقات قلبي تغني باسمك / والحب عرفته شلون ينقاس) ، وهي اغنية ترفة وليس فيها تهريج ولا فوضى.
* كيف يمكن تصوير هذه الاغاني تلفزيونياً؟
- التصوير مسألة أخرى، سنفكر فيه بعد أن يطرح الألبوم، وبالمناسبة أنا مقل بتصوير الاغاني، فلا أصور أكثر من أغنيتين أو ثلاثة ليتم التركيز عليها جيداً، وما زلت لم أختر الجهة التي ستصور لي، ولن أعتمد على (الفيديو كليب) لأنني لا أؤمن به.
* لم أنت ناقم على الفيديو كليب؟
- لأنني أعتبره غش، أو ضحك على ذقون الناس، وأنا لست ضده، ولكن يجب أن يكون معتدلاً، فلا يجب ان نلغي الأذن ونركز على العين، ام كلثوم كانت تقف على المسرح وبيدها المنديل والناس تطرب لها، اذن .. الفيديو كليب يجعل المشاهد لا يسمع الاغنية بل تجعله يتيه مع المغريات والرقص الماجن، ولا اعتبر هذا غناء
* هل ستعتمد على قناة فضائية او جهة معينة لتصويرها؟
- لا اعرف الى حد الان، ربما قناة او ربما على حسابي الخاص او ربما جهة انتاجية ، الشغلة ليست سهلة ، ولكن المهم انني اريد للتصوير أن يكون بسيطاً جداً، ولا يعني هذا انه سيكون من اجل تمشية اموري ، لا .. فربما تظهر اغنية بسيطة افضل بكثير من اغنية تأخذ وقتاً طويلاً وتخسر عليها مالاً، ومن ثم تخرج بشكل فوضوي، ولا تعطيك الإحساس البسيط المعبر، وان تصور بطريقة ذكية ، انا عندي اهم شيء ذكاء المخرج.
* يتهمك البعض -أنت وأبناء جيلك- بالكسل، ما رأيك؟
- نحن كسالى.. نعم، ولكن الكسل له مسببات، أولا : قضية الإنتاج، وثانياً: يشعر الفنان السبعيني انه يسبح ضد التيار ولا يواكب الموجة، وبالمناسبة انكشفت اللعبة الان وصارت الناس تميل الى الاغنية الطربية، فأنا اعترف انني في يوم من الايام اصابني الاحباط ، عندما كنت اسمع هذه الاغاني الخفيفة والسريعة ، وكنت اعتقد ان هؤلاء صح، لكنهم ليسوا الصح، بل انهم ضحايا للعبة ومؤامرة لها خطوط ربما مخابراتية ايضاً، لتشويه الذوق العام للعرب وللشرق الاوسط، والا اين عبد والوهاب، واين فريد الاطرش، واين داخل حسن، ويوسف عمر، واين فيروز واين نجاة الصغيرة ، اين الغناء الملتزم ، عبد الوهاب عندما تسمعه في الليل يغني (الليل لما خلي) ، او في الصباح عندما تسمع فيروز ، او ذاك الصوت الذي كأنه شلال لنجاة الصغيرة او حضيري ابو عزيز حين يغني (عمي يا بياع الورد) ، المطربون كانوا يعدون على اصابع اليد ، انا لا اتحدث القلة والكثرة او ما شابه ذلك، بل عن المطرب الذي يترك بصمة وله قيمة، وتأثير على المستمع.
فحين اغني اما ان أشدك عاطفيا وأحرك فيك مشاعرك او ازعجك، الجانب الابداعي الذي يثير فيك الشجون هو الصحيح، هو هذا الابداع، في اللون الغنائي، على المسرح، وفي القصيدة ... من الممكن ان تسمع عن شاعر كبير ويتحدث عن التفعيلة والاوزان والقافية وقصيدته (باهتة) او (ماسخة) كما في التعبير الشعبي الدار .
* إتهام اخر للجيل السبعيني انهم يختبؤون خلف اسمائهم، خلف اغانيهم القديمة وما قدموه في السابق، بم ترد ؟
- ربما ..، انا اعترفت اننا كسولين ، وربما نحن متعكزون على ما قدمناه، اما حالة التطور حين يقال اننا لم نطور انفسنا ، لا يوجد شيء اسمه تطور، ولكن من الممكن ان اقول لك معناه ، عبد الحليم حافظ غنى (صافيني مرة) وغنى (قارئة الفنجان) ، اذن .. هناك بيئة وهناك زمن وهناك ذوق وهناك تلقي وحالة رفض ، المطرب او الفنان الذكي في كل مجالات الفن ، يجب ان يعرف (ان لكل زمان دولة ورجال) ، اي .. ان يعرف انني لو غنيت اغنية (جاوبني تدري الوكت) الان، ربما لا تجد قبولاً، ولكنها محبوبة لانها مرابطة لتاريخ الانسان، ولذلك الفنان الشاطر هو الذي يعرف كيف يختار النص اولا ومن ثم اللحن، بحيث هو مطمئن لنجاح هذه الاغنية، بمعنى نحن لا نتحدث عن التجديد لمجرد التجديد ، لا .. لان سايكولوجية الانسان في هذا الوقت تختلف عن سايكولوجيته قبل 30 او 40 سنة ، هناك حالة نفسية للانسان ليتقبل هذا ولا يتقبل ذاك ، اما الان الناس عندما تقبلت الاغاني الخفيفة -وليس بودي ان اذكر اسماء اغاني كي لا اجرح المطربين فهم اولادنا ، ولان الفنان علاء سعد ميت (الله يرحمه) سأشير الى اغنيته (البرتقالة) ، فلا اريد أن اوجه انتقاداً للاحياء- برأيي هذا ليس فناً ولا عطاء ، هذا المطرب الشاب يفكر فقط كيف تشتهر اغنيته ، ليتمكن من الغناء في المرابع الليلية ، وكيف يحصل على الفلوس ليكون ثرياً بغض النظر عن مستوى الفن الذي يقدمه، اذن .. اين الرسالة وأين المبدأ.
* هل يشيخ صوت المطرب ؟
- هناك من يشيخ ، وهناك لا ، صوتي لم يشخ، واحمد الله واشكره ، وهذا ليس مديحا لذاتي، بقدر ما هو حقيقة اشعر بها، أعطيك مثل صوتي كضابط في الجيش، بدأ من الكلية العسكرية، ثم صار ضابط بنجمة واحدة، ثم بنجمتين، والان صوتي بمرتبة لواء او فريق، اي انني وصلت الى مرحلة شعرت بها انني متمكن، بمعنى عندما اصعد على المسرح اؤدي بشكل جيد، وقبل مدة غنيت في حفلة بدولة قطر، اذهلت الموجودين، حتى أنا لم اصدق نفسي وكيف غنيت، بينما عندما غنيت ضمن فعاليات افتتاح بغداد عاصمة للثقافة العربية ، لم اكن راضيا عن نفسي، اولا لانني كنت مريضاً وثانياً لأنني كنت منزعجاً لانهم طلبوا مني ان اغني اغنية واحدة ، كيف هذا ؟ بينما انا عملت (بروفات) على خمس اغنيات ، اعترف انني لم اغنّ بشكل حلو ، والاعتراف بالخطأ فضيلة .
* الاحباط .. الذي داهمك ذات يوم، هل كان قاتلاً ام كان حافزاً لتقديم الافضل؟
- وهل غير الاحباط يدمر الفنان .. يا اخي، الاحباط يخلق حالتين ، اما ان ينهي الفنان وهذا ضعف منه ، او يجعله يتحدى ويقدم الافضل .
* متى اصابك اليأس وشعرت أن حسين نعمة لم يبق له شيء ؟
- انا في اسوأ حالاتي النفسية وأسوأ حالات الاحباط غنيت اغنيتي (يا حريمة) ، عام 1972 ، كان هناك احباط شخصي ، ولا اريد ان افضح خصوصياتي ، ولكن من الممكن ان اقول انني عشت حياة لاتليق بفلسفتي، ولا بمبادئي، ولا بافكاري، سببت لي نوعا من الالم والندم، وبدلاً من أن ادمن على الخمر، او ربما انتحر او حتى اصاب بالجنون ، انعكست الحالة عندي إبداعاً فغنيت (يا حريمة) وغنيت (رديت وجدامي تخط) .
* هل يعني انك قدمت هاتين الاغنيتين متعمداً بسبب ظروفك النفسية؟
- لا .. بل كنت محظوظاً ، فقد جاءت هاتان الاغنيتان في وقت كنت اتمنى فيه ان اغني هكذا اغاني ، واية مصادفة كانت ، كاتب الاغنية ناظم السماوي كان في وضع مؤلم جداً، والملحن محمد جواد اموري كانت زوجته قد توفيت للتو ، وكنت انا في قمة المعاناة ، فتكاملنا نحن الثلاثة ، فغنيت (يا حريمة) .
* هذا يدفعني لأسألك: هل لو انك كنت سعيداً ومرتاحاً ما كنت لتؤدي الاغنية بالجمال الذي ظهرت عليه ؟
- ربما اغنيها بشكل جيد ، وربما .. لا ، لان السعادة احيانا لا تساعدك على الإبداع ، بينما الفن يولد من رحم المعاناة ، ولا اقصد هنا المعاناة.
وهناك سعادة تدفعك للعطاء، وهناك سعادة تجعلك بليداً، يعني تتوقف مشاعرك، فأنا مثلا عندما أود ان ارسم... ان لم يكن عندي استعداد ذهني... والموسيقى دائرة وأنا منسجم معها.. لا يخرج مني شيء.
وفي البيت، عندما ادخل الغاليري -يعرفون طبيعتي- فلا يقترب مني احد، بمعنى أنني اعيش حالة تجلي، ولاول مرة أقول بأنني رسمت اغنية (يا حريمة) .
* كيف رسمتها ، هل تطلعنا على تفاصيل اللوحة؟
- هي لوحة كبيرة جداً .. رسمتها ولا يمكن أن أعرضها أو أبيعها ولا أهديها حتى، لانني وضعت فيها معظم جوانب حياتي، ابتداء من اسماء الاغاني الى اسماء الملحنين، كتبت كلمة (يا.. حريمة، يا.. نجمة، ياكمر ) ورسمت نخلة وسمكة و(مصيادة) وكتبت اسماء اصدقاء طفولتي، وهناك اشياء في حياتي مثل اسم (مسموطة) وهو السمك اليابس، كتبت (تولة) الذي هو نبات الخباز، كتبت اسم جدي ابو امي (سيد فريح) لانه الذي رباني فلا انساه، كتبت (الموحية) وهي منطقة جميلة ابعد من (الشطرة) وكنت صورت فيها اغنية (وياك بابا خذني) ، كتبت بعض الشخوص المهمة التي تشبه (جحا) مثل (قدوري وكاظم عريبي) ، وهناك اسماء فلكلورية مثل (الكوح) ،وهناك سفرة مدرسية ومدرسة الشرقية التي درست فيها، و (المعلم كريم) القاسي الذي كان يؤذينا ونحن اطفال، لا انساه، طالب شكراغ لا انساه ، كان قاسيا ايضا ، ومدير مدرستنا (قاسم نادر افندي) الله يرحمه ، كان عرابي او الشخص الذي اقتدي به ، فلم اترك شيئا حتى (القصاب خانة) وقد كان ابي قصاباً.
* بصراحة .. هل تشعر بالندم لانك لم تعمل لتكون مطرباً خارج حدود المحلية؟
- اكيد .. اكيد ..، انا باللهجة العامية يمكنك أن تصفني بالـ (مگرود) أي (مسكين)، ولا اقول مغفل وأشتم روحي، انا (مگرود) وعيبي انني متواضع، نجحت في العراق والخليج .. فإكتفيت ، وهذا غلط ، ولو انني غنيت في سورية ولبنان ومصر في بداياتي، لا اقول لك بأنني سأكون مثل كاظم الساهر .. بل قمة، وهذا الخطأ الذي اندم عليه لان العمر لا يعود للوراء، ثم انني لم أسلم نفسي بيد امين ، مثلاً الرجل الذي يقوم بمهمة مدير اعمالي (عادل) طيب ووفي، ولكن في الوقت نفسه لديه سلبيات، انا حاد الطبع وهو كذلك، فيحدث بيننا شيء ما غير جيد، والمفروض ان نكون (سالب وموجب) ، لكنه بعد ثلاث او اربع دقائق ينسى ولا يزعل ، وكل انسان عندما يكون حاداً فهذا دليل على طيبته، فالذي يمثل البرود احذره لانه ليس نقياً، ولو كان عادل معي في بداياتي لأصبحت في القمة، لأنه وفي ومخلص ويسعى الى كل شيء فيه نجاح لي .
* هل يعني هذا أنكم في بداياتكم كان هناك مدراء أعمال لكم؟
- سأخبرك قصة: في احد الايام من عام 1971 كنت داخل مبنى الاذاعة والتلفزيون ، اخبروني ان شخصا ينتظرني في الباب، ذهبت اليه ورأيته ، للطرافة كنت اعتقده الاستاذ كامل الدباغ الذي كان وقتها يقدم برنامج (العلم للجميع) كان نسخة طبق الاصل منه ، جلسنا في المقهى المقابل لمبنى الاذاعة ، فسألني : هل من الممكن ان ننتقل الى مكان اخر ؟
كنت في حينها كنت اتردد على فندق بشارع ابو نؤاس ، فذهبنا الى هناك وجلسنا في المطعم - ولا اعرف اذا ما كان هذا عيبا أم لا ، وانا صريح دائما ولا اخشى لومة لائم ، لانني لا اخاف ولا اخشى الا من رب العلمين -كنت حينها (اشرب الخمر) على عكس الان ... فقد تركت الشرب والتدخين ليس لسبب ما الا لانني احسست ان الشرب يؤثر على صحتي وعلى جيبي وعلى كرامتي ، وأنصح كل واحد الان الا يشرب !!!
لست معقداً ولا متطرفاً ولكن أقول هذا من واقع تجربتي .. وربما يكون هذا الأمر من المسببات التي اخرتني، هي الشرب، حيث شربت بقهر ، وبضيم ...
ويعود ليكمل القصة: جلسنا في المكان وعلى الفور ناديت على النادل وطلبت منه (ربع ويسكي) ، وفجأة .. سمعته يقول لي (هاي شنو) ماذا تفعل ؟ قلت له : ماذا ؟ ، قال : انت فنان كبير غنيت (يا نجمة ونخل السماوة وكذا وكذا) ، انا لا اقول لك الا تشرب، ولكن لا يجوز ان تشرب امام الناس...
وعلى الفور فكرت انه لا بد لي ان ابتعد عن هذا الرجل.
ويستدرك قائلاً: انظر الى مرحلة الـ "لا نضوج" التي كنت فيها انذاك ، قلت بيني وبين نفسي : ما هذا ؟ هل يريد ان يضطهدني ؟
لكنه بدأ يتحدث معي واخبرني انه محامي وعمل مع وديع الصافي ويعيش في بيروت ، وقال لي : أحسست بأن في صوتك شيء مميز، بحيث يمكنني ان اجعل منك فناناً كبيراً بمستوى عبد الحليم حافظ ، ومعلوماتي انك مدرس موسيقي وان صوتك خامته نادرة، ويمكنني أن أوصلك الى المجد، وبعد ان شربت الربع الاول طلبت الربع الثاني ، قال لي: اخي العزيز، انا اعتذر، اسمح لي، وإستأذن بالإنصراف، فنهض ، فقلت له : الله ومحمد وعلي وياك !!!
نعم .. هذا ما فعلته آنذاك لأنني لم أكن وقتها ناضجاً، وهذا الشخص لم اره مجدداً منذ ذلك الحين، لكنني والى حد الآن نادم ، لو انني في فهمي الآن وتفكيري الحالي... لسلت نفسي بيد هذا الرجل المحامي الذي يعيش في بيروت ولكنت في وضع اخر الآن، ولكن .. قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا .
* ولكن الامر يحتاج الى سعي كما سعى كاظم الساهر ونجح مثلا ً؟
- كاظم الساهر .. استفاد من اخطاء الذين سبقوه مثلي ومثل غيري ، وذهب الى بيروت ، وهناك سلم نفسه بيد متعهد اسمه (علي المولى) وعرف كيف يشتغل، وأخذ كلمات غريبة مثل عبرت الشط ، والحية ، من الشاعر عزيز الرسام، ابن مدينتي الناصرية، وهاتان الأغنيتان كان عزيز الرسام قد عرضهما عليّ لكنني اعتذرت وقلت له لا يمكن أن اغنيهما لانهما ليستا من لوني.
وبالعودة الى كاظم... استلمه بعد علي المولى مدير أعماله الآخر منذر كريم وهو شاطر جداً .. فصعد نجم كاظم رويداً رويداً، وانا أهنأه، فهو يمتلك الاخلاق العالية .. فنان ملتزم بفنه، ونحن نفتخر به ... كونه تجاوز كل المطربين العرب ، فهو عراقي ، واذن .. لو انني منذ البداية فعلت ما فعله كاظم ربما كانت الحال مختلفة تماما.
* فنانون كثر عملوا في التجارة لتأمين مستقبلهم ، لماذا لم تفكر في هذا ؟
- لالالالا.. ..لا ، هذا ليس خطي ، زكريا احمد مات وجمعوا له ثمن الدفن ، والرصافي وسيد درويش والسياب كذلك ، انا عندي بيت ملك محترم، وعندي بيت آخر.. شبه عمارة، وسيارتي اخر موديل وعندي 14 حفيداً، ولكن العيب الوحيد الذي اتمنى من الدولة العراقية الانتباه له... ان تمنحنا راتب تقاعدي لكي نحافظ به على كرامتنا، والا ما معنى ان يكون راتبي 250 الف دينار عراقي (200 دولار)، وهذا لا يكفي ثمن بطاقات شحن للموبايل، لا احلم ان اكون ثريا ولا يدوم الا وجه الله الكريم ، وانا كريم في كل شيء في حياتي، حتى في علاقاتي مع الناس كريم، ولذلك تجد ابن الموصل يحبني.. ابن العمارة يحبني ... وابن الرمادي يحبني، لا امتدح نفسي ولكنه واقع ، اذهب الى كردستان يعانقني اخواننا الاكراد بقولهم (كاكا حسين) ، هذا ليس قليلاً ، مضت 42 سنة على إحترافي الغناء ولازلت أسمع اغنية (يا حريمة) نغمة على هواتف الشباب، و (بويه نعيمة) كذلك، هذه مكرمة سماوية ، هناك اشخاص قدموا أغان ولم يحبهم الناس، انا محبتي من الله، وهذه مكرمة سماوية .
* لماذا لم تغنّ القصيدة الفصحى ؟
- هل تعلم .. انني احتراما للقصيدة الفصيحة اخشاها ، اخشى ان اقلل من قيمتها ، لانني اريد ملحنا يلحنها بشكل قوي ، هل تعلم ان (انشودة المطر) عندي ، وان شاء الله اغنيها ، ولكن مع خوفي لم اجد قصيدة بالمستوى الذي يجعلني اغامر ، كنت اتمنى ان اغني (بغداد ما اشتبكت عليك الاعصر / الا ذوت ووريق عمرك اخضر) ، اخاف ان اغنيها ، وقل لي اي ملحن من الممكن ان يلحنها ، فالقضية ليست هينة، هل تعلم .. انه لا يوجد عراقي غنى اغنية فصيحة وأجاد فيها ؟ لانها مخيفة (قل لمغنيك لا يغني / ينال هذا الغناء مني) هكذا الشاعر يقول ، وهناك قصائد لشاعر مسكين مات ومهمش مع الاسف (قيس لفتة مراد) وهو القائل (بابك الموصد دوني/ فيه سمرت عيوني/ وعلى عتبته الخضراء تستجدي ظنوني/ يسألوني عنك في هزء ويا ما سألوني/ ولحائي .. كلما عاد لحائي قشروني/ انهم يخشون ظلي ويخافون سكوني/ عيني مسمرة ببابي / الله لو تدري عذابي/ البعض من قلقي او البعض القليل من اضطرابي / تتمخض اللحظات فهي الدهر طرا في حسابي) وعندي له موال اغنيه دائما هو (تعاني صحبتي وانا اعاني / كلانا في الليالي متعبان /ارحني واسترح مني فيا / تفرق بعد عمر صاحبان / او احسبني اخا سفر/ لاقى خلال دروب غربته بثاني/ وقد وصلا لمفترق ..وكل / الى... هدفيهما متفرقان )، وهذه القصيدة ادندن بها مع نفسي .
* هل ثمة الوان غنائية لم تغنها وندمت ؟
- هناك ثلاثة اشياء او اربعة لم اغنها الى حد الان ونادم على عدم غنائها وان شاء الله سأعمل على غنائها ، هي القصيدة واغنية الطفل التي اجدني فيها مقصرا واغنية رياضية وموشحا دينيا ليس فيه نفاق ، بمعنى لا علاقة لي (يشعيط ولا بمعيط) ، انا رجل عراقي ، انا حسين نعمة ، شيعي سيد وزوجتي ام علياء سنية ، لا علاقة لي بالتطرف وهذا شيعي وذاك سني ، فهذه اللغة عيب ، فكلنا عراقيون واخوة ، والصابئي صديقنا والمسيحي صديقنا والايزيدي صديقنا ، ودخلنا في بيوتهم واكلنا عندهم وعلاقتنا حميمة معهم ، وان شاء الله ما دامت الصحة موجودة فسوف اغنيها .
* خلال الاربعون سنة من عمرك الفني، لم تفكر في ان تلحن اغانيك ؟
- لحنت ، ولكنني مع الاختصاص، لحنت اغنية (نخل السماوة) وهناك الكثيرون لا يصدقون هذا ، وهناك من يقول ان ملحنها هو المطرب ناصر حكيم ، لكن ناصر حكيم غنى اغنية (ناصر حكيم يقول حلوة السماوة) ، وقد ناقشته الله يرحمه في هذا وقال لي انا قلت قبلك نخل السماوة ، فقلت له انا اتحدث عن اللحن فضلا عن الكلمات ، ففي اغنيتي (نخل السماوة يقول طرتني سمرة) ، لكنه يصر على انه ذكر اسم السماوة قبلي ، كما لحنت اغنية (سبتني الحلوة البنية) ، ولحنت (يا حلم الما يمر بعين) وعندما كنت مدرس موسيقى لحنت اوبريت اسمه (هيلة وهلي) ولكنني وجدت نفسي لا امتلك المقدرة ان اكون ملحنا اكاديميا ، فلماذا اورط نفسي ، ويكفي ان هذه الاغنيات نجحت .
* اي طموح ما زال في داخلك كمطرب ؟
- لا يوجد انسان اليوم يتوقف طموحه ، انا الان افكر ان اكون رساما عالميا ، فأنا في كل شيء هاوي ، ولكن الرسم اعشق عشقا غير طبيعي واحاول ان اطور نفسي ذاتيا ، فلست دراسا له لكنني اجد في نفسي انني سأصل ، اروع ما عندي انني لا علاقة لي بأي انسان، اصبحت الان ارسم بها بطريقة (الاسطة) ، احد الفنانين التشكيليين منذ 50 عاما في مدينة الناصرية شاهد لوحاتي وقال : احسدك واهنيك لانك وصلت الى مرحلة لا ابالغ اذا ما قلت انك فائق حسن ، وهذا ليس قليلا طبعا، انا حلمي ان اقيم معرضا في احدى الدول الاوربية وان يعرفوا انني فنان فطري ، اما الغناء .. هل استطيع ان اترك الغناء، هو روحي ، ولكن ليس ذلك الطموح لان العمر والشكل والوزن لهم احكامهم ، ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه ، بينما الفنانون التشكيليون مثل بيكاسو وسلفادور دالي وصلا الى الشيخوخة وهما في قمة الابداع ، ولكن المطرب .. يختلف .
1107 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع