الجزيرة/رشا حسني:حينما يتعلق الأمر بالثنائيات أو بالكوميديا أو بعصر هوليود الكلاسيكي، فلا مجال إلا لتذكرهما بصورتهما المرحة يؤديان رقصتهما الشهيرة التي كانت تصاحب تترات أفلامهما “ستان لوريل وأوليفر هاردي” (Stan Laurel-Oliver Hardy) أشهر ثنائي كوميدي في تاريخ السينما الأمريكية وهوليود.
نراهما سوياً مرة أخرى على شاشة السينما من خلال فيلم “ستان وأوليفر” الإنتاج الإنجليزي الكندي الأمريكي المشترك للمخرج الإنجليزي جون بيرد. الفيلم من بطولة الممثل الأمريكي جون رايلي الذي ترشح عن دوره بالفيلم لجائزة غولدن غلوب كأفضل ممثل في فيلم موسيقي أو كوميدي، والممثل الإنجليزي ستيف كوغان. عُرض الفيلم تجاريًا في مطلع العام الجاري (2019) وترشح لأكثر من عشرين جائزة من بينها ثلاث جوائز “بافتا” (جوائز الأكاديمية البريطانية للأفلام) هي: أفضل فيلم إنجليزي للعام، أفضل ممثل للممثل الإنجليزي ستيف كوجان، وأفضل مكياج.
إعادة إحياء
لا شك في أن تأثير الثنائي الكوميدي “لوريل وهاردي” المتوارث ما زال يمتد حتى وقتنا الحالي حتى على أجيال عديدة لم تعاصر الثنائي ولا تنتمي إلى فترات توهجهما فنياً في فترتي العشرينيات والثلاثينيات، وأنهما ما زالا حاضرين على عكس ما أصاب العديد من الثنائيات الكوميدية الأخرى التي سبقتهما أو عاصرتهما أو حتى تلتهما، وأن أفلامهما القصيرة والطويلة الصامتة وغير الصامتة ما زالت تُعرض بين الحين والآخر على مختلف القنوات التلفزيونية، أو حتى في دور العرض السينمائية المتخصصة في عرض كلاسيكيات الأفلام السينمائية، حتى إن صورهما أصبحت بمثابة الصور الأيقونية التي لا تخطئ العين وجودها في أي مكان له علاقة بالسينما كأستوديوهات التصوير ومكاتب شركات الإنتاج.
https://www.youtube.com/watch?v=D2zdFwgUYBg
إلا أنه لا يمكن إغفال أن هناك الكثير -سواء من الذين يحبون الثنائي ويتذكرونهما ويتذكرون أعمالهما أو من الذين لا يعرفونهما- لا يعرفون الكثير عنهما وعن خبايا وتفاصيل علاقتهما الفنية والإنسانية، وتفاصيل مشوارهما الفني الحافل خاصة في نهايته بعد انحسار الأضواء عنهما، وهو ما اهتم به وركز عليه صناع الفيلم حيث جاء بمثابة إعادة إحياء لثنائي هوليود الذهبي خاصة في ضوء التشابه الشديد بين الممثلَين اللذين قاما بأداء أدوار الثنائي وبين الثنائي الأصلي.
كما يُحسب للفيلم نجاحه في تحقيق معادلة صعبة بعض الشيء خاصة في نوعية أفلام السير الذاتية، وهي عدم الإفراط العاطفي في تناول وعرض الشخصيات محور الأفلام بشكل أحادي إما بيضاء أو سوداء، إما عرض الجوانب السيئة والمظلمة بل وفي أحيان كثيرة المبالغة في عرضها، أو عرض الشخصيات وكأن أصحابها ملائكة لا يخطئون، فقد نجح الفيلم في عرض شخصياته والجوانب التي تخصهما بشكل متوازن.
الصداقة والصدمة
تعتبر ثيمة الصداقة هي إحدى أكثر الثيمات أو الموضوعات شيوعاً في الأفلام السينمائية، لكونها علاقة إنسانية تحتمل بناءات درامية خصبة نفسية واجتماعية، وهي حاضرة وبقوة من خلال فيلم “ستان وأوليفر”، فقد تعرض الفيلم لطبيعة علاقة الصداقة ما بين الثنائي الشهير، حيث جمعتهما سنوات طويلة من العمل والرفقة والسفر، أمام الكاميرا وخلفها، وجاءت نهاية الفيلم لتؤكد أهمية قيمة الصداقة واستمرارها رغم وقوع بعض الخلافات.
بدأ الفيلم بعرض طبيعة علاقة وصداقة الثنائي في ذروة نجاحهما واعتلائهما عرش هوليود عام 1937، ثم انتقل بعد المشهد الافتتاحي إلى الحقبة الأهم –من وجهة نظر صناع الفيلم- من عمر صداقة ورحلة الثنائي بعد 16 عاماً، أي في عام 1953، وهو العام الذي قام فيه الثنائي بجولة في بعض مدن ومسارح إنجلترا، وهي الجولة التي حدثت فيها المصارحة والمكاشفة بين الثنائي فيما يخص طبيعة علاقة صداقتهما.
تبلغ مدة المشهد الافتتاحي ما يقرب من عشر دقائق، ويظهر فيه النجمان وهما يستعدان لأداء مشهد رقصتهما الشهيرة في فيلم “طريق الخروج من الغرب” (Way Out West)، ويتجاذبان أطراف الحديث، ويشد كل منهما أزر الآخر في المشاكل التي يواجهانها، حيث يعاني أوليفر هاردي من مشكلات الطلاق وارتفاع مبلغ النفقة الذي تطالبه به زوجته السابقة، كما يعاني ستان لوريل من نفس المشكلة أيضاً، ولكن ليس هذا فقط ما يشغل بال لوريل حيث يحاول أن يقنع هاردي أن ينضم إلى صفه لمطالبة المنتج هال روتش الذي يعملان معه بزيادة قيمة أجورهما بما يتناسب مع المكانة والشهرة التي وصلا إليها، لنعلم من هذا المشهد أيضاً أن دور لوريل في الواقع كان على عكس دوره على شاشة السينما، فلم يكن الرجل الضعيف التلقائي المثير للمشكلات بقلة وعيه وخبرته، بل إنه كان على العكس تماما هو العقل المدبر لكل ما يخص عمل الثنائي، بل إنه كان هو من يقوم بكتابة معظم نصوص أعمالهما.
نتابع في ذلك المشهد الافتتاحي الطويل أيضا ذلك الموقف الحاسم في حياة الثنائي الفنية، حينما قرر هاردي أن يكمل العمل مع المنتج هال روتش دون لوريل ولكن مع شريك آخر اختاره المنتج بمواصفات شكلية تقارب مواصفات لوريل، وهو الأمر الذي لم ينسه أو يتغافل عنه لوريل أبدا، ولكن ظل يحمله بداخله حتى جاءت المصارحة بينهما في الخمسينيات أثناء جولتهما في إنجلترا، حينما واجها بعضهما البعض بكلمات جارحة على سبيل أنها حقائق حيث صرح هاردي للوريل بأنه شخص “أجوف”، ليرد عليه لوريل ويصارحه لأول مرة بأن ما فعله في الثلاثينيات وقبوله العمل مع شريك آخر كان “خيانة” له ولعلاقتهما.
وبعد أن تتوتر العلاقة بينهما يصاب هاردي بأزمة قلبية ويقرر اعتزال العمل مع لوريل بل واعتزال العمل نهائيا، حيث إن حالته الصحية لم تعد تسمح له بالعمل، ويقرر مغادرة إنجلترا والعودة إلى وطنه هو وزوجته، ويصارح لوريل بهذا الأمر. ومن ثم يوفر المتعهد المسؤول عن جولتهما بإنجلترا للوريل شريكا إنجليزيا -ممثل كوميدي إنجليزي- وبعد أن يتم الاتفاق بينهما بالفعل، وفي أول ليلة عرض لهما سويا على المسرح يقوم لوريل بالاعتذار عن أداء العرض حيث لم يستطع تخيل ممثل آخر مهما بلغت درجة موهبته وقبوله أن يحل محل شريكه هاردي ويقوم بأداء دوره على المسرح.
1021 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع