عبد السلام محمد عارف.. كما رأيته (الحلقة الثالثة عشر)
مكالمة هاتفية من مجهول الي العقيد خماس يبلغه بفشل الرائد الربيعي في السيطرة علي معسكر ابي غريب، ومدير الاستخبارات العسكرية يصدق
الخطة البديلة
يمضي السيد صبحي عبد الحميد في حديثه عن الحركة الانقلابية التي قادها العميد عارف عبد الرزاق منتصف ايلول (سبتمبر) 1965 ويقول:
ان العقيد رشيد محسن مدير الامن العام اقتنع تماما بالخطة البسيطة وغير المعقدة التي اقترحتها للإطاحة بالرئيس عبد السلام عارف مؤكداً إمكانية تنفيذها بكل سهولة، غير أن آخرين ـ لا يعرفهم ـ أقنعوا عارف عبد الرزاق بوضع خطة بديلة، تحدّد موعد تنفيذها في منتصف ليلة 14 ـ 15 ايلول (سبتمبر). وكانت الخطة الجديدة تعتمد علي:
أولاً: نزول مجاميع من الدبابات المتواجدة في معسكر أبي غريب بقيادة الرائد عبد الامير الربيعي بعد منتصف تلك الليلة، للتمركز في مواقع محددة وساحات معينة من بغداد، وخصوصاً أمام وحوالي دار الاذاعة والتلفزيون في حي الصالحية.
ثانياً: يتواجد بعض قادة الكتلة القومية مع الدبابات عند وصولها الي منطقة الاذاعة، ويبقون هناك حتي الصباح استعداداً لاستقبال عارف عبد الرزاق لدي حضوره لاذاعة (البيان رقم واحد) للحركة.
ثالثاً: توضع الكلية العسكرية بالإنذار بقيادة العقيد الركن عرفان عبد القادر وجدي للتحرّك عند حدوث أي طارئ.
رابعاً: أن تستعرض طائرات من القوة الجوية بطلعات استعراضية فوق بغداد منذ الصباح الباكر ليوم 15 ايلول (سبتمبر).
صبحي عبدالحميد
الموقف يفلت من يدي عارف عبد الرزاق
ويضيف صبحي عبد الحميد انه مع حلول مساء يوم 14 ايلول (سبتمبر) استدعي عارف عبد الرزاق صديقه العقيد حميد قادر مدير الشرطة العام، وصارحه بعزمه علي تنحية عبد السلام عارف من سدّة الحكم، طالباً منه اللقاء مع العميد سعيد صليبي وضرورة إقناعه بأحد أمرين:
إما المشاركة الفعلية في هذه الحركة، أو الانتظار في دار سكناه دون إبداء أية معارضة.
ولكن ما أن اطّلع سعيد صليبي علي هذا الامر حتي ثارت ثائرته، إذ أنذر جميع القطعات العسكرية المرتبطة بقيادته (قيادة قوات بغداد) بضمنها وحدات الحرس الجهوري وأبدي تصميمه علي المقاومة، فاضطر عارف عبد الرزاق لاستدعائه الي مجلس الوزراء محاولاً إقناعه، ولكن عندما علم صليبي أن من ضمن أقطاب الحركة كلا من العقيد الركن عرفان عبد القادر، والمقدم الركن فاروق صبري، والرائد عبد الامير الربيعي الذين كان يكرههم ويخشاهم، رفض المشاركة بأي شكل كان...
عندئذ غدا الموقف حرجاً للغاية، فاستدعي عارف عبد الرزاق، سعيد صليبي للمرة الثانية، وأصدر أوامره لكل من العقيد الركن هادي خماس مدير الاستخبارات العسكرية والمقدم الركن رشيد محسن المتواجدين في مبني مجلس الوزراء، وبإمرتهما اكثر من ثلاثين ضابطاً باعتقال سعيد اذا فشل في إقناعه.
اتصال هاتفي من مجهول يلغي الانقلاب
ويشير صبحي عبد الحميد الي انه في خضم مناقشات عقيمة بين سعيد صليبي وعارف عبد الرزاق في مكتب الاخير بمبني مجلس الوزراء، تلقّي هادي خماس مكالمة هاتفية من شخص مجهول ـ قيل إنه الملازم الاول عامر الحمدان أحد ضباط الدبابات المشاركين في الحركة ـ أخبره خلالها بفشل الرائد عبد الامير الربيعي في السيطرة علي معسكر أبي غريب، وأن آمر مدرسة الدروع هناك العقيد صبري خلف واعتقل عبد الامير بينما كانت الحقيقة غير ذلك تماماً.
حاول هادي خماس الاتصال بمعسكر ابي غريب، لمعرفة ما جري هناك، فوجد الخط الهاتفي مقطوعاً، في حين لم يحاول، وكذلك رشيد محسن إرسال أحد الضباط الي ذلك المعسكر لغرض التأكد من صحة الخبر، فلو أرسل أي شخص الي هناك لوجد النقيض، فقد سيطر عبد الامير علي المعسكر، واعتقل آمره العقيد صبري خلف، وأخرج الدبابات الي الشارع العام المؤدي الي قلب بغداد، ولكنه ارتكب خطأ قاتلا عندما قطع خط الهاتف السلكي، وهذا يعني أنه قطع كل اتصال بينه وبين أي شخص آخر، بمن فيهم عارف عبد الرزاق واولئك الذين يقودون هذه الحركة في مبني مجلس الوزراء. ومن المستغرب أن يعتبر هادي خماس ورشيد محسن معاً اعتقال عبد الامير الربيعي من قبل صبري خلف أمراً مسلّماً به، إذ دخل رشيد محسن علي عارف عبد الرزاق في مكتبه، وتحدث معه بعيداً عن سعيد صليبي، مخبراً إياه بالموقف الطارئ الذي حصل، وطالباً منه ضرورة التفاهم مع صليبي بأي ثمن، عند ذاك اضطر عارف لإبلاغ سعيد بأنه قرر تأجيل تنفيذ الحركة، فعاد سعيد الي مكتبه في قيادة قوات بغداد، فيما ذهب عارف الي مسكنه.
الموقف الحقيقي علي أرض الواقع
وبعد ان انتصفت تلك الليلة ـ والحديث للسيد صبحي عبد الحميد ـ علم رشيد محسن بالموقف العسكري الحقيقي للرائد عبد الامير الربيعي، ومن دون أن يستشير عارف عبد الرزاق هرع الي سعيد صليبي في مكتبه محاولاً إغراءه بمناصب عليا اذا ما شارك في هذه العملية، ولكن سعيد الذي بات في موقف قويّ رفض ذلك، وطلب من رشيد التوجّه الي معسكر أبي غريب ليقنع عبد الامير بإعادة الدبابات الي ثكناتها وإطلاق سراح العقيد صبري خلف.
وعلي مضض، أعاد عبد الامير الدبابات، بعد أن جاهد رشيد في إقناعه بأن إصراره علي النزول الي بغداد يعني ان قطعات الجيش ستتقاتل فيما بينها بسبب تصميم سعيد صليبي علي المقاومة.
هرع عبد الامير الي منزل عارف عبد الرزاق بمدينة الضباط في زيونة، شارحاً الموقف أمامه، وعارضاً عليه الحضور معه الي حيث معسكر أبي غريب ليشرف علي أرتال الدبابات المصطفّة علي الشارع العام بنفسه ويقود الحركة، ولكن عارف كان قد أيقن ان الحركة قد انكشفت، وان سعيد صليبي اتصل بعدد من قادة فرق الجيش أيضاً، وان جميع القوات العسكرية الموالية للرئيس عبد السلام عارف ستقف ضد الحركة، لذلك فإنه لا ينبغي أن يكون سبباً في كارثة دموية قد تحصل نتيجة تصادم وحدات الجيش العراقي بعضها مع بعض.
محاولة للاستعانة بنقابات العمال
وفي الصباح الباكر ليوم الخامس عشر من ايلول (سبتمبر) 1965 ـ يقول السيد صبحي عبد الحميد ـ اتصل بي رشيد محسن هاتفياً، ليعرض فكرة قيام نقابات العمال التي كانت تحت سيطرة الحركة الاشتراكية بإضراب والنزول الي الشارع بمظاهرات تعطي مبرراً لتدخّل وحدات الجيش لغرض السيطرة علي الوضع العام، حيث يتم تنفيذ خطة الانقلاب وفق ذريعة معقولة..
إلا أنني رفضت ـ يؤكد صبحي ـ ذلك لكونه مقترحاً سقيماً، ولأن الأمر بات خارج سيطرتنا، بحيث غدا المفتاح الآن بيد سعيد صليبي ووحدات الحرس الجمهوري، ثم ان الاستحضارات لإخراج العمال للتظاهر تحتاج الي استعدادات قد تستغرق يومين كي تكون السيطرة سهلة علي التظاهرات.. ولكن رشيد محسن أوضح لي أن هذا هو رأي عارف عبد الرزاق، ورجا مني أن أذهب اليه بغية التوصل الي حل ناجع ينقذ الموقف القائم.
صبحي عبد الحميد في بيت عارف عبد الرزاق
وتوجهت ـ يضيف السيد عبد الحميد ـ الي دار عارف لأجد هناك العقيد الركن محمد يوسف طه مدير الحركات العسكرية، وأوضحت له الرأي نفسه، فسألني: ما الحل في نظرك؟ قلت: إذهب الي مكتبك وكأن شيئاً لم يكن، وكرر العملية الانقلابية هذه الليلة، ولكن وفق إجراءات حاسمة واستحضارات جيدة.. وقد أيدني محمد يوسف في هذا الطرح.
ولكن عارف رفض ان يتحمل مسؤولية صدام قد يحدث بين القوات المسلحة في شوارع العاصمة، فقلت له: حسناً لا بأس.. انتظر عودة عبد السلام لتواجهه بقوة، وتخيّره بين أن يكفّ عن مناوراته، وبين ان يعرّض البلد الي كارثة.
وقد علمت بعد ذلك ـ والكلام للسيد صبحي عبد الحميد ـ أن سعيد صليبي وحميد قادر قد زارا عارف عبد الرزاق في داره، وتوسّلا إليه ان يغادر العراق حقناً للدماء، لأن القوات المسلحة قد انقسمت علي نفسها. ونزولاً من عارف لذلك الرجاء، فقد ضحّي بسمعته، وهو الشجاع الذي لا يهاب الموت، فقرر فعلاً السفر ومغادرة وطنه وبصحبته كل من هادي خمّاس، عرفان عبد القادر وجدي، رشيد محسن، فاروق صبري، وعبد الامير الربيعي.
القاهرة في حرج
سبّب وصول عارف عبد الرزاق ـ والحديث لا يزال للسيد صبحي عبد الحميد ـ بصحبة أقرانه الي القاهرة إحراجاً للحكومة المصرية، التي لم تكن علي علم مسبق بالحركة، وما كانت لتوافق أو تؤيد أي انقلاب ضد عبد السلام عارف في ذلك الوقت، بل كانت تكتفي بعلاقات قوية ومتينة بين البلدين وفق سياسة عربية ودولية متناسقة بينهما.. وكانت تلك قائمة ومؤمّنة مع العراق في حينه.
وعندما تلقّي الرئيس عبد الناصر برقية من القاهرة تعلمه بالحركة، فقد أخبر الرئيس عبد السلام بذلك في الدار البيضاء.
وفي بغداد اجتمع مجلس الوزراء برئاسة اللواء عبد الرحمن عارف عضو مجلس الرئاسة الذي ينوب عن الرئيس عبد السلام طيلة غيابه عن القطر، فقرر إرسال الدكتور عبد اللطيف البدري وزير الصحة بطائرة خاصة الي المغرب لبيان التفاصيل أمام رئيس الجمهورية.
وعندما عاد الرئيس عبد السلام الي بغداد بسلام، كانت باكورة أعماله أن وضعني والعميد الركن عبد الكريم فرحان وزير الارشاد والثقافة السابق تحت الإقامة الإجبارية في مسكنينا، وأصدر أمراً بتوقيف باقي الضباط من قادة الكتلة القومية، وفي مقدّمتهم العقيد الركن محمد يوسف طه مدير الحركات العسكرية، والعقيد الركن عدنان أيوب صبري سكرتير رئيس أركان الجيش.
أما العميد الركن محمد مجيد الذي تسنّم منصب آمر كلية الاركان مؤخراً، وكذلك العميد نهاد فخري مدير مخابرة الجيش فقد اختفيا في بغداد اول الامر قبل ان يصل إليهما أفراد من مفارز الانضباط العسكري وتم توقيفهما.
الاسباب الكامنة وراء الإخفاق
يري السيد صبحي عبد الحميد ان الاخفاق الذي صاحب الحركة الانقلابية تمثل في ما يأتي:
* : تبديل الخطة المقترحة، وقد استفسرتُ بعمق من الإخوة عارف عبد الرزاق، هادي خماس ورشيد محسن عمن تسّبب في تغيير الخطة التي اقترحتها، فاتهم كل واحد منهم الآخر، فلم أتوصل الي نتيجة مقنعة.
* ثانياً: مفاتحة عارف عبد الرزاق المبكرة لكل من سعيد صليبي وحميد قادر وإبلاغهما بالحركة قبل البدء بتنفيذها، وذلك ساعد سعيد صليبي، علي إنذار القطعات العسكرية التي تحت إمرته.
* ثالثاً: غموض الموقف في معسكر ابي غريب: ظل الموقف الذي كان سائداً في معسكر أبي غريب غامضاً لسبيين:
الاول: قطع عبد الامير الربيعي للخط الهاتفي الوحيد لمعسكر أبي غريب، مما تسبّب في عدم معرفة حقيقة الموقف هناك.
الثاني: عدم إقدام أي من هادي خماس ورشيد محسن علي اتخاذ خطوة للتأكد من الموقف القائم في المعسكر بعد تلك المكالمة الهاتفية الغامضة التي وردت من (مجهول)عن فشل عبد الامير في الاستيلاء علي المعسكر.
* رابعاً: فقدان الجرأة في الاستمرار علي تنفيذ الخطة بعد أن علم رشيد محسن بحقيقة سيطرة عبد الامير علي أبي غريب.
* خامساً: خطأ القرار الذي اتخذه عارف عبد الرزاق بمغادرة بغداد الي القاهرة قبل أن يستنفد جميع السبل المتاحة لإعادة الكرّة.
البزاز يتوسط لرفع الإقامة الجبرية عن صبحي وفرحان
بعد تكليف الرئيس عبد السلام عارف للسيد عبد الرحمن البزاز نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية في حينه بتشكيل وزارة عراقية جديدة، وهو الرجل الكفء المشهود له بالحزم، والذي تمكّن فعلاً من الحدّ من اندفاعات عبد السلام باتهام القاهرة بالمشاركة في تلك الحركة الانقلابية، أو علمها بها، ناهيك عن الحد من تماديه في توقيف الضباط، إلا إذا ثبت اشتراكهم في الحركة بشكل عملي، وبعد ضغط من الاستاذ البزاز استمر حوالي ثلاثة أشهر، أمر عبد السلام برفع الإقامة الجبرية عني وعن عبد الكريم فرحان.
رأيي الأخير في عبد السلام عارف
بعد حوالي سبعة أشهر علي تلك الحركة، ولما لقي الرئيس عبد السلام عارف مصرعه في حادث الطائرة السمتية ـ يقول صبحي عبد الحميد ـ فقد أسفتُ لوفاته، بل حزنتُ عليه كثيراً، وعرضتُ في ذاكرتي تلك العلاقات الجيدة التي ربطتني معه منذ 14 تموز (يوليو) 1958 والي حين خلافاتي معه، وهي غير شخصية بالتأكيد، لذا فإن شعوري لم يكن قد تبدّل نحوه، بل بقيتُ أحفظ له الودّ دوماً وأترحّم علي روحه.
فرحمة الله علي عبد السلام محمد عارف، إذ لم أكن أتمني له تلك النهاية المحزنة.. (انتهي حديث السيد صبحي عبد الحميد).
حديث السيد هادي خماس
كان لا بد لي ـ وأنا أبحث عن هذا الموضوع الذي غدا شائكاً ومعقداً ـ من التوجه الي العقيد الركن المتقاعد هادي خماس مدير الاستخبارات العسكرية (منذ مطلع عام 1964 لغاية يوم المحاولة الانقلابية الذي صادف منتصف شهر أيلول (سبتمبر) 1965)، وأحد قادة الكتلة القومية وعضو المجلس الوطني لقيادة الثورة آنذاك، وأحد أبرز صنّاع ذلك الحدث، إضافة الي كونه أحد المسؤولين الرئيسيين عن التخطيط لتلك المحاولة والإشراف علي تنفيذها...
وقد زودني مشكوراً بـ(22) صفحة مكتوبة بخط يده علي شكل إجابات علي استفسارات وجّهتها اليه حول العلاقات التي سادت بين الرئيس عبد السلام عارف والكتلة القومية، وعن كيفية التفكير في الانقلاب والتخطيط له وأسباب فشله، وملخص ما قاله:
كان التفكير قائماً بضرورة تغيير نظام حكم الرئيس عبد السلام عارف قبل أن يتسّنم عارف عبد الرزاق رئاسة الوزراء أوائل شهر أيلول (سبتمبر) 1965، إذ قدّرنا استغلال سفر رئيس الجمهورية الي المغرب يوم الثاني عشر منه للتعجيل بالعملية، أما عارف عبد الرزاق نفسه، فلم يكن علي عجلة للتغيير المرغوب في الفترة التي سبقت سفر عبد السلام، ولكن عندما سلّمه عبد السلام عارف قائمة بأسماء عدد من ضباط الكتلة القومية، طالباً منه نقلهم الي تشكيلات عسكرية خارج بغداد أثناء سفره، استشار عارف عبد الرزاق قادة الكتلة، فأشاروا عليه بعدم نقلهم، وبينوا له أن هذا سوء نيّة من قبل عبد السلام، ونصحوه بالحركة الانقلابية فاضطر للاستجابة لهم.
كنتُ شخصياً مؤمناً بضرورة إقصاء عبد السلام من رئاسة الجمهورية ـ يقول هادي خماس ـ ولعدة عوامل، منها:
اتجاهه نحو الفردية وابتعاده عن الحكم الجماعي، لكونه وحدوياً بالكلام وليس بالافعال، واتباعه سياسة (فرّق تسد) بين الضباط، إضافة الي تشكيله كتلاً سياسية داخل القوات المسلحة، إلا أن تلك الأمور لم تجعلنا في موقف نبتغي منه مسّ شخصه بأي سوء، وذلك وفاءً لعلاقات الأخوة التي كانت قائمة بيننا منذ سنوات عديدة.
وفي يوم سفر الرئيس الي المغرب، ولما علمنا بالطلب الذي أراد فرضه علي عارف عبد الرزاق بشأن نقل بعض الضباط القوميين الي خارج بغداد، من أولئك الذين كانوا دعامة لنظام الرئيس نفسه، فقد توافد معظم قادة الكتلة القومية علي دار عارف عبد الرزاق بمدينة الضباط في حي زيونة، لغرض التداول في موضوع تغيير الحكم.
خطة الحركة
وبعد أن تم الاتفاق علي الخطة، بدأنا بالاستحضار لتنفيذها، فاستدعي عارف عبد الرزاق العميد سعيد صليبي الي مكتبه في مبني مجلس الوزراء مع مغيب شمس يوم الرابع عشر من ايلول (سبتمبر) 1965 ليبلغه عزمه علي البدء بعملية انقلابية، طالباً منه التعاون معه في هذا المجال، فوافق سعيد علي ذلك من حيث المبدأ، ولكنه لما علم بمشاركة كل من العقيد الركن عرفان عبد القادر، والمقدم الركن فاروق صبري، والرائد عبد الامير الربيعي ضمن مجموعة الضباط القائمين بها، عدل عن رأيه، لخشيته منهم، واعتقاده بأنهم سيقضون عليه إذا نجحت الحركة.. فما كان منه إلا أن ترك مبني مجلس الوزراء متجّهاً الي حيث قيادته في موقع بغداد وآمرية الانضباط العسكري في ثكنة وزارة الدفاع، بغية التنسيق مع الوحدات العسكرية الموالية له، وكذلك مع وحدات الحرس الجمهوري في بغداد لمقاومة الحركة، إذا ما اندلعت.
واشار هادي خماس الي الخطة التي اقترحها صبحي عبد الحميد لتنفيذ الحركة ـ سبق الحديث عنها آنفا ـ وقال ان الخطة اُبدلت، إذ تم تقديم موعد البدء بالحركة الي منتصف ليلة 14 ـ 15 ايلول (سبتمبر) من جهة، وأن يتم تمركز الدبابات التي تنطلق من معسكر أبي غريب في مواقع محددة، وفي مقدمتها المنطقة المحيطة بمبني الاذاعة والتلفزيون في الصالحية ، وذلك قبل أن يذهب عارف لإلقاء البيان الاول للحركة صباح يوم 15 ايلول (سبتمبر).. ولا اعلم لحد الآن من الذي كان صاحب الخطة البديلة.
وعندما كنا في مبني مجلس الوزراء، وبعد ساعات من التوجّه نحو التنفيذ مساء يوم 14 ايلول (سبتمبر)، اتصل بي هاتفياً أحد الضباط ليقول لي:
إن عبد الامير الربيعي فشل في السيطرة علي معسكر أبي غريب.
ومن دون أن أخوض في التفاصيل، فقد توالت الأحداث في تلك الليلة وتسارعت، وأدت الي فشل المحاولة، مما قادنا الي التفكير بمغادرة العراق، حيث لم يعد أمامنا إلا السفر إلي مصر.
ومما يجدر ذكره في هذا الشأن أن عارف عبد الرزاق لم يكن قد قرر ترك العراق بالنصيحة التي قدمها سعيد صليبي فحسب، بل ان السيد عبد الستار علي الحسين وزير العدل السابق قد أشار عليه بذلك أيضا.
المغادرة الي القاهرة
ولما علمتُ بالقرار ـ يضيف هادي خماس ـ ذهبت الي منزل عارف في حي الضباط بزيونة، حيث كان هناك كل من العقيد الركن عرفان عبد القادر آمر الكلية العسكرية، والمقدم الركن رشيد محسن مدير الامن العام، والمقدم الركن فاروق صبري معاون مدير الاستخبارات، والرائد عبد الامير الربيعي من مدرسة الدروع، فتحركنا معاً الي مطار الرشيد العسكري لتقلّنا طائرة نقل عسكرية الي القاهرة، وفي الجو، وعندما أخبر قائد الطائرة مطار القاهرة الدولي أن طائرته تحمل رئيس وزراء العراق بصحبة عدد من الضباط، فقد سُمح بهبوطها رسمياً، حيث استقبلنا مسؤول من مكتب اللاجئين وآخر في المخابرات المصرية، قبل أن نتوجه الي أحد فنادق القاهرة بشكل مؤقت، حيث تقرر بعد أيام أن تُستؤجر لنا شقق نسكن فيها، بعد ان خصصت الحكومة المصرية رواتب محددة لكل منا.
لاجئون في مصر
كان ارتباطنا طيلة إقامتنا في العاصمة المصرية بالعقيد حسن رأفت المشرف علي مكتب اللاجئين في رئاسة الجمهورية، وهو الذي زودنا ببطاقات اللجوء، بينما كان راتبنا الشهري لا يتجاوز (110) جنيهات مصرية، والتي كانت لا تُسمن ولا تُغني من جوع.
وهنا ينبغي أن أذكر، أن وصولنا المفاجئ الي القاهرة كان أمراً محرجاً للحكومة المصرية التي كانت تلتزم بعلاقات أخوية مع العراق، في حين كانت العلاقة حميمة بين الرئيسين جمال عبد الناصر وعبد السلام.
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:
http://www.algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/fereboaliraq/12058-2014-08-15-12-07-02.html
470 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع