عبدالكريم قاسم والطبقات الأجتماعية الفقيرة ...

  

  عبد الكريم قاسم والطبقات الاجتماعية الفقيرة..

 

                       بقلم/حيدر عطية كاظم

قبل التطرق إلى مواقف عبد الكريم قاسم العامة من الطبقات والفئات الاجتماعية المختلفة، من المفيد جداً هنا أن نقف أمام نشأة عبد الكريم قاسم الاجتماعية والمؤثرات والعوامل الفكرية التي ساهمت في بناء شخصيته، وخلقت أفكاره ومواقفه في نهاية الأمر.

   

طبقاً لإحدى الوثائق الرسمية كانت ولادة عبد الكريم قاسم في 21 تشرين الثاني 1914، في محلة المهدية الكائنة في جانب الرصافة من بغداد، من أبوين عراقيين، فوالده قاسم محمد البكر الذي ينتمي إلى عشيرة زبيد القحطانية.

  

أما والدته فهي كيفية حسن اليعقوبي التي كانت تنتمي إلى عشيرة تميم العدنانية، كان عبد الكريم قاسم الأخ الأصغر لشقيقيه عبد اللطيف وحامد، وكانت له شقيقتان هما أمينة ونجية.
عاش عبد الكريم قاسم طفولة ضنكه في العيش ضمن أسرة فقيرة، كان والده يعمل نجاراً بسيطاً، مما يعني من بين ما يعني أنه ترعرع في بيئة عائلية صعبة، لكن ذلك لم يمنعه من تلقي تعليمه، فما أن بلغ الخامسة من عمره حتى أرسله والده إلى دار الكتاتيب، وهناك تعلم حروف العربية الأبجدية وحفظ بعضاً من قصار السور القرآنية الكريمة, وفي السابعة من عمره انتقلت عائلته إلى بلدة الصويرة الواقعة في جنوب بغداد، بسبب عدم تمكن والده النجار الإيفاء بحاجيات ومتطلبات عائلته الحياتية. لذا حاول قاسم الاستعانة بأخيه علي الذي كان يملك مزرعة. استقر قاسم في الصويرة ومارس الزراعة سعياً منه لإعالة عائلته وتحسين أحوالها المعيشية.
دخل عبد الكريم مدرسة الصويرة الابتدائية في بلدة الصويرة، وأمضى السنوات الأربع الأولى من دراسته الابتدائية قبل أن تعود عائلته إلى بغداد سنة 1926. اختارت العائلة محلة قنبر علي التي كانت تضم طوائف وطبقات اجتماعية وأثنيات مختلفة، الواقعة في شارع الكفاح. تخرج عبد الكريم في المدرسة المأمونية الابتدائية في بغداد، أهله ذلك الدخول في المدرسة الثانوية المركزية الفرع الأدبي وحصل على الشهادة الثانوية في سنة 1931.
لعل شهادة أحد أساتذة عبد الكريم في الثانوية تساعدنا في رسم صورة معينة عن الطالب عبد الكريم قاسم عندما كتب ما نصه: "إنه تلميذ هادئ، يبتعد عن مخالطة زملائه، ويقضي فترة التنفس في زاوية منعزلة، فمظهره يعلن عن فقر الحال وفقدان المال، مكتئب النفس، عابس الوجه، ضعيف البنية، مشروم الشفة العليا من جهتها اليسرى وهذه العاهة على ما يبدو سببت له شعوراً بالنقص، جعلته منقبضاً على نفسه ويتجنب الاختلاط برفاقه والناس أجمع".
لاحظ بعض الدارسين لشخصية عبد الكريم قاسم تأثره الكبير بطفولته البائسة، التي عاشها في كنف عائلته التي كان وضعها يكتنفه العوز المادي إن لم نقل الفقر الواضح، لقد ترك كل ذلك أثراً عميقاً في تركيبته النفسية، حتى أنه كان دائم التفكير في وضعه الذاتي ووضع عائلته المادي والاجتماعي، محاولاً إيجاد المبررات المقنعة لذلك التفاوت الاجتماعي الكبير الذي كان يعيشه الشعب العراقي.
ظل موضوع التفاوت الطبقي والاجتماعي الذي لمسه عبد الكريم قاسم شغله الشاغل وموضوعه الأول حتى قاده ذلك إلى تبني فكرة المساواة الاجتماعية بشكلها المبسط . ولم يكن غريباً أن تصبح جزءاً أساسياً من لا شعوره الداخلي الذي يحفظ صوراً شتى عن الفقر والحرمان الذي عاشه عبد الكريم قاسم، فضلاً عن صور حياتية أخرى كثيرة. وعليه فقد كان عبد الكريم قاسم قليل الاختلاط بزملائه إلا في المناسبات العامة، ولم يكن ذلك بعيداً عن شعوره المستمر بالفقر والعوز الذي لازم حياته منذ طفولته المبكرة حتى صيرورة شبابه. أصبح عبد الكريم قاسم بعد دخوله الثانوية يعي بشكل أفضل مرارة التباين الطبقي، فلا غرابة أن يكون عبد الكريم قاسم شديد الحساسية إزاء القضايا الاجتماعية التي تحيط به.
أدى تعيين عبد الكريم قاسم معلماً في قضاء الشامية في تشرين الثاني 1931 إلى ارتفاع مستوى إحساسه بالفقر وآلامه على الذين يكابدونه، إذ اطلع عن كثب هناك على حالة الفقراء والمساكين والإملاق الذي يعيشون فيه، فقد كان أبناء الفلاحين يأتون إلى المدرسة بأسمالهم الممزقة وبأجسادهم الضعيفة، لقد كان ذلك مدعاة لعبد الكريم قاسم إلى أن يبحث في الأسباب المسؤولة عن الحالة التي أوصلت الفلاحين إليها، فوجدها في النظام الإقطاعي وظلمه الفظيع الذي أنزله بأولئك الفلاحين المساكين. زادت حياة البذخ والتخمة التي كانت تميز حياة الإقطاعيين تلك الفكرة (مسؤولية الإقطاع عن فقر الفلاحين) رسوخاً في عقل وفكر عبد الكريم قاسم. يمكننا أن نلاحظ هنا بدايات انحيازه لجانب الفقراء، إذ كان يرفض دعوات ولائم الإقطاعيين الباذخة، بينما كان فلاحوهم يتلوون جوعاً وتفتك بهم الأمراض المختلفة.
نشعر بأننا بحاجة إلى شهادة أحد طلابه في الشامية استكمالاً للصورة الأولية التي نحاول أن نرسمها لعبد الكريم قاسم. فقد ذكر هديب الحاج حمود الذي كان طالباً عند عبد الكريم قاسم، أنه كان هناك سكن ريفي لوالده الإقطاعي يطلق عليه القصر، اتخذه موظفو المنطقة مكاناً لسمرهم، إذ يجتمعون فيه بعد العشاء يتسامرون فيه، إلا عبد الكريم قاسم فقد كان يرفض الحضور إلى القصر.

   

من النافل القول، إن دخول عبد الكريم قاسم إلى الكلية العسكرية، التي كانت تضم أبناء الملاك والبرجوازية الصغيرة وقليل من أبناء الطبقة الفقيرة  لم يغير من أفكار وقناعات عبد الكريم قاسم وخاصة وقوفه إلى جانب الفقراء من أبناء شعبه. فقد ظل يحس بما كان يعانيه الجنود من تعاسة العيش، ولا مبالغة في القول أنه كان الأقرب إليهم، فضلاً عن وقوفه إلى جانب بعض صغار الضباط الفقراء.
لم يكن بوسع عبد الكريم قاسم، الذي بلغ مرحلة الشباب في مطلع ثلاثينات القرن الماضي، أن يبقى بعيداً أو بمعزل عن التيارات السياسية والفكرية التي زخرت بها الحياة السياسية العراقية، كالتيار القومي والتيار الاشتراكي والتيار الشيوعي. ومما يستحق الذكر هنا أن عبد الكريم قاسم قد حسم اختياره الفكري استناداً إلى قناعاته الأولية ووضعه الاقتصادي والاجتماعي بالإصغاء إلى نداءات وأفكار التيار الاشتراكي المتمثل بـ "جماعة الأهالي" الذي عرف بشعاراته التي كانت تخلب اللب، لاسيما فيما يتعلق بالعدالة الاجتماعية، ومعاداته للطبقات الغنية والمستغلة، ووقوفه إلى صف الفقراء.

             

                               حسين الرحال

فقد شاء سعد حظ عبد الكريم قاسم والفقراء، أن يلتقي عبد الكريم قاسم في وقت مبكر من شبابه بأهم الشخصيات الاشتراكية آنذاك ألا وهو حسين الرحال ورفاقه مرات عديدة في مقهى النقيب في منطقة قنبر علي، وأن يسمع منهم الكثير من الأفكار التي راحت تدغدغ مشاعر وأحاسيس عبد الكريم قاسم المستعدة لتلك الأفكار أصلاً. ولا نأتي بالجديد أذا ما قلنا، إن عبد الكريم قاسم لم يعرف بقراءته المستمرة لجريدة "الأهالي" فقط وإنما، لمعظم إصدارات وكتابات "جماعة الأهالي". وعليه فقد نشأ عبد الكريم على أعجابٍ ملحوظٍ بأفكار ومواقف تلك الجماعة، وإعجابٍ أكبر بمواقف "الحزب الوطني الديمقراطي" الابن الشرعي "لجماعة الأهالي" وأفكاره العامة. ومع ذلك يمكننا أن نقرر باطمئنان أن عبد الكريم قاسم لم ينتم إلى أي جمعية أو حزب سياسي.
وجراء لكل ماتقدم كان من المنطقي جداً أن يتشرب ذهن عبد الكريم قاسم بأفكار إصلاحية مهمة، وأن يبلور موقفاً معيناً من الفقراء، وضرورة تحقيق نوع من العدالة الاجتماعية، والتقليل من التفاوت الطبقي الحاد والناجم عن احتكار فئة قليلة من العراقيين لثروة البلاد وحرمان الأغلبية منها.

         

               منطقة البتاوين في بغداد/1948

ولتوضيح ذلك نذكر هنا، أن عبد الكريم قاسم مر وجنوده بعد تمرين عسكري بمنطقة البتاوين التي كانت منطقة للأثرياء فخاطبهم قائلاً " أنظروا إلى هذه الدور أنها سوف تكون ملكاً مشاعاً لكم جميعاً في المستقبل" ومضى ليقول "إن المستغلين سوف يفقدون امتيازاتهم، والمحرومين ينالون حقوقهم".
ولايخلو من مغزى عميق، أن نلاحظ هنا، أن زيارته لبريطانيا قد عمقت في نفسه كثيراً بعدما لاحظ معنى الفقر والحرمان الذي تعيش في ظله الطبقات الفقيرة في العراق بالمقارنة مع حياة البريطانيين، الرغبة في إحداث التغيير والإصلاح الاجتماعي، وفي الوقت نفسه زاد اقتناعه بمسؤولية بريطانيا عن حالة الفقر المستشري في العراق.

                             

ومن أجل فهم أعمق لشخصية عبد الكريم قاسم ومواقفه ننقل هنا شهادة محمد حديد القريب من عبد الكريم قاسم إذ أكد أن موقف عبد الكريم قاسم من كافة العراقيين موقف المساواة بين جميع المواطنين من أي عرق أو دين أو طائفة، وشعر المواطنون في عهده بأنه ليس هناك تمييز في التعامل معهم، وكان قاسم شديد الاهتمام بالوضع الاقتصادي والتركيز على التنمية الاقتصادية ورفع مستوى حياة الطبقات الدنيا.

   

أما سكرتيره الخاص جاسم العزاوي، فقد وصفه بأنه رجلٌ بسيطٌ سواء أكان ذلك قبل ثورة 14 تموز أم بعدها. وعده كاتبٌ أخر بأنه، لا يطمع بالمال، ولا يحب العيش في القصور.بين الرياش الثمينة عيشة الملوك العظماء والأثرياء.

              

بالمقابل أكد اللواء الركن ناجي طالب، أبرز أعضاء اللجنة العليا لتنظيم "الضباط الأحرار" وعدد كبير ممن عملوا مع عبد الكريم قاسم، أن قاسم كان وطنياً غيوراً، حاول مخلصاً خدمة  شعبه، وأن يحقق بعض الإصلاحات التي كان يعتقد أنها تخدم الشعب العراقي .
وإذا ما انتقلنا إلى النقطة المهمة في حياة وسلوك قاسم السياسي والاجتماعي فإننا نقول إن عبد الكريم قاسم كان يمقت الطائفية، إن لم نقل إن تفكير وسلوك قاسم كان عابراً للطائفية . ولم نتجنَ على أحد إذا ما ثبتنا هنا أن تاريخ العراق المعاصر لم يعرف حاكما تجاوز طيلة حكمه الطائفية بشكل يستحق الإشادة مثلما فعل عبد الكريم قاسم، وعلية لم يكن غريبا أن يحتل هذه المكانة الكبيرة في نفوس وعقول أغلبية العراقيين.

               

ربما تفيدنا هنا شهادة أحد المعارضين له المحسوب على التيار القومي آلا وهو الدكتور عبد الحسن زلزلة. الذي قيمه بهذه الكلمات التي لا تحتاج إلى مدارك كبيرة لفهم مدلولاتها إذ قال: " كان قاسم رجلا وطنيا وغيورا على أبناء شعبه لاسيما الطبقات الكادحة، دون النظر إلى انتماءاتهم العرقية والمذهبية، وكان في أعماقه يمقت الطائفية والطبقية بشكل غريب، وأعتقد أنهما من أهم الأسباب التي عجلت بسقوطه ".

      

   مواقف عبد الكريم قاسم المبكرة من الطبقات والفئات الاجتماعية
لما كان الزعيم الركن عبد الكريم قاسم قد حسم خياراته وبشكل نهائي وفي وقت مبكر وهي الوقوف إلى جانب الفقراء، فإنه . لم تمضِ إلا أياما معدودة على انتصار ثورة الرابع عشر من تموز 1958، التي فجرها هو وبالتعاون مع العقيد الركن عبد السلام عارف، حتى أعلن تخفيض أسعار الخبز، وفي الوقت نفسه أعلن تخفيض أسعار الدقيق الذي كانت توزعه الحكومة على المخابز والأفران، على أن تتحمل الدولة الفرق بين كلفة الدقيق وسعره الجديد. لا شك في أن هدف عبد الكريم قاسم كان تمكين الفقراء الحصول على الخبز الذي يحتاجون إليه  وبأقل الأسعار. فضلا عن ذلك حرص عبد الكريم قاسم على معرفة مدى تطبيق هذا القرار. ففي إحدى جولاته التفقدية للأفران وجد صاحب أحد الأفران واضعا لقاسم صورة كبيرة، فما كان منه إلا أن خاطب صاحب الفرن صغر هذه يقصد صغر حجم الصورة وكبر هذه أي الصمونة.
كما أمر عبد الكريم قاسم ومنذ الأيام الأولى للثورة بعدم التلاعب بأسعار الحاجيات الأساسية للشعب وتثبيت الأسعار عليها. واتخذ قراراً مهماً خاصاً بالطبقة العاملة العراقية يوم 27 تموز 1958، وهو جعل ساعات العمل وأجور الساعات الإضافية خاضعة لقانون العمل، بعد أن كانت خاضعة لاجتهادات شخصية. ومضى عبد الكريم قاسم في إجراءاته التي كانت يستهدف بها الكادحين والفقراء عموما. فأمر مصرف الرهون تسليف القروض المالية للعمال والمستخدمين من ذوي الدخل المحدودة بعد أن خصص لذلك مبلغ 750 ألف دينار، على أن تسترد السلفة بأقساط شهرية بسيطة. وفي الوقت عينه أسس عبد الكريم قاسم صندوقا خاصا لتقاعد الموظفين والمستخدمين في الدوائر شبه الرسمية.

              

ولكي تكتمل الصورة وطبيعة مواقف عبد الكريم قاسم خاصة من الفقراء، فإننا نقول إنه من الموضوعات المهمة التي أولاها عبد الكريم قاسم اهتماما خاصا، فطالما كرر في خطاباته، أن هدفه الأساس هو رفع مستوى معيشة الفقراء إلى المستوى الملائم للحياة الإنسانية الكريمة. وفي مناسبة أخرى كان قاسم أكثر وضوحا، فأكد، أنه باستطاعتنا مساعدة الفقراء لرفع مستواهم إلى مستوى الأغنياء، دون العمل على المس بمستوى الأغنياء.
كما أولى عبد الكريم قاسم الطبقة الفلاحية اهتماما كبيراً. فقد ألغى أولاً نظام دعاوى العشائر الذي أثقل كاهل الفلاحين بالتزامات لم ينزل بها سلطان، وجعل الفلاحين يخضعون للقانون المدني شأنهم في ذلك شأن سكان المدن. بعد ذلك التفت إلى الإقطاع الذي أذل الملايين من الفلاحين العراقيين، فبعد جهود متواصلة استطاعت حكومة الثورة من صياغة الإصلاح الزراعي الذي دخل التاريخ بـ" قانون رقم 30 لسنة 1958" الذي أذاعه قاسم في مساء يوم الثلاثين من أيلول 1958. قال عبد الكريم قاسم في بيانه موضوع البحث، إن من أهداف ثورة 14 تموز تحقيق الإصلاح الاجتماعي، وضمان العدالة بين أبناء الشعب كافة، وتحريرهم من عوامل الفقر وأسباب الخوف، وتخليصهم من الجهل والمرض. وأستطرد عبد الكريم في بيانه قائلا : "ولبلوغ هذه الأهداف لابد من رفع مستوى المعيشة للفقير إلى المستوى الملائم لحياة إنسانيه كريمة، وإن ذلك لا يتم إلا بتشريع قانون الإصلاح الزراعي الذي يعد القاعدة الأساسية للإصلاح الاجتماعي". بعد ذلك تعهد أمام الكل بأن الأرض ستوزع على الفلاحين ليصبحوا مالكين للأرض. يؤشر ذلك نهاية الإقطاع في العراق، وبداية لعهد فيه خير كثير لأبناء الشعب العراقي.
لا شك في أن عبد الكريم قاسم حقق جانبا مهما من أهدافه المتمثلة بتحويل الفلاحين الفقراء الذين كانوا يعانون من أشد أنواع الإملاق إلى مالكي الأرض الزراعية، ولا يستطيع أحد أن يشاركهم في إنتاجهم . وقد تم كل ذلك بإصدار قانون الإصلاح الزراعي. ولا مبالغة في قولنا إنه حرر ملايين الفلاحين من عبودية الإقطاعيين.
حرص عبد الكريم قاسم على متابعة تطورات تطبيق قانون الإصلاح الزراعي، فأذاع بصوته باعتباره رئيس الهيئة العليا للإصلاح الزراعي يوم 7 كانون الأول 1958 القائمة الأولى لكبار الإقطاعيين الذين خضعوا لقانون الإصلاح الزراعي، وتقرر الاستيلاء على الفائض من أراضيهم . ولم ينس عبد الكريم قاسم تحذيرهم من محاولات عرقلة تنفيذ القانون المذكور. وفي اليوم التالي، تلا عبد الكريم قاسم القائمة الثانية من المشمولين بقانون الإصلاح الزراعي.
مهما يكن من أمر، فإن عبد الكريم قاسم قام في الذكرى الأولى لثورة 14 تموز بتوزيع سندات تملك الأرض على عدد من الفلاحين . وعندها أظهر البعض الكثير من مظاهر الاحترام له، رد عليهم:" بأن هذا حقكم الطبيعي في هذه الأرض". لا بأس أن نورد رأي الكاتب الكبير حسن العلوي في ذلك، إذ قال:" كان الفلاحون يذكرون لعبد الكريم قاسم، أنه أعطاهم الأرض وعليه فإن قانون الإصلاح الزراعي فضيلة عبد الكريم قاسم الكبرى".
من المناسب أن نذكر هنا، أن عبد الكريم قاسم رحب أيما ترحيب بأسبوع معونة الشتاء الذي بدأ في الأول من كانون ألأول 1958، والمشروع يهدف أولا إلى جمع الكسوة الشتوية للمعوزين من العراقيين، فهو لم يكتفِ بأن استهل الأسبوع المذكور بكلمة ألقاها من دار الإذاعة العراقية فقط وإنما، كان أول المتبرعين في هذا المشروع الإنساني وذلك من خلال تقديمه مبلغا كبيرا جدا حسب مقاييس تلك الفترة والبالغ قدره 1500 دينار. وفي الوقت نفسه حث عبد الكريم قاسم كافة المواطنين المساهمة في هذا الأسبوع أن كان ذلك عن طريق التبرع بالأموال أو بالمواد العينية، من أجل الترفيه عن المعوزين ومساعدتهم في تحمل أعباء الحياة.

   

لما كان عبد الكريم من أصحاب النفوس الكبيرة، وأن حبه لوطنه ولشعبه كل شعبه لا حدود له ولا شائبة عليه، فإنه ليس غريبا أن يشمل برعايته حتى من أنزلهن القدر والظلم الاجتماعي إلى البغاء. فإنه لم يكتفِ بإسكانهن في مدينة الرشاد التي أنشأها خصيصا لهن وإنما، حرص على تأسيس عدد من المراكز في المدينة المذكورة لتعليمهن الخياطة والحياكة.
بعد ذلك كله، يبقى لنا أن نشير إلى موقف خاص لعبد الكريم قاسم يليق به فقط، وفيه قدرٌ كبيرٌ من نبل الفرسان القدامى، موقفٌ بلغ فيه ذروة المجد. فقد أهدى عبد الكريم قاسم بلدية الصويرة التي احتاجت إلى الأرض لبناء ثانوية للبنات، بيت عائلته الذي عاش فيه عدة سنوات، فضلا عن عدة بيوت لأقاربه كانت ملاصقة لذلك البيت. لا بد أن نترك عبد الكريم يوضح لنا ذلك إذ قال في كتاب أرسله إلى وزارة المالية في 21 أيار 1960 ما نصه:
" يسرني جدا أن أضع تحت تصرف أبناء الشعب الدور والأملاك المسجلة بالطابو، وهي دور سكن في قضاء الصويرة كانت تعود إلى والدي وأقاربي، وقد قضيت فيها أيام طفولتي ودراستي الأولى حتى الصف الرابع ". ومضى عبد الكريم قاسم في كتابه ليعلن رغبته أن يستفيد منها أبناء الشعب عندما قال : " وأرغب أن يستفيد منها أبناء الشعب في الجمهورية العراقية الخالدة، بشرط أن يجري توحيد هذا الإرث بقطعة واحدة تأخذ تسلسل 2/1 /21 وهي دار بيتي كنت أسكنها مع والدي وأهلي في الصويرة ". بعد ذلك يشرح عبد الكريم قاسم هدفه من ذلك لله، وهو الاستفادة منها في بناء مدرسة أو معهد خيري، ولا بأس أن نترك عبد الكريم قاسم يوضح ذلك بالحرف الواحد: "يتم توحيدها وتسليمها باسمي لتوهب إلى الدولة وتسجل نهائيا باسم وزارة المالية وتهيأ لاستفادة أبناء الشعب منها كمدرسة للبنين والبنات أو معهد خيري".

عن رسالة (قاسم وسكان الصرائف في بغداد)

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1187 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع