محطات في سفر شباط 1963
بقلم: صديق المجلة - بغداد
بعدان اعطت بريطانيا العراق استقلاله وتتويج فيصل الاول ملكا عليه واتخذ النظام السياسي الملكيه طريقا وبدأ مرحله مهمه من البناء كدوله مدنيه حديثه تمكنت من اخذ مكانتها في المنطقه والعالم واصبحت عضوا في عصبة الامم وكانت العراق يعتبر من النماذج المتطوره في العالم الثالث وخاصة في منطقة الشرق الاوسط ..
وبعد وفاة فيصل الاول وتولي غازي ابنه كرسي العرش بدا العراق يدخل في مهاترات ومزايدات واطماع بعض العسكر والانقلابات العسكريه وكان لضعف غازي السياسي وقلة خبرته سببا في هذا ..
وبعد وفاة غازي وتسليم العراق الى الوصي عبد الاله الذي لم يكن محبوبا من العراقيين زادت النقمه حتى جائت حركة مايس وتلتها حرب فلسطين وتوجتها ثورة مصر 1952 ...
كل هذه كانت عوامل تحرك الشارع العراقي وتدفع باتجاه التغيير الذي تم صباح يوم 14 تموز 1958 في انقلاب عسكري لنا فيه راي وقول سابق حتى بدأ الصراع بين القوى الوطنيه اليساريه منها والقوميه وانعكس ذلك على القياده العسكريه للانقلاب بين قاسم من جهه وعدد من العسكريين من جهه..
اخرى على راسهم عبد السلام عارف ومن هنا بدأ الصراع الذي ادي ادي الى انقلاب شباط 1963 ومارافقه وماسبب اليه ودفع منفذيه نتطرق اليها في محطات مختصره :
بعد نجاح الانقلاب الذي قيل فيه الكثير بدا الخلاف والصراع بين منفذيه حتى وصل حد التصفيات المتبادله والاتهام بالتآمر وتخوين احدهم للاخر وكان قطبي الصراع عبد الكريم قاسم والشيوعيين من جهه وعبد السلام عارف والقوميين من جهه اخرى ..
الصراع على السلطه
بعد نجاح الحركه في 14 تموز 1958 تم تشكيل حكومه ضمت مختلف الفئات السياسيه من قوميين وشيوعيين ومستقلين وعسكريين..
وشكل مجلس سياده براسة الفريق محمد نجيب الربيعي وعضويه شخصيتان احدهم شيعي وآخر كوردي واسند منصب رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحه ووزير الدفاع الى العميد الركن عبد الكريم قاسم ومنصب نائب القائد العام ووزير الداخليه الى العقيد الركن عبد السلام محمد عارف ولكن لم تمضي شهورا ثلاثه على الحركه حتى دب الخلاف بين اعضائها وبدأ الصراع واحتضن قاسم الشيوعيون سندا له واقصي الاخرين وعلى راسهم عبد السلام عارف وحكم لاحقا بالاعدام ..
ظهور اول ديكتاتوريه عسكريه
لقد حكم قاسم العراق بعقلية القائد العسكري واعتبر الباقي هم معيته ودونه بالرتبه وعليهم تنفيذ اوامره وبدأ بالاستفراد بالسلطه والتفرد باصدار القرارات وابعد كل معارضيه وفي مقدمتهم اعضاء تنظيم الضباط الاحرار والحركه الوطنيه..
ونفذ احكام الاعدام بخيرة هذه المجموعات وعلى رأسهم مؤسس تنظيم الضباط الاحرار المرحوم ( رفعت الحاج سري) ..
ولم يمضي عام على الانقلاب العسكري حتى باتت افواج المليشيات الشيوعيه تجوب شوارع العاصمه والمحافظات وتعبث بالامن وفق رؤيتها واهدافها وتحت بصر وقبول قاسم ومن جانب اخر لم ينتهي عام 1959 حتى بات جميع اعضاء حركة الضباط الاحرار اما امواتا بالاعدام او في غياهب المعقلات وهروبا خارج العراق وبات الحزب الشيوعي مهيمنا على البلاد من شمالها بمساعدة الكورد الى وسطها وجنوبها وتغلغل في مؤسسات الدوله والجيش والاجهزه الامنيه وغيرها من مرافق الدوله ..
عمل قاسم على جمع جميع السلطات في يده ووضع مجلس السياده واجهه وديكور لاحول له ولاقوه حتى بدأ الناس يتندرون بهذا المجلس وبسكوته .
واصبح قاسم هو مصدر السلطات التشريعيه والتنفيذيه وحتى القانونيه من خلال محكمة الشعب التي مزقت القانون وجعلت العالم يتندر بالنظام القضائي العراقي لما كان يجري فيها وغاب ممثلي الشعب عن الحياة السياسيه لعدم وجود برلمان ولا مجلس اعيان ولا اي جهه تمثل الشعب حتى مجالس بلديه لم يكن لها وجود..
اعتمد قاسم على الطبقات الفقيره وخاصة الوافده منها من داخل وخارج العراق لتاسيس قاعده شعبيه او لغرض اخر ليس مجال الحديث فيه هنا ولكنه تسبب في ضرر العاصمه بغداد واضر في الزراعه والنظام الاجتماعي ..
لقد كان قاسم معاديا لتيار حركة القوميه العربيه ومعاديا لعبد الناصر الذي اجتاحت شعبيته الوطن العربي ولم يكن ميالا للتقارب العربي وكان قاسم ينكل بالقوميين والوطنيين ومنهم رشيد عالي الكيلاني الذي حكم بالاعدام ارضاءا لمطالب انكليزيه كما اعتبرتها الفئات الوطنيه .
حادثة محاولة اغتيال قاسم تشرن الثاني 1959
كانت هذه الحادثه بمثابة جرس الانذار لقاسم واصحابه وللحزب الشيوعي الذي تمادى في جرائمه وكانت بمعزل عن القيادات السياسيه البعثيه بل هي تصرف فردي من قبل ( امين سر قيادة قطر العراق لحزب تالبعث ) فؤاد الركابي متخطيا ممانعة القياده الحزبيه والتي تسببت بنتائج كارثيه على حزب البعث وفي نفس الوقت رفعت من رصيده بين صفوف الشعب وبالرغم من نجاة قاسم من الموت باعجوبه الا انها كانت ضربه موجعه لنظام الحكم ولقاسم ادت الى تقليص حجم وسيطرة الشيوعيين في البلاد ..
احداث الموصل وكركوك 1959
لقد تقصد الشيوعيين استفزاز الموصل حصرا لكونها قاعده للقوميين العرب وذات اغلبيه عربيه ولها تواصل مع سوريا ولذلك اصر الشيوعيون ان يسير قطار السلام الى الموصل لعقد مؤتمر فيها واجتماع القياده المركزيه للحزب الشيوعي والتي استضافت اعضاء قياديه من الاحزاب الشيوعيه في اسرائيل وايران وموسكو وعقد مؤتمر في دير ماركوركيس في عين كاوه في اربيل واتخذ قرار بذبح العرب الذين يقومون بالتظاهر والتنكيل بهم وهناك لنا تفصيل حول هذا الموضوع في مقال سابق وكان لهذه الاحداث وما تلاها من محكمة القصاب والاعدامات العشوائيه التي نشاهد مثيل لها الان وبنفس الطريقه البشعه..
كل ذلك حشد العداء ضد قاسم الذي رفض كل النصائح التي قدمها له امر لواء المشاة الخامس المسؤول عن الموصل المرحوم عبد الوهاب الشواف وكذلك قائد الفرقه الثانيه ناظم الطبقجلي وغيرهم من الخيريين وطالبوه بمنع هذا المؤتمر ولكنه اصر على انعقاده في الموصل وبرعايه المهداوي وماجد محمد امين وكوادر شيوعيه معروفه ..
تركت هذه جرحا كبيرا لدى العروبيين في كل العراق مما زاد في كراهية النظام وعجل بازاحته ..
سلام عادل
موقف الحزب الشيوعي صبيحة يوم 8 شباط
اتهم الشيوعيون بان البعثيين استهدفوهم في البيان رقم (13) وعند الرجوع الى البيان وجد انه يستمد مشروعيته ومبرراته من مدى مشروعية ومبررات بياني قيادة الحزب الشيوعي العراقي اللذين اصدرهما ـ حسين الرضي (سلام عادل) ـ في الساعات الاولى من صبيحة يوم (الجمعة 14ـ رمضان ـ 8 شباط/1963)أي خلال الفترة ما بين الساعة العاشرة والحادية عشر من صبيحة ذلك اليوم واللذين تضمنا نداءاته الى اعضاء حزبه ومؤازريه لحمل السلاح والنزول الى شوارع بغداد لمقاومة الثورة من خلال الدعوة الى ابادة (البعثيين وحلفائهم الناصريين) القائمين بالثورة وذلك بـ (سحقهم بلا شفقة وبدون رحمة) و (سحق المؤامرة الرجعية الامبريالية) والقضاء عليها بـ (سحق المتامرين عملاء الامبريالية) ودون ان تستهدف ثورة 14- رمضان- 8 شباط/1963 الشيوعيين اساسا اوان تكون في نيتها التصادم معهم اطلاقا مالم ينزلقوا الى مقاومتها برفع السلاح ضدها دفاعا عن نظام ـ عبد الكريم قاسم ـ وكأنه نظام بروليتاري ـ والذي كان يضرب الشيوعيين على ظهورهم وقد وصفهم بـ (الفوضويين) نتيجة المذابح والمجازر التي ارتكبت من قبلهم سواء في الموصل او في كركوك في اذار وتموز عام 1959 على التوالي وبما لم يرتكب مثلهما من الفظائع لا هولاكو عند احتلال بغداد ولا الصهاينة في مجزرة (دير ياسين) بفلسطين كما كان قد وصفهم بـ (العملاء) حسب هامشه المؤرخ في 9/3/1960 المدون والمثبت على الاعتراض المقدم من قبل (زكي خيري) بتاريخ 7/3/1960 نيابة عن قيادة الحزب الشيوعي العراقي انذاك بغية الحصول على اذن او اجازة (ترخيص) لمزاولة النشاط السياسي العلني كما يقتضي ذلك حسب القانون، الا ان (عبدالكريم قاسم) لم يمنح الحزب الشيوعي العراقي مثل هذا الترخيص بالرغم من قيام الحزب المذكور بتغير اسمه الى (حزب اتحاد الشعب) بل اجاز حزب شيوعي صوري شكله بايعاز منه الشيوعي المنشق (داود الصائغ) الذي اصدر جريدة تنطق بلسانه باسم جريدة (المبدأ)...
فالحزب الشيوعي العراقي ببيانيه اللذين اصدرتهما قيادته انذاك (حسين الرضي ـ سلام عادل)، كان قد قرر ومنذ اللحظات الاولى لنجاح الثورة شن الهجوم المسلح وفتح النار عليها دون أي مبرر حقيقي الا في حالتين ان يكون قد تلقر امرا من موسكو بذلك او ان يكون قدر موقفا بان الشيوعيين سيكونون مستهدفين بسبب افعالهم السابقه معيدا الى الاذهان صورالمذابح والمجازر التي ارتكبها الشيوعيون ابان فترة المد الاحمر المرعبة عام 1959، واضعا بذلك قيادة الانقلاب رغما عن ارداتها امام خيار صعب لا رجعة فيه... اما الدفاع عن النفس بالرد السريع الحازم والحاسم دون أي تردد امام مثل هذا الهجوم غير المبرر او الموت والفناء... وهل يمكن التصدي دفاعا عن النفس بقفازات من حريرامام رافعي السلاح وحملته من المهاجمين الا باستلهام عبارة او قول - لينين- (لاينبغي التراجع من استخدام البربرية ضد البربرية).. وهنا لست بمعرض الدفاع عما جرى في شباط 1963 وخاصة ماتلاه من اعتقالات وقتل وتعذيب للشيوعين ولكني ذكرت المبرر الذي قدمته القياده الشيوعيه للثوار لكي يفتحوا عليهم النار ..
القطار الامريكي
تكررت هذه المقوله( لقد جئنا بقطارعلى ظهر قطار امريكي في شباط 1963 ) التي تم اسنادها الى المرحوم علي صالح السعدي( يقال انه شيعي كوردي فيلي من ديالى) وانه ذكرها امام صحيفه او في تجمع وهنا للحقيقه وللتاريخ اورد نص تكذيب المرحوم علي صالح السعدي في لقاء جمعني به في مكتب المحامي المرحوم يحيى الدراجي عام 1972 ووجهت له هذا السؤال فنفى بشده واقسم ان هذا كذب ,, والانقلابين لم ياتوا في الحقيقه بدعم امريكي لامادي ولا سياسي معلن بل جاءؤوا في وضح النهار وعلى ظهور دباباتهم العراقية ولم يكونوا من منفذي مشروع خارجي اجنبي ولم يحملهم اي قطار كمايزعم بعضهم حقدا على تلك الثورة القومية... واذا كان مايقوله الشيوعيون حقيقه فالانقلابين ليسوا اسوء من التحالفات الشيوعيه مع اسرائيل واعترافهم بها ورفضهم اصدار اي بيان ضدها .
ماذا فعل الانقلابيون بعد نجاح الانقلاب
تكررت مأساة العراقيين واستبدلوا المقاومه الشعبيه بالحرس القومي وعادت المليشيات الى الشوارع وتحكمت بالبلاد شبيبه من الصغار غير قادرين على التعامل مع حدث كبير مثل هذا وملئت السجون والمعتقلات بالشباب والرجال وفتحت معنقلات وقتيه مثل نادي النهضه في الكراده الشرقيه وبناية جريدة البلاد في ساحة الفتح ونادي الاعظميه وغيرها لاستيعاب العدد الكبير من المعتقلين من اعضاء الحزب الشيوعي ومؤيديهم وجرت عمليات تعذيب وقتل واساءه واعتقد ان السبب يعود الى الانتقام مما حدث في الموصل وكركوك وبغداد اضافة الى قرار القياده الشيوعيه بمقاومة الانقلاب الامر الذي اتاح للانقلابيين المبرر لعملية الرد القاسي جدا وتتحمله القياده الشيوعيه اضافة الى الانقلابيين .
الاستنتاجات
1 . الانقلاب في تموز 1958 لم يكن بصالح العراق واسس الى قائمه من الانقلابات الدمويه لاحقا .
2 . اسس تموز لاول ديكتاتوريه بعد حكم ديمقراطي دام 37 عاما .
3 . تقريب جهه على حساب جهه امر غير صحيح ويؤدي الى صراعات وعمليات انتقام .
4 . استغلال بعض الجهات السياسيه لحاه ما وتربعها على الحكم يؤدي الى صراع دموي .
5 . تموز 1958 اسست الى تفرقة الشعب العراقي كان اثره واضحا في شباط 1963 .
6 . الصراع بين اشقاء الامس بعد نجاح الانقلابات كان سمه متوارثه وادت الى كوارث سياسيه وانسانيه .
7 . يجب ابعاد العسكر عن ميدان السياسه كما يجب ابعاد رجال الدين ايضا .
8 . ما يحدث اليوم في العراق هو تحصيل حاصل لما تم تاسيسه في ما مضى ..
تحياتي لكم
صديق المجلة - بغداد
1175 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع