من أسرار مقتل العائلة المالكة في العراق

   

  

الملك يتهيأ للسفر صباحاً...

العقيد طه البامرني: الامير عبد الاله طلبني وعلى وجهه امارات التعب والخوف

  

كان نصيب الملك فيصل الثاني من احداث يوم 14 تموز 1958 تلك القوة التي أمرت بالتوجه لمحاصرة قصر الرحاب.

         

صدرت الاوامر من العقيد الركن عبدالسلام عارف الى النقيب (منذر سليم) آمر السرية الثالثة خلال تقدم اللواء العشرين نحو بغداد بمحاصرة قصر الرحاب والقبض على الملك فيصل الثاني وعبدالاله والحيلولة دون فرارهما، وقد اخبر العقيد عبدالسلام عارف النقيب منذر سليم بانه ارسل بطلب الرئيس عبدالجواد حميد ليكون تحت امرته مع سريته للهدف نفسه. فأصبحت القوة مؤلفة من سريتي مشاة بتعداد سرية واحدة (150) جندياً. في الساعة السادسة صباحاً وصلت هذه القوة الى قصر الرحاب واخذت مواقعها على الرصيف المقابل للقصر. وارسلت ثلة من الجنود الى خلف القصر لتطويقه والحيلولة دون فرار الاسرة المالكة.

          

في هذا اليوم 14 تموز كان الملك فيصل الثاني قد اعد نفسه للسفر الى تركيا صباحا برفقة خاله عبدالاله ورئيس الوزراء (نوري السعيد) لحضور اجتماعات حلف بغداد...

     

على ان يغادر تركيا بعد ذلك الى لندن للقاء خطيبته الاميرة (فاضلة). وكان الملك فيصل الثاني قد اجمع على السفر الى خارج العراق في 7 تموز 1958 لحضور اجتماعات حلف بغداد وكان اكثر اهتماماً بلقاء خطيبته من صراع الخطب السياسية في اجتماعات الميثاق.

                         

كان حريصا على عدم تأخير السفر ساعة واحدة عن موعده المقرر. يذكر (توفيق السويدي) رئيس وزراء العراق في مذكراته: ان وزير مالية الاتحاد العربي (عبد الكريم الازري) جاء اليه واخبره بان قانون الخدمة الخارجية للاتحاد العربي قد انجز وهو يتمنى ان يتوجه بتوقيعه. وقد سبق ان توجه الى الملك ورجاه ان يؤجل سفره بعض الوقت ليتم التوقيع فرفض الملك تأجيل سفره..استيقظ الملك فيصل الثاني صباح يوم 14 تموز مبكرا واذا بأحد الخدم يسرع إليه راكضاً ليخبره بانه سمع الراديو يعلن عن قيام ثورة، فاتخذ الملك طريقه الى خاله (عبد الاله) الذي كان يحلق وجهه ورن جرس (الهاتف) في مقر لواء الحرس الملكي، وكان المتكلم النقيب (عبد الرحمن محمد صالح الدباغ) فاخبر رئيس الخفر بوقوف بعض سيارات الجيش على الشارع العام امام القصر ونزول بعض الجنود منها وامتدادهم على الشارع والرصيف متخذين وضع الرمي وتم اخبار من في القصر بذلك هاتفياً بواسطة الملازم (فالح زكي حنظل) احد ضباط الحرس الملكي. بدأت الرشقات الاولى باتجاه قصر الرحاب في الساعة السادسة والربع صباحا فأصابت نوافذ غرفة نوم عبدالاله في الطابق الاول وحطمت زجاج نوافذه ما ادى الى ذهول الحرس.

                             يذكر العقيد (طه البامرني) وكيل آمر الحرس الملكي انذاك بان الاميرعبدالاله طلبه على الفور، وكان بملابس النوم وقد ارتسمت على وجهه امارات التعب والخوف، فأديت له التحية العسكرية ثم حضر الملك فيصل الثاني وكان يرتدي سروالاً وقميصاً مدنيين، ولم يتفوه بكلمة واحدة. ويقول قال لي ولي العهد:

ما هذا يا طه؟

اجبته: لقد قام اللواء العشرون بحركة انقلا ب،

فقاطعني بقوله: نعم، وقد شكلوا حكومة ألم تسمع الراديو؟

اجبته: كلا لم اسمع.

وفي نهاية اللقاء القصير قال لي ولي العهد:

قدم الفوج الى منطقة القصر واستعد للمقاومة الى ان تحضر النجدات قريباً منا، ولكن لا يجوز اعطاء أمر الرمي الا بأمر مني، تفضل لواجبك.

اما الملك فلم يتفوه بكلمة واحدة فاديت لهما التحية العسكرية وانصرفت. اراد الامير عبد الاله كسب الوقت من اجل الاتصال بالقوات الموالية له. فارسل (ثابت يونس) احد ضباط الحرس الملكي ليدعو ضباط القوة المهاجمة الى التفاوض في الوقت الذي امر فيه بفتح المشاجب وتوزيع السلاح والعتاد على الحرس الملكي والاتصال هاتفياً بضباط فوج الحرس الملكي القريبة بيوتهم من الحارثية مثل الرئيس (هاشم كمال) مساعد الفوج وضابط الاعاشة الرئيس (كامل) كذلك اجرى محاولات للاتصال بقوة الشرطة السيارة واللواء الاول من الفرقة الاولى في المسيب، وهاتان القوتان كانتا اهم العناصر في خطة امن بغداد..

       

وفي غضون ذلك اتصل الشريف حسين زوج الاميرة (بديعة) شقيقة عبدالاله الذي كانت داره مجاورة لقصر الرحاب بالملك فيصل الثاني بواسطة خط هاتفي خاص بعد ان سمع اطلاق النار واخبره بانهم غدوا محاصرين، وقال له: ان كنت ترغب فلسوف ابعث اليك ببعض من حرسي..اصبح الصباح على بغداد يوم الاثنين 14 تموز ونهض الخدم في قصر الرحاب باكراً جداً استعداداً لسفر الملك بعد قليل وكانت الملكة (نفيسة) وهي تركية الاصل قد قضت الليل كله ارقة فايقظت مع خيوط الفجر الاولى ابنتها الاميرة (عابدية) ثم انضمت اليها الاميرة (هيام) وعند الساعة الخامسة والدقيقة العاشرة تماماً سمع من في القصر طلقات نارية ضعيفة آتية من بعيد. فخرج رجال الحرس الى الحديقة والمراتب نحو الباب الرئيس يبحثون عن مصدرها فلم يروا شيئاً وظن الجميع انها آتية من جهة معسكر الوشاش احد مراكز تدريب الجيش والحقيقة انها آتية من جهة بيت نوري السعيد الذي بدأ الهجوم عليه، وما لبث ازيز الرصاص ان تجدد واشتد وكانت الساعة قد بلغت الخامسة والثلث، فخرج الملك فيصل الثاني من غرفته وقد ارتدى ملابسه فوجد الملكة نفيسة والاميرة عابدية والاميرة هيام واقفات مع خادمتين في البهو على مقربة من الشرفة يتطلعن خارجاً، ثم خرج الامير عبدالاله من غرفته وهو ما يزال بثياب النوم، وقال للحرس:

روحوا شوفوا.

وارتد الامير نحو الهاتف وجرت محاولات للاتصال بالاركان ثم برئاسة الوزراء ولكن دون جواب. وهنا اخذ الرصاص ينهال من الخارج باتجاه القصر على غير هدى فيضيع اكثره طائشاً في الحديقة، وكان بعض رجال الحرس يردون بطلقات متقطعة، وفي البهو وقف الملك فيصل الثاني والامير عبدالاله يتبادلان الرأي، وحولهما الملكة (نفيسة) والاميرة عابدية والاميرة هيام ووقف على مقربة منهم خدم القصر المقربون وقال الامير:

اعتقد هذه الحركة من الجيش ضدنا، انا كنت انتظرها.

ولاحظ الامير ان الخدم يصغون فأخذ يتكلم باللغة التركية. ولوحظت الملكة نفيسة تشد كتف نجلها عبدالاله والاميرة عابدية تطوق الملك فيصل الثاني، وما لبث الامير عبدالاله ان ترك الحلقة، واتجه صوب غرفته وهو يقول بالعربية: (اذا كانوا ما يريدونا، احنا ما نبقى).

وخرج الامير من غرفته يحمل ورقة بيضاء، وناولها للملك ثم نزل الاثنان على السلم الى الطابق الارضي، وفي اسفل السلم وجدا الرئيس/ النقيب (ثابت) مرافق الملك في انتظارهما، فسأله الملك:

ماذا تعرف؟

فاجاب: سيدي شاهدت بعض الدوريات واقفة في آخر الطريق، وحولها بعض الجنود يطلقون النار، واقدر عددها بخمسين جندياً، واعتقد اننا قادرون بكل سهولة على سحقهم.

فقال الامير: (ما نريد سحق احد، اذا كانوا ما يريدونا، نحن حاضرين نروح). فاعترض الرئيس (ثابت) وابدى شكوكه في تقدير الامير للموقف وطلب اصدار الامر الى لواء الحرس الملكي بالتأهب واحتلال مواقعه، فرفض عبدالاله، ولما ألح ثابت، هتف الامير قائلاُ: (اسكت.. اسكت. هم ماراحوا يقتلونا ونحن حاضرون نروح ونترك لهم كل شيء، اما اذا جرت مقاومة فقد يحدث الاسوأ الافضل اذن ا لا نقاوم وان لانعطيهم حجة).

ودار البحث اكثر من مرة في الهرب من القصر ما دامت الطرق حوله ما تزال مفتوحة من جهتين، وتردد اقتراح بتهريب الملك في الاقل، ولكن الامير قال (ماكو لزوم، ما راح يقتلونا، واحنا نروح ونتركهم). ودخل الملك والامير الى الصالون الكبير في الطابق الارضي وهو المكان الذي اعتاد الامير ان يستقبل فيه زائريه، وقال: انا اعترف، اذا بقيت الامور على هذه الحال فسيدخلون علينا الى هنا ويقتلوننا ها هنا.

فقال له محدثه: اذن ماذا تنتظرون لكي تعدلوا هذه الامور؟ فأجاب الامير بحدة: ان ايدينا مغلولة لقلة الرجال وزحمة الحوادث..

في تلك اللحظة وهو يسمع الرصاص يدوي خارج القصر، كيف اشار بأصبعه الى الارض تكراراً وهو يقول: ويقتلوننا هاهنا ومن العجيب ان الرجل الذي توقع سنة 1957 ان يقتحم خصومه القصر لكي يقتلوهم فيه لم يخطر له وهو يرى توقعه يتحقق امام عينيه، لأن المهاجمين آتون لقتلهم. بل استقرت هذه القناعة منذ ان سمع الرصاصة الاولى .. وهكذا لما سمع الامير الطلقة الاولى ذلك الصباح عقد العزم على الذهاب بدلاً من الثبات والمقاومة، اما الملك فيصل الثاني فلم يكن له رأي بوجود خاله الى جانبه، وفيما كان الامير عبدالاله يتوقع ان يفسح الثوار الطريق للاسرة المالكة كي تذهب الى المطار، وكانت الساعة قد قاربت السادسة،واطلاق النار في اشتداد شوهد العقيد(طه البامرني) آمر فوج الحرس الملكي يدخل من المدخل الخارجي بسيارة مصفحة ليجتاز الحديقة ويتوقف فيها امام الباب الداخلي ويهبط وكان آتياً من مقره في قصر الزهور. وما ان رآه الخفراء الواقفون على الباب حتى صاحوا به: وين الجنود ؟ وين الحرس؟ فاجاب: اريد اشوف الملك والامير اولاً.

ودخل البامرني عليهما وهما في الصالون الكبير ومعهما مرافقان، وقال بعد مقدمة: لما شاهدنا الحركة ارسلنا احد ضباط الحرس نحو الجنود. فأخذوه الى رئيسهم وهو ضابط صغير اسمه (عبدالجواد حميد) فقال: ان الثورة قد قامت وانه مطلوب من الاسرة المالكة ان تسلم نفسها له، وقد علمنا ياسيدي انهم شكلوا جمهورية من عندهم، ولكن قوتهم ضعيفة، ونحن بانتظار امركم لمقاتلتهم لم يلق الشريف حسين استجابة من الملك فيصل الثاني الذي كان يتحدث بهدوء معه ربما كان من هول الصدمة . واعتقد الشريف حسين ان الملك فيصل الثاني ربما كان سيعتمد على الحرس الاحتياطي الموجود في قصر الزهور والذي لابد وانه قد طلبه كذلك. حاول سائق الملك فيصل الثاني اقناعه بالخروج من احد جوانب القصر ومغادرة بغداد الى الديوانية ولكن الملك رفض ذلك.

           

فقد سدد النقيب (عبد الستار العبوسي) ثلاث قنابل بازوكا نحو القصر فتصاعد الدخان من الطابق العلوي، وتصاعدت ألسنة اللهب من غرف القصر، فاضطر وكيل آمر الحرس الملكي العقيد (طه البامرني) للاستسلام بعد ان اخبر الامير عبدالاله بان الهجوم توسع وان اعداداً كبيرة من جنود معسكر الوشاش يشاركون في الهجوم ايضا، عندها طالبت القوة المهاجمة بخروج ولي العهد حالاً وفي حالة التأخير سيهدم القصر على رأسه. عند ذلك لم تعد لعبد الاله والملك بارقة في السيطرة على الموقف خاصة بعد ان وصلت الى قصر الرحاب مدرعات دعماً للمهاجمين. فلاحظ عبدالاله ان لا مفر من التسليم، مطمئناً من معه بأن اسوأ ما يمكن ان يصادفوه هو تجريدهم من العرش وابعادهم الى خارج العراق. وكان عبدالاله يكرر: (اذا ما تريدونا احنا حاضرين نترك العراق).

وصلت الاسرة المالكة الى وسط حديقة القصر والقوة المهاجمة ملتفة حولهم على شكل نصف دائرة على امل ان تقلهم سيارة عسكرية الى وزارة الدفاع، ولكن اطلق الرصاص عليهم بصورة مفاجئة حين تقدم النقيب (عبد الستار سبع العبوسي) الذي كان قد احضر الامدادات والمدفع (106)ملم. ثم توالى اطلاق الرصاص عليهم بصورة عشوائية من قبل القوة المهاجمة لاعتقادها بان النار فتحت عليها من جهة القصر. قتل في الحادثة الامير عبدالاله (اصابة في الصدر والظهر) والملك فيصل الثاني (اصابات في الراس والرقبة) والملكة نفيسة (رصاصات في الصدر والظهر) والاميرة عابدية (خالة الملك فيصل الثاني) اصابات في الصدر والبطن واصيب النقيب (ثابت يونس) مرافق الملك برصاصة في رئته ونقل الى المستشفى وتوفي هناك،

                   

اما الاميرة هيام بنت محمد الحبيب امير وشيخ ربيعة فقد اصيبت برصاصة غير قاتلة وذلك لسقوط الملك فيصل الثاني في احضانها، الامر الذي انقذها من الرصاصات المباشرة وتم انقاذها من قبل احد الحرس وايصالها الى احد اقربائها ومن ثم الى بيت والدها في الكوت.كانت الساعة السابعة صباحاً حين ايقظتني مكالمة هاتفية تقول ان الملك فيصل الثاني قد قتل فحدثت نفسي انها لسخرية ان يقتل ابن عمي بدلاً مني. نقلت جثث الاسرة المالكة في سيارة تابعة للقصر الى وزارة الدفاع غير ان الجماهير الثائرة اعترضت السيارة وسحبت منها جثة عبدالاله ...

         

ثم قام الجيش بدفن جثة الملك فيصل الثاني وبقية افراد الاسرة المالكة في المقبرة الملكية في الاعظمية الى جانب والده الملك غازي الاول وكانت الوحيدة التي نجت من الاسرة المالكة هي الاميرة (بديعة بنت علي) شقيقة عبدالاله مع زوجها الشريف حسين ذلك لانها لم تكن ساكنة معهم في القصر بل كانت تسكن في منزل مجاور. فقد خرجت خلسة مع زوجها واطفالها ووصلوا الى سفارة المملكة العربية السعودية ببغداد التي امنت لهم الحماية وتم نقلهم الى السعودية ومن ثم الى القاهرة حيث اقاموا في لندن.
الكاتب:رائد لويس التلكيفي

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

938 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع