إنتخاب "اللواء عبدالرحمن عارف" رئيساً للجمهورية
د. صبحي ناظم توفيق
عميد ركــن متقاعد.. دكتوراه في التأريخ
تنــويـــه
في هذه المقالة القصيرة وددت تبيان كيفية ترشيح "اللواء عبدالرحمن محمد عارف" ليغدو رئيساً للجمهورية العراقية خلفاً لأخيه الراحل، وذلك قبل أن أخوض في التساؤل الأعظم والظنون التي دارت -وما زالت- في أذهان العديد من العراقيين وسواهم وعلى ألسنتهم -لغاية يومنا هذا- عمّا إن كانت الأسباب الكامنة وراء مصرع الرئيس "عبدالسلام محمد عارف" مجرد قضاء وقدر، أو مؤامرة محبوكة بإغتيال سياسي، أو أخذ ثأر؟؟؟؟
لذلك وددتُ الإيضاح للقارئ الكريم والمتابع العزيز لمجريات أحداث العراق السياسية وسط الستينيات من القرن العشرين ولشخص الرئيس الراحل، بأني ما زلت -بعون الله تعالى- عند وعدي بنشر ((دراسة عميقة مسهبة)) في أقرب فرصة ممكنة على صفحات هذا الموقع الأغر لأسلط الضوء حيال هذا التساؤل الحق، والتي أصقلها في هذه الأيام بعد أن أتعبتني كثيراً لحساسية الموضوع وتعدد الأقاويل والمعلومات الرسمية والتصورات الشخصية والتحليلات السياسية والتصريحات المسؤولة واللامسؤولة والمزاعم الهوائية التي ترغمني على ضرورة وضع النقاط على الحروف وتلمّس الدقة المتناهية في سرد الوقائع قدر الإمكان.
إجتمـاع تأريـخـي
كانت ((قلّة الراحة)) مكتوبة علينا -نحن ضباط الحرس الجمهوري- في تلكم الأيام الأربعة من أواسط (نيسان/إبريل 1966)، فحالما عُدنا أدراجنا بعد أداء مراسيم تشييع رئيسنا، فقد توجّه كل منا إلى موقعه المحدَّد ضمن واجباته الإعتيادية، ليُؤَمِّن سلامة القصر الجمهوري ومحيطه ومبنى الإذاعة والتلفزيون وسواهما من قواطع المهمات، حيث لم يكن بالإمكان التمتّع ولو بقسط من الراحة بعد طول عناء طال (3) أيام قبل أن تحل ساعات التشييع المرهقة في ذلك اليوم ومنذ فجره... فبعد أن تركنا قيافة المراسيم جانباً لنرتدي بدلات القتال الإعتيادية، ممسكين بأسلحتنا في قواطع مسؤولياتنا، إذْ سيُعقَد إجتماع ليلي موسع لإنتخاب "رئيس جمهورية" خَلَفاً للرئيس الراحل.
لم يكن ذلك سراً لم يطّلع عليه أحد، بل أن حكومة السيد "عبدالرحمن البزاز" قد أعلنته في بيان رسمي صدر صبيحة (الخميس/14/نيسان) في نَعيِها للرئيس الراحل، وقد نصّ على عقد إجتماع مشترك لمجلس الوزراء ومجلس الدفاع الوطني بكامل أعضائهما بمقتضى المادة (55) من الدستور المؤقت للجمهورية العراقية، وخلال أسبوع واحد من خلوّ منصب رئيس الجمهورية... وقد عُزِّزَ ذلك ببيان تأكيدي لاحق كان قد صدر عصر (السبت/16/نيسان) والذي لم نستطع الإستماع إليه لإنشغالنا في مراسيم التشييع.
الحضـور في الإجتمــاع
ضمّ الإجتماع رئيس مجلس الوزراء القائم وأعضاء وزارته... وهم السادة:-
1-عبدالرحمن البزاز- رئيس الوزراء، ووزير الخارجية وكالةً.
2-شكري صالح زكي- وزير المالية، ووزير النفط وكالةً.
3-الدكتور عبدالرزاق محي الدين- وزير الوحدة.
4-الدكتور محمد ناصر- وزير الثقافة والارشاد.
5-سلمان عبدالرزاق الأسود- وزير التخطيط.
6-الدكتور عدنان مزاحم الباجه جي - وزير الدولة للشؤون الخارجية.
7-الشيخ مُصلِح النَقشْـبْندي- وزير الدولة للشؤون القانونية.
8-خضر عبدالغفور- وزير التربية.
9-سلمان الصفواني- وزير الدولة.
10-اللواء الركن عبدالعزيز العُقَيْـلي- وزير الدفاع.
11-الدكتور عبداللطيف البدري- وزير الصحة.
12-الدكتور عبدالحميد الهلالي-وزير الإقتصاد.
13-الدكتور فارس ناصر الحَسَن- وزير العمل والشؤون الإجتماعية.
14-كاظم الرَوّاف- وزير العدل.
15-الدكتور حسن ثامر- وزير الأشغال والبلديات.
16-أحمد عدنان حافظ- وزير المواصلات.
17-محمود حسن جمعة- وزير الإصلاح الزراعي، ووزير الزراعة وكالةً.
وقد خَلا منصبا وزيري الداخلية "اللواء عبداللطيف جاسم الدَراجي"، والصناعة "الدكتور مصطفى عبدالله طه" لعدم تعيين من يشغل منصبيهما بعد مصرعهما في حادث الطائرة.
وإنضم "مجلس الدفاع الوطني" إلى الإجتماع ذاته، وقد كان مؤلفاً من:-
1-اللواء الركن عبدالعزيز العُقَيْـلي- بصفته عضواً في هذا المجلس كونه وزيراً للدفاع.
2-اللواء عبدالرحمن محمد عارف- رئيس أركان الجيش وكالةً .
3-اللواء الركن سعيد صالح القطان- المعاون الحربي لرئيس أركان الجيش.
4-اللواء حَمّودي مهدي- المعاون الإداري لرئيس أركان الجيش.
5-العميد سعيد صُلَيْـبي- قائد موقع بغداد.
6-العميد الركن زكي حسين حلمي- قائد الفرقة/1.
7-اللواء الركن إبراهيم فيصل الأنصاري- قائد الفرقة/2.
8-العميد الركن محمود عريم- قائد الفرقة المدرعة/3.
9-العميد الركن يونس عطار باشي- قائد الفرقة/4.
10-اللواء الركن محمد نوري خليل- قائد الفرقة/5.
11-العقيد الطيار حسن رجب عريم- نيابة عن اللواء المهندس "منير حلمي" قائد القوة الجوية وكالةً، لوجود الأخير في "موسكو"
12-المقدم البحري مهدي درويش الخطيب- قائد القوة البحرية وكالةً.
أنباء متضاربة تتسرّب عن الإجتماع
حين كنا جالسين في "غرفة الضباط" بمبنى الإذاعة والتلفزيون، فقد وردنا البعض مما يجري في أروقة مبنى رئاسة مجلس الوزراء مع منتصف ليلة (السبت/16/نيسان-الاحد/17نيسان)، حيث علمنا أن الإجتماع الرسمي لم يبدأ -بعد طول إنتظار- إلاّ بحلول الحادية عشرة من تلك الليلة وسط "القاعة الكبرى لمبنى المجلس الوطني"، وقد برزت خلافات في وجهات نظر المجتمعين بعد أن رشّح كل من "عبدالرحمن البزاز" رئيس الوزراء و"عبدالعزيز العُقيلي" وزير الدفاع و"اللواء عبدالرحمن محمد عارف" رئيس أركان الجيش وكالة أنفسهم لإشغال منصب "رئيس الجمهورية العراقية".
كان أعضاء مجلس الوزراء -وجميعهم من المدنيين عدا وزير الدفاع- يميلون إلى شخص "عبدالرحمن البزاز" مرشَّحاً لإشغال هذا المنصب بغية إعادة "العراق" إلى الحكم المدني الدستوري الذي طال إنتظاره، وذلك بعد أن تسلّط العسكريون على سدّة الحكم طيلة ثماني سنوات مضت... فيما صَوَّتَ أعضاء مجلس الدفاع الوطني -وجميعهم عسكريون- في غير صالحه... بينما لم يحصل "عبدالعزيز العُقيلي" سوى على صوت واحد، مَثَّـلَ شخصه ليس إلاّ... لذلك إضطر إلى سحب ترشيحه لهذا المنصب.
ونظراً للخلافات التي دبّت في تلك القاعة وأدّت إلى تعليق الإجتماع أكثر من مرّة، فقد حصل الإتفاق ولكن بعد مشاورات وإجتماعات هامشية في أروقة مبنى المجلس الوطني وغرفها المنفردة، وبإصرار شديد أبداه القادة العسكريون، أن يسحب "عبدالرحمن البزاز" ترشيح شخصه كي يبقى "اللواء عبدالرحمن محمد عارف" مرشحاً منفرداً لتفادي أية معضلة قد تقع من جراء إصرار رئيس الوزراء على ترشيح ذاته.
اللواء "عبدالرحمن محمد عارف" رئيساً للجمهورية
كانت الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل، وقتما وصلت الى مبنى الإذاعة (4) صفحات مطبوعة، وقد أمضى عليها جميع أعضاء مجلسي "الوزراء والدفاع الوطني"، تحتوي بياناً رسمياً طويلاً، مفاده:-
((أن اللواء عبدالرحمن محمد عارف قد أُنتُخب بالإجماع في هذا اليوم 17/نيسان/1966م) الموافق (27/ذي الحجة/1385هـ) في جلسة مشتركة للمجلسَين المذكورَين دامت إجتماعاتهما أكثر من تلاث ساعات، وعُقِدَت إستناداً إلى أحكام المادة (55) من الدستور المؤقت، رئيساً للجمهورية العراقية، وذلك خلال فترة الإنتقال التي ينبغي أن لا تتجاوز "سنة واحدة" من تأريخ اليوم، ولحين إنتخاب رئيس الجمهورية حسبما سينص عليه "الدستور الدائم")).
رؤية شخصية نحو البيان
لم يكن إصدار هذا البيان صعباً -كما الحال في معظم دول العالم الثالث- مثلها مثل "الكتلة الإشتراكية/الشيوعية" التي تكون لدى حكوماتها ذرائع (مُعَلَّبة) وجاهزة، ولا يتطلب طرحها صعوبات تُذكر.. بل وأن أي مواطن يحمل في قفاه ثقافة متواضعة لقادر على إعداده وشرحه، أسوة بما يعمله مسؤولو وسائل الإعلام وبعض الساسة.
وقد يأتي في مقدمة تلك الذرائع -في بلد كالعراق- موضوع ((الدستور المؤقت)) الذي لم يتحوّل الى ((دستور دائم)) تحت ذرائع متنوّعة، أمثال ((الظروف المصيرية القائمة في البلاد.. تكالب الأعداء على الثورة.. التآمر على القيادة الوطنية.. ضرورة القضاء على الثورة المُضادّة وعملاء الداخل والخارج.. الوقوف صفاً واحداً حيال الأطماع وشراذمها.. مقارعة الإستعمار والإمبريالية وأذنابها، والرجعية وذيولها، ومكافحة الجاسوسية ومصارعتها، ومهما كلّف ذلك من ثمن"!!!!)) وما إلى ذلك من عبارات لا تُعدّ ولا تُحصى... وإذا ما ساور شخوص بعض أفراد الشعب أن يعترض على ذلك فالنظام يمتلك من الأدوات والأساليب والأجهزة ما يستطيع بها أن يمحي الآلاف من الوجود من دون أن يحقّق معهم أو يوجّه تهمة محددة نحو أحدهم.
كان البيان -موضوع بحثنا- قد أُعدّ بأسلوب يوحي بأن إنتخاب رئيس الجمهورية الجديد لم يَجْرِ بطريقة طوعية كتحصيل حاصل، لأن ((الجلسة التأريخية)) لمجلسَي الوزراء والدفاع الوطني طالت أكثر من (3) ساعات، وبشكل يُشير إلى أن جهوداً قد بُذِلَت للتوفيق بين الآراء المتضادة وتناغمها بغية النأي عن مشكلات حقيقية جابهت عملية الإقتراع بين مؤيّد لهذا ومعارض لذاك.. فضلاً عن وصف منصب السيد "اللواء عبدالرحمن محمد عارف" بأنه ((رئيس جمهورية مؤقت))، وأن هناك ((دستوراً دائماً)) يجري إعداده سينصّ-ضمن أمور عديد أخرى- على ((فترة إنتقالية))، إذْ يتوجب على العراقيين أن يتقبلوا ((رئيساً مؤقتاً)) لجمهوريتهم في هذه الظروف العصيبة، وأن تلك الفترة ((سوف)) لا تتجاوز سنة واحدة)) إعتباراً من تأريخ صدور هذا البيان.
تقولات عن تدخلات لإنتخاب "اللواء عبدالرحمن عارف"ّ
بعد تبوء الرئيس الجديد منصبه دارت إشاعات عديدة عن تدخل "العميد سعيد صليبي" -قائد موقع بغداد العسكري وعضو مجلس الدفاع الأعلى بحكم منصبه- وإرغام رئيس الوزراء وجميع الوزراء الحاضرين وترغيب القادة العسكريين بأن يكون "اللواء عبدالرحمن محمد عارف" رئيساً للجمهورية -رغم عدم رغبته بهذا المنصب- وسحب كل من السيد "عبدالرحمن البزاز" و"اللواء الركن عبدالعزيز العقيلي" لترشيحهما.
كما دارت إشاعات أخرى عن أن مجيء "المشير عبدالحكيم عامر" لم يكن لحضور مراسيم التشييع فحسب، بل بأمر من الرئيس "جمال عبدالناصر" في فرض "اللواء عبدالرحمن عارف" على الحكم خلفاً لأخيه، كي يظل "العراق" دائراً في فلك "مصر".
وإسمحوا لي أن أعلـّق في هذا الشأن بما يأتي:-
1.واقع الحال بالنسبة لي، فقد كنتُ برتبة "ملازم" وأحد الضباط في سرية حماية مبنى الإذاعة والتلفزيون، فلا علاقة لي بذلك الإجتماع لا من بعيد ولا من قريب... وأن ما سطرته من وقائع لم أعشها بشخصي ولم أشاهدها بعيني، بل كانت تتوارد إلينا من زملائنا الضباط المكلـّفين -وقتياً- بالحماية الخارجية لرئاسة مجلس الوزراء في "مبنى المجلس الوطني" الذي إنعقد فيه ذلك الإجتماع الذي تمخّض عمّا وُصِفَ في البيان الرسمي كونه ((إنتخاباً حسب الدستور)).
2.وحتى أولئك الضباط الزملاء فقد كانت الأخبار -على علاتـها- ربما تتسرب إليهم من أروقة الإجتماع، وقد تكون إدعاءات غير صادقة أو مزاعم مشكوك فيها، فلم يكن أحدهم حاضراً وسط الإجتماع عالي المستوى، بل ان أياً منهم لا يجرأ –بطبيعة الحال- أن يتواجد في أوساط قادة القوات المسلحة والوزراء... لذلك فإن الأخبار عن مجريات الإجتماع نقلتها للقارئ العزيز كما سطرتها في مفكرتي بتلك الليلة.
3.وقد يكون عدم رغبة السيد "عبدالرحمن عارف" بهذا المنصب صحيحاً، فالرجل لم يتدخل في السياسة طيلة حياته وبقي ملتزماً بمهنيته العسكرية... وحتى كونه ضمن "تنظيم الضباط الأحرار" منذ عام (1955) والذي أحدث إنقلاب (14/تموز/يوليو/1958) ربما قد ((أُلصِقَ)) به إعلامياً لإظهاره بمظهر ((الثائر)) بعد تبوّئه رئاسة الجمهورية... وقد يكون قبوله للترشح لهذا المنصب جاء بضغوط أصدقائه وزملائه من القادة العسكريين الذين لم يكونوا يتمنون ترك الحكم بشكل نهائي للمدنيين.
4.أما ما يخص "المشير عبدالحكيم عامر" فإني في تلك الليلة واليوم التالي لم أسمع شيئاً من تدخله في هذا الشأن الخطير أو ضغطه عن طريق السفير المصري ببغداد... وأعظم ظني أن الرئيس "عبدالناصر" قد أسرع بإيفاده إلى "بغداد" لإظهار "مصر" وكأنها على وفاق تام مع "العراق" على إثر أن تعكّر الصفو بينهما جراء قبول "القاهرة" لجوء "عميد الجو الركن عارف عبدالرزاق" -مع عدد من قادة "كتلة الضباط القوميين/الناصريين"- إليها حال فشل محاولتهم الإنقلابية في (15/أيلول/سبتمبر/1965).
5.وأخيراً أقول، إذا كانت "مصر" بهذه الرغبة الجامحة -حسب مزاعم البعض- في ضرورة تنصيب "اللواء عبدالرحمن عارف" رئيساً للجمهورية، فكيف سوف تسمح -بعد حوالي شهرين فقط من جلوسه في القصر الجمهوري- للسيد "عارف عبدالرزاق" وجميع رفاقه من اللاجئين السياسيين مغادرة "القاهرة" والوصول سراً إلى "العراق" للقيام بمحاولة إنقلابية ثانية ((عشت تفاصيلها)) عصر يوم (30/حزيران/يونيو/1966)؟؟؟؟!!!!
وفي الختام ليس بمقدوري سوى ترك الإجابة على إستفساراتي لأصحاب الخيال الواسع في نظريات المؤامرات...
وتصبحون على خير.
2066 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع