جريمة احتلال الكويت مهدت لجريمة احتلال العراق في ٢ آب/١٩٩٠

  جريمة احتلال الكويت مهدت لجريمة احتلال العراق في ٢  آب/١٩٩٠

كانت جريمة غزو الكويت بداية التآمر الدولي لاحتلال العراق ،فحينما استخدم صدام حسين القوة العسكرية التي يمتلكها باحتلال دولة ضعيفة لا تمتلك من القوة لمواجهته ، فقد جاءت الولايات المتحدة بما تملك من قوة وبأس عظيم منفردة في عالم ما بعد الاتحاد السوفياتي لتحتل العراق الضعيف بقوته تجاه قوة الدولة الاعظم في العالم .

   
لقد أدت سنوات الحرب مع إيران وما شهدته من تدني الانتاج البترولي وتدمير جزء كبير من المرافق الاقتصادية وتوجيه معظم الدخل القومي نحو المجهود الحربي الى مضاعفة الديون الخارجية ، وقد أفرزت هذه الخصائص في نهاية المطاف مجموعة من الاختلالات الهيكلية في بنية الاقتصاد العراقي سواء بين الانتاج والاستهلاك أو بين الواردات والصادرات أو بين الادخار والاستثمار أو بين الايرادات والنفقات.
ومن المنطقي هنا القول بأن هذه الاختلالات الهيكلية شهدت المزيد من التفاقم خلال فترة ما بعد وقف إطلاق النار مع إيران بحكم الممارسات التي إنطوت عليها سياسة صدام والتي إشتملت على تبديد جانب هام من الامكانات المالية العراقية في مصروفات خارجية إستهدفت توسيع نفوذه السياسي . هذا فضلاً عن إستمراره في الحفاظ على نفس القدرة من القوة العسكرية بل أكبر ودفع جهود التصنيع الحربي بكل ما يتطلبه ذلك من أعباء مالية ضخمة بلغت المليارات من الدولارات مع الدخول في الوقت نفسه في مشروعات أقلها إعادة إعمار ما خلفته حربه مع ايران التي إستمرت ثماني سنوات.
لقد أدت أعوام الحرب الثمانية هذه مع إيران الى إستنزاف إمكانات العراق الاقتصادية وخرج المجندون من الجيش ليجدوا أنفسهم دون تغيير يذكر عن الوضع السائد قبل وقف إطلاق النار أي إستمرار في توسيع حجم ترسانته العسكرية، يضاف الى ذلك عجز صدام بعد ما يزيد عن عامين من إنتهاء الحرب عن الاستفادة من النتائج كدروس وعبر كاتخاذ إجراءات سياسية بتوسيع قاعدة الديمقراطية وإشاعة مناخ التعددية الحزبية بل أن صدام ظل متمسكاً بطابعه الاستبدادي ومحتفظاً بسلطاته المطلقة.
لقد دفعت الكويت للعراق مليارات الدولارات في حربه ضد إيران وقدر المبلغ الاجمالي الذي وصل الى العراق من دول الخليج وعلى رأسها السعودية والكويت بحوالي 35 مليار دولار على شكل هبات ومساعدات وقروض يعرف مقرضوها أنها غير قابلة للاسترداد.
وأمام كل هذا فان ما قام به صدام حسين يوم 2/8/1990 وما بعده كان صدمة كبرى لشعور الكويتيين القومي ، كما كان ماحقاً لاستقلالهم الوطني على السواء . فمن جانب كانوا يعتقدون أنهم بمناصرتهم ثمان سنوات للعراق قد كسبوا على الاقل وده إن لم يكن إمتنانه فقد كانت وقفة غامروا فيها بكل ما يملكون الى جانب العراق دون حساب، فاظهر الاحتلال أن نظام صدام غير مؤتمن ونظام لا يحترم الحد الادنى من المواثيق لا الدولية ولا حتى التي يقوم هو بالتوقيع عليها. فبعد ثماني سنوات حرب إعترف صدام حسين مجدداً بتنصيف شط العرب وحقوق إيران فيه بل والحدود المتنازع عليها بينه وبين إيران . كما ضرب عرض الحائط بنود ( الميثاق القومي) الذي أعلنه هو بنفسه في 8 شباط /فبراير 1980 الذي يحّرم إستخدام القوة العسكرية بين الدول العربية.

الدكتور وميض عمر نظمي تحدث لـ( جون لي آندروسن) عن غزو الكويت قائلا" أؤمن بأن غزو العراق للكويت كان غلطة كبيرة ، وقد صرحت بذلك في السابق بلا مواربة ، وأتذكر كيف استدعيت للحديث أمام المجلس الاستشاري الرئاسي عندما كان الجيش العراقي لا يزال في الكويت والازمة تتفاقم قبل بدء حرب الخليج ، سألني مستشارو صدام عن آرائي بصدد الحالة الراهنة ، أخبرتهم أنه يعتقد أن غزو الكويت غلطة وعلى القطعات العراقية الانسحاب بالسرعة الممكنة واليوم أفضل من غد وغداً أفضل من بعد غد".
ويضيف وميض " أن على صدام برأيي الاعتراف علناً بحقيقة كون إحتلاله للكويت" غلطة" اذ قام بهذا ستبدأ العلاقات بين العراق والغرب بالتحسن بل وأكثر أعتقد أن الشعب العراقي سيتقبل هذه المبادرة قبولاً حسناً . وان كل العراقيين الذين أعرفهم عدا قلة قليلة يؤمنون أن غزو الكويت هو السبب وراء كل هذه المشاكل ، لكنه يرفض الاعتراف بهذا. وأن تعنت صدام وإصراره على موقفه يرجع الى القيم الريفية المتجذرةعميقاً في تكوينه والتي تعد الصرامة صفة حميدة وبأن أسوأ مصير يصيب الرجل هو فقدانه لماء وجهه بالتراجع عن موقف أو كلمة وأنه لابد أن يؤلمه بشدة رؤية كل ما بناه يدمّر وفي بعض الاحيان بحضور معارف له لكنه لا يستطيع إظهار ألمه بسبب تقاليد البيئة التي جاء منها".( جون لي آندرسن، سقوط بغداد، ترجمة داليا رياض، دار بنغوين للنشر، نيويورك 2004 ، ص109).

ومنذ بداية السبعينات، أخذ صدام حسين نائب رئيس مجلس قيادة الثورة آنذاك، يلمّح الى دعواه الاقليمية، بشكل محدود في محاولة، للحصول على جزيرتي وربة وبوبيان الكويتيتين.

إلا أن الجميع، لم يكن يتوقع أن تصل الأمور، الى غزو الكويت وإحتلالها بالكامل. إذ أنه لم يكن يمضي على زيارة أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح لبغداد ،عقب وقف الحرب العراقية الايرانية، حيث إستقبل إستقبالاً حافلاً، وأقيمت له حفل تكريم، منحه صدام حسين بنفسه، وسام الرافدين المدني من الدرجة الاولى نظراً لمواقفه ولموقف الكويت عموما، المساند والداعم للعراق خلال سنوات الحرب الثمانية مع إيران.
وقد القى صدام حسين كلمة ، لمناسبه تقليد أمير الكويت الوسام قال فيها
" لم تكن السنوات، كما هي السنوات العادية، ولم تكن الأشهر أو الأيام، كما هي الأشهر أو الأيام الطبيعية، مما كان قد مرّ على الأمة والعراق، إبان العدوان الإيراني. ولم يكن كثراً، أولئك الذين أدركوا مخاطر، ما كان قد خطط له الأعداء ضد الأمة، وما كان سيصيب أقطار الأمة، في مشرقها أو مغربها، والآخرين، لو تحقق فأل الخائبين. وكانت وقفة الأخ جابر الأحمد الجابر الصباح، ووقفة شعب الكويت الشقيق، ذات مكانة خاصة في نفوسنا، وذات تأثير أكيد في مجرى الصراع، لصالح الأمة، وإلى جانب نصرها العظيم. وقد وقفت الكويت، بوعي وبسالة، بوجه المعتدين الطامعين، وصمدت لكل الظروف، التي أريد، من خلالها، أن تنسلخ الكويت عن طبيعتها أو هويتها، وعن مبادئ الأمة الواحدة، ومستلزمات الأمن القومي. وإستمرت الكويت، كما هو الأمل فيها، ملتصقة بجلدها، وبالمبادئ والسياسات، التي لولا التأكيد عليها والالتزام بها، لأصبح العرب جميعاً في حالة يرثى لها. فتقديراً لكل هذا، وعرفاناً وتوثيقاً لموقف الكويت المشرّف، وإستناداً إلى أحكام الفقرة (أولاً) من المادة الخامسة، من قانون الأوسمة والأنواط، رقم ٩٥، لسنة ١٩٨٢.،رسمنا بما هو آت- منح صاحب السمو، الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت وسام الرافدين، من الدرجة الأولى، ومن النوع المدني -".

صدام حسين .....٢٣ أيلول ١٩٨٩

وإذا بالعالم يفاجأ بخطاب لصدام حسين نفسه، يهاجم فيه أمير الكويت وحكومته ويتهمهم بالخيانة والعمالة والغدر في خطاب جاء فيه.
"ايها الشعب العراقي العظيم، يا درة تاج العرب ورمز عزتهم وإقتدارهم وعقال رؤوسهم، أيها العرب الغيارى، أن أمة العرب أمة واحدة وأن حالها ينبغي أن يكون واحداً عزيزاً كريماً ، وأن الدنس والخيانة والغدر، يجب أن لاتتصل بصفوفهم ونواياهم .أيها الناس ، حيثما كان العدل والإنصاف دينكم . لقد خسف الله الأرض بقارون الكويت وأعوانه، بعد أن جانبوا القيم والمبادئ التي دعا الله لتسود بين الناس . وبعد أن خانوا وغدروا بالمعاني القومية، وشرف معاني العلاقة بين من يتولون أمرهم من الناس ومع العرب .فأعان الله الأحرار من بين الصفوف المخلصة ليقضوا النظام القائم في الكويت والضالع في مخططات
الصهيونية والأجنبي".(.. بيان مجلس قيادة الثورة ٢/٨/ ١٩٩٠ ).

إتهام صدام حسين للكويت والامارات

صدام حسين القى في 16/7/1990 خطاباً لمناسبة ذكرى إنقلاب 17 تموز/يوليو، تضمّن نفس الاتهامات وقال " أن الاسلوب الجديد الذي ظهر من بين صفوف العرب والذي يستهدف قطع الارزاق، بعد أن تم تطويق الأسلوب الأول الذي كان ومنذ زمن بعيد، يستهدف قطع الأعناق، وأعني بذلك السياسة البترولية الجديدة، التي يتبعها منذ حين بعض الحكام في دول الخليج، تعمداً في تخفيض أسعار النفط بدون أي مسوغ إقتصادي. وعلى الضد من إرادة غالبية المنتجين في الاوبيك، وعلى الضد من مصلحة الامة العربية. وعلى سبيل المثال فإن إنخفاض دولار واحد في سعر برميل النفط، من جراء هذه السياسة، يؤدي الى إنخفاض ألف مليون دولار من عائدات النفط سنويا.
وقال صدام حسين: أن السياسة التي يتبعها بعض الحكام العرب، هي سياسة أمريكية، وبايعاز من أمريكا وبالضد من مصالح الامة العربية وشعوب المنطقة وليست سياسة وطنية، بل هي معادية للأمة العربية، لأنها تضرب أمنها القومي ومصالحها بالصميم ، خطيرة الى الحد الذي لا يمكن السكوت عليها ، لقد ألحقت بنا ضرراً جسيماً، وتلحق بالأمة ضرراً جسيماً، وليس رفع الصوت هنا، ضد هذا المنكر، هو أقوى الايمان، إذا ما إستمر المنكر على ما هو عليه، ولأن العراقيين الذين أصابهم هذا الظلم المتعمد، مؤمنون بما فيه الكفاية بحق الدفاع عن حقوقهم وعن النفس فإنهم لن ينسوا القول المأثور( قطع الاعناق ولا قطع الارزاق) واذا ما عجز الكلام عن أن يقدم لأهله ما يحميهم، فلابد من فعل مؤثر، يعيد الأمور الى مجاريها الطبيعية، ويعيد الحقوق المغتصبة الى أهلها".

ويوم 23 تموز/يوليو، تلقت السفيرة الامريكية في بغداد السيدة ( إبريل غلاسبي) تعليمات من واشنطن، تطلب اليها إبلاغ الحكومة العراقية، بقلق واشنطن من مسار الحوادث ، وأن تطلب كذلك أيضاً من أعلى مستوى تستطيع أن تصل إليه، عن خطاب الرئيس صدام حسين يوم 17 تموز ورسالة السيد طارق عزيز وعندما تلّقت غلاسبي تعليمات من واشنطن، التي وصلت يوم 24 تموز بتوقيت بغداد، كان أول ما فعلته أنها إتصلت بمكتب السفير( نزار حمدون) – وكيل وزارة الخارجية – طالبة موعداً عاجلاً. وحدد لها نزاز حمدون موعداً في اليوم التالي 25 تموز، ولم يخرج ما دار بينهما في هذا اللقاء عما هو متوقع. فقد أثارت السفيرة غلاسبي ما طلبت إليها واشنطن من إثارته، ورد عليها نزار حمدون في الحدود التقليدية مستعرضاً جذور الأزمة ومسارها، والمحاولات العربية التي تبذل لاحتوائها" وهكذا..
وفي اللحظة التي عادت فيها غلاسبي الى مقر سفارتها بعد مقابلتها لنزار حمدون، إذ بجرس التلفون يدق والمتحدث هو نزار حمدون نفسه، يطلب من غلاسبي أن تعود لمكتبه فوراً لأمر هام. وحين وصلت الى مبنى وزارة الخارجية فوجئت غلاسبي، حين وجدت السيد نزار حمدون ينتظرها في سيارة واقفة على مدخل الوزارة، ودعاها الى الركوب بجانبه قائلا لها إنهما ذاهبان الى مقابلة هامة. وكان أول ما خطر لها أنها في الطريق للقاء السيد طارق عزيز .
كان الوقت مساءاً ولاحظت غلاسبي، أن السيارة إتجهت الى ميدان نصب الجندي المجهول، وبعده دخلت نحو شارع جانبي، ثم توقفت أمام بيت من بيوت الضيافة الرسمية، ولفت نظرها أن السكون داخل البيت غير عادي ، كما أن وجود ضباط الحرس الجمهوري في الردهة الداخلية للبيت، أوحى لها بأنها تقابل شخصية عراقية أخرى غير طارق عزيز. والغريب أنه حتى هذه اللحظة، لم يخطر ببال غلاسبي أنها تقابل الرئيس صدام حسين، لانها تعرف يقيناً أنه لا يقابل السفراء الأجانب ، ثم فوجئت بأن وجدته يدخل القاعة.
يبدأ المحضر الرسمي( وهو تفريغ لشريط مسجل) بنص كلام الرئيس صدام حسين، بعد أن أبدى ترحيبه الودي بلقاء السفيرة الامريكية قائلا " أنا طلبتكِ اليوم لاتحدث معك، حديثاً سياسياً واسعا،ً وهو عبارة عن رسالة للرئيس بوش" . ثم بدأ الرئيس صدام يتكلم وقد إستغرق كلامه الى السفيرة قرابة ثلاثة أرباع الساعة، إمتد على مساحة أربع عشرة صفحة في محضر الجلسة.( محمد حسنين ، المصدر نفسه ص 316- 341 )..
وقال صدام حسين "قال لي الأخ مبارك : أن الكويتيين خائفون ويقولون، يوجد عسكر على بعد عشرين كيلومتراً من خط الجامعة العربية . فقلت له بغض النظر عما يوجد، سواء أكان الموجود شرطة أو جيش وكم عدد الموجود وماذا يفعل، طمئن الكويتيين، ونحن من جانبنا لن يحصل شيء، الى أن نلتقي معهم وعندما نلتقي ونرى أن هناك أملاً، لن يحصل شيء، وعندما نعجز عن إيجاد مخرج فأمر طبيعي أن لا يقبل العراق أن يموت، ومع ذلك الحكمة هي فوق كل شيء آخر" .
ثم خاطب صدام حسين غلاسبي قائلا" فاذن الآن عندك أخبار جيدة".
وعلّق طارق عزيز" هذه أخبار سبق صحفي".
وقالت السفيرة غلاسبي" كنتُ قد خططت لأسافر الى الولايات المتحدة، يوم الاثنين المقبل، وأملي أن التقي الأسبوع المقبل في واشنطن بالرئيس بوش، لكن بسبب الصعوبات التي بدأنا نواجهها فكرّت بتأجيل السفر، أما الآن فأني سأسافر الاثنين .( موسوعة حرب الخليج – الجزء الثاني، ص 30 -35 ).
يصعب القول ان صدام وقع ضحية مؤامرة دبرتها له السفيرة إبريل غلاسبي كما يعتقد بعض الناس، فلم يكن صدام ضحية أحد، بل ضحية سياساته الخاطئة وتهوره الحاد ومزاجه العنيف، بل وأطماعه التوسعية العدوانية.. بل أن الشعب العراقي كان وما يزال ضحية صدام حسين وسياساته الخاطئة .
وأمام كل هذا، فإن ما قام به صدام في الثاني من آب/اغسطس وما بعده، كان صدمة كبرى لشعور الكويتيين القومي، الذين كانوا يعتقدون أنهم بمناصرتهم ثماني سنوات للعراق، قد كسبوا على الأقل ود صدام إن لم يكن إمتنانه. فقد كانت وقفة غامروا فيها بكل ما يملكون الى جانب العراق، دون حساب حتى إتضح أن نظام صدام غير مؤتمن، ولا يحترم الحد الادنى من المواثيق الدولية، ولا حتى التي يقوم هو بالتوقيع عليها. فبعد ثماني سنوات حرب مع إيران إعترف صدام مجدداً بتنصيف شط العرب وحقوق إيران فيه، وكذلك الشأن مع الحدود المتنازع عليها بينه وبين إيران . كما ضرب عرض الحائط بنود ( الاعلان القومي ) الذي أعلنه هو بنفسه في 8 شباط/فبراير 1980 الذي يحرّم إستخدام القوة العسكرية بين الدول العربية .
لقد فتح صدام بغزوه الكويت إحدى بوابات جهنم على مصراعيها، أمام الأمة العربية بعملية مرفوضة ومدانة بكل المقاييس، ومهما كانت الذرائع فكانت المسألة كلها تبدو كالكابوس . فخلاف عربي كان يمكن أن يحل بالحوار أو التفاوض أو اللجوء الى الجامعة العربية. لكن صدام أراد الحل بالرصاص في سر الليل، وبطريقة تسببت في وأد التضامن العربي، الذي أوشك أن يرى النور . ويبدو أن صدام كان قد قرر إستخدام القوة العسكرية قبل إجتماع جدة، وكانت قيادته متأكدة من أن الكويتيين سيحاولون التفاوض وهو ما لايريد صدام تحقيقه .
وإزاء إستنكار المجتمع الدولي العارم، إثر غزو صدام للكويت، بدأ صدام يتذرّع بمبررات مغلفة بمزيد من المواقف المتناقضة والشعارات المتناقضة. فتارة يكيف الموقف على أنه مواجهة بين الامبريالية والصهيونية . وتارةً أخرى بين الاستعمار من جانب وقوى التحرر في العالم من جانب آخر. أو بين الأثرياء والفقراء. وأخيراً شعار الحرب المقدسة أو الجهاد في مواجهة حملة صليبية جديدة. وهكذا رفع صدام في آن واحد خليطاً من الشعارات الحماسية، تنادي بالتضامن العربي والتضامن الاسلامي، ثم يتسع نطاقها الى تضامن العالم الثالث بأسره، ثم تضامن كافة المقهورين والمعذبين في الارض . وذلك كسباً للتأييد وإستدراراً للتعاطف مع موقفه .

الادارة الامريكية ورئيسها جورج بوش الأب تقول" لقد ظنّ صدام واهماً أن غزوه للكويت يتيح له إمتلاك مقومات إضافية للقوة، بما يساعده على ممارسة فاعلة للتهديد والابتزاز السياسيين، فعقليته المريضة المحدودة صورّت له، أنه مهما كانت شدة وضراوة ردود الفعل الأولية تجاه العراق، فإن الأطراف الدولية المعنية لابد وأن تتعامل في نهاية المطاف بجدية مع العراق، ومع الحقائق الجديدة أو الأمر الواقع الذي أسفر عنه الغزو، على أساس أن العراق، أصبح يمتلك عوامل وأدوات تساعده على تحقيق التغيير والتأثير المطلوب في الساحة الاقليمية، مما يحتمّ ضرورة إستجابة القوى الدولية المعنية للغايات التي يسعى اليها دون الالتفاف حولها . وكان صدام يعتقد أن مصلحة الولايات المتحدة في المنطقة تنحصر، في الدفاع عن النفط وضمان أمن إسرائيل، ومنع إنتشار النفوذ السوفييتي ( آنذاك ) أو أي تهديد يصدر عنه. أما النفط فقد كان صدام على أتم إستعداد لتقديم ضمانات مؤكدة بأنه لن يتسبب بتعطيل تدفقه.( مجلة السياسة الدولية، العدد 122 /اكتوبر 1991).


إجتماع جـدة

مع وساطة مصر والمملكة العربية السعودية، لإحتواء هذه الأزمة ، أكد مجلس الوزراء الكويتي، نية الكويت نجاح اللقاء المرتقب بين العراق والكويت، والذي ستحدد المملكة السعودية مكانه وزمانه ، وأعرب عن أمله في أن يكون هذا اللقاء، خطوة نحو التوصل الى حل نهائي عادل، لكافة المشكلات والقضايا المعلقة بين البلدين، كما أكد عبد الرحمن العوضي وزير الدولة الكويتي لشؤون مجلس الوزراء، عن حرص بلاده على أن يتم حل الخلاف مع العراق، في إطار عربي بحت. كما طالب الكويت بإشتراك دول عربية أخرى في المفاوضات، لتتجنب أن يضعها العراق في مأزق، لا تستطيع الفكاك منه، بينما كان العراق يرغب في مباحثات ثنائية . هذا في الوقت الذي صرح ناطق بإسم الخارجية العراقية، بأن العراق سيحل خلافاته مع الكويت ودولة الامارات، وعلّق الناطق على زيارة الرئيس مبارك لبغداد، بهدف الوساطة بأن زيارة الرئيس مبارك لبغداد، جاءت في إطار العلاقات الثنائية وليس لها علاقة بالأزمة الحالية.

فبعد أن تحدد موعد المحادثات بين العراق والكويت في جدة يوم 29 تموز/يوليو، ومحاولة العراق إيجاد مخرج لعدم التفاوض ، كما سبق الاشارة ، حدثت إتصالات كثيفة بين الملوك والرؤساء العرب، وتحدد موعد المحادثات يوم 31 تموز/ يوليو، في حين بعث العراق وفداً برئاسة عزة ابراهيم نائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقية، كان الكويت حريصاً على أن يضم الوفد الذي رأسه سعد العبد الله السالم الصباح ولي العهد ورئيس الوزراء الكويتي، عدداً من الوزراء لمناقشة المسائل القانونية والنفطية والمالية.
كان الرئيس صدام هو أكثر الاشخاص قلقاً من لقاء جدة، فقد خرج من إجتماعه مع أعضاء مجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية لحزب البعث، ليدون على الورق تعليمات مكتوبة تسلمها بعدئذ عزة ابراهيم وسعدون حمادي وعلي حسن المجيد . وما جاء في تلك التعليمات ( إطرحوا مطالبنا ولا تنتظروا الجواب). لقد كان صدام يخشى حقيقة أن يتم التوصل الى تسوية في لقاء جدة لأن ذلك كان سيعني تلقائياً إسقاط الخيار العسكري والغاء عملية الكويت.

أطماع توسعية
مراقبون سياسيون قالوا" لقد كان قرار صدام بغزو الكويت هو الذريعة الأساسية لتفجير ما في داخله من نوايا عدوانية توسعية، أساء تقدير الظروف الدولية التي كانت تتغير بسرعة كبيرة آنذاك، والتي تحدثنا عنها قبل قليل . إذ كان يدرك بداهة أن الاتحاد السوفياتي في طريقه الى الإنهيار، ولعله ظن أن ذلك يخدم مصلحته في تخطيطه لغزو الكويت ، فإتهم الكويت والإمارات بالتلاعب بزيادة إنتاج النفط، وقيام الكويت باستخراج النفط من حقل الرميلة الجنوبي، ثم مطالبته للكويت والإمارات بإسقاط الديون على العراق. أي أن صدام أراد من الأزمة الاقتصادية، أن تكون بمثابة الهدف والوسيلة . بمعنى أن الغزو كان في أحد جوانبه هدفاً للحصول على موارد إقتصادية إضافية للعراق. كما كانت الحاجة الأساسية لتحويل أحلامه التوسعية العدوانية ، من نطاق المشروع النظري، الى حيز الواقع الفعلي. وفي إطار هذه المتغيرات، ظهرت أمام صدام حسين مرة أخرى، حاجته الملحة الى مغامرة عسكرية كبرى في الخارج، تزيد من رصيده في الداخل، وتنسجم في الوقت نفسه مع نفسيته أو طبيعته الاستبدادية، خاصة إذا علمنا أن النظم الاستبدادية على شاكلة صدام حسين، عادة ما تكون أقرب الى المغامرة، من الانظمة الديمقراطية، لإعتبارات عديدة. منها ما يتعلق بالتركيب النفسي للحاكم المستبد، وبالتالي فإن هذه النظم الاستبدادية على شاكلة صدام، تجد نفسها في حاجة مستمرة الى حروب بإعتبار أن الحرب تصنع البطل.
لكن الأطماع التوسعية والسياسة اللاعقلانية، حوّلت العراق الى حزمة من المشاكل والمعاناة، بعد أن أدخله في حروب مدمرة. كانت تكاليف الحرب مع إيران قد إستنفذت الاحتياطي العراقي ومقداره (40 ) مليار دولار ثم أضاف الى هذا الرقم رقما آخر لا يقل فداحة، وهو مقدار الديون التي تراكمت على العراق بسبب أعباء الحرب. وكانت هذه الديون قد بلغت ( 60 ) مليار دولار، إضافة الى حوالي مليون شهيد وجريح معوق ومفقود وأسير. وسيظل العراق يعاني لأجيال كاملة من الاختلال الهرمي السكاني، نتيجة فقدان نسبة كبيرة من الفئات الشبابية في حربه مع إيران، إضافة الى جريمة غزو الكويت.
لقد إعتاد النظام على معاملة العراقيين في العراق، بنفس الطريقة البوليسية وهي سلطة الأمن والمخابرات، وتحويل الأفراد والجماعات الى بشر خائفين، حتى من أولادهم وإخوانهم. لقد إستطاع أن يفرض نظاماً دكتاتورياً شرساً، أساسه الشك والاغتيال والتصفية الجسدية. وكان ما يتسرب الى الخارج من قصص عن جور وظلم النظام على مواطنيه قبل إحتلال الكويت، كانت هذه القصص أما أن تختفي تحت دخان الحرب العراقية – الايرانية، أو لا تتجاوز لدى بعض النخب العربية عامة والكويتية والخليجية خاصة. التي كانت تعرف كل هذه الانتهاكات الفظيعة التي يقوم بها نظام صدام حسين ضد مواطنيه، ولا حيلة لها إلا الصمت في أجواء الحرب الساخنة، أو الباردة بجانب مخالب النظام نفسه، الذي لم يكن ليوفر لأحد مهما كان نقده متواضعاً .(د. محمد مجيد، القسوة لدى صدام حسين، غزو الكويت، موقع كتابات في 30/11/2010)..

ظاهرة النفاق والتملق
ومما زاد في قسوة النظام تجاه شعبه، بروز ظاهرة التملق النفاق، من قبل المسؤولين في قيادة الحزب والدولة ، فقد تلقى يوم الخامس من حزيران 1990 برقية من رئيس المجلس الوطني ( البرلمان لمناسبة انتهاء الدورة الربيعية للمجلس) قال فيها " قيادتكم التاريخية يندر أن نجد مثيلاً لها في قيادات العالم". ولم يكتف المجلس الوطني بذلك بل وخلال مناقشة مشروع الدستور الجديد، التي وصلت الى المجلس الوطني الذي ناقشه، وقرر بعد مناقشة المادة الخاصة بفترة رئاسة الجمهورية، (إنتخاب الرئيس صدام رئيساً للعراق مدى الحياة)، إذ تنص المادة ( 86) على أن مدة الرئاسة (7) سنوات قابلة للتجديد، وتبدا من تاريخ إداء رئيس الجمهورية المنتخب اليمين الدستورية.
لم يكن الغزو العراقي للاراضي الكويتية، بمثابة نتيجة طالما طبيعية للمقدمات والتحركات التي سبقت الغزو، فبينما كانت الجهود الدبلوماسية تنشط لتطويق الأزمة بين الدولتين، وتعمل جاهدة على التوصل الى تسوية تحظى بقبولهما وباشتمالها على عناصر، تمثل قاسماً مشتركاً لمطالب الطرفين، لا يخل بمصالحهما الحيوية والجوهرية، جاء الغزو العراقي ليقطع الطريق على هذه الجهود، باحداثه نقلة نوعية في طبيعة النزاع، فبدلاً من كونه نزاعاً بين دولتين على مسائل يمكن بشأنها التوصل الى تسوية مقبولة لهما، تحوّل النزاع في طبيعته وأبعاده وإمكاناته وتسويته الى نزاع متعدد الأبعاد والأطراف، مما القى ظلالاً قاتمة على إمكانات تسويته.
هذا على الجانب العراقي. أما الجانب الكويتي فقد بدت الكويت صباح يوم الخميس 2/8/1990 وهي غارقة في حالة من الإرتباك لا حدود لها، إن أحداً لم يكن يتوقع أن يصل الأمر الى حد الغزو ، وربما ذهبت ظنون البعض ممن خطر لهم إحتمال العمل العسكري، أن يكون محدوداً ، ولكن أن يصل الى قلب الكويت، فقد كان الأمر مستبعداً وغير وارد.

إستيقظ الكويتيون في الصباح وإذا بالدبابات العراقية في شوارع مدينته ، وحكومة البلاد الشرعية في السعودية. لقد أوهم صدام جنوده أنه سينتظرهم إستقبال ودي وحار، لكن ما وجده الجنود العراقيون، لم يكن كذلك ، فقد كانت هناك وجوه غاضبة وعابسة وعيون ترقب ما يتحرك أمامها، من جرائم بدهشة وألم كبيرين. فلم تكن هناك أحضان مفتوحة للترحيب بقوات صدام، كما صوّر لهم ذلك . وبعد أيام قليلة بدأ بعض الكويتيين يستعيدون زمام تفكيرهم، ومن ثم تحّولت تصرفاتهم بعض مظاهر المقاومة التي أحدثت رد فعل، لكن الحكومة الكويتية في المنفى أصدرت بياناً طالبت فيه سكان الكويت وقف أعمال المقاومة، خوفاً عليهم من بطش قوات صدام التي فرضت أحكاما صارمة ضد أبناء الكويت.
أن أحدا لم يكن يتصور في ذلك الوقت، بل حتى ليلة الغزو نفسها أن يصل تهور صدام، الى حد القيام بغزو الكويت، بل لم يكن الكويتيين أنفسهم يتصورون ذلك. فلم يكن أحد يتوقع أن يحدث الإجتياح العراقي للكويت، بعد ساعات قليلة من إنتهاء لقاء جدة، خاصة وأن سعدون حمادي نائب رئيس الوزراء، الذي كان أحد أعضاء الوفد العراقي قال عقب إنهاء اللقاء "ان الطرفين سوف يستأنفان مباحثاتهما في بغداد يوم السبت".( محمد حسنين هيكل ، المصدر نفسه ، 42).

لكن المشكلة في الغزو العراقي للكويت، أنه بدأ أصلاً، ثم أنه مضى في النهاية دون أن يراجع نفسه في منتصف الطريق، وبغير أن يحذره أحد ، رغم أن شواهد كانت بادية خصوصاً في الثماني والاربعين ساعة السابقة عليه، ولعل الأطراف التي كان في مقدورها أن ترى شكل ما هو قادم ، كانت تريده أن يمضي الى النهاية حتى يتجاوز نقطة اللا عودة. كان خطأ حسابات القوة العراقي، أنه مضى فعلاً الى النهاية فإحتل الكويت بكاملها، وكانت تلك صدمة . ثم تلا ذلك أخطاء حسابات المنطق، ففي ظرف أيام، غيّر العراق حججه للغزو بذريعة مختلفة كل يوم.
ففي اليوم الأول كانت الذريعة، هي التصدي لمؤامرة أمريكية ترتب ضده على الأرض الكويتية.
وفي اليوم التالي كانت الذريعة، هي مساعدة عناصر ثورية قادت إنقلاباً على أسرة ( الصباح) وطلبت معونة العراق.
وفي اليوم الثالث، كانت الذريعة هي الحق التاريخي، وعودة الجزء ( الكويت) الى الكل ( العراق).
واخيراً جاءت ذريعة الربط بين كل القضايا المعلقة في المنطقة، وربط الإنسحاب من الكويت، مع كل مشاكل الأراضي المحتلة من فلسطين ولبنان وسوريا .. الى آخره. وكان ذلك مثيراً للحيرة بعد الصدمة، ولم يكن له تفسير سوى أن قرار الغزو الكامل، إتخذ على عجل ، فإضطر الى ترك فراغات سياسية واسعة وراءه.( محمد حسنين هيكل، المصدر نفسه ، ص 49 -50 ).

لقد فتح صدام بغزوه الكويت إحدى بوابات جهنم على مصراعيها، أمام الأمة العربية، بعملية مرفوضة ومدانة بكل المقاييس ، مهما كانت الدعاوى، وبدون مبررات معقولة، يمكن فهمها. فكانت المسألة كلها تبدو كالكابوس ، فخلاف عربي يمكن حلّه بالحوار، أو التفاوض أو اللجوء الى جامعة الدول العربية، أو المحاكم الدولية. لكنه قد حُلّ بالرصاص في سر الليل، وبطريقة تسببت في وأد تضامن عربي شامل أوشك أن يرى النور .
فور قيام العراق بإحتلال الكويت، إنهمر طوفان من بيانات الإستنكار والإدانة من داخل العالم العربي والعالم الخارجي.
فور قيام العراق بإحتلال الكويت، إنهمر طوفان من بيانات الإستنكار والإدانة من داخل العالم العربي والعالم الخارجي.
كان التيار الغالب والتلقائي في الأمة العربية، على إختلاف شعوبها شعوراً بالمفاجأة والدهشة والقلق، كلها في نفس الوقت مزيج من مشاعر إنسانية ووطنية بسيطة وواضحة . وكان الموقف الرسمي للدول العربية على تعددها مختلفاً درجة أو درجات ، فقد تداخل فيه بعض ما ساور جماهير الأمة من مشاعر ، مضافاً إليه بعض الخشية من السوابق ،إذ رددت مقارنات بين العراق والمانيا النازية وايطاليا الفاشية واليابان العسكرية.( محمد حسنين هيكل ، المصدر نفسه ، ص 58 ).
عن غزو قوات صدام للكويت يتحدث السفير العراقي بواشنطن الدكتور محمد المشاط فيقول" لعل أسوأ عمل قام به صدام حسين منذ توليه الرئاسة ، هو قيامه بغزو دولة عربية شقيقة وجارة للعراق وضمها. إن غزو الكويت ومن ثم ضمها الى العراق واسماها المحافظة( 19) يعتبر أكبر وصمة عار سوداء للعراق والعرب وللقضية الفلسطينية, لقد أندهش الشعب العراقي والعربي والعالم ، عندما غزا صدام ايران في عام 1980 ، ولكن الدهشة والاستغراب اللتين رافقتا عملية غزو الكويت وانني شخصياً عندما كنتُ أمارس وظيفتي كسفير للعراق بواشنطن – لم اكن أتوقع على الاطلاق أن يقوم صدام بهذا العمل المشين"
ويضيف المشاط" إذ لاول مرة يقوم بلد عربي بغزو بلد عربي آخر عضو في الجامعة العربية ، وفي منظمة الامم المتحدة وضمه، كل ذلك خدمة لمصالح أمريكا وإسرائيل. إذ كما هو معلوم ، فإن هذا الغزوأدى شق الصف العربي ، وجلب القوات الامريكية الى منطقة الخليج ، وما تبع ذلك من بناء قواعد عسكرية أمريكية بشكل أو بآخر في غالبية أقطار الخليج العربي( محمد المشاط، المصدر نفسه، ص 242)
الكرملن بدوره رفض الذرائع العراقية، التي إتخذها لغزو الكويت وضمها وإحتجاز الأجانب رهائن.
وفي لندن وصفت رئيسة الوزراء (ماركريت تاتشر) الرئيس العراقي صدام حسين" بأنه طاغية حقيقي" وقالت "أنه لا يتم التفاوض مع رجل إستولى على بلد بالقوة وأنه مستبد يجب وقفه".
وأمام هذا الهول الشبيه بمشاهد يوم القيامة وقف ( زبجنيو برجينسكي ) مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر يقول فيه" إن أزمة الخليج أصبحت عاطفية بأكثر من اللازم، وشخصية بأكثر من اللازم، وعسكرية بأكثر من اللازم"..( محمد حسنين هيكل ، المصدر نفسه ، 42).

موقف مجلس الأمن الدولي
ففي الثاني من آب/ أغسطس، تبنى مجلس الأمن القرار (660) الذي دان الغزو الصدامي، وطالب بالإنسحاب الفوري وغير المشروط للقوات العراقية، وحث العراق والكويت على البدء في التفاوض فيما بينهما، كما أنه أيد الجهود المبذولة، من قبل جامعة الدول العربية الرامية الى تسوية الأزمة. وقد تبنى مجلس الأمن في السادس من آب/ أغسطس 1990، قراراً يقضي بمقاطعة العراق إقتصادياً وعسكرياً، وذلك بأغلبية( 13) صوتاً وإمتناع كوبا واليمن عن التصويت.
ويوم 6 آب/أغسطس، أصدر مجلس الأمن قراراً رقم (661) بفرض عقوبات إقتصادية على العراق ، وأنشأ لجنة خاصة تشرف على تطبيق هذه العقوبات .
وفور إعلان نظام صدام حسين، لضم الكويت، أصدر مجلس الأمن في التاسع من آب/ أغسطس القرار رقم (662) الذي ينص على " أن ضم العراق للكويت أيا كان شكله أو الدافع اليه، بأي سند قانوني، ومن ثم فهو يعّد عملاً باطلاً بطلاناً مطلقا".
كما أعلن المجلس" أنه قد عقد العزم، على العمل على إعادة الحكومة الشرعية الى الكويت، بالإضافة الى إستعادتها لسيادتها ووحدتها الاقليمية".
وحين قرر نظام صدام إحتجاز أعداد من المواطنين الأجانب، لإستخدامها كدروع بشرية للمنشآت العراقية العسكرية، أصدر مجلس الأمن في الثامن عشر من آب/أغسطس بالاجماع القرار رقم (664) يطالب نظام صدام بالسماح، وتسهيل المغادرة الفورية للمواطنين الأجانب في كل من الكويت والعراق.
وفي 25 آب/أغسطس، اصدر مجلس الأمن قراراً بغالبية( 13) صوتاً وإمتناع دولتين عن التصويت ( كوبا واليمن) القرار (665) الذي يخول الدول الأعضاء بإستخدام القوة البحرية، لوقف السفن التجارية، التي تتجه أو تغادر العراق من أجل تفتيش حمولتها، في ضوء القرار الصادر عن مجلس الأمن، الخاص بأحكام تطبيق المقاطعة الإقتصادية على نظام صدام.
وقد أثار هذا القرار ملاحظات قانونية هامة، في تحليل عمل نظام الأمن الجماعي في حالة أزمة الخليج.
أ – أن القرار (665) قد أباح للدول ذات الأساطيل البحرية، أن تتخذ تدابير في حالة الضرورة، لضمان تنفيذ القرار (661 ). ومع ذلك فلم يشر القرار( 665) مباشرة لا للمادة( 42) من الميثاق، ولا للتدابير العسكرية بشكل صريح.
ب – أن القرار( 665) وقد ميز بين طائفتين من المخاطبين بأحكامه ( دول ذات أو غير ذات أساطيل بحرية) فإنه قد تضمن نوعاً من الإقرار، من جانب مجلس الأمن، بوجود الأساطيل البحرية، بدورها في تسوية الأزمة. وهذا ما يدفعنا للنظر الى القرار (665) من الناحية القانونية، بإعتبار أنه، لا يمثل إنتقالاً لمجلس الأمن من المادة (41) الى المادة ( 42 ) من الميثاق. أي من الإجراءات غير العسكرية الى الاجراءات العسكرية، وإنما هو إنتقال لدور المجلس، الى مرحلة وسط بين هاتين المادتين. وتلك المرحلتين من مراحل إعمال نظام الأمن الجماعي.( د. ابراهيم سلامة ، الازمة من المنظور القانوني لنظام الامن الجماعي الدولي، مجلة السياسة الدولية ، العدد 102ـ تشرين اول/اكتوبر 1990 ، ص123 -124).
وفي 14 أيلول/ سبتمبر 1990 أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم (666) الذي يخوّل الأمم المتحدة والصليب الأحمر، وغيرهما من المنظمات الدولية مسؤولية نقل وتوزيع الإمدادات الغذائية، الخاصة بالعراق، لضمان وصولها الى مستحقيها.
وحين قامت قوات صدام، بشن حملات هجومية متكررة، على عدد من السفارات في الكويت، أصدر مجلس الامن في 16أيلول/ سبتمبر 1990 القرار رقم(667)، الذي يدين بشدة أعمال العنف، التي تمارسها قوات صدام في ميادين ومقار وممثلي البعثات الدبلوماسية في الكويت، بما فيها إحتجاز عدد من الرعايا الأجانب كانوا متواجدين في هذه المقار، ويطالب القرار بالإفراج الفوري عنهم.
وحين طالبت بعض الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة إستناداً للمادة(50) من ميثاق المنظمة، بتعويضها عن الخسائر المادية، التي لحقت بها جراء مشاركتها في فرض الحصار الاقتصادي على العراق، أصدر مجلس الأمن في 24 أيلول/ سبتمبر 1990 القرار (669) الذي يكلف لجنة العقوبات الإقتصادية بدراسة طلبات المساعدة الخاصة بالدول المتضررة.
وفي اليوم التالي أي 25 أيلول/ سبتمبر، أصدر مجلس الأمن القرار رقم(670) بأغلبية (14) صوتا ضد صوت واحد ( كوبا) ويطالب هذا القرار جميع الدول، بعدم السماح لأية طائرة بالاقلاع من إقليمها، إذا كانت الطائرة تحمل شحنة الى العراق أو الكويت أو منهما( عدا الأغذية لإعتبارات إنسانية) كما يطالب القرار أيضا جميع الدول، بإحتجاز أية سفينة تدخل موانئها، بغرض كسر الحصار الإقتصادي المفروض على العراق.
وفي 29 تشرين الأول/ إكتوبر، أصدر مجلس الأمن قراراً باغلبية (13) صوتاً ضد صوتين (كوبا واليمن) القرار(674) الذي يدين الأعمال التي تقوم السلطات وقوات الإحتلال العراقية في الكويت، ويحمّل العراق تبعة المسؤولية الدولية إزاء أي خسائر أو إضرار أو إصابات، تنشأ فيما يتعلق بالكويت ، أو الدول الأخرى أو رعاياها، أو شركاتها نتيجة الغزو العراقي وإحتلاله غير المشروع للكويت.
وعقب مرور شهر على صدور هذا القرار، تبنى مجلس الأمن في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 1990 بالإجماع القرار (677) الذي يدين محاولات العراق، الرامية الى تغيير التكوين الديموغرافي لسكان الكويت، ويعهد الى الأمم المتحدة بالإحتفاظ بنسخة من السجلات المدنية، التي تحتفظ بها الحكومة الشرعية للكويت.( د. بطرس غالي ، المصدر السابق، ص 6 – 7).

أخطر قرار يتخذه مجلس الأمن الدولي في تاريخه القرار 678
وبعد مداولات عسيرة إستمرت عدة أسابيع، قام خلالها وزير خارجية أمريكا (جيمس بيكر) بزيارات مكثفة، لدول عديدة، أصدر مجلس الأمن في 29 تشرين الثاني /نوفمبر 1990 بأغلبية( 12) صوتاً ضد صوتين ( كوبا واليمن) وإمتناع الصين عن التصويت قراره (678)، الذي يجبر قوى التحالف، بإستخدام جميع الوسائل اللازمة، بما فيها التدخل العسكري، لإجبار العراق على الإمتثال الى كافة قرارات مجلس الأمن الخاصة بأزمة الخليج. ومن جانب آخر، ينص القرار على منح العراق مهلة حتى 15/1/1991 لتنفيذ هذه القرارات. وفي حالة تمسك العراق بموقفه حتى هذا التاريخ، يخول القرار الدول المتحالفة مع الكويت، حق إستخدام كافة الوسائل الكفيلة بإجبار العراق على تنفيذ قرار مجلس الامن رقم(660)، والقرارات التالية له ذات الصلة بأزمة الخليج. وذلك من أجل إقرار السلم والأمن في المنطقة.( د. بطر بطرس غالي ، المصدر نفسه).

في هذا الوقت قال الرئيس العراقي صدام حسين " أن العراق سيقاتل الف عام للاحتفاظ بالكويت ولن ينسحب منها".
على الصعيد السياسي والعسكري، إلتزمت الولايات المتحدة، منذ نشوب الأزمة موقفاً واضحاً، برفض الغزو الصدامي وإدانته مباشرة ، وإستمر الموقف الأمريكي على هذا النحو طوال الأزمة، مؤكدة على التصميم على حرمان صدام حسين من جني ثمار العدوان.

بدء العمليات الحربية لاخراج القوات العراقية من الكويت

لم يتوقع صدام حسين أن تحدث حرب، حساباته خاطئة، كان يعتقد أن الغرب يهمه النفط، ولا يمانع أن يكون ربع إحتياطي العالم في يد رجل قادر على فرض الاستقرار. وهو كان مستعداً أن يقدم النفط للغرب بتسهيلات تعامل مع الازمة، وأنها مباراة في لي الأذرع قال ذات مرة " إن المسألة تدور حول من سيرف جفنه أولاً" . مفهوم المبارزة القديم ، لا يعرف أن العالم تغير، وأن هناك الأمم المتحدة، ومصالح الدول الكبرى، حتى العلوم العسكرية تغيرت كثيراً.( غسان شربل، المصدر نفسه، ص 212).

عند الثالثة من فجر الخميس 17/1/1991 بدأت طائرات وصواريخ ( كروز) التابعة لقوات التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، المتمركزة في قواعد جوية في السعودية، وبعض دول الخليج، وفوق حاملات الطائرات الأمريكية المنتشرة في الخليج العربي والبحر الاحمر، عملياتها الجوية الهجومية على الاهداف العراقية، في كل من العراق والكويت، والتي أطلق عليها عملية ( عاصفة الصحراء) فتحولت بذلك أزمة الخليج، التي بدأت بإجتياح العراق للكويت في 2/8/1990 الى ( حرب الخليج) وذلك بعد إنقضاء مهلة الفرصة الأخيرة في 15/1/1991. التي كان الرئيس الامريكي بوش الاب قد أعلنها غداة صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم (678) في 29/11/1990 الذي أتاح للأمم المتحدة إستخدام القوة العسكرية، لتنفيذ قرارات مجلس الامن الدولي الاحد عشر السابقة، المتعلقة بإدانة الاجتياح العراقي للكويت، وضرورة الانسحاب العراقي غير المشروط من أراضيها، وإعادة السلطة الشرعية اليها، وجاء لجوء الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها، الى الخيار العسكري كحل أخير ( لا مفر منه) بعد أن فشلت كافة الجهود والمبادرات الدبلوماسية طوال الفترة الممتدة من 2 آب / أغسطس 2990، حتى 15 كانون الثاني/يناير 1991، في إقناع الرئيس العراقي صدام حسين بالتنفيذ الطوعي لقرارات مجلس الأمن الاثني عشر المذكورة.(رئيس التحرير، افتتاحية مجلة الفكر الاستراتيجي العربي ، بيروت ، العدد نيسان 1991، ص 5 ).
وقد إستمرت الهجمات الجوية لقوات التحالف الدولي (38 ) يوماً متصلة، قامت فيها الطائرات بنحو( 94000 ) طلعة جوية، أسقطت خلالها حوالي( 55) الف طن من المتفجرات ( قنابل وصواريخ) على الأهداف العراقية المختلفة في العراق والكويت. وزعمت القيادة العسكرية الامريكية " أن الهجمات الجوية، أسفرت عن خسارة القوات العراقية( 1685) دبابة من أصل (4280) دبابة و(925) ناقلة جنود مدرعة من أصل (2800) ناقلة و(1450) قطعة مدفعية من أصل (3110) قطعة فضلاً عن إسقاط أو تدمير( 237) طائرة من مختلف الأنواع ، وإضطرار (138) طائرة أخرى، الى الهرب الى إيران ( أي ما مجموعه (375) طائرة من أصل( 800 طائرة) وذلك وفقاً لما أوردته مجلة ( تايم) الامريكية في عدد 4/3/ 1991، والتي إستطردت موضحة " أن العديد من دوائر الإستخبارات الأمريكية تعتقد أن تقديرات الخسائر المذكورة متفائلة للغاية".

وبغض النظر عن الحجم الحقيقي للخسائر العراقية، في الأسلحة والمعدات والأفراد نتيجة القصف الجوي، فإنه من الواضح عملياً في ضوء نتائج الحرب البرية التي إستغرقت مائة ساعة فقط، تبعها إنسحاب وإنهيار شبه كامل للقوة العسكرية العراقية، التي كانت متواجدة في الكويت وجنوب العراق ،أن الهجوم الجوي لقوات التحالف الدولي قد حقق خسائر فادحة، بالأسلحة والمعدات والافراد لدى القوات البرية العراقية المذكورة، تتناسب وحجمها الفعلي، وأنه أنقص متطلباتها اللوجستية الى حد كبير( خاصة بالنسبة الىى المؤن الغذائية والمياه) وأدى الى قطع قسم هام من الأتصالات وسيطرة القيادة على القوات، فضلاً عن إنهاك معنوياتها الى حد خطير.
هذا بالاضافة الى شل قدرة القوات الجوية، وإخراجها من ساحة القتال تماماً، وإضعاف قدرة الدفاع الجوي الى حد كبير. وبالتالي أصبحت قوات التحالف الدولي تتمتع بالسيادة الجوية الكاملة، التي تحسم مصير معارك حرب الصحراء سلفاً، ومن ثم أيضاً أصبحت القيادة العسكرية العراقية، محرومة تماماً من الاستطلاع الجوي، وأصبحت بالتالي معلوماتها معدومة ،عن حشود وتحركات القوات البرية للتحالف الدولي تاهباً لهجومها البري. .
وفي 24/2/1991 بدأت قوات التحالف الدولي هجومها البري الكبير المنتظر موجهة ضربتها الثانوية التثبيتية على الحدود الجنوبية للكويت، ضربتها الرئيسة في عمق أراضي جنوب العراق، إنطلاقاً من الاراضي السعودية، في شكل حركة التفاف واسعة النطاق، متعددة الشُعب، وصل إتساعها الى مسافة (500 كلم)عن شواطيء الخليج عند إنطلاقها، مشكلّة بذلك مناورة ( تقرب غير مباشر) نموذجية تطبق في ظروف ملائمة تماما لنجاحها، سواء من حيث إنبساط الارض الصحراوية، التي تتحرك عليها المدرعات الامريكية والبريطانية والفرنسية بسهولة وبسرعة، أو من حيث تحقق السيادة الجوية المطلقة، في صورتها الحديثة، التي تجمع بين الاستطلاع الشامل والاني، ووسائل السيطرة والاتصال المتطورة، والاسلحة دقيقة التوجيه التي تطلق من مختلف الامدية القصيرة والبعيدة، ولذلك وصل الطرف الخارجي الاقصى لهذه الكماشة الهائلة الى ( الناصرية) الواقعة على نهر الفرات، الى الشمال من البصرة بنحو (150 كلم). ومن ثم شلّت قدرات فرق الحرس الجمهوري المدرعة والميكانيكية، على تأمين مؤخرة القوات العراقية المتمركزة في الكويت، وصد هجمات القوات المدرعة المتحالفة من داخل حفرها، فضلاً عن إنعدام قدرتها على شن هجوم مضاد فعال، بسبب التأثير المزدوج لكل من السيادة الجوية المطلقة، بمعناها الحديث، وعمق تعدد أطراف حركة الالتفاف لمدرعات الحلفاء.

المفاجأة العراقية
بعد ان رفض صدام حسين كل الاصوات الخيرة والمساعي الحميدة العربية والعالمية التي تطالبه بسحب قواته من الكويت وتفادي الحرب وويلاتها، الى درجة ان العالم كانوا يعتقدون ان صدام يخبيء للتحالف الدولي مفاجأة كبيرة واذا بالمفاجأة انه ليس لديه شيء. خاصة وهو الذي خاطب جيشه وقال له لا تنسحب حتى لوسمعتم صوتي يطلب الانسحاب لا تنسحبون لان الامريكان سوف يقلدون صوتي. وبالفعل حينما دعا قواته للانسحب انقسم الجيش الى قسمين قسم مصدق واخر غير مصدق بل ان الذين لم يصدقوا وكانوا داخل الخنادق جاءت الجرافات الامريكية ودفنتهم وهم احياء .
وكان أن أبلغ العراق مجلس الأمن الدولي يوم 27/2/1991، أنه أكمل مع حلول الفجر، سحب قواته من الكويت ، وأبدى إستعداده للقبول بقرارات المجلس الـ(12) ضده مقابل وقف إطلاق النار ، ولكن المجلس رفض ربط قبول العراق بقراراته بطلب وقف النار.وفي اليوم التالي 28/2/1991 أعلن الرئيس الامريكي بوش، إيقاف العمليات القتالية الهجومية بعد( 100) ساعة فقط على بدء العمليات البرية وبعد ستة أسابيع على بدء عاصفة الصحراء.
وأوضح بوش " أنه لكي يصبح وقف العمليات الحربية وقفاً رسمياً، على العراق أن يقبل عدداً من الشروط السياسية والعسكرية، أبرزها أن يفرج فوراً عن جميع الأسرى والمعتقلين الكويتيين، والإبلاغ عن مواقع وطبيعة الألغام البرية والبحرية، وتنفيذ جميع قرارات مجلس الأمن الناتجة عن إحتلاله للكويت، والتوقف عن إطلاق النار على قوات التحالف، أو إطلاق الصواريخ على أية دولة أخرى. فضلاً عن إيقاف الطلعات الجوية العسكرية العراقية . فيما أعلن الجنرال (شورازكوف) قائد قوات التحالف الدولي يوم 27/2/1991 أنه تمّ تدمير( 29) فرقة من أصل (42 ) فرقة عراقية، وتدمير أو الاستيلاء على (3000) دبابة من أصل (4200) دبابة. ) الحسابات الاستراتيجية العراقية الخاطئة، المصدر نفسه، ص 9 -10).

النهاية المؤلمة والمحزنة

وهكذا إنتهت مغامرة إحتلال الكويت الى، هزيمة عسكرية وسياسية شاملة، لحقت آثارها المعنوية على الاقل الأمة العربية كلها، وكانت نتيجة منطقية تماماً لخطأ الحسابات الإستراتيجية العراقية، التي كان على رأسها، خطأ تصور أن الولايات المتحدة، لن تقدم على التدخل عسكرياً في حال إجتياح العراق للكويت وضمها إليه. ذلك الاجتياح الذي وفرّ للولايات المتحدة الفرصة المثلى ، سياسياً على المستويين الاقليمي والدولي، لاكساب مقولة إنفرادها – في ظل الظروف الراهنة للتوازنات الدولية – بقيادة العالم مصداقية علمية بارزة في وجه الخصوم والاصدقاء على السواء ، وهو ما عبّر عنه بوضوح نائب الرئيس الامريكي ( دان كويل) في تصريح له يوم 14/3/1991 حيث قال " إن الانتصار الذي قادته الولايات المتحدة قضى والى الابد، على أية تكهنات بأن الولايات المتحدة في تراجع كقوة عالمية.. واليوم وكما كان في الماضي فإن أمريكا وحدها هي القادرة على قيادة العالم".
ولكن ما نود أن نقوله، الى أن حرب الخليج كانت حرباً، رغبت الولايات المتحدة في إحداثها بدهاء وكفاءة ، وسقط العراق في فخها المنصوب بإصرار وعناد غريبين، مما يقدم نموذجاً فريداً في تاريخ الإستراتيجية العليا وإدارة الحرب، وفي عاقبة التلهي بالقوة العسكرية، بنزق سعياً وراء هدف خاطيء، وفي المكان والزمان غير المناسبين ، وتحت قيادة تتمتع بمقدرة عجيبة على عدم رؤية وتقدير الوقائع والظروف، التي تحكم مسار الصراع المسلح مسبقاً بشكل حتمي.( حسابات الاستراتيجية الخاطئة، المصدر نفسه، ص 10).

في الخامس من آذار /مارس 1991 أصدر الرئيس صدام حسين بصفة كونه رئيس مجلس قيادة الثورة في العراق القرار التالي:
إنسجاماً مع موافقة الحكومة العراقية ،على قرارمجلس الأمن (686) في 1991، وما أعلنته سابقا عن الموافقة على قرارات المجلس الأخرى، قرر مجلس قيادة الثورة إستنادا الى أحكام الفقرلة (1) من المادة الثانية والأربعين من الدستور ما يلي:
أولاً – إعتبار قرارات مجلس قيادة الثورة الصادرة منذ 2 آب/ أغسطس 1990 التي لها صلة بالكويت لاغية.
ثانياً – تلغى جميع القوانين والقرارات والأنظمة والتعليمات والتوجيهات والإجراءات الصادرة .
ثالثاً – لا يعمل بأي نص يتعارض مع هذا القرار
رابعاً – ينشر هذا القرار في الجريدة الرسمية، وينفذ إعتبارا من 3 آذار/مارس 1991.
خامساً – تتولى الوزارات والجهات ذات العلاقة تنفيذ هذا القرار.
صدام حسين رئيس مجلس قيادة الثورة.( موسوعة حرب الخليج، الجزء الثاني ، ص 444).


رسالة العراق الى الامم المتحدة بإعادة الممتلكات الكويتية

كان الرئيس صدام حسين، قد ترأس مساء يوم الاثنين4 آذار / مارس 1991 إجتماعا لمجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية، وأذيع عنه أنه قرر المباشرة بإعادة الممتلكات التي سبق للسلطات العراقية، أن وضعت اليد عليها بعد 2 آب 1990 وذلك تطبيقا لقرارات مجلس الأمن الموافق عليها.
ونشرت صحف الثلاثاء الخبر مع صورة للإجتماع وبشكل بارز على الصفحات الاولى.
ويوم الأربعاء 6 آذار /مارس 1991 نشرت الصحف العراقية نقلاً عن الوكالة الرسمية نص الرسالة، التي بعث بها في هذا الشأن وزير خارجية العراق طارق عزيز الى الأمين العام للأمم المتحدة هنا نص الرسالة:
لي الشرف أن أبلغكم بأن الحكومة العراقية، قد قررت تنفيذاً لموافقتها على قرار مجلس الامن (686) 1991 حسبما أوردته في رسالتي الى سيادتكم المؤرخة في 3 آذار/مارس 1991، أن تعيد الممتلكات الآتية سبق للسلطات العراقية أن وضعت اليد عليها بعد 2 آب 1990:
أولاً- كميات من الذهب
ثانيا – كميات من العملة الورقية الكويتية
ثالثا – موجودات المتحف
رابعا – طائرات النقل المدنية
أن الجهات العراقية المختصة، مستعدة لتسليم هذه الممتلكات، باسرع وقت ممكن ونرجو من سيادتكم، أن تتفضلوا بإعلامنا بالإجراءات التنفيذية للتسليم
وتفضلوا بقبول وافر الأحترام
طارق عزيز
نائب رئيس الوزراء
وزير خارجية جمهورية العراق
بغداد في 5آذار /مارس 1991.( موسوعة حرب الخليج ، الجزء الثاني، ص 444).

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

3158 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع