ذكرياتي مع الأوفياء: صلاح محمد كريم ...
الذكريات روافد تصب في مسار الحياة.. يسقط منها ما قد يؤثر سلباً في المسار، ويترسب منها في وعاء الذاكرة ما يؤثر إيجابا في مسارنا الطويل فيتحقق ما يقوله الشاعر: (إن الذكريات هي معنى العمر في هذه الحياة) وفي سواقي الذاكرة اشخاص ساهموا بهذا القدر أو ذاك في بناء رياضتنا وتحديد نهجها ومستقبلها ..نرفعهم في بيارق الذاكرة وفاء لهم ولما قدموه . ..هذا الوفاء هو الرابط الإنساني الذي يبقى يذكرنا بالمقولة: (من علّمني حرفاً ملكني عبداً)...
إلى هؤلاء جميعاً احني رأسي تقديرا والى ذكراهم أقدم لهم كلماتي التي يحكيها القلب والضمير عبر(مجلة الگاردينيا ) الغراء
بزوغ نجم رياضي لامع من كردستان العراق ......
من جبال العراق الشامخة وسهوله الخضراء في شمالنا الحبيب - كرد ستان العراق - وجمال الطبيعة الساحر الخلاب في مدينة السليمانية ... حين تدخلها تبهرك شوارعها الرئيسية العريضة المنفتحة على فضاء وقمم جبال تحتضن المدينة الحديثة التكوين من مختلف جهاتها، أطلق عليها عشاقها "بلورة كردستان العراق" تغطيها أردية الثلوج البيضاء شتاءً، وتتمرد جبالها على قسوة بردها برداء الطبيعة الأخضر في الربيع والصيف.
السليمانية مدينة جمعت بين ألق الماضي وبين انطلاقها الى المستقبل كمدينة عصرية ومعاصرة، حيث تشتمل دلالة التأريخ العراقي وعمقه وأصالته وتفرده. ... هذه الاصالة تمثلت في تلك المدينة منذ فترة طويلة من خلال اهلها الطيبين والمخلصين لتربة الوطن ,
والتاريخ يذكرنا عندما غزت القوات البريطانية العراق دخلت من جنوبه فبدأت بالبصرة التي انتفضت فيه عشائر الجنوب متجهين نحو ارض المعركة لطرد الغزاة ولما سمع اهل السليمانية وشيخها المرحوم محمود الحفيد , الذين جمعوا ثلاثة الاف مقاتل من خيرة الفرسان متوجهين نحو الوسط ومنها الى (الشعيبة ) جنوبا لنصرة اخوانهم وقت الشدائد للدفاع عن بلدهم العزيز وتربته الغالية ليلتقوا بالشيخ المرحوم - سعيد الحبوبي - من عشائر الجنوب وحفروا الخنادق سوية واستعدوا للقتال , وكان لهذا التلاحم في مواجهة الاعداء الادليل على سجيتهم , ولذا كانت ومازالت السليمانية محط اعتزاز وفخر من قبل الجميع كباقي مدننا , هذه المدينة التي تباينت فيها الآراءعلى تسميتها لاهميتها فمنهم من يعتقد انه تم العثور أثناء الحفر في بناء المدينة على خاتم نقش عليه اسم سليمان وتيمناً بالخاتم واسم النبي سليمان سميت المدينة بالسليمانية، وهناك رأي آخر يقول إنها سميت باسم سليمان باشا الكبير والي بغداد وهو كان من أشهر الولاة الذين حكموا العراق.
وقد اتسمت السليمانية بحركتها الثقافية ومنها الرياضية حيث فيها جامعة السليمانية التي ساهمت مساهمة فعالة في إعداد جيل مثقف ومتسلح بأحدث العلوم لكي يساهم في عملية البناء والتطور, وفي الجانب الرياضي الذي تؤكد المصادر انه وفي بداية الخمسينيات كان للعديد من وجهاء مدينة السليمانية انذاك رغبة صادقة في نشر الرياضة في مدينتهم من خلال دعمهم المادي الذاتي وحضورهم كذلك لبعض المباريات والفعاليات والانشطة التي كانو يعتبرونها جزء من التفاعل الاجتماعي والرياضي في منطقتهم , ولابد من الاشادة بهؤلاء الرجال والثناء على مبادراتهم التربوية تلك والتي لازال ابناء السليمانية يذكرونهم بالخير ومنهم السادة , فائق سعيد القصاب الذي اصبح فيما بعد وبالتحديد عام 1960 رئيسا لنادي السليمانية وعزيز محمد وصالح علي عبد القادر وعمر محمد وغيرهم من الاخيار طيبي الذكراللذين كان لهم الدور الريادي في توسيع افاق الرياضة ونشرها ..
وكان لذلك التشجيع والمساهمات التربوية الاثر الايجابي في بزوغ عدد من الرياضيين ومنهم رياضي دمث الاخلاق تميز ليس على مستوى محافظته وحسب وانما على مستوى العراق انه الحكم الدولي(صلاح محمد كريم) ابن السليمانية البار, الذي عشق الرياضة منذ نعومة اظفاره وقد مارس اغلب ألعابها , ككرة القدم وكرة السلة وكرة الطاولة وكرة الطائرة في ساحات وملاعب المدارس وفرقها الاهلية شاقاُ طريقه بكل ثقة متجها لممارسة كرة القدم التي كانت بدايته مع الفرق الاهلية والمدارس مع مدربه الاول المربي المرحوم ياسين حمة صالح ومن ثم ثانوية السليمانية وصولا الى النادي الام - نادي السليمانية الرياضي - ....
مع كل هذا النشاط الرياضي له الا انه قرر ان يختار التحكيم كمهنة ليتفرغ لها كليا للوصول الى الهدف المطلوب لتحقيق ليس طموحه الشخصي فقط وأنما لتلبية حاجة مدينته التي نشأ وترعرع فيها التي كانت تفتقر حينذاك الى حكام - كرة قدم - وبحاجة ماسة الى هذا العنصر الفعال من عناصراللعبة التي ساهمت في نشر اللعبة وهذه من احدى اسباب اختياره لهذه المهنة الشاقة , فسعى بحسه الرياضي العالي وحرصه على المساهمة مع اساتذته و زملائه في رفع المستوى الرياضي في مدينتة ليكون انموذجا يحتذى به ...
وهذا مايحسب له كجزء من وفاءه لمدينته التي لها الحق فيه , فبادر الى اعداد نفسه وتسخير جهوده لدخول أول دورة تحكيمية في بغداد سنة 1968 لحكام الدرجة الثالثة التي اجتازها بنجاح , ثم توالت الدورات فدخل دورة تحكيمية لحكام الدرجة الاولى في بغداد ايضا سنة 1972 لاكتساب الخبرة ومعرفة قوانين اللعبة ليطبقها عمليا ... وقد ظهرت امكانيته التحكيمية الجيدة في هذا المجال فيما بعد, وذلك من خلال قيادته للعديد من مباريات الدوري المحلي والعربي والقاري الذي نجح في وصول منافساتها الى بر الامان, مما اهلته تلك الايجابيات في عالم التحكيم , للترشيح لنيل الشارة الدولية التي نالها باستحقاق عام 1979بعد مبارة العراق وهولندا..
اهم سماته التحكيمية النادرة ....
كان صلاح محمد كريم من الحكام الجيدين في تلك الفترة الزمنية وقد تميز( بهدوء الاعصاب ) وعدم الانفعال حتى في اصعب المباريات!! وهذه من من السمات الايجابية للحكم المتفوق والمقتدر...لقد مثل بلده خير تمثيل في كافة المباريات التي كان فيها حكما نزيها وحقق قفزات كبيرة وتطور ذاتي من خلال قيادته الكثير من المباريات كما اسلفنا على المستوى القاري من خلال بطولات الاتحاد الاسيوي المختلفة وتصفيات كاس العالم عن قارة اسيا والكثير من المباريات الودية الدولية التي اضافت له الكثير من الخبرة والحنكة في ادارته المباريات والسيطرة على المستطيل الاخضر.
اصعب المواقف الحرجة التي صادفته.. يقول كاكه صلاح
في احدى مباريات الدوري منتصف الثمانينيات والتي طرفها فريق القوة الجوية سجل اللاعب وجدي زيدان هدفا نظيفا وواضحا , الا اني فوجئت بعدم تحرك مساعد الحكم الدولي لتأييد الهدف ؟ الذي ينبغي ان يتوجه الى منتصف الملعب وكذلك لم يبدي أي اشارة سلبية او ايجابية ..مما اضطرني ان اذهب اليه مسرعا في تلك الثواني الحرجة وسط غضب الجماهير الغفيرة التي تنتظر ما ستؤول اليه نتيجة تشاوري معه وقلت له – كاكه فلان - ما الذي حدث علماُ ان الهدف نظيف , اخبرني بسرعة ..اجابني والله كاكه ما شفت الكرة وما متأكد !! فرجعت مسرعا الى وسط الملعب معلنا صحة الهدف وسط صيحات الجمهور واستهجانه وهذا من حقه لان موقف مساعد الحكم – المتأرجح – وضعني في احراج كبير وصعب جدا ؟... وبعد المباراة شاهدنا التسجيل واتضح ان الهدف صحيح ولله الحمد .
سلوك متميز وسمعة طيبة ...
وللامانة التاريخية ومن خلال تواجدي لفترة طويلة في الاتحد العراقي لكرة القدم ومسؤلياتي العديدة على الساحة الكروية سواء المحلية او القارية او الدولية , لم اشاهد للكابتن صلاح تحكيما مشوباً او وصلني عنه تقريرا مبهما من مراقب مباراة او حكام بل العكس الاشادة بامكانياته ولهذا ذكرت انه ومن خلال تحكيمه لعدد كبير من المباريات خاصة الخارجية , قد عكس صورة مشرفة عن بلده العراق في المحافل الرياضية .
ودائما مايشار عند ذكر التحكيم في العراق الى ان الحكم الدولي صلاح محمد كريم جزء مهم من تاريخ التحكيم العراقي المشرف والزاخر بالحكام الكفوئين , وسوف نتناول البقية من حكامنا في حلقات قادمة ان شاء الله .... لقد التقيت حكمنا الدولي الخلوق في شخصيته والهادىء في قراراته التحكيمية , في الدوحة – قطر–خلال اقامة دورة التطوير للحكام الشباب بصحبة رعيل من الحكام اللذين خدموا اللعبة وفي مقدمتهم السيد نوري عباس احد حكامنا الدوليين ونائب لرئيس اتحاد كرة القدم سابقا ونخبة من الجيل الذي تلاهم .
1795 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع