عصمت كتاني الدبلوماسي العراقي
اعداد : بدري نوئيل يوسف
شخصية كوردية خدمت العراق على الصعيد الدولي والدبلوماسي ومن الدبلوماسيون العراقيون اللامعين و يمتاز بالدبلوماسية العراقية الراقية ، منذ تأسيس الحكم الملكي في العشرينيات من القرن الماضي نجد بروز شخصيات تركوا بصمة واضحة في مسيرته الطويلة وكانوا يؤمنون بشعار (الرجل المناسب في المكان المناسب) ومن هذه الشخصيات نجد عصمت كتاني كوكب كوردي لامع خدم العراق في مجال عمله حتى احتل مكانة رفيعة في المحافل الدولية وظهر بريقه في اجهزة الاعلام المختلفة ولعل ما تركه من انجازات وأعمال خير شاهد على ذلك فقد كان راسخ في نفسه وعقله لمراعاة مصلحة الشعب .
كان سلسا في العمل ، مثابرا على الدوام ، ومن كان يعاشره يحس بلذة العمل معه ، يطالع الصحف يوميا ، ويسمع اخبار السياسية كل صباح ، انسان اجتماعي لطيف ، بسيط ومتواضع ، وكان نزيها عصاميا في حياته ، لا يعقد الامور قط ولا تقف امامه معضلة إلا ويحلها بصبره وثقافته الواسعة .
ولد عصمت عام 1927 ابن ثائر كردي في قضاء العمادية ، اكمل فيها دراسته الابتدائية بين السنوات ( 1935- 1941) والمتوسطة في اربيل ،كان والده الحاج طه عبد العزيز عبد اللطيف احد مقاتلي المرحوم الملا مصطفى البارزاني ، ولمس الطفل عصمت قسوة الحياة الجبلية ، وظروف الثورة الكردية ، شارك والده في ثورة بارزان الثانية ، وابتلعه سجن الموصل لسبع سنوات ومن السجن يطلب من ابنه ليعيش مع عمه علي عبد العزيز الذي كان ضابطا في الجيش العراقي برتبة عقيد . اكمل الثانوية في الديوانية لدى عمه ويكون الاول على اقرانه في كل عام ، ويتوج الاول على العراق في امتحانات البكالوريا للمرحلة النهائية ليحصل على بعثة دراسية في الولايات المتحدة الامريكية عام 1947. ويدخل جامعة كنوكس في ولاية كاليفورنيا ليحصل على شهادتين مرة واحدة ، احداهما في اللغة الانجليزية والثانية في العلاقات الدولية .
عند عودته الى العراق عام 1951 يصبح مدرسا للغة الانجليزية في مدينة اربيل الكردية ، ولكن طموح عصمت لم يقف عند هذا الحد ،
ويبدو ان والده كان يعرف وزير الداخلية الكردي المرحوم سعيد قزاز منذ ان كان متصرفا للواء الموصل ، وكان قزاز رجلا شجاعا ومعتدا بنفسه ، ويتعاطف مع الذين قاموا بثورة بارزان الثانية فطلب والده من سعيد قزاز التوسط لعصمت لدى الخارجية العراقية لتعيينه دبلوماسيا في وزارة الخارجية ، لكن سعيد قزاز الذي اشتهر بإتباع الطرق القانونية نصح عصمت ان يؤدي الامتحان الخاص بالوزارة وفي حال اجتيازه يكون مؤهلا للعمل في السلك الدبلوماسي ، وبالفعل ادى عصمت الامتحان وكان من الاوائل ، ولم يحتج بعد ذلك إلا لمباركة قزاز الذي ادى خدمته دون القفز على القوانين المرعية ، تم تعيين عصمت كملحق دبلوماسي في ديوان الوزارة ، ومن ثم انتقل الى فضاء العلاقات الدبلوماسية خارج حدود العراق بعد تعيينه في القاهرة بدرجة سكرتير ثالث في السفارة العراقية ، والى جنيف بعد ذلك في البعثة العراقية بدرجة سكرتير ثان ، وفي عام 1958 تم انتدابه للأمم المتحدة ،
بدأ مسيرته مع الأمم المتحدة عندما تم تعيينه قائما بأعمال الممثل الدائم للعراق لدى مقر الأمم المتحدة ، وفي عام 1961 تم تعينه بمنصب الممثل الدائم للعراق لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف ، وفي عام 1964 عاد كتاني الى نيويورك ليعمل موظفا في الأمانة العامة للأمم المتحدة فشغل مناصب عليا مع خمسة من الأمناء العامين (يوثانت ، كورت فالدهايم ، دي كيولار، بطرس غالي ثم كوفي عنان) بما في ذلك تعينه مساعدا للأمين العام كورت فالدهايم عام 1973.
وفي العراق عمل كتاني رئيسا لدائرة المنظمات والمؤتمرات الدولية في وزارة الخارجية العراقية في الفترة من 1975 إلى 1980 ، وبعد ذلك عين مندوبا دائما للعراق في الامم المتحدة .
السيد عصمت كتاني (العراق) رأس الدورة السادسة والثلاثون عام 1981 م ، كما رأس الدورة الاستثنائية الطارئة التاسعة عام 1982 م والدورة الاستثنائية الثانية عشرة في العام ذاته .
كان عصمت كتاني وهو يقف وسط قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة ، يشعرك بأنك ترى شيئا من تاريخ وخصائص العراق كان رجل الآفاق في الدبلوماسية وفي السياسة ، حارساً لمصالح البلاد ، وحين أصبح السيد الأول في الجمعية العامة للأمم المتحدة ظل شجاعا في الدفاع عن قضايا الدول العربية ، لم ينحز الى قوميته الكوردية ، لكنه انحاز بشدة إلى عراقيته .
كانت الحكومة العراقية تعرقل تقدمه بسبب انتمائه للقومية الكردية ، وخشيتها من علاقاته الواسعة وربما تعاطفه مع القضية الكردية ، خصوصا ان القتال كان محتدما بين النظام العراقي في حينه والحركة الكردية بقيادة المرحوم مصطفى البارزاني ، لذلك انهيت خدماته في الامم المتحدة وأعيد الى ديوان وزارة الخارجية بدرجة سفير .
حضر الكثير من الاجتماعات والمؤتمرات وقام بمهمات دبلوماسية في غاية الاهمية وترأس هيئة الامم المتحدة سنة 1982 عندما حظي العراق برئاسة دورة المنظمة العالمية وقد اداها بنجاح تام ،كما ترأس المؤتمر العالمي للمرأة في الصين ومثل الأمم المتحدة في حل مشاكل الصومال وطاجيكستان .
وبعد ان احيل على التقاعد في الخارجية العراقية في نهاية الثمانينات ، عاد الى الولايات المتحدة وتم تعيينه من جديد في المنظمة الدولية ليتولى عدة ملفات لقضايا دولية مهمة وفي عام 1989 تم تعيينه مستشارا سياسيا رفيعا للامين العام للأمم المتحدة بطرس غالي.
وأخيرا استقر في سويسرا الى ان وافاه الاجل ، أوصى قبل وفاته بإنشاء دار للرعاية الاجتماعية في القرية التي ولد فيها (كاني سنج) القريبة من العمادية وقد خصص في وصيته مبلغاً يتراوح بين (100 - 150) الف دولار لهذه الغاية على ان ينشأ مشروع صناعي انتاجي لخدمة سكان المنطقة ولتمويل الدار.
ترك مكتبة دبلوماسية زاخرة بالكتب السياسية والتاريخية والأدبية بلغات مختلفة في جنيف .
توفي بداء السرطان الخبيث في البروستاتة في جنيف وقد نقل جثمانه الى بغداد فالعمادية ووري جثمانه الثرى في (كاني سنج) وقد اشتركت الحكومة العراقية ممثلة في وزارة الخارجية في مراسيم التشييع وحضور مجلس الفاتحة الذي اقيم في بغداد كما اقيم حفل تأبيني له في ذكرى الاربعين لوفاته في قاعة الشيخ عبد القادر الكيلاني بتاريخ 17/ 12/ 2001 القيت فيه عدة كلمات اشادت كلها بكفاءة ونزاهة وشخصية الفقيد عصمت كتاني ..
نعى الامين العام للأمم المتحدة كوفي عنان عصمت قائلا : " حياته كانت مثالاً لنا جميعاً وان وفاته لم تكن خسارة لأولاده ولذويه فحسب بل خسارة للأمم المتحدة ".
حتى قال عنه الأخضر الابراهيمي يرثيه “لم اجد دبلوماسيا ألمع وأكثر حضورا منه ”، كان هذا زمن عمل فيه ساسته من اجل مصلحة الاوطان والناس لأمن اجل مصالحهم ..
جامعة اينوكس لدراسة العلوم السياسية تلك الجامعة التي منحته فيما بعد الشهادة الفخرية.
المصادر :
جريدة الشرق الاوسط .
جريدة التآخي .
جريدة المدى .
3515 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع