" خواطر مقارنة بين الجيل الذي عايشتاه ومايعيشه جيل اليوم ايهما احلى واكثر سعادة "
التاريخ هو الهوية الحقيقية للأمم والشعوب، وهناك علامات فارقة في تاريخ الشعوب والدول لا يتشابه ما قبلها مع ما بعدها، ان دراسة تاريخ الامم دراسة متعمقة بجميع جوانبه تؤدي إلى فهم الماضي والحاضر بل وصناعة المستقبل. ان الارتباط بين الماضي والحاضر، علاقة قديمة قد تكون بقدم الجنس البشري ووجوده على الارض.
كانت الحياة في الماضي طبيعية فيها البساطة والصعوبة، تغيب عنها تعقيدات الوقت الحاضر. مما لا غبار عليه ان حياتنا عباره عن محطات نعيشها بكل مراحل الحياه، ومهما كانت هذه المراحل بحلوها ومرها الا ان الحياه ستستمر، تمر الأيام بسرعة وتغيرات كثيرة قد تصيبنا بالدهشة بعض الشىء، ومع كل تغيير يظهر فى المجتمع يتذكر الجميع أيام زمان وكل ما فيها من ذكريات جميلة، لا شكّ بأن الأمور اختلفت بشكلٍ كبير بين الماضي والحاضر في جوانب كثيرة من جوانب الحياة، فنحن نعيش في عالم سريع للغاية، تنتقل المعلومة فيه كلمح البصر بين أطراف الدنيا، فلم يعد العالم قرية صغيرة بل أصبح العالم جهازا صغيرا تحمله معك في كل مكان، ولاشك في أن لهذه الحياة السريعة فوائد كبيرة جدا، ولكن لها أيضا ضريبة باهظة ندفعها، فأصيبت بعض النفوس بقلق عظيم، لا ترى في الحياة شيئا من طعم السعادة بل لا تكاد تعرف بعض الوجوه الابتسامة الصادقة التي تعبر عن القلب السعيد المطمئن، حتى لو كانت تملك شيئا كثيرا من المال والصحة والفراغ، وقد سبب هذا الاختلاف تطور الحضارة الإنسانية وتغير أشكال وأنماط معيشتها، بينما ينظر بعض النّاس إلى هذا الاختلاف على أنه شيءٌ إيجابي، فيما يطالب البعض بضرورة العودة إلى قيم المجتمع قديماً وأعرافه التي تفتقد بشكل كبيرٍ في الحياة المعاصرة.
أن مقياس حضارة و هوية العائلة هي بمقدار ما تنتجه من عادات و تقاليد خاصة بها من جهة و من جهة أخرى هي بمقدار ما توليه من اهتمام ومحافظة على عاداتها وتقاليدها الأصلية و اللصيقة بكيانها الروحي والمادي ومصدر هويتها الثقافية والحضارية عبر مراحل تاريخها الطويل، لأن العائلة كمجتمع صغير يخضع أفرادها في تفكيرهم واتجاهات سلوكهم إلى مجموعة من التنظيمات المكتسبة و المعروفة باسم الثرات الإجتماعي أو الثقافة والحضارة و هي جميع مرادفات لمدلول واحد يشمل ما يوجه الحياة الإنسانية من جوانب مادية و غير مادية، من عادات وتقاليد وقيم و لغة و نظم اجتماعية، إن هذه القوة الاجتماعية في كل مجتمع تختلف عن غيره من المجتمعات بما يميز كل مجتمع ويؤثر في حياة الأفراد و تحيط تفكيرهم واتجاهاتهم وسلوكهم بإطار عام يتحركون في محيطه و بوحيه، تعدى طاقاتنا وطاقات هذه الأوراق، ولكن لا يسعنا القول أنها مست كل جوانب الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية و السياسية والفكرية من شعر، غناء، رقص، لباس، طبخ، أعياد، حفلات، فن، زخرفة، نحت، حرف، أعراف... فهي ممارسات أنتجتها الوجدان الشعبي تلبية لرغباته المعايشة، فظلت حية بحياته، تتحرك بحركاته على مدى تاريخه الثقافي والاجتماعي والسياسي و الاقتصادي المحلي، بكل ما تمتاز به و ما تحمله بين طياتها من عراقة و أصالة وواقعية وجماعية، فهي تتعدى الوظيفة التي أراد أن يلبسها إياها البعض حين حصروا ذكرها.
فبعد أن كان الناس في الماضي يجدون مشقة كبيرة في التواصل مع بعضهم البعض، تطوّرت أدوات الاتصال في العصر الحديث، حيث أصبح النّاس يتواصلون بينهم بدون عوائق، أو حواجزٍ زمانيّة، أو مكانيّة بفضل الشّبكة العنكبوتيّة الّتي ربطت النّاس مع بعضهم البعض وسمحت لهم بالتّواصل بجميع أشكاله المرئيّة والمسموعة والمكتوبة، وفي الحياة العامة تجد السيارة وأدوات النقل المتطورة الّتي تنقل الإنسان من مكانٍ إلى مكانٍ آخر يبعد آلاف الأميال بساعاتٍ قليلة، وهي من أهم الأمور التي حدثت في القرن الماضي واستمرت في القرن الحالي، حيث ظهرت القطارات السريعة والقطارات فائقة السرعة في الوقت الحالي وتطورت الطائرات كثيرا عن القرن الماضي وزادت سرعتها، ومع ذلك بالأمس كنا نعيش أجمل اللحظات بدون أن نوثقها، نستمتع بها، الآن أصبحنا نوثق أجمل اللحظات بدون أن نعيشها، لو رجعنا للماضي وشاهدنا الحاضر وواقعه، لقلنا أن الماضي كان أجمل وأفضل من حاضرنا.
بالامس كان للاسرة كيانا اجتماعيا تسوده قيم التراحم والتعاون وفيه وجودً و اشعاعا و تاثيراً والفةً، ويحرصون على التعارف والتواصل من خلال اللقاءات والزيارات المتصفة بالبساطة وعدم الكلفة بين الأقارب والمعارف والجيران، وفي حضورهم ومشاركاتهم بمناسبات بعضهم وتعاونهم في جميع أمور الحياة مما يخيل للكثير أن مجتمع المحلة أو الحي الواحد من المدينة بمثابة أسرة واحدة تعيش بروح الألفة والمحبة، واليوم هنالك تصدع او ربما تفكك اسري واخلاقي وديني.
بالأمس كنا نرى العائلة الواحدة تسكن في منزل واحد حتى بعد زواج الأبناء لحرص الجميع على الالتئام والقرب من بعضهم من اجل تيسير أمور حياتهم، وكان البيت بهجة وسرور، وكنا نعرف سكان الشارع والدربونة والحارة باسمائهم وحتى اقربائهم، خلت الحياة من بساطة العيش وأصابها الكثير من العطب والتخريب، دفع بالعائلة إلى الخوف والحذر ممن يحيطون بها من الذين يسكنون بقربهم، واليوم الجار لا يعرف أسم جاره، حتى انعدمت التحية والسلام.
بالامس كان الناس في البيوت يستخدمون أدوات بسيطة بدائية في إشعال النيران لإنضاج الطعام أو حفظه، في المقابل أصبح الناس في عصرنا الحاضر يتنافسون في استخدام التّكنولوجيا في جميع شؤون حياتهم الخاصة، ففي بيوت النّاس تجد معظم الأدوات التي تسهّل على النّاس حياتهم وتبعد عنهم المشقة والتعب، وتختصر عليهم الوقت والجهد والمال.
البعض منا يتذكر شيئا من العادات والقيم الجميلة التي كان المجتمع يقوم بها ويرعاها وتدل على قوة العلاقات، ومنها ما يلجأ إليه المسافر حين عزمه على السفر من بلدته إلى بلدة أخرى فتراه يقوم بالبحث عن احد أقاربه أو معارفه ليقيم عنده فترة وجوده في تلك البلدة طالت تلك المدة ام قصرت، ويلقى من قريبه أو صديقه كل التكريم والترحيب.
بالأمس كانت العائلة تختار الاسم بصورة طبيعية، كانت لهجاتنا أحلى، وقلوبنا أكبر، قارن بين ثقافة وشكل ولبس وأخلاق وأسلوب وكلام ومصطلحات الأمس والان، قارن بين مستوى بناء البيوت في مناطق بغداد، وبيوتات بغداد الان، قارن بين قيمة الدينار واقتصاد وجودة منتجات الأمس.. وأسعار ومنتجات واقتصاد اليوم، قارن بين مدرسين وتلامذة الامس واليوم، زمان كنا نقل عيب واليوم صرنا نقول عادي، زمان كنا نقل حرام واليوم صار الحرام عادي.
مقاهي بغداد التاريخية، تعبأ جنباتها بتاريخ طويل، وذكريات لها رائحة الزمن، زمان كانت الناس تجلس في المقهى، وفيها يتواصل الكتاب ويعقدون منتدياتهم، التي فيها يتشاورون حول أوضاع البلاد وتغيراتها المتلاحقة، ويكون الكلام على كتاب جديد فى السوق أو تتحاكى بانبهار عن فيلم جديد فى السينمات، او محاكات الشعر والادب والسياسة، او السماع باهتمام للمعلومات الجديدة الذي يقدمها احد رواد المقهى، أو سماع الاغاني والموسيقى العربية والعراقية وخصوصا اغاني ام كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم ومحمد الكبنجي ويوسف عمر وداخل حسن وحضيري ابوعزيز...، واليوم تلاشت فيه العديد من المعالم البغدادية ومن أهمها المقاهي التي كانت بمثابة ملتقى أدبي ومنبع للتثقيف والتنوير، حيث آوت العديد من الأدباء والمثقفين، بقى القليل وتحول إلى مكان يؤوي عاطلين ومغيبين ليس لهم علاقة بالثقافة ولا حتى بما يدور حولهم من أحداث وتغيرات..
كما هو معروف فان تلفزيون بغداد كان اقدم محطة في الشرق الأوسط والوطن العربي في عام 1956، في البداية كان التلفزيون حكرا للاغنياء والمتمكنين ماديا الذين كان يتقبلون زيارة "الجوارين" للتمتع معهم بمشاهدة برامج التلفزيون من السادسة مساء حتى التاسعة ليلا حينها، نعود بالذاكرة والحنين الى برامج تلفزيون العراق في الستينات والسبعينات والثمانينات، والتي تجمع الناس على البراءة والمؤانسة، وكانت العائلة تجد متعتها فيما تشاهد مهما كانت المادة بسيطة، لنتذكر معا" القناة الاولى وموعد بدء البث التلفزيوني بالرسوم المتحركة: توم وجيري أو هيكل وجيكل او لينا او افتح ياسمسم، باباي، افلام كارتون تتكلم عن التاريخ، تتكلم عن حب الاهل وروح التعاون، تتكلم عن مساعدة الاخرين، يعتمد الطفل على مايتعلمه ويكتسبه من ثقافات من اهله اولا ثم من المحيط ثانيا، وكانت المسلسلات جميلة وهادفة وبلا اعلانات، الاغنيات المختارة العراقية والعربية، ثم نشرة الاخبار أو ، وكان برنامج "عمو زكي" من أشهر برامج الأطفال، "الرياضة في أسبوع" لمؤيد البدري، حيث كانت الشوارع اشبه بالخالية ساعة عرضه، "العلم للجميع" للراحل كامل الدباغ، "السينما والناس" الذي كانت تقدمه اعتقال الطائي، "عدسة الفن" من تقديم خيرية حبيب، رقص الباليه والسمفونيات العالمية، والمسلسل الدرامي الشهير "تحت موس الحلاق" للمخرج الراحل "عمّانوئيل رسام "، فقرة فيلم الأسبوع العربي او الفيلم الاجنبي، كما كان هناك برنامج للسلامة العامة المرورية يقدمه المرحوم عدنان عبدالمجيد، كما كان عالم الاجتماع العراقي علي الوردي يقدم برنامجا اسبوعيا في قضايا اجتماعية. وكان مصطفى جواد يقدم برنامجا في التاريخ مع زملائه فؤاد عباس وحسين امين وسالم الآلوسي يعرض مرة في الاسبوع، وكان الأكثر متابعة وانتظارا في كل أنحاء البلاد، ففي ذلك الزمن الرائع لم يكن هناك شيء اسمه " ستلايت" او فضائيات، إنما تلفزيون صغير " وأريل " من معدن مثبت فوق السطح وإذا هبت نسمة هواء " تشوش الجو و"تتخربط" السهرة، والان صار في كل غرفة تلفزيون ورسيفر والف قناة، وأصبحت كثافة الإعلانات التي تعرض خلال أوقات عرض المسلسلات او الافلام مصدر إزعاج وفقدان متعة المشاهدة، بل ووصل الأمر بطوفان الإعلانات الذي يغرق المشاهد أثناء متابعته للمسلسل او الفلم حتى ينسى ما المسلسل او الفلم الذي كان يتابعه، تجلس ساعتين لمشاهدة برنامج امده عشرون دقيقة، مما صرفت المشاهدين عن التلفزيون الى الانترنيت، حتى أخبار الساعة التاسعة أصبحت أكثر عنفا.
طفل الأمس فكان أشبه بطير حر، طفل طبيعي ينتمي إلى المحيط بشكل متناغم، يتسلّق الأشجار، يقفز عن السرير ثم يسقط، يلعب بالتراب وتتسخ ملابسه، يفكر لوحده، ويرضيه نور الشمعة لتأدية واجباته، يعتمد على ذاته، ويتعلّم من المحيط، ويخرج إلى الشارع ولا يخاف، فألعاب الأمس لم تكن تقتصر على مشاركة الأم والأب فقط. بل كانت تمتد لتشمل أحياناً كثيرة مشاركة الجيران، وأبنائهم وأولاد الحارة كلها، وكانت ألعابهم تعتمد على الحركة، وتساعد على تنمية القدرات والتفكير، ومهارات استخدام الألفاظ، وهذا يرتبط بالسلوكيات الاجتماعية التي تتضمن احترام الكبار، واحترام النظام، واحترام دور كل واحد منهم في اللَعِـب. كانت الألعاب في الماضي بسيطة جدًا و مسلية في نفس الوقت، فأتذكر عندما كنا صغاراً كنا نلعب ونمرح سويا بألعاب شتى كرة قدم وجر الحبل والمصرع والدعبل والغميضة والطيارات، بغض النظر هذا ابن من وهذا من أي جهة او قومية او طائفة، فلا تباعدهم الأنساب ولا تشتتهم الجهات، ولا أوارق مادية تفصل بينهم.
كان الطفل بفطرته طبيعياً ومطيعاً، يختار الصديق المناسب الذي يمرح معه دون أي كلل أو ملل، وكان لهم في التواصل الاجتماعي دوراً ومشاركة، ففي مناسبات الأعياد تجدهم يعبرون عن ذلك بقيامهم بالتجمع بألبسة العيد الزاهية والدوران على جميع بيوت الحي للمباركة وأخذ هدية العيد التي اعتادوا عليها، وهو مبدع وباحث بامتياز، ويتمتع بقيم المشاركة، طفل الأمس يتفرغ لتلقي المعرفة والعلم شغله الشاغل، فتراه يحضر مجالس الكبار ويتعلّم منهم، فضولي ولكن بشكل أنيق، ولا يعاني من القلق او الاضطرابات، مبادر ويحترم الوقت، وفي حال معرفته بتدني بعض المهارات لديه نجده يسعى لتدريب نفسه وتطوير مهاراته وتنمية قدراته وهذه الميزة تكون لديه مهارة فهم وتطوير الذات ذاتيا. ناهيك بكثير من الفوائد للعب الجماعي فهو يخلق لدى الطفل روح المشاركة والتعاون حيث إن هناك أنواعا من اللعب تتطلب التشارك والتعاون لإنجازها، كان يخلق اللعب الجماعي ويتقبل روح التنافس كما انه كان يتقبل الهزيمة إذ أن بعض الألعاب لا بد أن تكون نتيجتها الفوز أو الخسارة، ونوع آخر من الألعاب يتطلب تنافس فريق ضد فريق فيتشكل لديه مفهوم روح الفريق والعمل بتعاون لإنجاح الفريق وهذا كان مساهمة في تكاملية قدرات أعضاء الفريق، حتى تقدمت السنون ومضت الأيام، وبدأت الحياة تتغير شيئا فشيئا وبدأ الحاضر يمحو أيام الماضي الجميل وجاء الحاضر، حاضر التقنيات، وحاضر الاتصال، حاضر السرعة وتغيرت معه أيام الطفولة وأيام الذكريات، لنرى طفولة اليوم كيف تغيرت معها حتى ألعاب الماضي فبدل من تلك الالعاب البسيطة، جاء "البلي ستيشن" و "ألعاب الكومبيوتر" وظهرت الماديات حتى بين الأطفال أنفسهم.
وهذا كله نفتقده في ألعاب اليوم، التي ابتعدت عن تعليم السلوكيات. لأن الطفل صار يجلس وحيداً أمام أجهزة الكمبيوتر والألعاب وهو صامت لا يتكلم، وأصبح يتلقى من تلك الأجهزة كل المعلومات التي يمكن أن تكون خاطئة، أو يفكر بوجبات الطعام السريعة، لكن اليوم و مع ظهورتلك الأجهزة الحديثة و المتطورة الأطفال أصبحوا أسرى للألعاب الإلكترونية ورهن الأجهزة الذكية ولم يعد لديهم أصحاب يشاركونهم اللعب والحقيقة أن اللوم يقع على الآباء والأمهات حيث شغلتهم الحياة فلم يعد لديهم الوقت للالتفات إلى الأطفال أو حتى متابعة ومراقبة ما يلعبون.
الطفل حبيس الغرفة يلعب مع نفسه ومع هذا الجهاز الصامت، وهنا تكمن المشكلة لدى الطفل بحيث يتكون لديه الشعور بالفردية والاستحواذ والتملك لذلك تجده في حال تعرض للعب مع آخرين في الروضة أو المدرسة أو ضيوف المنزل، نجده يتصرف بعداوة وعدوانية لأنه لم يتعلم أو يتعود على اللعب مع أطفال آخرين، هذا من جهة، ومن جهة أخرى اللعب الفردي لا يتيح الفرصة للطفل لاكتشاف نفسه وتقييمها، إذ إن جزءا من فهم الذات للطفل هو من معرفة قدراته وتقييمها مقارنة مع قدرات وإمكانات الأطفال الآخرين، لم يعد الطفل يعيش طفولته الحقيقية ويستمتع بها، فإن بساطة التفكير والتسلسل في الاستيعاب والتدرج للتطوير الذهني ميزة ويعتبر احتياج لتلك المرحلة الهامة من عمر الإنسان، اُغتيلت حياة الكثير من الاطفال ووأدت سعادتهم لن يشعروا إلا بعد فوات الأوان.
أعراس زمان التي كانت، تقام وسط الدار أو على السطوح، كان يحضره الصغير والكبير والغني والفقير، حيث يقومون بعمل الولائم ودعوة أقارب العروسين والجيران احتفاء وابتهاجا بهذه المناسبة السعيدة، كما اعتاد عليه الناس من تقديم الإعانة للمقدمين على الزواج كل حسب استطاعته ومقدرته، حيث تكون هذه الإعانة رافدا يستعين به المتزوج على أمور ومتطلبات الزواج، اليوم تبدلت المفاهيم وتغير كل شيئ لدى المجتمع حتى أحلام الشباب والشابات تغيرت فالحكايات الرومانسية الصادقة بنبلها لم تعد مهمة وأصبحت أحلام بالية بالنسبة لبعضهم في عصرنا، ان الشابة على يقين تام أن الشاب أمامه الكثير من العقبات لبناء مستقبله وإن أنتظرته ستتسرب سنوات عمرها وساعتها، قد يبدل الشاب رأيه عندما يحصل على الوظيفة والمال، فالأشواك كثيرة في دربه مثل المهر الغالي والحفل الفاخر والأسفار وخصوصا إذا كانت الشابة من أسرة غنية لا ترضى بأن تعيش في مستوى أقل مما كانت عليه عند أهلها، واليوم ايضاً للأسف في حفل الزواج زادت البهرجة ومظاهر الإسراف والتبذير والمبالغات في الأعراس خصوصاً بين النساء، في ظل تفشي الغلاء في كل أمور الحياة، لأن الزواج تم في أحد الصالات المنتشرة في ابغداد إذا لم يكن في أحد صالات الفنادق الفخمة البعيدة عن الجميع، أصبح الزواج اليوم تفاخرا بالمظاهر والشكليات وأكثر كلفة عمّا كان عليه في الماضي من بساطة، حيث أصبحت الكثير من الشكليات ضروريات لابد منها، ، حتى أصبحت الشابات يتطلعن على تقاليد مجتمعات أخرى في اللباس وتسريحات الشعر والحلويات وغيرها، بل تتعداه إلى طريقة زف العروس إلى بيت زوجها الذي يتجلى في موكب العروس والسيارة الفخمة التي تتزين بأجمل الورود ، لتكون سيارة العروسين الأبهى والأحلى في ذلك اليو، وهذا ما جعل عادات الأمس تحيد عن الطريق.
بالرغم من حدوث تغييرات كثيرة إلا أن بعض الاشياء لا يمكن أن تتغير أبدًا لأنها تعتبر من العادات ، فالنساء تستغرق كثيرًا من الوقت لتجهيز أنفسهن للذهاب للعمل مهما تطورت الأدوات فلن تختلف المدة كثيرًا عن المدة التي كانت تستغرقها النساء في المااضي للسبب نفسه، وبعدما كان سبيلهن للوصول إلى قمة أناقتهن هو صنع ملابسهم في المنزل سواء بأنفسهن أو بأيدي الخياطة المتخصصة في صنع الملابس، أما اليوم فتسعي النساء إلى التسوق و شراء الملابس الجاهزة و الجديدة لتواكب عصر الموضه، تغيرت مفاهيم الجمال وأفرغت من محتواها عند البعض، فبات التركيز على مفاتن الجسد أكثر من التركيز على شخصية المرأة وثقافتها وخلفيتها المعرفية، والجمال الذي يكمن في الاختلاف والتنوع.
بالامس كانت هناك هناك عمليات تجميل بحتة بهدف التجميل وتعديل الشكل أو تعويضية ناتجة عن التشوهات الخلقية وإصابات الحروق، وحوادث السير، واليوم فأن عمليات التجميل شهدت انفجاراً كبيراً في السنوات الأخيرة، وأصبح يقبل عليها النساء والرجال وكذلك الشباب، بالنسبة للنساء نشاهد في السنوات الأخيرة إقبالا متزايدا على عمليات التجميل بأنواعها المختلفة كالشفط والنفخ والتكبير والتصغير والتقويم، في محاكاة الفنانات المشهورات سواء في شكل الوجه بشكل عام، أو في جزء معين ، خاصة من جانب النساء والفتيات تحديدا، ودخل بعض الرجال والشباب خصوصا على خط الظاهرة رغم تكاليفها المالية الباهظة، فهو عالم الذين يبحثون عن الجمال ربما مسايرة لموضة أو هو هوس اجتماعي وغيرة من جمال الاخريات، فالجمال هو الفتاة بطبيعتها اللتي خلقها الله، انها تشويه لهذه الوجوه الجميلة البريئة التى خلقها وقسمها الخالق عز حيث خلق الإنسان في أحسن تقويم ، انهم يفتقدون أهم مقومات الحياة وهي الثقة، متى مافقد الشخص الثقه بنفسه أصبح مريض نفسي، اما الرجال فالكثيريلجأ إلى عمليات التجميل لشد البطن والشفط، وعمليات إزالة ترهلات الصدر التي يجريها بعض الرجال عقب الريجيم أو عمليات قص المعدة للمحافظة على شكل جميل له، اما الشباب فانهم يلجأون الى التجميل لتشمل حب الشباب وتحديد اللحية وزراعة الشعر والتقشير.
كانت بغداد دار السلام ودرة العراق عروس المدن، عاصمة للثقافة والادب مزدهرة فيها الفنون التشكيلية والمسرح وقاعات الفن الحديث والمكتبات المنتشرة، وكان شارع الرشيد في اوج عنفوانه، نظافة واناقة ورقي، شاطئ ابو نؤاس الذي اصبح مضرب الامثال للسمك المسقوف وكازينوهات للعوائل واخرى لطالبي الانس، لاننسى الكرخ والاعظمية وباب الشيخ والفضل والكرادة واماكنها التراثية وفيها الجوامع والكنائس والمراقد المقدسة، ولاننسى ساحة الامة وحديقتها الصغيرة الجميلة، كل ذلك كان ينعم بالامن والثقة بالنفس والامل في الازدهار.
في السابق كان العراق يعد من اهم الدول ضمن مراجع التصنيف العالمي في قوة كافة متعلقات اثبات الهوية العراقية، وكان جواز السفر محترم يحافظ على كرامة العراقي اينما ذهب بسبب قوة ومتانة وضعه الداخلي والدولي، واليوم يحتل جواز السفر العراقي المرتبة الأخيرة عربياً، وقبل الأخيرة عالمياً في قائمة أسوأ جوازات سفر حول العالم في آخر تصنيف لموقع <<باسبورت إندكس>>، حيث جاء نتيجة الاحتلال وسوء السياسات المتبعة في ادارة اغلب مفاصل الحياة والتي تدخل ضمن مسؤوليات الحكومات المتعاقبة.
ان ادراك العلاقة الجيدة بين الماض والحاضر وإحداث الموءامة الجيدة بينهما، وكذا التوزان هو الذي يساعد الأمم في تقدمها وتطورها ويسهم اسهاما فاعلا في الحفاظ علي هويتها وثقافتها، رغم صعوبة الحياة وقساوتها، إلا أن التواصل والترابط الأسري وصلة الرحم كان أقوى من الآن بل ماضيها أفضل من حاضرها، وحاضرنا، فلا خير في تقدم تنسلخ أمة فيه من أخلاقها وتركن إلى مبادئ مستوردة وغريبة عن عاداتها وتقاليدها، كما أن تملص الآباء من واجبهم كمربين واتكالهم على المدرسة وحدها، وصرف جل أوقات فراغهم على الأجهزة الذكية، فسوف يحدث لا محالة شرخا في أصول التربية الصحيحة للأجيال، أما المبالغة في الإنزواء وعدم إفشاء السلام والتآخي والمحبة داخل جماعته والمجتمع، والتخوف من الآخر وعدم الثقة في أي أحد، وإشاعة ذلك كنمط جديد لحياة مستوردة، مبتعدين عن تراثهم وفطرتهم النقية، أعطى مثالا واضحا لجيل اليوم وساعدها على الضياع أحيانا، ومن الله التوفيق.
سرور ميرزا محمود
723 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع