بقي سقوط الموصل بأيدي مقاتلي "داعش"، إثر انسحاب القوات العراقية منها، لغزا لم تعرف أسبابه الحقيقية بعد. ضابط عراقي عرض عليه "داعش" الانضمام إليه يروي لـ DW عربية خفايا سقوط ثاني أكبر مدينة عراقية بيد التنظيم الإرهابي.
هرب الملازم أول رضوان، وترك ثكنته العسكرية عند دخول "داعش" إلى منطقة الموصل. DW عربية التقت به في مخيم الخازر لنازحي الموصل بإقليم كردستان وعلامات التعب والإرهاق نالت منه. رضوان بدا قلقا وخائفا على أهله، فقد رفض التعاون مع "داعش" بشدة عندما عرضوا عليه العمل، طمعاً في توظيف خبرته في الهندسة العسكرية. وبالرغم من تردده في البداية إلا أن رضوان وافق على التحدث معنا وكانت هذه المقابلة:
بداية دعنا نتحدث عن كيفية سيطرة "داعش" على الموصل وانسحاب الجيش العراقي كما هو متداول في الأوساط الإعلامية؟
كان الانسحاب بأمر رسمي، فقد جاء رئيس أركان الفرقة وآمر اللواء وطلبا انسحاب القوات المتمركزة في جنوب الموصل إلى قضاء مخمور (جنوب شرق الموصل)، أما القوات الموجودة في الجانب الأيسر فقد انسحبت باتجاه الخازر (بين الموصل وأربيل) وكذلك أربيل. ولا أبالغ حين أقول إن الانسحاب كان منظماً، ولأول مرة أشاهد تلك الدقة في التنفيذ، وحتى عمليات التدريب العسكري لم تكن بهذه الدقة والحرفية. من هنا أشك بالعملية برمتها. أرجح بأن هناك اتفاقية مبطنة جرت بين "داعش" وجهات حكومية، إذ توجه الضباط والجنود الشيعة صوب بغداد والجنوب، وسلموا سلاحهم بحيث لم يصب أي منهم بأذى. لقد كانت نوعا من عملية استلام وتسليم.
كيف تعاملت "داعش" معكم في اللحظات الأولى من اقتحام المدينة؟
في البداية أصدر قائدهم الأعلى عفوا عاما عن كل العسكريين التابعين للجيش على أن يسلموا سلاحهم، لكن الجنود لم يثقوا بكلام "داعش" فالتنظيم معروف بالغدر. شخصيا هربت إلى فوج قريب لأحتمي به، وبعد ساعات تلقينا نبأ سقوط الموصل. أغلب الضباط والجنود ارتعبوا، إلى أن سمعوا نداء التوبة من قبل "داعش" في المساجد ونصه: "من يأتي ويعلن التوبة والتبرؤ من حكومة المالكي وإيران.. لن نفعل له أي شيء.. والله على ما نقول شهيد". وثِق البعض بهذا النداء. سلمنا أنفسنا، ولم يقوموا بإيذاء أي شخص في البداية حتى أصحاب الرتب العليا.
ألم يعرضوا عليكم الانضمام إليهم؟
بلى. لاحظنا أن لدى التنظيم معلومات عنّا عن طريق عملائه في المنطقة. لقد أخبرني أحد المعارف من قريتي في "الحضر" بأن التنظيم سأل عني أكثر من مرة وأن عناصره كانوا يعرفون عني الكثير وعن وضعي في الجيش العراقي وتخصصي. هم طلبوا مني عدم الرحيل إلى أربيل، لأنهم بصدد تشكيل فصائل عسكرية وأن عليّ تولي قيادة إحدى السرايا.
وهل تفاوضوا معك مباشرة؟ وما هي المغريات التي قدموها إليك؟
أنا أخرجت زوجتي وأطفالي من الموصل وجئنا للمخيم، تجنباً لمواجهتهم وخوفا من صعوبة مقاومة عروضهم. عرضوا عليّ بالفعل قيادة إحدى السرايا مع راتب شهري كبير، أفضل بكثير مما كنت أتقاضاه من الجيش العراقي. هم أغروني بأن الدفع مفتوح وسيكون حسب الخدمات التي سأقدمها، لأن اختصاصي هو هندسة عسكرية ولأني خبير في صنع العبوات الناسفة والمواد المتفجرة وتفكيك الألغام. هم يحتاجون لأمثالي وسيكون مرتبي حسب العمليات النافذة.
وماذا كان ردك أمام هذه العروض المغرية؟
رفضت طبعاً.
لماذا؟
لعدة أسباب، أولها، إنه تنظيم إرهابي على المستوى الدولي كما أنه غير مرغوب فيه على المستوى المحلي. وبسبب خوفي من رد فعلهم على رفضي هربت من الموصل.
وبما أنك رفضت التعامل معهم .. هل تفكر بالعودة إلى الجيش لقتالهم؟
الجيش يريد عودتنا، رغم أن القيادة أصدرت قرارات صارمة تجاه فرار العناصر قد تصل عقوبتها إلى الإعدام. بصراحة أريد أن أستقيل، فأنا لا أرغب في العمل مع فصائل مسلحة لا مع "داعش" ولا مع الحكومة. "داعش" تنظيم إرهابي ومكروه، والحكومة طائفية، والطرفان منبوذان من قبل الناس الذين لا حول لهم ولا قوة.
هل تخاف من العودة إلى الجيش العراقي؟
مررتُ بتجربة عسكرية شاقة، بسبب التركيبة الطائفية التي صبغت الحياة العسكرية، وفوق ذلك، أنا مطلوب في الوقت الراهن للجيش وقد تصل عقوبتي للإعدام. كما أن "داعش" سيعرض علي ثانية القتال معهم فيما لو رجعت إلى الموصل، وإن لم أتعاون فأنهم بالتأكيد سيقومون بتصفيتي بطريقة غير مباشرة.. أريد الخروج من العراق.
هل لديك اتصالات مع أشخاص في الموصل؟ كيف تصف طريقة تعامل "داعش" مع الحاضنة الاجتماعية؟
اتصالاتي محصورة مع والدي فقط، والمنطقة خالية من الخدمات لا ماء ولا كهرباء. بالإضافة إلى ممارسات سيئة تقسو على الناس، وبين الحين والآخر يجيدون عمل بعض المزايا كالنقل المجاني مثلاً بهدف تعزيز حاضنتهم الاجتماعية، لكن هذا لا يشفع لهم لأنهم حالة شاذة فرضت على الأهالي فجأة.
وهل يسيطر "داعش" وحده على المنطقة؟ أم أن هناك ميليشيات سنية أخرى تشاركه فيها؟
"داعش" يستفرد بالسيطرة في منطقتنا بجنوب الموصل، وهناك تواجد لبعض مسلحي "النقشبندية" في مناطق "الحويجة وحوالي كركوك وصلاح الدين والرياض". أما البعثيون فقد قدموا لمقاتلي "داعش" المشورة والمعلومات فقط قبل دخولهم لأنهم يعرفون المنطقة جيدا. لكني متأكد أنهم يختلفون معهم الآن. البعث ساند "داعش" لأسباب عديدة، ويأتي على رأسها الاضطهاد الممنهج الذي تعرض له أعضاؤه من قبل حكومة المالكي التي مارست بحقهم الإقصاء والاجتثاث والاعتقال.
البعثيون في العمق يمقتون "داعش"، لكنهم تعاونوا معهم لأسباب نفعية، وليس انطلاقاً من قناعات راسخة. كما أن "داعش" يصف البعث في الوقت نفسه بالحزب بالكافر بسبب جنوحه العلماني. اليوم توجد تصفيات متبادلة بينهما، لأن "داعش" يصر على مبايعة خليفتهم المزعوم، وبقايا الصداميين يرفضون هذا الأمر بسبب عدم ثقتهم في تنظيم البغدادي.
وماذا عن مقاتلي ما يسمى بـ "ثوار العشائر"؟
المشكلة هي أن أغلب شيوخ عشائر الجبور والدليم والعُبيد خارج العراق لأنهم مهددون. ولو وجدت أطراف تدعم شيوخ العشائر فإن بمقدور هؤلاء طرد "داعش" من المنطقة. المالكي ليست لديه النية في دعم العشائر، وهم لا يرغبون تكرار تجربة الصحوات بقيادة الشيخ أبو ريشة، الذي قاتل وحارب القاعدة، لكنه أصبح مطلوبا من الدولة عندما طالب بحقوق الشعب، وتمت تصفيته بداية هذا العام.
المصدر:http://dw.de/p/1CicW
464 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع