قسوة الجفاف تهدد زراعة أرز العنبر في العراق!

 سلة غذائكم تتآكل، فماذا أنتم فاعلون؟

تتصاعد مخاوف المزارعين في العراق من أن يحدث الجفاف القاسي تغييرات واسعة في خارطة الإنتاج بحيث تمس حياة الكثير من السكان، وخاصة أرز العنبر، الذي يشكل أهم المحاصيل، وسط مساع حثيثة لتحديث طرق الري لمواجهة محنة شح المياه.

العرب/العباسية (العراق) - يعكس واقع الزراعة في العراق تحذيرات الخبراء من أن المشاكل المكبلة للقطاع المهم لغذاء السكان في ظل شح المياه ستترك آثارا أكثر قسوة على المنتجين، بعدما وجودوا أنفسهم محاصرين في أزمة خانقة لم يشهدوها من قبل.

وفي مشهد لم تألفه ناحية العباسية، التي تبعد 14 كيلومترا عن مركز محافظة النجف المشهورة بزراعة أرز العنبر والتي تضم أراضي واسعة تتوسط بساتين النخيل، باتت الأرض جرداء إلا من بعض الخضراوات الصيفية والحشائش التي تستخدم كعلف حيواني.

وكانت هذه الأراضي في الشتاء الماضي عبارة عن منطقة عامرة بمحصول القمح قبل أن يتم حصاده في مايو الماضي. ومازالت بقايا الحصاد ظاهرة على أرض يملكها ستار سرحان أحد المزارعين في الناحية.

وباتت مزرعته التي تقدر مساحتها بنحو 10 دونمات (قرابة خمسة أفدنة) والتي كانت أرضا خضراء على مدار العام قاحلة بعد حصاد محصول القمح.

لكنه لم يتمكن من زراعتها بالأرز الذي يبذر بذوره في يونيو كل عام بعد أن منعت الحكومة زراعته نتيجة أزمة المياه وسمحت فقط بزراعة 5 آلاف دونم لأغراض استخلاص البذور.

وتحتاج زراعة الأرز إلى كميات كبيرة من المياه إذ تتطلب غمر المزروعات بالماء طوال فترة النمو. وتقدر وزارة الزراعة معدل الإنتاج السنوي للعراق خلال السنوات الأخيرة بقرابة 300 ألف طن.

وقال سرحان لرويترز “نزرع في أرضنا محصول الرز بصنفيه العنبر والياسمين منذ عقود وورثنا هذه الزراعة عن الأجداد لكن لم أزرع العنبر بعد منع الحكومة زراعته”.

وأضاف “لقد أصبحت أرضنا عبارة عن أرض قاحلة بعد حصاد محصول الحنطة (القمح) فكان المفترض أن نزرع الرز بعد حصاد الحنطة”.

ويشير سرحان إلى أن هذه الأرض هي المصدر الوحيد لقوت عائلته المكونة من 26 شخصا، وأن الحكومة لم تطبق قرارات سابقة وعدت بها بتعويض المزارعين بنسبة 50 في المئة.

ويؤكد أن المساحات المخصصة لزراعة الأرز في النجف وسط العراق تبلغ 216 ألف دونم، فيما تبلغ المساحة المخصصة لناحية العباسية حيث تقع مزرعته 50 ألف دونم.

وكانت وزارة الزراعة قد اتخذت قرارا بمنع زراعة الأرز في موسمي 2022 و2023 بسبب أزمة المياه التي نتجت عن قلة الإمدادات من نهري دجلة والفرات وتراجع سقوط الأمطار بسبب أزمة الجفاف التي تمر بها المنطقة والعراق على وجه الخصوص.

وقال وزير الموارد المائية عون ذياب في تصريحات صحفية إن “سبب منع زراعة الأرز أنه مستهلك كبير للمياه، وإنتاجه يكون في فصل الصيف وطريقة زراعته بدائية”.

واقترح ذياب اتباع الطرق الحديثة من خلال الزراعة بالطريقة الجافة عبر إنشاء أنابيب تحت الأرض، ومن الممكن أن يعمل المزارعون على إدخال هذه التقنيات في محصول الأرز.

والأسبوع الماضي وعد وزير الزراعة عباس المالكي بصرف تعويضات للمتضررين من مزارعي الأرز. وقال إن “التعويضات ستصرف لثلاث محافظات هي النجف والديوانية والمثنى”.

وتشيع زراعة الأرز بالمحافظات الثلاث الواقعة على نهر الفرات، وزاد من حجم المشكلة انخفاض منسوب مياه الفرات بشكل كبير نتيجة الجفاف.

ويعتبر أرز العنبر من الأطباق المفضلة لدى العراقيين ولا تكاد تخلو مائدة خاصة في الولائم من هذا الصنف المعروف بطعمه المميز ورائحته الزكية، كما أنه يحتوي على نسبة عالية من البروتين.

لكن منع زراعته انعكس بشكل كبير على أسعاره في الأسواق المحلية، حيث زادت لتبلغ 17 ألف دينار (12 دولارا) للعبوة زنة خمسة كيلوغرامات مقارنة مع 10 آلاف دينار (سبعة دولارات) العام الماضي.

ولا يعد قرار الحكومة الأول من نوعه، ففي عام 2018 وبعد أزمة جفاف تم حظر زراعته لتعود مجددا عام 2020 بعد زيادة رقعة الأراضي المخصصة لزراعة الأرز إلى 300 ألف دونم عقب توفر المياه الكافية للري.

وأدى ذلك إلى زيادة الإنتاج من الأرز المحلي بصنفيه العنبر والياسمين إلى مستويات قياسية بلغت 306 آلاف طن عام 2020. ودفعت أزمة الجفاف التي تمر بها البلاد وزارة الزراعة إلى ابتكار طرق حديثة لإنتاج الأرز تقلل من استهلاك المياه وإنتاج سلالات تقاوم الجفاف.

ويقول وكيل وزارة الزراعة مهدي سهر الجبوي لرويترز إن دائرة البحوث الزراعية بالوزارة تعمل على “تجارب على البذور من خلال تطوير سلالات يمكن ريها عن طريق المرشات (الأنابيب) بدل أساليب الرش السابقة”.

وأضاف “بعد نجاح تجارب الزراعة على هذا النوع من البذور ستكون هناك زيادة في الأراضي الزراعية المخصصة لإنتاج الأرز في المحافظات التي تنتج هذا المحصول مثل النجف والديوانية”.

وبحسب خبراء في الزراعة، لا يمكن الاستمرار في زراعة الأرز باستخدام الطرق القديمة في الري.

وقال الخبير عادل المختار “يجب أن نستخدم الطرق الحديثة في الري وتوزيع المياه بين موسمي الصيف والشتاء وعدم استهلاك المياه في فصل الشتاء، مما يؤدي إلى صعوبة توفير المياه للمحاصيل الصيفية”.

وحذر المختار من “عدم زراعة الأرز بصورة نهائية بالعراق إذا ما بقيت أزمة الجفاف وعدم توفر المياه أو تنظيم عملية زراعته من خلال اتباع الطرق الحديثة بالإرواء”.

وتقول وزارة الموارد المائية إن الجفاف الذي ضرب البلاد خلال السنوات الثلاث الماضية وقلة الإيرادات المائية لنهري دجلة والفرات أسفرا عن استنزاف المخزون المائي في البلاد.

وقال المتحدث باسم الوزارة خالد شمال لرويترز “وضع العراق المائي حرج بسبب قلة واردات المياه من تركيا وإيران وسوريا، والمشاريع الإروائية الكبيرة في تلك الدول استنزفت 60 في المئة من استحقاق العراق”.

ويضم العراق نهرين رئيسيين هما دجلة والفرات وتتشكل 73 في المئة من الإيرادات المائية للنهرين من مياه قادمة من كل من تركيا وإيران.

وأوضح شمال أن “التغيرات المناخية التي تضرب المنطقة وارتفاع درجات الحرارة ودخول العراق ضمن الدول الخمس المتأثرة بالجفاف وشح الأمطار منذ عام 2020، أدى كل ذلك إلى زيادة وطأة أزمة الجفاف”.

وتحدث عن أضرار بيئية واقتصادية واجتماعية نتيجة قلة الواردات المائية لنهري دجلة والفرات، مشيرا إلى أن المخزون المائي تراجع بشكل كبير في أكبر انخفاض منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1920.

ويأمل شمال أن يتم استخدام الطرق الحديثة بالري وإجراء بعض البحوث لغرض تقليل استهلاك المياه في الزراعة للسماح مجددا بزراعة الأرز بالعراق والحفاظ على أرز العنبر.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1191 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع