الحرب تلقي بـ«جميلات» روسيا وأوكرانيا على جبهات القتال

موسكو وكييف تتسابقان في تجنيد النساء

لم تعد مأساة الحرب التي دخلت عملياً كل بيت في روسيا وأوكرانيا تلقي بثقلها فقط على كاهل محترفي القتال من المجندين في جيشي البلدين الجارين، أو «المرتزقة» الذين جُمِعوا من مناطق مختلفة، وانخرطوا في أتون المعارك طمعاً بمكاسب مادية، أو بعفو عن جرائم ارتكبوها مثلما حدث مع آلاف أخرجتهم مجموعة «فاغنر» في السابق من السجون، وأرسلتهم إلى الموت على الجبهات،

بل وصلت الحرب بالمعنى المباشر إلى كل فئات المجتمع، خصوصاً في الفترة الأخيرة إذ بدا أن روسيا وأوكرانيا تتسابقان لتجنيد النساء هذه المرة، على خلفية تقارير تتحدث عن معاناة الطرفين من نقص في عدد الرجال القادرين على حمل السلاح.
اللافت في الأمر هو التزامن الغريب في التحركات التي يشهدها البلدان في هذا الاتجاه. أمر يعكس تشابه الصعوبات، ووحدة حال الشعبين اللذين كانا إلى وقت قريب، تجمع بينهما روابط تاريخية وثقافية، وتتشابك فيهما الأعراق والأنساب، قبل أن تحولهما الطموحات السياسية إلى خصمين بينهما بحور من الدم.

وأوردت تقارير إعلامية صدرت في البلدين في التوقيت نفسه تقريباً معطيات عن انطلاق حملات واسعة لتجنيد النساء، بهدف تعويض النقص في عدد الرجال القادرين على حمل السلاح، وحتى يمكن للسياسيين في البلدين تجنب الإعلان مؤقتاً، عن حملات واسعة جديدة للتعبئة العسكرية العامة.

ووفقاً لمعطيات نقلتها وسائل إعلام أوكرانية عن مراكز حقوقية في روسيا، فقد بات معلوماً أن موسكو بدأت حملة واسعة لاستقطاب فتيات، والشروع بتدريبهن للقيام بمهام قتالية في حربها ضد أوكرانيا.

قناصات ومشغلات «درون»
وكتبت «إيمبورتنت ستوريس» أنه يجري تجنيد قناصة من النساء ومشغلات لطائرات «الدرون» لرفد وحدة من «المرتزقة» الذين باتوا يعملون تحت قيادة وزارة الدفاع الروسية.

ولفتت المنصة في تقرير حمل عنوان: «لم يُخلقن من أجل الحساء والأطفال فقط» إلى أنه قد بُدِئَ في تدريب النساء الروسيات على القيام بمهام قتالية متخصصة، مع إشارات إلى انطلاق حملة قوية عبر وسائل التواصل الاجتماعي لحض الفتيات على الإقبال لشغل «الوظيفة» المقترحة.
يُعْرَض على الجنديات عقد مدة 6 أشهر بمرتب شهري يبلغ نحو 220 ألف روبل (2330 دولاراً). وفي حال الإصابة، تحصل الجندية على مكافأة تتراوح ما بين مليون و3 ملايين روبل، وفي حال الوفاة، يحصل أقاربها على نحو 5 ملايين روبل، هذه المعايير نفسها تطبق على الجنود النظاميين، باستثناء الراتب الشهري.

وأفادت وسائل إعلام بأن التجنيد يحدث حالياً لصالح مجموعة «ريدوت» التي أسستها وزارة الدفاع في وقت سابق، لتشغل جزئياً مكان مجموعة «فاغنر» بعد التمرد العسكري الذي نظمته الأخيرة في مايو (أيار) الماضي.
اللافت أن توافر الخبرة أو التخصص لا يعد شرطاً لقبول «المتطوعات»، وسوف تخضع «المجندات» فور انضمامهن إلى المجموعة القتالية لدورة تدريب مدتها شهر واحد يُرْسَلن بعدها إلى جبهات القتال.

تجنيد سجينات
اللافت، في الموضوع، أن هذه ليست المرة الأولى التي يجري الحديث فيها عن تجنيد نساء في روسيا؛ إذ كانت معطيات قد ترددت في أغسطس (آب) الماضي عن شروع وزارة الدفاع في تجنيد سجينات يقضين فترات عقوبة في مختلف السجون الروسية، على غرار النشاط الذي قامت به في وقت سابق مجموعة «فاغنر» التي جندت نحو 40 ألف سجين سابق، أُخْرِجوا من السجون في مقابل وعد بإصدار عفو شامل عن جرائمهم السابقة بعد أن يقاتلوا في أوكرانيا مدة 6 أشهر. ومن رغب في التمديد وُقِّع عقد معه بشروط مشابهة للشروط المطروحة حالياً على النساء.

لكن الفارق هو أن الحملة الحالية تعد واسعة جداً، وينتظر منظموها إلحاق آلاف المقاتلات بالجنود على خطوط التماس. ويقول ناشطون حقوقيون إن رفد الجبهة بالمقاتلات قد يعفي وزارة الدفاع مؤقتاً من إعلان تعبئة عسكرية جديدة، وهي خطوة لا تحظى بشعبية كبيرة.

واللافت أن أعضاء في مجلس «الدوما» (النواب) كانوا دعوا، العام الماضي، إلى إعلان تعبئة واسعة للنساء، لكن الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف رفض الفكرة قائلاً إنه «لا يجري أي حديث بشأن إعلان تعبئة للنساء في الجيش». من جانبه، قال الجنرال الاحتياطي في الجيش فلاديمير غولديريف إن هذا «الإجراء قد تذهب إليه روسيا فقط إذا برزت حاجة ملحة».
ومع التزام الأوساط الرسمية الصمت حيال المعطيات عن حملة تجنيد النساء في مجموعة «ريدوت»، فإن وسائل التواصل الاجتماعي الروسي تناقلت معطيات عن الموضوع. كما خصصت صحيفة «نوفاي إزفيستيا» الروسية صفحتها الأولى الثلاثاء لتحقيق موسع عنه حمل عنوان «جنبا إلى جنب مع الرجال»، وأورد تفاصيل عن الحملة مرفقة بتذكير عن نساء قاتلن إلى جانب الرجال في حروب سابقة، خصوصاً خلال الحرب العالمية الثانية.

تعويض النقص
وفي المقابل، تجري عمليات مماثلة على الجبهة الأوكرانية وفقاً لتأكيدات وسائل إعلام روسية. ونشرت صحيفة «موسكوفسكي كومسوموليتس» واسعة الانتشار الثلاثاء، تقريراً عن الموضوع.

ووفقاً للصحيفة، فإن تكرار عمليات التعبئة العامة الأوكرانية، ومستوى الخسائر البشرية الفادحة التي تكبدتها القوات الأوكرانية على الجبهات أسفرا عن نقص حاد في عدد الرجال القادرين على حمل السلاح. وكانت «الضربة الأولى» للجنس اللطيف من نصيب الطبيبات، وكذلك الممرضات والصيادلة وحتى طبيبات الأسنان، وهذه فئات غدا تسجيلها في المفوضيات العسكرية إلزامياً، وفقاً للتقرير الروسي الذي أضاف أن كثيرات من هؤلاء يصبحن قريبات جداً من التوجه إلى خطوط التماس.
وكان قد أفيد سابقاً بأنه يجب على الطبيبات التسجيل للخدمة العسكرية طوعاً، بداية من مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، لكن هذا «التطوع» سرعان ما تحول إلى إجراء إلزامي.

ووفقاً للتعديل القانوني الأوكراني، يعد ممثلو الجنسين مؤهلين للخدمة العسكرية بالدرجة نفسها، إذا كانت أعمارهم أقل من 60 سنة، ولا يعانون من قيود صحية خطيرة.

وتكاد التقارير الروسية عن حالة التجنيد الأوكرانية تكون نسخة مكررة من التقارير الأوكرانية عن الحال في روسيا في هذا الصدد. إذ يقول الطرفان إن السلطات في الجهة الأخرى تتخذ إجراءات جذرية بسبب الخسائر الفادحة على الجبهات.

ونقلت صحيفة «أرغومتني أي فاكتي» الروسية عن ضابط أوكراني إقراراً بحجم الصعوبات التي تواجه عمليات التجنيد للذكور حالياً. وقال للصحيفة الضابط فلاديسلاف شيفتشوك الذي لم يوضح ما إذا كان منشقاً أم ما زال يخدم في القوات الأوكرانية، إنه «لا يوجد عدد كافٍ من الناس. الجنود ينفدون يومياً». وزاد: «أولئك الذين يعتقدون أن بإمكانهم الجلوس في عمق المؤخرة عليهم أن يدركوا أنه ليس فقط كل مواطن يجب أن ينضم إلى الجيش، ولكن أيضاً كل مواطنة».

وقال للصحيفة أندريه ماروتشكو، وهو أحد قادة الانفصاليين في لوغانسك، إن ما يحدث حالياً في أوكرانيا يعكس دقة تعبير «القتال حتى آخر أوكراني»، و«بطبيعة الحال، تنطبق الحال أيضاً على النساء الأوكرانيات».

سباق البلدين
تعكس العبارة حال البلدين. لكن للمقارنة، فإن أوكرانيا سبقت روسيا في هذا المجال، وقد بدأت حملات التطوع للنساء في الجيش الأوكراني بشكل مبكر، في حين أن روسيا سارت على هذه الطريق بشكل متأخر نسبياً، علماً بأن تقارير سابقة كانت قد أشارت إلى وجود نحو 300 ألف امرأة عاملة لدى الجيش الروسي، نحو 240 ألفاً منهن مدنيات يخدمن في وظائف إدارية، بينما كان هناك قبل اندلاع الحرب مباشرة نحو 40 ألف مجندة روسية؛ أي أن الجيش الذي يضم نحو مليون نسمة كان قد منح سابقاً نسبة 4 في المائة للجنس اللطيف. الفارق أن العسكريات الحسناوات لم يرسَلن سابقاً لأداء الخدمة على جبهات القتال.

ووفقاً لإحصاءات وزارة الدفاع البريطانية، فإن ما يتراوح ما بين 240 إلى 290 ألف جندي روسي قُتلوا أو أصيبوا منذ أن بدأت موسكو حربها ضد أوكرانيا.

ولم ترد إحصاءات رسمية حول الخسائر البشرية من موسكو منذ أشهر. وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الخريف الماضي تعبئة 300 ألف جندي من جنود الاحتياط.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

926 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع