ثورة الذكاء الاصطناعي تغير وجهة الإنتاج الزراعي

يسعى قطاع الزراعة إلى اللحاق بركب التكنولوجيا المتقدمة، حيث ينظر العاملون في هذا النشاط الإستراتيجي إلى الإسراع في أتمتة أنشطتهم على أنها وسيلة لزيادة الإنتاج وتقليص النفقات، في ظل أوضاع عالمية تتسم بالاضطراب الممزوج بتغيرات المناخ.

العرب/نيويورك - تتزايد قناعة الكثير من المزارعين حول العالم أن توظيف التقنيات الحديثة يمثل الحل الأمثل لمواجهة التحديات الكثيرة وخاصة على مستوى التكاليف والتأثيرات العميقة التي يخلفها الاحتباس الحراري على وجه مناطق الإنتاج.

ويحاول المزارعون الذين ينفقون 37 مليار دولار سنويا لرش الحقول بمبيدات الأعشاب السائلة بشكل متزايد للتحول إلى نموذج جديد في نشاطهم عبر استخدام التكنولوجيا المتقدمة لمستقبل أكبر إنتاجية.

وتتطلب الزراعة الكثير من الأراضي والمدخلات المشتقة من الوقود الأحفوري، والمياه؛ ولا تزال تعتمد بشكل كبير على تقلبات الطقس.

ويقول الخبراء إن تغير المناخ يجعل كل هذا أكثر صعوبة، حيث يعني استمرار نمو سكان العالم لفترة من الوقت المزيد من الأفواه التي يجب إطعامها.

وربما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد، فقد شهدت السنوات الأخيرة تقديم أدوات زراعية مختلفة تعمل بهذه التقنية الثورية، ويركز العديد منها على المشكلة المحددة المتمثلة في تطبيق مبيدات الأعشاب.

وبعد ما يقرب من قرن من نشر نهج “المزيد يعني المزيد” لمبيدات الأعشاب الكيميائية، تطرح الزراعة العالمية بسرعة التطورات التي تعد بالحد من استخدام بخاخات مكافحة الأعشاب بنسبة تصل إلى 90 في المئة.

وإذا تبنى جزء ضئيل من المزارعين الأدوات الجديدة، فقد يعني ذلك تحولا كبيرا لشركات الكيماويات الزراعية الكبرى مثل شركتي باير أي.جي وباسف أي.إي.

وتبيع ديري آند سي.أو، الشركة المصنعة لمعدات العلامة التجارية جون ديري، الآن رافعة رش خاصة مزودة بعشرات الكاميرات ومعالج رسومي مدرب على التعرف على نبات فول الصويا.

وتستهدف الرافعة، أثناء سحبها عبر الحقل، المتطفلين العنيدين مثل هذه النبتة بدلا من المحاصيل المحيطة بها.

وتستخدم شركة ناشئة كندية تسمى بريسزيون طائرات دون طيار تعمل بالذكاء الاصطناعي للقيام بشيء مماثل.

وقال جيسون ماينر، رئيس الزراعة العالمي في بلومبيرغ أنتلجينس، عن صناعة مبيدات الأعشاب “رغم أنهم لا يعترفون بذلك على نطاق واسع، إلا أنهم يدركون أن بيع ملايين الغالونات من المنتج هو نموذج باهت”.

وتعد حماية المحاصيل عملا تجاريا كبيرا، قدرت قيمته بنحو 79 مليار دولار في 2022، وفقا لشركة أس آند بي غلوبال، حيث تشكل مبيدات الأعشاب ما يقرب من نصف السوق الإجمالية.

باستخدام الكاميرات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، يمكن للرشاشات الجديدة تحديد النباتات الغازية واستهدافها مع تجنب المحاصيل النقدية

وفي الولايات المتحدة، تُستخدم مبيدات الأعشاب على 96 في المئة من أفدنة الذرة المزروعة، مقارنة بنحو 19 في المئة من الحقول المعالجة بمبيدات الفطريات و14 في المئة بالمبيدات الحشرية، وفقا لمسح أجرته وزارة الزراعة الأميركية عام 2021.

ويتم رش نحو 28 في المئة من الأراضي الزراعية من خلال التطبيقات الجوية، لكن الغالبية العظمى تعتمد على الرشاشات الأرضية.

ويمكن أن يساعد استخدام كمية أقل من مبيدات الأعشاب من خلال التطبيقات الدقيقة في خفض التكاليف للمزارعين، الذين من المتوقع أن تنخفض دخولهم الإجمالية في عام 2024.

وهناك أيضا أسباب بيئية للنظر في التراجع، حيث يمكن أن يؤدي الانجراف من حقل إلى آخر إلى إتلاف المحاصيل وإلحاق الأذى بالحيوانات، مما يحفّز الاستخدام الأكثر استهدافا.

وتتسبب ظاهرة الانجراف إلى دعاوى قضائية باهظة الثمن، مثل تلك التي تزعم أن الديكامبا شق طريقه إلى الأفدنة المجاورة.

كما واجهت المواد الكيميائية للمحاصيل إجراءات قانونية مكلفة تتعلق بصحة الإنسان، وأنفقت باير بالفعل 10 مليارات دولار من أصل 16 مليار دولار خصصتها للتعامل مع التقاضي الجماعي في الولايات المتحدة بشأن راند آب.

ومبيد الأعشاب الرائد هذا استحوذت عليه باير عندما اشترت شركة مونسانتو والذي يصر عشرات الآلاف من المدعين على أنه تسبب في إصابتهم بالسرطان.

وتؤكد باير أن المنتج ومكونه الرئيسي الجليفوسات آمن، وقد أعطى سعي أوروبا إلى تقليل المبيدات الكيميائية بمقدار النصف بحلول عام 2030 حافزا إضافيا لتغيير التكتيك.

ويدفع مصنعو المعدات بالحلول، حيث أن ديري، أكبر شركة لتصنيع الجرارات في العالم، في العام الثاني من بيع رشاش المحاصيل الأفضل من نوعه والذي تقول إنه يمكنه خفض التطبيقات الكيميائية بنسبة 77 في المئة باستخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي.

وافتتحت شركة غرين آي تكنولوجي مؤخرا أول موقع بيع بالتجزئة في الولايات المتحدة لبيع أذرع رش تعمل بالذكاء الاصطناعي والتي يمكن تركيبها على أيّ آلة موجودة، مع خطط للتوسع إلى ثماني ولايات أميركية إضافية العام المقبل.

وتعمل شركة سولينفتك البرازيلية على بناء أجهزة رش آلية في مصنع بولاية إنديانا، وتقول إنها تسمح للمزارعين بخفض أحجام مبيدات الأعشاب بأكثر من 90 في المئة.

وقال جيليرمي جوين، كبير مسؤولي الاستدامة في سولينفتك “لا تستطيع شركات الكيماويات محاربة انخفاض مبيدات الأعشاب”، إذ تشكل هذه التكنولوجيا “تهديدا بالتأكيد لأنها تقلل بشكل كبير من كمية المدخلات”.

وحتى الآن، لا تزال التكنولوجيا الناشئة صغيرة الحجم ولا يبدو أنها تحدث تأثيرًا كبيرًا على صافي أرباح الشركات المصنعة للمواد الكيميائية، لكن هذا لا يعني أنها تجلس مكتوفة الأيدي.

وتحاول بعض الشركات التقدم، بما في ذلك، عبر العمل بشكل أوثق مع مصنعي المعدات وإضافة نماذج خدمة جديدة تقدم للمزارعين المشورة.

وقال ماينر “لقد حاولوا وضع أنفسهم في وضع يسمح لهم ببيع عائد أفضل على فدانك من خلال تقديم الاستشارات والوصفات الطبية بشكل فعال”.

وعلى سبيل المثال، لدى شركة باسف مشروع مشترك مع مزود التكنولوجيا بوش يسمى “ون سمارت سباري”، والذي يطبق المنتج تلقائيا فقط عند الحاجة.

كما يدمج المشروع رسم خرائط الأعشاب الضارة التي تساعد المزارعين على تتبع وفورات التكلفة في الوقت الفعلي على تطبيق الهاتف المحمول.

وطورت باير، التي كانت تتحدث لسنوات عن التحول من “الحجم إلى القيمة” عندما يتعلق الأمر بحلول حماية المحاصيل، أداة خاصة بها مدعومة بالذكاء الاصطناعي لرش المواد الكيميائية التي يمكن للمزارعين استخدامها عند شراء اشتراك.

وبشكل عام، أكدت الشركة أن التطورات الجديدة في الرش من الصناعة ستكون “محايدة” بشكل عام حيث تتحول شركات الكيماويات جنبًا إلى جنب مع المزارعين.

وقال بوب رايتر رئيس البحث والتطوير العالمي لقسم علوم المحاصيل في باير “نحن متوافقون تماما مع شركات مثل ديري وغيرها في مجال الأتمتة والمعدات التي لديها هذا الطموح لمساعدة المزارع على أن يكون أفضل حقًا من حيث الاستخدام الدقيق للمدخلات المختلفة التي يستخدمونها”.

وأضاف “نريد تعظيم الناتج الذي يمكن للمزارعين القيام به، ولكن تقليل المدخلات التي يستخدمونها”.

وبينما من المتوقع إلى حد كبير أن تنخفض المواد الكيميائية المستخدمة بعد ظهور الأعشاب الضارة مع التكنولوجيا الجديدة، فقد يحتاج بعض المزارعين إلى تطبيق المزيد من المنتجات المعروفة باسم مبيدات الأعشاب المتبقية في وقت مبكر من العملية، كما قال مات لينينجر، المدير الإداري لأميركا الشمالية وأستراليا.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

690 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع