قليل هم الكتاب الذين يجمعون أكثر من تخصص يضعون عصارتها أمام القارىء في المجال الذي يخوضون فيه، وكان اللواء الركن علاء الدين حسين مكي خماس واحداً من هؤلاء القلة الذي جمع بين العسكرية الاحترافية والتدريس والتأليف والطيران، ليوضفها بشكل نادر في مؤلف كذلك نادر بعنوان حرب الناقلات في الخليج العربي، الذي صدر في عمان بالفترة الأخيرة.
ناقلات النفط التي كان لها دور في تمويل الحرب، وكان لها الدور البارز في المساهمة بايقافها عندما استطاع الطيران الحربي العراقي استهدافها في ساحة قتال أمتدت على طول الخليج العربي وعرضه، جهد حاول اللواء الركن علاء توثيقه فأجاد في تقديمه الى القارىء العربي بعنوان شامل ومتن أراده أن يكون سفر تاريخ معبر للجيش العراقي الباسل قبل أن يطويه النسيان وتشوه بعضه الأيام، وأن يكون توثيق لمجريات الحرب التي مازالت آثارها قائمه حتى يومنا هذا من خلال العديد من الوثائق والصور والمقابلات.
ان هذا الكتاب الذي أنصح بقراءته جيداً ليس من العسكريين أصحاب الشأن بل ومن المؤرخين والمتابعين والقراء الساعين الى كسب المعرفة العامة يتحدث عن جانب من جوانب الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988، الذي سمي بحرب الناقلات، بطريقة فيها قدر من التركيز على فعاليات القوة الجوية العراقية فوق مياه الخليج العربي لتلك الفترة، خاصة وان هذا الجانب من تلك الحرب لم تتناوله البحوث والدراسات الصادرة باللغة العربية بما يكفي من تفصيل، على الرغم من صدور الكثير عن الموضوع باللغات الأجنبية (الإنجليزية والفرنسية). بل لم يكتب عنه أي من الكتاب العسكريين او المدنيين العراقيين مما جعل الكتاب العسكريين الغربيين يتأثرون بالروايات التي كتبها غير العراقيين لهذه الأحداث، ونتيجة لذلك يتوصلون إلى استنتاجات غير صحيحة وكذلك غير دقيقة لما جرى من أحداث ووقائع في حينه. كذلك لم يغفل الكتاب جانباً مهماً من جوانب النشاط العسكري والدبلوماسي والتكنولوجي والاقتصادي العراقي في تلك الحرب، حيث يُظهر بوضوح كيف أن الجهود العراقية قد تظافرت جميعها لتحقيق التأثيرات المناسبة والتي أدت بالنهاية إلى أن تقبل إيران بوقف إطلاق النار في شهر آب عام 1988. كما انه يظهر وبما لا يقبل الشك الإمكانات المتطورة والمتقدمة لقواتنا الجوية الباسلة في تلك الأيام وكيف تمكنت من التغلب على بعد المسافات وعدم توفر قواعد جوية مناسبة لهبوط الطائرات أثناء تأديتها لواجباتها في التصدي للسفن الناقلة للنفط الإيراني بملاحقتها في أرصفة التحميل البعيدة عن البر العراقي والتي وصلت في عام 1988 إلى مضيق هرمز، وكيف تم ضرب وإغراق أكبر الناقلات العملاقة المنضوية في أنشطة تصدير النفط الإيراني.
وبالعودة الى مواد الكتاب نرى أنه يتضمن مقدمة وتمهيد واثنا عشر فصلا مع خاتمة مناسبة وقائمة بالمصادر وهو مسطر على 325 صفحة من القطع المتوسط. تناول الفصل الأول الأهمية السياسية والاستراتيجية للخليج العربي بشكل موجز، وتضمن الفصل الثاني نظام معركة القوات الجوية الإيرانية والعراقية، وفي الفصل الثالث تناول الكتاب الصفحة الأولى من صفحات حرب الناقلات في الخليج والتي انتهت عام 1983 ، وفي الفصل الرابع تم إيضاح عمليات طائرات الهليكوبتر نوع سوبر فريلون، التابعة الى سرب طيران البحرية ، وفي الفصل الخامس تناول الكاتب قصة طائرات السوبر اتندارد، تلك الطائرات الفرنسية التي استأجر العراق خمس منها واستخدمها بين عامي 1984- 1985 وبين صيغ التعاقد على استئجار هذه الطائرات وتدريب الطيارين والفنيين العراقيين عليها في فرنسا بداية الأمر ومن ثم في العراق لاحقاً. أما الفصل السادس فقد تضمن تفصيلات عن كيفية وصول تلك الطائرات "السوبر اتندارد" إلى العراق بقصة تشبه وقائعها ما يحصل في قصص المغامرات، وفي الفصل السابع شرح الكاتب الصفحة الثانية لحرب الناقلات التي نفذتها طائرات السوبر اتندارد بالدرجة الأولى حتى نهاية عام 1984. وفي الفصل الثامن تم تناول القسم الأول من الصفحة الثالثة لحرب الناقلات، بينما تناول الفصل التاسع القسم الثاني للصفحة الثالثة لحرب الناقلات، وفي الفصل العاشر والمعنون بالمشهد الأخير تم شرح الضربة الاستراتيجية البارعة والمبدعة لصقور قواتنا الجوية ووصولهم إلى مضيق هرمز على مسافة تزيد عن 1200 كم عن البر العراقي، وكيف تمكنوا من ضرب الناقلة العملاقة (سي وايز جاينت) seawise giant وزميلتها الناقلة برشلونة، وكيف عادت جميع الطائرات سالمة الى قواعدها في العراق. كما تناول الكاتب في الفصل الحادي عشر بعض الحوادث غير المقصودة سواء من الجانب العراقي أو القوى الدولية التي كانت سفنها الحربية متواجدة في الخليج، وأخيراً وفي الفصل الثاني عشر قدم الكاتب جدولاً بجميع الفعاليات الجوية والضربات التي نفذت على الناقلات أو غيرها سواء من قبل العراق وإيران.
ان الكتاب هذا المؤلف الهام عسكرياً وتاريخياً اعتمد مؤلفه السيد اللواء علاء على مصادر موثوقة تراوحت ما بين مجلات اجنبيه متخصصة وكتب باللغات الإنجليزية والفرنسية والعربية، كذلك على المقابلات الشخصية لأصحاب الشأن أولئك الطيارين المنفذين لأوامر الاستطلاع والقصف، وبالاستناد إلى مذكرات بعض قادة القوة الجوية لتلك الفترة. عمل مشفوع بعدد من الخرائط بلغ اجمالي وضعها إحدى عشر خريطة وعشرة مخططات وأربع وخمسون صورة ما بين ملونة والأسود والأبيض.
إنه كتاب أكثر من قيم صدر عن شركة أكاديميون ودار الرمال للنشر والتوزيع، أنصح بقراءته بامعان ووضعه في المكتبة بالواجهة للجهد المبذول في إعداده. وأداء التحية لمؤلفه السيد اللواء الركن علاء الدين حسين مكي خماس.
821 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع