الباب الثالث:
الفصل الثالث: الهيكلية التنظيمية الجديدة
مدخل
يتميز عمل الجيش وعموم المؤسسات العسكرية والامنية، وسبل ادارتها في عصرنا الحالي بعدة ميزات يركز عليها المعنيون لأغراض بنائها جيوشاً تحقق غاية الدولة في الدفاع والردع من أهمها:
- الاتجاهات العلمية التي تحكم تعامل الأفراد والجماعات، والادارات مع الواقع.
- كم المعلومات، ووفرة الوسائل المتعددة للتعامل مع غالبية المفردات ذات الصلة بالسلوك والأداء.
وبضوئها أصبحت الأهداف، والتدريب، والتسليح، والاتصال، والتوعية، والتحصين، ورفع المعنويات من بين أهم الأسس التي يتم الاستناد إليها في صياغة الهياكل التنظيمية للمؤسسة العسكرية في سعيها إلى تنفيذ ومتابعة أهداف الدولة الرئيسية في:
- رسم السياسة العسكرية للدفاع، والمساهمة الجادة في تحقيقها. هذا وتشمل السياسة الدفاعية تلك القواعد والمبادئ التي تنظم استخدام جميع إمكانات الدولة المادية، والمعنوية والبشرية والثقافية والسياسية والعسكرية، استخداماً مناسباً يصون أمنها الوطني، أو بمعنى أدق تعبئة كل إمكانيات الدولة، والمجتمع من أجل إيجاد قدرة على تجنب الرضوخ أو الاستسلام لرغبات دولة أخرى أو جماعة محددة بما يخل بالأمن، وحماية المصالح الوطنية.
- توفير القدر المطلوب من التوازن الاستراتيجي مع الآخرين.
- تهيئة مستوى الردع الذي يحقق أمن المجتمع واستقراره.
هذا وعلى العكس من المذكور فإن الجيش العراقي في السنوات الاولى لإعادة تشكيله بعد العام ٢٠٠٣ قد تميز بخاصية واحدة هي اتساع هامش الخطأ حد الانحراف عن الاعتيادي في السلوك، وبدرجة تعد عالية بالمقارنة مع المؤسسات المثيلة في الدول المقاربة إلى الواقع العراقي، وكذلك مع واقعه للسنوات الأولى من حكم حزب البعث والحكومات التي سبقت، أي في سبعينات القرن الماضي وما قبلهاـ
وبهذا الصدد تجدر الاشارة الى أنه وطوال السنوات الأولى التى أعقبت إعادة التشكيل قد عمت الاخطاء بنيته بأشكال وصور متعددة، شملت الفرد والجماعة والوحدة، وشملت أيضاً المستويات العليا والدنيا على حد سواء، وانغمست فيها الدوائر والقيادات بانحرافات غير مسبوقة، لم تحصل طوال الاعوام التي مرت على العراق، ولجميع حكوماته الملكية ومن بعدها الجمهورية نسبياً... أخطاء كانت من السعة والشدة مستواً أثر على الاداء والانجاز، ليكون تقييمهما الأدنى، ليس بالمعايير العربية والاجنبية السائدة، بل وكذلك بمعايير الخبرة العراقية التقليدية. وتجدر الاشارة أيضاً الى انها أخطاء لو تم البحث عن أصولها لأمكن القول أن غالبيتها لها جذور استشرت في بنية المؤسستين العسكرية والامنية في العقد الأخير من عمر النظام السابق لمستوى بدأ تأثيرها واضحاً على بنية الجيش والقوات المسلحة، وهي أخطاء لم يقتصر حدوثها على الجوانب المادية والفنية، بل وامتدت الى العلاقات المهنية بين المنتسبين وبينهم، ومفاصل قياداتهم، وانتقلت آثارها من ذاك الزمن الى هذا الزمن الجديد، حتى تأشر أنها في الخمس سنوات الاولى منه قد وصلت مستويات شدتها الى أعلى مستوى، حال دون التخلص من أخطاء الماضي، واضاف أخطاء جديدة، أخرّت عملية أعادة التشكيل كما يفترض ان تكون. وعرضّتْ المجتمع العراقي الى الخطر الجدي لعدة سنوات، بطريقة ما كان يجب ان تكون.
واقع الهيكلية التنظيمية في بدايتها
إن ظروف الحرب وعملية التغيير التي جرت لنظام الحكم وموقف بعض السياسيين الجدد من الجيش تعد جميعها عوامل مسؤولة عن حصول عملية الهدم واستمرارها، بدءً من صدور قرار حل الجيش والقوات المسلحة واعادة تشكيلهما كما ورد آنفاً. إلا أن ظروف إعادة البناء أو التشكيل بعد التغيير عام ٢٠٠٣ لم تكن طبيعية، حيث التوتر، واعمال القتال، وشدة الممانعة، وسعة التجاوب والاستجابة لنوايا الخارج، وتصدع التوليفة الاجتماعية، وضعف النضج السياسي والاجتماعي. بسببها:
- شكلت وحدات قبل تشكيل الهيكلية التنظيمية للمؤسسة، مما جعل عملية التنظيم تسير على العكس من المبادئ العلمية في هذا المجال، والتي تحتم إنشاء المقرات العليا قبل الوحدات المقاتلة.
- أوكلت إلى تلك الوحدات مهام قتالية، مع قوات متعددة الجنسيات، لمحاربة الارهاب، قبل اكتمال جاهزيتها اصولياً.
- لم يأخذ المشرفين على عملية اعادة التشكيل وقتا كافياً للتجريب وقياس المردود، ولم تتح الفرصة لهم للتحرك بحرية كافية من اجل الاستعانة بالخبرات العراقية النزيهة باتجاه وضع الهيكلية التنظيمية الملائمة لتحقيق أهداف تنسجم مع مستوى أداء وقدرات الفرد العراقي.
إن الميل الذي ساد لدى العديد من المسؤولين بعد سقوط النظام مباشرة وبتأثير سلطة الاجنبي، هو صياغة هيكلية تنظيمية لمقرات المؤسستين، ودوائرهما متناغمة مع الرؤيا الاجنبية، دون الأخذ بالاعتبار واقع الدولة العراقية، والمجتمع، والامكانات المتاحة، والأهداف الموضوعة، فجاءت "الهيكلية" معقدة لا تفي بالغرض. اذ وعلى الرغم من الدقة والكفاءة الموجودة في تلك التنظيمات الاجنبية التي اريد للتنظيم العسكري العراقي الجديد ان يكون مشابهاً لها، فهي قد صممت لبيئة مختلفة، ولمهام مختلفة، وجاءت من خبرات قتالية مختلفة، لا يفيد نقلها الحرفي في تأمين الغاية، دون الأخذ بالاعتبار الاختلافات البينية في التركيبة الاجتماعية، والقدرات العلمية والتقنية، والامكانيات المادية، والأهداف التعبوية والاستراتيجية، كذلك دون الأخذ بالحسبان القدرة العامة للمنتسبين على استيعاب هياكل تنظيمية حديثة مجربة.
الآثار السلبية لعملية التقليد
لقد حصل نقل أو بالأصح تقليد لمفاهيم وأشكال التنظيم الهيكلي، على يد مدنيين" في بعض الاحيان"، لا يمتلك معظمهم الخبرات العسكرية والادارية الملائمة، وبالنتيجة أو بدلا من الاستفادة من تقدم الخبرة الاجنبية المتطورة في مجال اعادة البناء الهيكلي تسبب هذا النوع من النقل والتقليد الحرفي أحيانا، بوجود الآتي:
1. عدم ملائمة الهيكل التنظيمي للمقر الاعلى في المؤسستين إلى واقع العمل الميداني وطبيعة المهام، والى السرعة المطلوبة لاتمام اعادة التشكيل، والتوفير الملائم للأسلحة والمعدات، والأفراد في ظروف البلد غير المستقرة.
2. وجود ثغرات أو نقص في الهيكلية التنظيمية لمقر الوزارتين "الدفاع والداخلية" عطل بعض خطوات إعادة التشكيل وتطوير القدرة القتالية.
3. تعقيد التنظيم وركاكة الترجمة من الانجليزية جعل البعض من المعنيين بتنفيذه لا يدركون تماماً الواجبات المناطة بهم، ولم يسعوا من جانبهم بوضع سياقات عمل تسهل إجراءات التنفيذ.
4. ضعف التنظيم وعدم إختيار أشخاص مناسبين لشغل بعض المفاصل القيادية تسبب في مزيد من الفوضى والارتباك ومهد إلى تعزيز حالة الفساد الإداري، وأضعف مستوى الأداء.
5. إن زخم العمل والارتباك في مجاله، وضيق المكان جعل غالبية الدوائر، والمديريات تعمل أفقياً دون الامتداد إلى الأدنى هرمياً، أي أن البعض من المديريات عملت بصيغـة المدير وعدد من الموظفين، دون السعي لتفعيل التنظيمات الأدنى التي يقوم عليها التنفيذ لخطوات التشكيل.
6. عدم ثبات التنظيم والواجبات المحددة للدوائر والمديريات، والسعي لإجراء التعديلات دون أسس تجريبية، وبأوقات متقاربة أحياناً زاد من مستوى الفوضى والارباك.
لقد اعيد تشكيل الجيش والاجهزة الأمنية ومقر الوزارتين على عجل، وحددت بعض المناصب دون توصيف وظيفي ولا تحديد للمهام، وتم اختيار أشخاص لإشغالها في بعض الأحيان دون الاعتماد على التدرج الوظيفي، والتراكم المعرفي، والكفاءة المناسبة، هذا بالإضافة إلى قلة الخبرة في مجال التخطيط، ومساعي مد المحاصصة التوافقية إلى المفاصل الأدنى في الهرم القيادي، مما تسبب في تشويه معالم الهيكلية التنظيمية والتقليل من قدرتها على تلبية الحاجات.
إن وزارتي الدفاع والداخلية المعنيتان بالأمن وإن نجحتا بعض الشيء في اجراء تعديلات تنظيمية أفضت الى إنشاء مؤسسة عسكرية واخرى أمنية بهيكلية تنظيمية بسيطة، استطاعت من خلالها كل واحدة أن تسهم في القتال بتقدير مقبول بمقاسات وقتها، لكنها من الناحية العملية كانت مؤسسة قد زجت في الحرب وهي غير مكتمــلة تنظيماً وتســليحاً وتجهيزاً. كذلك وإن حاولتا تشكيل جهاز استخباري وأمني لكنها اجهزة لم تتمكن بتنظيمهما غير المتسق والواقع آنذاك، من تكوين حالة الحد من الخروق الامنية، ولا تأمين الحاجة الى المعلومات.
القصور التنظيمي في انتاج الجهد النفسي
ان الوزارتين اللتين ما زالتا تحاولان التقدم إلى الأمام بخطوات محددة، يبين الواقع انهما اشبه بالمقيدتين، لم تحققا ذلك التقدم الذي تريده الحكومة، وبما ينسجم وعناصر إنتاج القدرة القتالية والامنية الملائمة لحسم القتال بالضد من الارهاب، خاصة ما يتعلق منه بالجانب النفسي والمعنوي، إذ أن المعنيين فيهما دفعا على سبيل المثال بتشكيل إعلام خاص بقي يراوح في مكانه، دون ان يحاولوا صياغة خطط واضحة في موضوع المعنويات، وتعزيز المشاعر الوطنية. ولم يخطوا أية خطوة باتجاه البحث والتحليل الذي يعينهما والقادة للتعرف على الواقع، وتسهل موضوع استفادتهما عملياً من خبرات، وتجارب الآخرين. ولم يبادروا حتى عام صدور الكتاب لإنشاء إدارة للعمل النفسي، والمعنوي الميداني تأخذ على عاتقها:
1. تشخيص حالات الخلل بالمعنويات، ومحاولة رفعها بما يؤمن تحسين الأداء.
2. متابعة الظواهـر النفسية السلبية، مثل الإصابات النفسية أثناء القتال وفي ظروف الشـــد والتوتر، والهروب مــن الخــدمة، والتجـاوز على القوانين والضوابط العسكرية، واقتراح صيغ التعامل معها.
3. رصد توجهات الحرب النفسية المعادية، واقتراح سبل التعامل معها تعبوياً واستراتيجياً.
4. تعزيز المشاعر الوطنية في نفوس المنتسبين، وتقوية روابط العلاقة بينهم وبين عموم الشعب العراقي الظهير القوي لهم في الميدان.
أوجه القصور في الاعلام العسكري
كان التركيز منذ البداية على تشكيل اعلام عسكري، وتفادى المعنيون التقرب من موضوع التوجيه المعنوي والنفسي، لقلة المعرفة التخصصية في مجالهما من جانب، ولتفادي التذكير بأيام التوجيه السياسي للزمن السابق من جانب آخر، فجاء التشكيل الجديد اعلاماً بسيطاً موجهاً محدوداً وسط اعلام عراقي وعربي وأجنبي حر، كفوء، متمكن، منحاز، لا تمتلك في مجاله الحكومة ولا المؤسسة العسكرية والامنية قدرة على المنع والرقابة والتوجيه والتحكم. فكانت النتيجة اعلام عسكري يتسم بالآتي:
1. عدم القدرة على تأدية مهامه في تأمين الدعاية للعمل العسكري، الامني الميداني.
2. العجز عن حماية المنتسبين من الدعاية المضادة، التي انتشرت من حولهم بغزارة.
3. إدارته من أشخاص غير متخصصين، وبكادر بعضه قادر عملياً ومتخصص مهنياً لكنه غير مدعوم من الأعلى فعلياً.
4. الافتقار إلى الوسائل والأدوات الفنية الملائمة، والتخصيصات المالية الكافية لتأمين عمل إعلامي فاعل في ساحة القتال.
أوجه القصور في جوانب البحث العلمي
لقد بدأت خطوات اعادة التشكيل، وتبين ان الجهد العلمي البحثي في مجاله محدود وفي غالب الاحيان غير موجود. وبالنتيجة بقيّ البحث العلمي متأخراً عن الجهد القتالي، وبقي الجهد القتالي، دون دعم علمي، وبقي عنصر الدراسة والبحث في شؤون المنتسبين وأحوالهم ملغياً، وكذلك في شؤون التسليح والتجهيز فان الجهد العلمي غير موجوداً الى الحد الذي يشكل ثغرة تنظيمية في جدار الجيش والمؤسسة الامنية، لا يمكن التغاضي عن اسسها للتعامل مع جوانب مهمة في مجال إعادة التشكيل والتطوير والتحصين مثل:
1. دراسة وتحليل المشاكل، والآفات التي استشرت في المؤسسة مثل الغياب، والهروب، والفساد، والمحسوبية، والتجاوز، وتدني مستوى الضبط، وهبوط المعنويات، وتصدع المشاعر الوطنية، وغيرها من مشاكل وتقديم المقترحات الملائمة لتجاوزها.
2.تقديم المشورة لسلطة إصدار القرار العسكري والامني، وكذلك للقادة، والآمرين، ولهيئات الركن في موضوع إعادة التأهيل، وسبل تحسن الأداء العسكري.
3. تقديم الدراسات، والآراء لما يتعلق بالجانب النفسي في موضوع اختيار وتصنيف الأفراد، والمشاركة في اللجان الخاصة لتنفيذ هــذه الفكرة، وبآلية الفحص والاخــتيار عند تنفيذها.
4. تحليل الحرب النفسية المعادية بمستوياتها السوقية، والتعبوية التي تهم المؤسستين وآلية عملها، وتنفيذ مهامها وتزويد القيادة العامـــة بالمقترحات اللازمة في مجالها.
5. التعرف على الواقع وأوجه القوة، والخلل في عموم العمل الامني والعسكري من خلال المتابعة والدراسة والبحث.
6. الاستفادة من الخبرة العالمية المتاحة، والقدرة الموجودة في تأطير وجودها بما ينفع المؤسستين، وتبعاً لإمكاناتهما في الاستيعاب، ومتابعة التطور في جميع مجالاتها.
على وجه العموم كانت البداية صعبة، وكانت الهيكلية المقترحة خلالها غير ملائمة، أدرك المسؤولون الى حد ما واقعها، وحاولوا وغيروا وطوروا فيها، لتكون قريباً من عام 2012 بمستوى أفضل من البداية لكنها في الواقع مازالت قاصرة عن تأمين الحاجة المطلوبة على وفق الظروف والامكانيات العراقية المتاحة.
الآثار السلبية لإضطراب الهيكلية التنظيمية
لم تكن الهيكلية التنظيمية التي جاءت منذ البداية حتى عام 2008، قد تأسست على مبادئ الحاجة الفعلية"المهام المطلوبة" والإمكانات المتاحة كما مذكور في أعلاه، لانها أقيمت على أسس بعضها سلبي مثل التلبية غير المنظورة لاهداف الأجنبي في ساحة الحرب العراقية، أو بمعنى اوضح مقاتلة الارهاب المطلوب مقاتلته دولياً، رافقتها:
- مصالح ذاتية لأفراد، وجماعات يحاولون تكييف الموجود لأغراض خاصة في أحيان ليست قليلة.
- اجتهادات فردية متفرقة تنقصها الخبرة والإصرار على صحة الرأي.
وهذه اسس أوجدت جميعها هيكلاً تنظيمياً لمقر المؤسستين موسوم في أغلب جوانبه بالآتي:
1. مصاعب السيطرة. أفرزت الحاجة الملحة للتعامل مع الواقع المضطرب رغبة في تشكيل مديريات، وأقسام، ووحدات في المؤسسة العسكرية أكثر من قدرة المقر الاعلى الفعلية على تغطيتها بالكفاءات. وبدلاً من التفتيش عن المناسب في المكان المناسب، توجه المعنيون فيها إلى التعويض عن طريق الأمر بتشكيل عناوين إضافية، وحشر أكبر عدد ممكن من الأشخاص في محيطها، خلافاً للهرمية المركزية كأحد الشروط اللازمة لفاعلية التنظيم في المؤسسة القيادية للجيش والوزارة، حيث الحاجة إلى منظومة إصدار للأوامر، وتنفيذها بمفاصل قيادية تبدأ من أعلى الهرم"الوزير" وتتسع بالتدريج نزولاً إلى قاعدته "باقي العاملين"، وبحدود متناسقة، وهذه إجراءات تسببت في أن يكون الهيكل التنظيمي فيه قدر من التداخل، والتعقيد حداً يصعب السيطرة عليه من الناحية العملية.
2. ضعف التنسيق والتعاون. توزعت الاختصاصات، والمهام العسكرية والأمنية، والفنية، للجيش على وجه الخصوص، بين رئاسة الاركان، وعدة مديريات، ودرجت غالبيتها في السني الاولى إلى العمل "بسبب عدم الالتزام ونقص الخبرة" بشكل أقرب إلى المستقل منه إلى المركزي، وبطريقة أضعفت عوامل التنسيق، والتعاون بين أجهزة المؤسسة القيادية، والادارية، والفنية، والمعلوماتية، والتنفيذية اللازمة لتطوير قدرتها القتالية.
3. التفصيل الذاتي للمناصب. ساد اتجاه للتعامل مع الهيكلية التنظيمية في المرحلة الاولى "لكثير من المفاصل القيادية المسؤولة" يتأسس على الجري السريع لملأ الشواغر الموجودة من المعارف والأقارب، وتكرر تعيين أشخاص بدرجات وظيفية متقدمة، وإعادة ضباط إلى الخدمة دون النظر إلى الدرجات الوظيفية الشاغرة، ولاستيعابهم تلجأ الجهة الأعلى إلى إصدار أوامر بتفصيل مناصب لبعضهم تبعاً لقياساتهم خارج السياقات التقليدية لتنفيذ المهام. مما كون نهجاً عاماً تغلب عليه النفعية، والمصالح الشخصية.
4. فوضى التدخل والتغيير. جرى وفي أحيان عدة الأمر بتشكيل تنظيمات، ووحدات دون الرجوع إلى الجهة الاختصاصية، وسرى العمل بهيكلية تنظيمية دون التصديق بوزارة المالية، وأصدرت أوامر بحذف وشطب، وتغيير دون الرجوع إلى الجهات المعنية، مما أحدث فوضى في الهيكلية التنظيمية أضعف من معالم السيطرة على المتغيرات ذات الصلة بها، وقلل من القدرة على استيعاب تفاصيلها. اذ لوحظ في بداية التشكيل مثلاً، تعدد المجتهدين، وكثر الاجتهاد، وسعة افتاء الكبار بما لديهم من تجربة وتصور. سلوك جاء كنتيجة حتمية لعاملين مهمين.
اولهما. طبيعة الشخصية العراقية في العقود الاخيرة التي اتسمت بخاصية ادعاء المعرفة، حتى اصبح من الصعب العثور على شخص في موقف حوار يقول اني لا أعرف، وعلى العكس من هذا يسهل ايجاد آخر يفتي بكل شيء، وكانه يريد أن يستعرض، بطريقة تعوض الاحساس بقلة المعرفة في الداخل.
وثانيمها. عدم وجود سياقات عمل ثابتة تلزم الجميع السير على خطاها.
5ـ تداخل المسؤوليات. بسبب التجاوز على مرجعية الاختصاص داخل المؤسسة، ومركزية المسؤولية الفنية عن وضع الهيكلية وإدامة تطورها، اجتهد البعض بوضع هيكلاً تنظيمياً أو تعديله، معتقداً أنه يُؤَمِن مهام دائرته"أو يلبي طموحاته في بعض الأحيان" مما تسبب في وجود بعض التسميات في الهيكلية التنظيمية تتكرر في أكثر من مكان. كذلك التكليف بنفس المهام في أكثر من دائرة. يصاحبها حيرة في توزيع البريد على الجهات المختصة في بعض الاحيان. وهذه مثالب في الإدارة أدت عملياً الى وجود ازدواجية في العمل وأعاقة غير مباشرة لخطوات التطوير.
6. الافتقار إلى المركزية في التنفيذ. لقد وزعت المهام دون تخطيط في الغالب على عدة تنظيمات تبعثرت فيها المهام، وكثرت فيها الأوامر والإجراءات إلى مستوى أفقد القيادة، القدرة على استيعاب آلية العمل، وحال دون إمكانية التدخل المركزي الحاسم في الزمان، والمكان المحددين، زاد الأمر سوءً معاناة القيادات من الاعياء الذي يجنبها الميل الى التدخل.
مصاعب تلبية الحاجة
من كل ما ورد في اعلاه يمكن القول، ان الظروف التي شكل فيها الجيش والمؤسسة العسكرية والامنية، والحاجة الملحة الى تكليفها بمهام قتال صعبة أنعكس سلباً على الهيكلية التنظيمية إلى الحد الذي اصبحت فيه خلال السنوات الخمس الاولى، غير قادرة على تلبية الحاجة الى إعادة البناء، وتكوين قدرة قتالية قادرة على حسم المعركة الدائرة مع الارهاب بالسرعة المطلوبة، وبأقل الخسائر الممكنة. علما ان البعض من المسؤولين في المؤسسة قد اجروا بعض التعديلات في شكل التنظيم بعد عام 2008، اسهم في ايجاد تحسن ملموس في بعض المجالات، لكنه تحسن والى عام 2012 يحسب أقل من حاجة الدولة الى تكوين قوات مسلحة قادرة على الحسم في ساحة القتال الداخلية لمكافحة الارهاب. ويمكن القول ايضا ان النقل الحرفي للخبرة الأجنبية في مجال التنظيم، تسبب في وجود مصاعب بالتنفيذ، وكون حالة تقترب من الفوضى التنظيمية، كما ان التسرع الذي جرى لإملاء المناصب المهمة فــي الهيكل التنظيمي على أساس غير مهني، أعاق العمل، وتسبب في وجود خلل واضح المعالم بالهيكلية التنظيمية ذاتها.
إن الهنات الحاصلة في قضية الهيكلية التنظيمية والثغرات المذكورة في اعلاه، منذ الشروع بعملية إعادة التشكيل، ولفترة ليست قصيرة بعده، جعلتها هيكلية:
- ضعيفة، لا يمكن أن تلبي الحاجة إلى إنتاج وتطوير القدرة القتالية المطلوبة.
- واهنـة، لا يمكن أن تؤمن تنفيذاً مقبولاً للمهام التي وضعتها الحكومة إلى المؤسسة، ولا للأوامر التي تصدرها إلى الآخرين في محيطها.
- هشــة، لا يمكن أن تعين المؤسسة لتنفيذ خططها في الضبط، والسيطرة على وفق القياسات الصحيحة.
- غير قياسية، اي تتجاوز على مبادئ البساطة والاقتصاد، والمرونة، مما جعل عموم الهيكلية التنظيمية لا تتلاءم والمهام المطلوبة، ولا مع الإمكانات المتاحة للتنفيذ.
انها معضلة إذا ما اريد لها ان تنتهي سريعاً لابد للقائمين على عملية التشكيل التي لم تستقر بالشكل الصحيح الى عام 2012 ان يتجهوا الى:
- ايقاف التداعي الحاصل في العملية التنظيمية" قرار".
- البدء بالتفتيش عن موطن الخلل الحاصل "دراسة وبحث".
- الشروع بالإصلاح على وفق مبادئ التنظيم "خطط".
خطوات، لابد وأن تمر عبر وضع الهيكلية التنظيمية لعدة سنوات مقبلة تحت مجهر التجريب للوصول الى الملائم منها لإمكانات العراق وحال انسانه الذي يتصف بخصائص تلزم المخططين ان يأخذوها بالاعتبار عند صياغة التنظيم الذي يكونون في دائرته قادرين على تقديم الاداء الافضل وبأقل خسارة ممكنة.
التعامل مع واقع الهيكلية التنظيمية
إن الضبط والسيطرة، وتنظيم عملية إعادة بناء المؤسسة العسكرية والامنية مادياً ومعنوياً يتأسس على التجاوز المفروض لآثار تراكمات الماضي السلبية، والتوجه إلى الأمام في موضوع الالتزام بالقيم المهنية، والوعي بواجبات المنتسبين، والادراك الصحيح لحقوقهم. مهامٌ يحتاج تأمينها بقدر مقبول إلى تبادل الدعم والاسناد بين تنظيمات المقر الاعلى "الوزارة" المعني بنقل الأوامر وتنفيذها، وتلك الإدارية التي تهيئ سبل ووسائل التنفيذ، والثالثة المعنوية والبحثية التي تأخذ على عاتقها تقوية الحس الداخلي بالمسؤولية المهنية، وتكوين قناعات ومحتوى أفكار، تنسجم وعملية الانتقال من النظام القديم إلى الجديد. ويحتاج أيضاً إلى هيكلية تنظيمية قادرة على التخطيط لها، والاشراف على عملية التنفيذ.
إن مقر الوزارة ومنذ إعادة البناء الجديد توجه لتنفيذ توجهات سلطة الائتلاف، ومن ثم مجلس الحكم، بإيجاد إدارة مدنية للشؤون العسكرية الامنية، إلا إن خطوات التنفيذ لم تكن كافية لإعانة المعنيين في استيعاب مفهوم القيادة المدنية، مما تسبب في حدوث خلل في عملية الاستيعاب، والتنفيذ ابقى هذه الإدارة بشكل عام محتاجة إلى الخبــرة اللازمة بالمهام العسكرية، وسبل تصريف اعمالها، والمعــرفة الكافية بسياقات عمل العسكر مهنياً، وتحديد دقيق لمــاهية وهيــكلية الإدارات المطلوبة لتلبيـة المهام الآنية "التعبوية" والمستقبلية "الاستراتيجية". وتسبب أيضاً في وجود حاجة الى معادلة الجوانب المادية في الإعداد "أفراد، أسلحة، معدات" بالأخرى المعنوية "تحصين، مشاعر وطنية، معنويات" من خلال التوازن في التنظيم. الا انه وبسبب التشتت وضياع المركزية، والتداخل الحاصل في التنظيم، لم تتأمن تلك الحاجات مبكراً، ولم يتم سد النقص الحاصل في اهم حاجة تتمثل بجهة اختصاصية مهنية كفوءة تأخذ على عاتقها:
- إعادة النظر بالتنظيم وضبط جوانبه المتعددة.
- ادامة التغيرات الحاصلة في مجاله.
- البت بما يتعلق بالحذف، والاضافة التي تقتضيها الضرورة في بعض الأحيان، وتنسيق ذلك مع الجهات المختصة.
انها أوجه خلل اعاقت خطوات اعادة البناء من غير الممكن تجاوزها، اذا لم تسلك كل الدوائر والمديريات نهجاً يتأسس على دراسة طبيعة الخلل الموجود في عملها، وتحديد سبل تجاوزه عملياً، وتقديم مقترحاتها في تحديد شكل الهيكلية الملائمة، وواجبات وسياقات عملها، وتثبيت الدرجـــات الوظيفية لكــل عنوان وظيفي، على أن تجري المتابعة من قبل الدائرة المعنية بالتنظيم، وكذلك من دائرة التفتيش. ومع هذا إذا لم يجرِ توصيف وظيفي لكل المناصب والمفاصل والدرجات، وإذا لم يتجه المعنيون في المقر الأعلى الى تشكيل تنظيم خاص بعمليات التحصين النفسي ورفع المعنويات وتعزيز المشاعر الوطنية، وإذا لم يدعم العمل المهني بجهد بحثي. فان تجاوز الهنات والمصاعب سيتأخر وقتاً اضافياً، سيكلف المؤسستين والدولة، مالاً اضافياً، وسيؤخر عملية الحسم المطلوبة في ميدان القتال.
ان الموضوع في الواقع ليس سهلاً، وفي مجاله لا بد من الاشارة الى أن كل من وزارتي الداخلية والدفاع، المؤسستين المعنيتين بالأمن واعمال القتال الدائر، قد سعتا حثيثاً لتشكيل دوائر ومديريات في ظروف صعبة. حاولتا فيها تجاوز بعض العقبات. نجحتا في بعضها وأخفقتا في أخرى، وهذا هو المنطق السائد في العمل والحياة. لكنهما وبحدود عام 2012 تجاوزتا معاً حدود الاخفاق الذي يمكن ان يعيق المسيرة. إلا ان النقص الباقي والاكثر وضوحاً يأتي في مجال البحث العلمي الامني والعسكري الذي لم تعطيه الوزارتين اي اهتمام منذ تأسيسهما ثانية على الرغم من اهميته في دعم وتعزيز عملية إعادة البناء، وتشخيص العقبات التي تقف حائلة دون اتمامها.
ولابد من الاشارة أيضاً الى ان الخلل الذي كان موجوداً في الهيكلية التنظيمية للجيش والمؤسسة الامنية "الداخلية" في بداية التشكيل، خللٌ لا يقتصر عليهما فقط، إذ إن الوقائع تؤشر أن عموم وزارات الدولة، ومؤسساتها التي ألغيت وأعيد تشكيلها، عانت من نفس المشاكل والمعوقات التي تتطلب حشد الجهد، والعودة إلى الاستفادة من الكفاءات الموجودة وبأسلوب إدارة وتنظيم علمي يؤمن حاجة البلد إلى النهوض وإعادة البناء.
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:
http://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/thaqafawaadab/31262-2017-08-02-12-21-17.html
1312 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع