رواية - حفل رئاسي -إنها مؤامرة
يجلس متوتراً على حافة كرسيٍّه الدوار، وكأنه قد تاه عن جمع يرافقه، في طريق مظلم. مكتبه الفخم، ومنصبه سفيراً للعراق في الدولة الألمانية الشرقية، لم يعيدانه من التيه الى الهدوء، الذي تعوده مع بدايات الدوام الرسمي، في الأيام السابقة.
نهض من مكانه، سار خطوات عدة، عاد بعدها الى المكان، لتأخذه الذاكرة القلقة بعيداً الى أيام الشباب، تدور فيها الصفحات من موقف الى آخر دوران دولاب تسيره ريح.
يتعبه الدوران، يشعره بقليل من النحول، يعتقده النسيان الفائت لاحتساء قهوته الصباحية، فيطلبها من سكرتيرته الجميلة على الفور.
أدار وجهه الممتلئ صوب برلين، المدينة التي شكلها الماء المتدفق من ذوبان الصفائح الجليدية، نهاية العصر الحجري.
تأملها جيداً من شباك مكتبه المطل، على جهتها الشمالية.
أحس جمال خضرتها الدائمة، ذاك البستان الذي عاش فيه الطفولة، على ضفاف شط الحلة، قريباً من جنائن بابل المعلقة، وتمثل له طقسها الصيفي، ربيع بغداد المنعش على ضفاف أبو نؤاس، ولاحت له امتداداتها الى الماضي، شعاع ينعكس على ذاكرته القلقة، وهي تستجلب الصور المتنوعة عن ماضي بلاده والحاضر.
صور عقلية، بات يقارنها مع الأبنية القديمة التي تلوح في الأفق، وقد أعاد أهلها ترميم أجزاء، هدمتها الحرب العالمية الثانية، إلا بعض من شواهدها، أبقت عليها عمداً، لإثبات فعل الحرب الدنيء، وانعاش الذاكرة القريبة لعقول الأجيال، الساعية الى مقت التناحر والعداء.
تمعن فيها جيداً.
تذكرَ شرحاً قدمتهُ السكرتيرة قبل شهرين، عن كيفية تطورها مدينة بدأت قرية بسيطة، لتكون بفعل أهلها النشطين، المدينة الأكبر في ألمانيا، والثانية في عموم أوربا، ولتكون بفعل التقاء نهرين في ربوعها، وتعدد البحيرات على أرضها، المدينة الأجمل بلا منازع.
حاول مقارنة التقاء نهريها بالتقاء، دجلة والفرات في قضاء القرنة، فلم يجد وجهاً للمقارنة، تمنى أن يلتفت اليها الأهل في العراق ويجعلونها جميلة مثل برلين.
لِمَ عادت به الذاكرة الى سنوات الماضي البعيد؟.
ما الذي دفعه لأن يمارس رياضة التفكير في هذا الوقت بالذات؟.
الوقت الذي انفتحت عنده المسافات بين الدراسة الثانوية في مدينة الحلة، وبين هروبه في اثنائها الى سوريا، ونجاحاته دبلوماسياً في أعرق عواصم أوربا، باريس وبرلين.
هل أثرتْ فيه الأخبار التي تناقلتها الوكالات العالمية، عن انقلاب حدث في بغداد؟.
الأخبار أخذت تتكرر مراراً في النشرات، على طوال اليوم بالدقائق والساعات.
أم أن التأثير جاء ناتجاً عرضياً للتخيلات، التي أخذت تُشّرِقُ وتغَرِبُ، ساعيةً الى استفهام ما حصل في البلاد.
أحداث متسارعة تنمُّ عن تنفيذ انقلاب، لا يريد عقله الباطن تأكيد الاعتراف بحدوثه على مستوى الوعي المُربَك؟.
مد يده الى علبة سجائره، دخن سيجارة أخرى من التي يفضلها مستوردة من السوق الدبلوماسية الحرة.
لم يستطع إيقاف سيل التفكير في هذه المحنة الجديدة، وكأن في قلبه وهج من الحزن، لا يعرف لماذا، وعند إطفائها تنبه الى انه في حال توتر، يتحرك في كرسيه الدوار، مثل نزيل في مستشفى عقلي فقد السيطرة على ذاته، وتنبه الى ان نشرات الأخبار لم تتوقف عن ذكر الأحداث، ذات الصلة بالانقلاب الحاصل في بغداد.
عاود النظر بالتفاتة سريعة الى جمال برلين، وعاود المقارنة مع بغداد التي أحبها، وما يجري فيها من أحداث، فأدرك أن صداقته مع النائب الذي أصبح رئيساً بالأمس، سوف تفتح من أمامه كثيراً من الأبواب. عندها بات كل تفكيره منصباً، على محاولة الاتصال بصديقه، اللواء الركن نسيم معاون رئيس جهاز المخابرات بأية طريقة، قد يجد منه تفسيراً لما حصل ويحصل في بغداد.
حاول الاستدارة بالكرسي الى جهة الشمال، قاصداً تناول الكتاب المشهور، وعّاظ السلاطين للعلامة علي الوردي، أعتاد قراءة أوراق من فصوله الغنية بالعبر، عندما يشعر بالحاجة الى، معرفة بعض الجوانب الخفية للتاريخ العربي الإسلامي، والدوافع الاجتماعية للصراعات المريرة، التي بدأت ما قبل الخلافة الإسلامية بمئات السنين، وانتقلت الى القريشيين القريبين من الرسول قبل الدفن، ومن بعدهم الى جميع الأقوام التي حكمت العراق، حتى أحداث الأمس التي لا يريد تسميتها انقلاباً، بأي حال من الأحوال، وعلى الصراع الأزلي من أجل السلطة والنفوذ، الذي أنتج فعل الانقلابات في عراق يمتد آلاف السنين، وعلى الدوافع الاجتماعية للتناحر بين السنة والشيعة، وأحقية الخلافة الإسلامية لما قبل ألف وأربعمائة عام.
يده المرتعشة لم تساعده على التمسك في الكتاب.
سقط من بين أصابعه الكتاب.
تبعثرت أوراق سجل عليها بعض الملاحظات، عن مقتل الخليفة عثمان وقميصه المشهور، والصراع الدامي بين الخليفة علي بحكمته المعروفة، وبين معاوية بن أبي سفيان بدهائه المعهود، ودوافع السلطة المستبدة، ومسألة توريثها من ذلك الزمان الى هذا الزمان.
تألم لتبعثر وريقات كتاب لكاتب عملاق، مُنعت مؤلفاته بأمر من النائب الذي أصبح رئيساً بالأمس، في الوقت الذي اتسع نشرها بغزارة، خارج العراق قبل الأمس بعشرات السنين، فألمَّ به وجع، مثل غز السكاكين في عضلات القلب، زاده شدةً ذلك الغضب المستثار، من داخله عما يحصل في بغداد، وان استمر في الإصرار على عدم تسميته انقلاباً حتى الآن.
لم يستوعب مآله، أعضاء في القيادة القطرية، يتآمرون على الحزب لصالح السوريين، عندها تملكته حيرة منفرة، لم يجد في مكبوتات عقله المتطايرة، باباً للخروج منها، كأن أبواب الخروج سدت من أمامه بمزاليج حديد.
كيف يصدق أن عدنان الحمداني متآمر.
محمد عايش متآمر.
غانم عبد الجليل متآمر.
ومحمد محجوب كذلك متآمر.
هم قادة الحزب، ومسؤولين جل الذين يجلسون الآن على مقاعد الصف الأول في مسرح الدولة الكبير، بينهم شخص النائب الذي أصبح رئيسا بالأمس.
.......................
عشعش الصمت في داخله عميقاً، حاول فتح منافذ في دفاعات عقله المغلقة بإحكام، نجح في اخراج بعض ما فيها من أفكار، بقدر لم يعينه على إيقاف سريان الانزعاج، الذي تحول بسرعة البرق الى مشاعر ضيق.
لم يدرك وقتها، أنها تُعَبرُ عن رفض في داخله، لأمور لا يريد التصريح بوجودها على مستوى الوعي، كأنه تناشز معرفي أو ارتباك في التفكير، لم يقلل من حدته الاتصال الهاتفي مع صديقه، معاون رئيس جهاز المخابرات، جاءت بين سطوره المتناثرة بعض التفاصيل عن المؤامرة التي حصلت بالأمس، وقائمة أسماء لمشاركين جدد لم تعلن رسمياً منذ الأمس.
استوقفته قليلاً مسألة التتابع بقوائم المشاركين، تجاوزها ظناً منه أن أمرها يعود الى صيغ التحقيق، وقابلية الانسان على تحمل عذاباته، وأذهلته كثيراً آخر قائمة أسماء حد الشعور بالإحباط الشديد، واضطراب الحال الذي أحس به، وكأن عيناه دخلتا في جوفهما، وإن جسمه القوي الممتلئ قد أنكمش قليلاً، فعاوده الصراع بين تصديق ما يسمعه، وبين ما يحسه، بالتأسيس على معرفة جيدة بغالبية الأسماء، التي ترد في القوائم التي تصدر تباعاً، مما حول مشاعر الإحباط في داخله، الى وخز في الضمير المغلف بآلام الصراع.
كيف حصل هذا وعدنان بمثابة الصديق المدلل للرئيس الجديد؟.
عدنان الذي قال عنه في اجتماع خاص، إنّه مني بمنزلة الشقيق برزان.
هل يعقل أن عدنان تآمر على الرئيس؟.
إنهما آخر رفيقان كانا يتركان المكتب ليكملا السهرة في بيت أحدهما على انفراد.
صدق أو لا تصدق قالها في نفسه، وأتبعها بقول آخر:
إنَّ كل شيء سيكون معلوماً في القريب. لا سيما وان الحزب لا يخفي الوقائع، والأحداث عن رفاقه، وان كانت بسيطة. فكيف له أن يخفي حدثاً فيه تآمر، على الدولة والحزب في آن معاً؟.
إنه ضرب من المستحيل.
حاولَ الوقوف متكئاً على حافة الطاولة الخشبية لمكتبه، فتكوم بجسده الممتلئ في الكرسي الدوار، الذي اختارته السكرتيرة محشواً بعدة طبقات من الاسفنج المضغوط، فعاد الى وضع الجلوس، من دون سيطرة منه على جسم بات يختض، مثل سعفة نخيل تهزها ريح.
شعر بأقدامه وكأنها يبست، وأحس دوامة الغضب قد تحركت في صدره، محدثة لسعة حرق، ألهبت جوفه بألم لا يطاق، اعتقدها مسألة طارئة، ستنتهي في القريب.
اتجه الى تعديل جلسته، حاول إزاحة العتمة عن صدره المليء بالألم، فمرت على أطراف ذاكرته المشوشة هيأة عدنان، تصوره مسجى على قاع الغرفة الخاصة بالتشريح، بكامل قيافته الانيقة، مخنوقاً بربطة عنق صنعت من حرير.
عندها داهمه شيء من الخوف، أسهم بإزاحة الصورة المشوشة عن سطح الذاكرة، ودفعه الى الانتقال بيديه القويتين الى رقبته.
تحسسها أولاً.
أرخى ربطة عنقه، معتقداً أنه قد فتح مجراً سالكاً لهواء متعسر، يفيده في الحصول ولو على قليل من الاوكسجين، الذي أحسه قد نفذ من الدم، وأحس نفاذه يداً تطبق على رقبته عمداً، لتميته خنقاً بربطة عنقه، مثل الصورة التي تخيلها لصديقه عدنان.
تحدق به عيون الموت من كل الجهات.
عاود تلمس رقبته، وربطة العنق التي ارتداها في الصباح حمراء، انسجاماً مع لون قميصه الأبيض، والبدلة الرصاصي.
فكها بطريقة مشوهة، مثل شخص أقترب منه الموت، أراد التخلص منها وسيلة خنق بل موت شبه محتوم، ومن فرط الاستعجال أخل بالأناقة التي عُرف بإتقانها في الملبس، اذ لم يعد في عقله المتلاطم بالأفكار مكاناً للأناقة، ولم يعد يعير اهتماماً للتشبيه الذي وضعه البعض في مسألة الأناقة، والهندام مع صديقيه النائب قبل أن يصبح رئيساً، وعدنان الحمداني قبل الاعلان عن اشتراكه في المؤامرة.
فشل في تأمين حاجته من الاوكسجين، وفشل كذلك في الحصول على جلوس يخفف ألماً يتزايد بشكل سريع.
أخذه دوار شديد، واهتاجت أحشائه ثم تقيأ، حتى أقعده القيء الجاف على الكرسي ثانية، فصار كومة كبيرة.
فكر بعزرائيل الذي تصوره ملكاً يحوم الآن في أجواء العراق، مزهواً بقطف أرواح المتآمرين... لابد وأن تُقطف أرواح المتآمرين ان كانوا كذلك متآمرين، هكذا هو القصاص العادل لديمومة الحزب والثورة، كما أن بناء الغد الأفضل، يقتضي التخلص من المتآمرين، والرئيس قد عرفه جاداً في محاسبة المقصرين والمتآمرين، هذه هي الفكرة التي مرت على خاطره سريعة، وفي هذا الوقت بالذات.
ترك الفكرة سريعاً.
أنتقل بخياله كمن يفتش عن عزرائيل قادم من العراق، تخيله يجول في ربوع المكتب، في كل مكان من زوايا المكتب. ومع هذا لم يجد ما يشير الى حضوره ملكاً متوجاً للموت، بأجنحته العريضة وآلة تخيلها أيادٍ عملاقة، لسلخ الروح عن الجسد، ونفث الرائحة الخاصة بالموت.
أقتنع لحظتها من أن آلامه ليست طارئة.
وهي ليست عادية، فقرع الجرس مرتين متتاليتين على سكرتيرته الشابة.
...............................
تحضر كعادتها مسرعة، مبتسمة، تمسك قلماً وحافظة أوراق، لا يفوتها تسجيل الأوامر والملاحظات، أو بعض الطلبات مثل كل مرة. وقفت أمامه مستغربة أو بالأحرى مضطربة، بعد أن وجدته في حال أقترب فيها من الهياج، وقد ترك كرسيه، محاولاً التخفيف من الضغط الذي أحسه، ثقلاً مؤلماً على صدره الموجوع، وكأن رباعاً رفع مائتي كيلوغرام نتراً، أخذَ منه قاعدة للرفع عمداً ليخنقه.
حاول التكلم. لم يصدر عنه سوى أزيز خافت، وبدلاً من الاستمرار بالمحاولة، قصرَّ على نفسه المشوار، بإشارة عابرة الى الصدر. فهمتها أمراً للإسراع في طلب الاسعاف الفوري.
تعثرت من طولها الفارع قبل الوصول الى الهاتف، مثل فرس أصيلة تكبو قبل نهاية السباق، لكنها وصلت. ارتجف صوتها عندما طلبت الاسعاف بلغة المانية سليمة، زادتها حياءً، اشتهرت به طوال خدمتها سكرتيرة للسفير.
قبل الالتفات اليه، والاقتراب منه اتجهت مسرعة الى الشباك. فتحته على مصراعيه، فجاءت دفقة هواء منعشة، مثل نسيم البحر أول الصباح. لم تغير شيئا من على وجهه المتغضن.
كلمته بلهجة بغدادية، مازالت تحتفظ بسلامتها منذ مغادرة العراق مع العائلة عام 1963.
وقفت بمواجهته جسداً يحس ألماً في داخله، كأن سكاكين تقطع أوصاله من الداخل. أرادت ان تأخذه بالحضن، لتخفف عنه مقدار الألم، أو تزيل قدراً من مخاوفه، وبدلاً عن هذا الأخذ، حاولت بمعرفة نفسية بسيطة، اكتسبتها من الأب المتخصص في علم النفس السريري، وبفطنتها الانثوية الناضجة تهدئته، أو إلهائه حتى وصول الاسعاف.
اقتربت منه أكثر ليشم عطرها الباريسي الذي يهواه.
تكلمت عن برلين.
نسيت نفسها وحالته، وهي تسترسل بمعلوماتها الوفيرة عن هذه الجوهرة التي تعرفها، مثلما تعرف تفاصيل محلتها الوزيرية، بأشجارها الباسقة من اليوكالبتوس، وسواقي المياه التي ابتلعت مجاريها الأرصفة غير النظامية، ونواديها التي تكاثرت، وتكاثر رواد لها يتفاخرون بإقامة حفلات سمرهم، وتبادل أنخابهم من عرق العصرية المشهور، على حدائق بيوت، أغتصبها رجال الانقلابات العسكرية الثوار، من أهل السياسة الكبار للزمن الملكي، أمثال جعفر العسكري والأيوبي، ونوري السعيد وغيرهم.
نظرت اليه ثانية، فوجدته يغلي داخل ثيابه، وقد انهار في أعماقه كل شيء، وكأنه قد انزلق نحو هوة سحيقة بسرعة برق، فحاولت الاتصال بالإسعاف ثانية. ألحت بضرورة الاستعجال في الحضور، حتى كررت عبارة "بسرعة رجاءً" عدة مرات.
سألها أحدهم عن الأعراض، وعن موضع الألم، أجابته بدقة متناهية، واصفة الحالة بكل وضوح، كأنها ممرضة ممارسة مثلهم.
طلب منها ابقائه على اريكة أو حتى على الأرض، لا يتحرك كي لا يجهد قلبه، وطلب منها أيضا الاستمرار بتبادل الحديث معه، حفاظاً على ديمومة الوعي، ختم حديثه بالتنويه الى موقعهم المتحرك، قريباً من السفارة، وإنهم يولون الأمر كل الاهتمام، العراق بلد صديق.
لم تمض دقيقتان على انهاء مكالمتها الأخيرة، حتى وصل في نهايتها الى باب السفارة طاقم طوارئ طبي، في مقدمته مسعفان، يزيد طول الواحد منهم عن مائة وتسعون سنتمتراً، بأجساد رياضية، كأنهم جنود من القوات الخاصة، يسبقهم في المشي شاب لا يقل عنهم طولاً، توحي عدسات يضعها على عينيه، وسماعة فحص تتدلى من على رقبته، أنه طبيب طوارئ متمرس.
توجه المسعفان على الفور، لفتح أجهزة متعددة توزعت على أرض الغرفة، جعلتها أقرب الى مستشفى صغير، منها الى مكتب سفير.
وضعا قناع تنفس الاوكسجين الصناعي على فمه المفتوح، لإدخال المزيد من الهواء، وحال تأكدهما حصوله على أول دفعة منه، سارعا الى مد أسلاك الى جهاز متنقل لتخطيط القلب، بينما استمر الطبيب بتوجيه سيل من الأسئلة:
أين يتركز الألم، وهل باق في مكانه، أم يتحرك من مكان الى آخر؟.
هل هذه المرة الأولى التي تعاني ألماً، ينهش الصدر من الداخل؟.
ألا يوجد أشخاص في العائلة عانوا أمراض القلب؟.
هل أشارت الفحوص الطبية التي أجريتها من قبل، الى وجود مشاكل في القلب، أو مؤشرات لارتفاع ضغط الدم؟.
يحسم التخطيط أمر التشخيص بشكل واضح، ذبحة صدرية، حسبها الطبيب كذلك، وتعامل معها، من مؤشرات الألم الشديد الذي توسط الصدر، والتعرق الغزير، مع محاولات التقيؤ من النوع الجاف التي تكررت عدة مرات، دفعته الى اخراج حبتان مختلفتان في اللون والحجم، من صيدليته المتنقلة، التهمها طارق دون السؤال عن طبيعتهما، وكأنه يستعجل الأمر، لتخفيف ألم وصل حداً في شدته، شبهه عند تبادل الكلام مع سكرتيرته، مثل سكين يمسكها قصاب غشيم، أخذٍ بتقطيع الأوصال بغير انتظام.
كان هاتفه الخاص في المكتب، يرن طوال الوقت لكنه لم يجب، ولم تجب هي كذلك، لانشغالها بكيفية ايصاله الى المستشفى، بأسرع وقت ممكن، متأملة صحة التشخيص، وملائمة العلاج لتجنيبه الخطر، والحيلولة دون ترك آثار جانبية للذبحة، على قلبه الحنون، اذ أنها تعرف جيداً أن الذبحة اذا ما عولجت بالأدوية الصحيحة، خلال ست ساعات، سوف لن تترك أثراً على عضلة القلب، التي لم يصلها الدم بالقدر الكافي، معلومات عرفتها من كتاب للوالد عن الأمراض النفسجسمية، اعتادت تقليب صفحاته عندما استهوتها دراسة الطب، قبل تحولها المفاجئ الى الاقتصاد السياسي.
ألتفت الطبيب بانزعاج صوب الهاتف الذي لم يتوقف عن الرنين، وهو يعطي الاشارة الى المسعفين، أن ينقلاه الى سيارة الاسعاف على كرسي متحرك أحضراه معهما.
تمنع أولاً، في خطوة تَرفَعَ فيها على القدر الذي أرداه أرضاً في عمر الشباب، أو أنه لم يَرِد الولوج الى منزلةٍ، فيها الضابط المظلي السابق، والسفير الحالي محمول على كرسي نقال. ومع هذا أستسلم عندما أكد له الطبيب، بلغة تخلو من الدبلوماسية، عدم الحاجة الى إضافة أي جهد غير لازم، على القلب المتعب في الوقت الراهن.
...............
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:
https://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/thaqafawaadab/33663-2018-01-13-16-17-10.html
3196 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع