حوار لا تنقصه الصراحة مع الفنانة التشكيلية العالمية فاطمة العبيدي
فاطمة العبيدي ..كانت صبية طموحة نمت وترعرعت في كنف الفن والألوان ، شرعت تراقب بدهشة المسحورة عمها الراحل الكبير محمود العبيدي في مرسمه العامر وتتابع حركة الأزميل بيده والتي كانت تحول الحجر الأصم الى مادة ذات جوهر ومعنى ، وتابعت إنتقالات الفرشاة الساحرة وهي تفرش اللون فوق السطوح فتدب فيها الحياة ، فأدركت بغريزتها وفي وقت مبكر بعض أسرار التعبيروإستوعبت من خلال إجاباته على تساؤلاتها قدرة الأداة الفنية في التأثير المباشر على الآخرين . فإختارت بدعم من زوجها فاروق نجل الراحل محمود العبيدي بعد مخاض طويل وتجارب ومحاولات متتالية الرسم والتشكيل بلغة الألوان لما لها من سطوة وعنفوان وسحر آخاذ في ترجمة الاحاسيس والمشاعر ، فإعجبت أشد الإعجاب بالفنان الروسي الكبير كاندينسكي عراب المدرسة التجريدية في العالم فإنخرطت في أتون اللون وكان هدفها الكبير تخطي المحلية نحو العالمية ، وتحقق لها ذلك بعدما نجحت بإمتياز في أن تصطف مع أشهر فناني العالم في أرقى المهرجانات الدولية التي شهدت لها بتميزها وإبداعها الفني فأصبحت الفنانة التشكيلية فاطمة رسول السلام وحاملة راية العراق حيثما حلـّت .
من هنا كانت البداية
* شخصياً أمتلك عن فنك وعن بداياتك سيل من المعلومات لكنني أفترض مع كل لقاء جديد أن هناك من القراء من يرغب بالتعرف عليك فأضطر لسؤالك مجدداً عن بداياتك مع الفن التشكيلي ، وأسأل متى إكتشفت في نفسك الميل الى الرسم وكيف أصبح خيارك الأساس في الحياة ؟
- شكراً جزيلا لكم أستاذ محمد على اهتمامكم ومتابعتكم المستمرة لمنجزي الفني .والجواب على هذا السؤال هو أن الله سبحانه وتعالى يمنح الموهبة ( بأنواعها ) لمن يريد ، وله الحمد تعالى على منحنه لي موهبة التحسس لسحر وجمال الألوان منذ صغري ونعومة أضفاري ، وقد منّ الله علي إذ كنت قريبة جداً من عمي الفنان التشكيلي الرائد " محمود العبيدي " رحمه الله ، والذي لاحظ ميلي للألوان فقام بتشجيعي وتعليمي أسس ومبادئ الرسم وله الفضل الكبير لما حققته حتى الآن.
* واضح لمن يتابع لوحاتك يكتشف بأنك من أنصار المدرسة التجريدية ومؤسسها الفنان الروسي الكبير كاندينسكي وبالتالي فإن الرمز واللون عاملان رئيسان في إتجاهاتك الفنية ، هل تعتقدين بأنك نجحت في ترجمة قيم هذا الإرث الفني العالمي ؟
- نعم إن أعمالي في جلها تقع في خانة التجريد ، وأنا أذكر دائماً اعجابي الكبير واهتمامي الشديد بأسلوب الفنان الكبير كاندينسكي ، وأعتقد انني وبتوفيق من الله نجحت في أن أوظف ألواني في لوحاتي بأسلوبي الخاص ، كما وأفلحتُ من خلال أعمالي في المهرجانات العالمية في إيصال رسالة سلام من الشعب العراقي الى كل شعوب العالم.
سحر الألوان
* ما هي الألوان الأقرب الى مزاجك الفني ، وهل تجدين نفسك أسار بعض الألوان المعينة التي هيمنت على مضامين لوحاتك الفنية ؟
- الأخضر ( اللون الإلهي ) هو أقرب الألوان لي واستعمله بكثرة وفي بعض أعمالي يكون طاغياً على بقية الألوان ، ومن بعده فأن اللون الشذري يمتلك مساحة ً واضحة في أعمالي لأن هذا اللون هو من الألوان المتغلغة في تراث وحضارات ميزوبوتاميا المتعددة ومنذ الآف السنين والى يومنا هذا ، حيث نرى هذا اللون بارزاً في القرى و الأرياف من شمال العراق الى جنوبه فهو لون تأريخي بقدم وادي الرافدين نفسه.
فاطمة العبيدي لحظة إستلامها الميدالية الذهبية في بينالي فلورنسا الدولي العاشر إيطاليا 2015
* خلال مسيرتك الفنية المكتظة والنشطة نلتِ العديد من الجوائز والشهادات الدولية تثميناً لمنجزك الفني ، ما أبرز هذه المحطات التي تشكل تقييماً نوعياً عالمياً لهذا المنجز ؟
- بفضل من الله تعالى فزت بالعديد من الجوائز والشهادات العالمية ، وأني فخورة بها جميعاً ولكن منها ما هي قريبة جداً على قلبي ولها مكانة خاصة عندي فمثلاً بالدرجة ألأولى فوزي بجائزة مهرجان سلوفاكيا الدولي 2014 والمهرجان يمنح تمثاله الذهبي لفنان واحد فقط وكنت أنا في حينها فضلاً عن إعطائي لقب (سفيرة السلام من خلال الفن ) ، والفوز الثاني لي تمثل بمنحي ميدالية خاصة ذهبية في بينالي فلورنسا الدولي العاشر 2015 و والجائزة الثالثة تكريمي في نيويورك من قبل مجلة آرت تور الأمريكية ضمن مجموعة من الفنانين من مختلف دول العالم .
حفل مجلة ارت في مدينة فلورنسا 2017
المشاركات الدولية إختبار مباشر في الهواء الطلق
* أيامك مشحونة بالسفر والمشاركات العالمية الى عواصم مختلف الدول ، هناك من يزعم أن كل ذلك مدفوع الثمن ، أي بمعنى أنه بإمكان أي فنان يستطيع أن يدفع المال ويتحمل أجور السفر والإقامة ورسوم إيجارمساحات العرض في قاعات تلك المعارض الدولية من المشاركة ونيل الشهادات التقديرية ... ما مدى صحة هذا الطرح معك ؟
- من البديهي أن طريق النجاح والوصول الى المراتب المتقدمة في اي مجال يتطلب قدرة نوعية في مجال الإختصاص . وفي عالم التشكيل الدولي ربما يمكن تمرير حالة لسبب ما لكن في المحافل العالمية الرصينة لا يمكن لهاوي الفن أن يجد فسحة لفنه المحدود بأي شكل من الأشكال ، وعلى أي حال فإن زعم البعض لما ورد في سؤالك يمكن أن يكون مرده الغيرة والحسد وعدم إدراك ما يدور في العالم بل وعدم إمتلاك الجرأة على المشاركة العلنية جنباً الى جنب مع الأعداد الكبيرة من الفنانين المحترفين العالميين في مهرجانات عالمية والتي من شروطها أن يتولى المشارك فيها رسم الأعمال في قاعات مفتوحة امام الجميع وتحت انظار لجان التحكيم الدولية ، ولقد اطلعتك (على سبيل التوضيح ) على عدد من الدعوات الموجهة لي للمشاركة في مهرجانات عالمية وفيها أن الجهة المنظمة هي التي تتحمل كافة النفقات للفنان المدعو طيلة فترة إقامة فعاليات المهرجان والتي تتضمن بعضها تذاكرالسفر بالطائرة ذهاباً وإياباً . فعلى سبيل المثال فأن مهرجان سلوفاكيا الدولي يقام سنوياً بدعم من الإتحاد ألأوروبي ، ومهرجان رومانيا الدولي هو الآخر يقام بدعم حكومي ومهرجانات عديدة في تركيا تقوم بلديات المدن بتنظيمها وبدعمها بالكامل ، ومهرجان مقدونيا الدولي يقام سنويا ايضا بدعم كامل من جمعية الفنانين المقدونيين وهكذا بالنسبة لكثير من المهرجانات الدولية والعالمية. وليس من المعقول أن كل هذه المهرجات تعتمد في دعواتها على المجاملات او المشاركات غير الإحترافية وغير المستوفية للشروط الفنية المحكمة ، أليس كذلك ؟
في متحف الفن الحديث بنيويورك مع لوحة الفنان الروسي كاندينسكي
النقاد وفن فاطمة العبيدي
* مع الإقرار بأهمية الجوائز والشهادات التقديرية أجد من الضروري التوقف عند تقييم النقاد المحليين والعرب والعالميين لأعمالك الفنية ، هل لك أن تستعرضي بعض ما قيل عن فنك ؟
- الحقيقة من الصعب حصر الكتابات كلها والتي تضم آراء وإنطباعات النقاد والمختصين بالشأن التشكيلي في هذا المجال الضيق لكنني أشير الى أبرزها ومنها محلياً وفي سابقة نوعية في الحركة التشكيلية العراقية فقد بادر ستة من أشهر النقاد العراقيين الى تأليف كتاب مشترك عن فني التشكيلي ضم انجازي الفني وهم كل من : شيخ النقاد المرحوم الأستاذ الكبير عادل كامل، والدكتورجواد الزيدي ، والأستاذ صلاح عباس ، والأستاذ جاسم عاصي، والأستاذ قاسم العزاوي، والأستاذ حسن عبدالحميد. وهناك أخرين تفضلوا بالكتابة عني منهم : الدكتورة وجدان الخشاب, والأستاذ علي الدليمي, وجنابكم الكريم ، وآخرون.
وأما عربياً ، فلقد كتب عني الفنان العالمي والناقد المرحوم محمد بوليس ، والناقد المغربي لحسن الملواني ، والناقد اللبناني شكرالله فتوح . فيما كتبت عني عالمياً الناقدة الإيطالية فرجينيا بازيجي ، والناقدة الرومانية الكبيرة آليس دنكوليسكو ، والناقدة ألأمريكية فيفيانا باولو، والناقد التركي علي ايسر ، وكذلك الناقدة الإيطالية لورا ادرياني وغيرهم .
* في رأيك ... هل تجدين أن المسالك مفتوحة عالمياً أمام الفنانين العراقيين وفناني كركوك للإنطلاق نحو العالمية ؟. وكيف ؟
- نعم ولم لا ، والدليل امامك فأنا من كركوك، وبلغت مشاركاتي الدولية والعربية خمسون مشاركة ، ولكن الوصول الى هذا يكون بالجهد والعمل الفني المبدع الذي يفرض نفسه على لجان إختيار الفنانين ولجان فحص وتقييم اعمال المرشحين للمشاركة في مثل هذه المهرجانات العالمية .
واقع الفن التشكيلي في كركوك
* خلال متابعاتك لأعمال الفنانين والفنانات في كركوك ، هل تعتقدين أن الفن التشكيلي يراوح في مكانه أم أنه يتقدم للأمام ويعيش التطور الحاصل في التقنيات والادوات واساليب التعبير ؟
- للأسف اقول أن الحركة التشكيلية عموماً في مدينتي كركوك ، قد لا ترتقي حتى الى مستوى الفن في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي , مع تواجد الكثرة من الفنانين في الساحة الفنية ولربما يعزى السبب الى عدم تفرغ الفنان وقلة الممارسة المنتظمة فضلاً عن إفتقار المدينة الى قاعة عرض نظامية متخصصة الى جانب غياب الدعم الحكومي للفن و للفنانين عموماً.
الفن والاسرة
* ماذا تعني العائلة لك ِ ؟ هل نجحت في التوفيق ما بين التواصل مع الإبداع الفني وما بين واجبات الزوجة في البيت ؟
- العائلة هي اهتمامي ألأول بالنسبة لي فأنا أنظم اعمال البيت اضافة الى ما يتطلبه مني الرسم من وقت , فالتوافق موجود ومنظم وكل شيء يسير بانسيابية دقيقة , واولادي الأربعة متفهمين حاجتي الى الهدوء عند الرسم , والدعم يأتيني من زوجي فهو بمثابة المستشار لي لكونه ابن الفنان الرائد المرحوم " محمود العبيدي " وهو يمتلك ذائقة فنية عالية ولكنه لا يتدخل في اسلوب عملي باللوحة ويقول ان اللوحة هي جزء مهم من عالم الفنان يعكسها على اللوحة التي يشاهدها المتلقي ويجد فيها ما في نفسه من خلجات ومشاعر.
* هل تلمسين تأثيرك الفني على محيطك الأسري ؟ هل هناك من بين أولادك من يميل الى السير على منوالك الفني ؟ وكيف تنظرين الى هذا الأمر ؟
- حب الفن مغروس في العائلة عموماً وأولادي الأربعة يتعاملون مع الفن بتقديس وتقدير كبيرين وهم جميعاً يمارسون الرسم ولكل منهم اسلوبه الخاص به ، فإبنتي الكبيرة فاتن تهتم في عملها بتفاصيل متناهية الدقة يتطلب منها الكثير من الوقت والجهد ولها مشاركات عدة في مهرجانات دولية وآخرها كانت في مهرجان للفنانات التشكيليات العصاميات في تونس شباط 2018، والثانية متخصصة بالبورتريت والثالثة برسوم الأطفال وإبني لديه اسلوبه الخاص ويحاول تطويره من خلال متابعته لأعمال الفنانين في العالم عبر شبكة الأنترنيت.
2287 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع