علاقة الرجل بالمرأة في الأدب تكشف عن طبيعة التحولات المجتمعية، وداود سلمان الشويلي يرصد في كتابه أثر الجنس في الروايات.
العرب / أحمد رجب:تعتبر الرواية مرآة عاكسة للمجتمعات التي كتبت فيها، ومن هنا نجد النص الروائي يخوض في مختلف القضايا حتى ذلك التابو الثلاثي بين الجنس والدين والسياسة، الذي يعد تفكيكه من مهام الرواية الأولى، وهو ما يدعو إلى البحث حول الطرق التي انتهجها الروائيون في التعامل مع التابوهات وخاصة الجنس.
"حفلت مكتبتنا العربية الإسلامية بالمؤلفات التي درست العلاقة بين الرجل والمرأة، وكانت تلك العلاقة تفضي إلى الزواج الشرعي، وما أسماه الشرع بالنكاح، أو الباه، أو كانت تفضي إلى الممارسات الجنسية غير الشرعية، أو كانت تلك العلاقة علاقة حب وهوى وعشق وهيام فحسب".
هكذا بدأ الناقد والروائي العراقي داود سلمان الشويلي دراسته عن الأدب الإيروتيكي في التراث العربي، وكأنه يمهد بذلك لكتابه الأحدث “قضية الجنس في الرواية العراقية”، وفيه يحصي ما وصل إلينا من كتب الأسلاف التي تناولت موضوع الجنس، متخذا من التراث متراسا يحتمي به من هجوم يتوقعه من رافضي دراسة مثل هذا الموضوع، الذي عالجته كثيرا الرواية عالميا وعربيا وعراقيا خاصة بعد عام 2003.
ويعود الشويلي في مقدمة كتابه الجديد للتأكيد على ذلك بقوله “على الرغم من أن تراثنا العربي /الإسلامي يزخر بالعديد من الكتب التي تناولت هذا الموضوع بكل حرية، إلا أن هذا الموضوع سيبقى موضوعاً حيوياً، وقضية هامة في الحياة التي يقدمها العالم الروائي والقصصي لا يمكن التغافل عن دراسته وإبداء الرأي فيه”، وهو بتحفظه هذا يبين سبب ندرة تناول موضوع الجنس في النقد العربي، فمن بين الآلاف من الكتب في نقد الرواية لم تعرف المكتبة العربية إلا أربعة كتب تصدت لهذه الظاهرة.
القهر والخيبة
يتناول كتاب “قضية الجنس في الرواية العراقية” الجنس ودلالاته الخاصة بالمجتمع العراقي، حيث تعكس الروايات صور المجتمعات التي كتبت عنها، وترصد من خلال تناول علاقة الرجل بالمرأة التغيرات المختلفة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وحتى ثقافيا.
يقر الشويلي بأن “المجتمع المتوازن يفرز علاقات جنسية متوازنة وليس العكس”، ويرى أن المسألة الأهم هي زاوية النظر التي يمكن للكتّاب أن ينظروا من خلالها إلى هذه القضية.
ويرى أن الجنس أحد العوامل المؤثرة في شخصية الفرد والجماعة كذلك، ودوره الكبير في رسم الصورة الحقيقية لعلاقة الرجل بالمرأة على حد السواء باعتباره بارومتراً لقياس مدى توازن المجتمع، من تلك الرؤية ينطلق لدراسة الجنس في روايات عبدالرحمن مجيد الربيعي الثلاث “الوشم” و”الأنهار” و”القمر والأسوار”، طارحا السؤال الذي حيّر كريم الناصري بطل رواية الوشم، “هل بالإمكان أن تكون المرأة تعويضا كاملا عن الخيبة السياسية؟”
أما في رواية “القمر والأسوار” فيقول الناقد “إننا لا نلتقي بالجنس كعلاقة اجتماعية وروحية بين الرجل والمرأة، بكل الحدة والتوتر اللذَين كانا في ‘الوشم’ و’الأنهار’ و’خطوط الطول’ حيث العلاقات العاطفية، وهي إحدى صور الجنس، إن لم تكن الصورة البدائية له بين شخوص الرواية إلّا ما جاء بشكل عفوي، طفولي. أو بصورة زواج دائم. وهو الرباط المقدس الذي يحل تلك القضية على يد المأذون”.
وقد تباينت نظرة الشويلي إلى قضية الجنس عند كل روائي، فإذا كانت عند الربيعي تعويضا عن القهر الاجتماعي والخيبة السياسية. فإنه يقول عن رواية “صعود النسغ” لهشام توفيق الركابي “إن المعادلة التي يقدمها في هذه الرواية، من خلال منهجه الفكري، هي أن المجتمع، وليس الفرد، هو ثمرة الوضع السياسي والإقطاعي فجاءت قضية الجنس عنده كعلاقة اجتماعية، حالها حال العلاقات الأخرى”، أي أن الروائي يوظف هذه الثيمة ليس بصفتها المباشرة، بل باعتبارها فعلا رمزيا يحيل إلى دلالات اجتماعية وسياسية معينة.
ومن روايات حازم مراد، يذكر أنه يحاكي في أعماله روايات إحسان عبدالقدوس، ويتناول روايته “التائهة التافهة” قائلا إن الروائي ركز على دور المجتمع الذي ظلمها وسحقها بأنيابه. فيقرر بأنها قد ذهبت ضحية لذلك المجتمع، ويصف بطل رواية “لن نفترق” بأنه لا يريد من المرأة ما فيها من روح، وقلب، وعواطف، وحب، لأن تلك الأقانيم لا تدفئه.
البحث المنقوص
أما الروائي ناطق خلوصي فتوقفت الدراسة عند أعماله الصادرة بعد 2003، وخصوصا “البحث عن ملاذ” التي يصفها بأنها تتقيأ جنسا، أما ما تريد أن تقوله فهو الفساد الذي تفشى في العراق بعد عام 2003، حتى طال غذاء الشعب من خلال الصفقات المشبوهة، فامتلأت جيوب الفاسدين بالمال، لذلك لم يكن الجنس عند بطله الروائي وحيد المرزوق من باب الحصول على الشهوة بل هو يأتي كتعويض يبحث عنه عما أصابه من حرمان من العيش كباقي الناس، وكذلك لفقدانه الاستقرار والأمان في بلده، بعد أن جمع أمواله من الصفقات المشبوهة. وكان طبيعيا في النهاية أن يموت مقتولا.
ولم يكن للروائيات نصيب في الكتاب إلا فصل قصير خصصه للروائية لطفية الدليمي وروايتها “بذور النار” فيقول “الجدير بالتنويه، ونحن نتحدث عن قضية الجنس في الرواية العراقية، أن نذكر، أن الجنس كعلاقة حيوية بين الرجل والمرأة، لم يكن غاية بحد ذاته على الرغم من أن البعض يجعل منه كذلك، وإنما هو وسيلة، إن كانت هذه الوسيلة ذات طابع فسيولوجي للإنجاب، أو ذات طابع نفسي- اجتماعي، أو حتى اقتصادي”.
وتبرز قضية الجنس في الرواية عند إحساس الشخصية بافتقادها إلى النصف الآخر، فتتحول عند الرجل خاصة إحساسات الملل والفراغ، وتخيلات حسية تملأها صور لبعض الذكريات مع زوجته. وهذه التخيلات تمتلئ بكل ما هو مادي- حسي.
وينتهي الكتاب بفصل عن جنس المحارم في القصة “علاقة الابن بأمه أنموذجاً” فقد خرج عن نطاق الدراسة لتناوله الموضوع عبر حكاية من ألف ليلة وقصتين قصيرتين مع أن الكتاب مخصص أصلا للرواية، كما أن اختياره للروايات التي ناقشها في الفصول الخمسة الأولى لم تكن ممثلة للمشهد الروائي العراقي قبل 2003 أو بعدها، فالقارئ لكتاب عنوانه “قضية الجنس في الرواية العراقية” يتوقع مثلا فصلا عن فؤاد التكرلي وخصوصا روايته “المسرات والأوجاع”، وقد تكون روايات عالية ممدوح أنسب للكتاب.
782 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع