سمفونية الزمن وقيثارته السومرية بأوتار مندائية – عزيز عربي ساجت
الزمان/نعيم عبد مهلهل:عندما كتب شاعر المانيا الكبير (غوته) سيرته الذاتية واختار لها عنوانأ أسماه ( الشعر والحقيقة ) ، وها هو اديبنا وكاتبنا الكبير ، السمفوئية المندائية ، نعيم عبد مهلهل يخبرنا عبر أطروحاته الادبية وكتاباته الشعرية الجميلة ، عن المعنى الحقيقي والواقعي للمندائية متخذا اياها هدفا وغاية سامية في اغلب كتاباته عنها ، وهو ويحلم دائمأ بمحاكاة الواقع الذي عاشه المندائيون.
فبرغم المحن وصولات الحرمان والكبح المرير ، يخرج لنا بحقيقة واضحة عن نقاء المندائية واصولها العميقة عمق التاريخ ، ، حتى نتحرر من الالم والذعر والخوف ، ونتحرر من ويلات الحروب اللعينة ، حيث نجد انه نابغأ حقيقيا مبتكرا ينطق باشياء مذهلة ، ناصفا المندائية عبر اصولها ومدلولاتها النقية ، انه ابن مدينتنا الوديعة الجميلة الغافية على نهر الفرات الخالد – الناصرية ، مدينة الادباء والشعراء والفنانين الكبار. هو ابن المندائية وليس بمندائي ، السمفونية المندائية وقيثارتها عبر الزمن ، يعزف دائما باوتارها ويتغنى بها ويدافع عنها ، كمنهج ودين وعقيدة سمحاء وراية بيضاء ، نقية صافية نقاء الروح الخالدة . يقول في احدى فصول كتابة المندائية من آدم وحتى قراءة الخامينئي و المعنون (الاصول الارضية والسماوية للديانة المندائية ) : ( تحاول الديانات منذ ازليتها الاولى ان تصنع نمطا معينا لحياة مريديها عن طريق ايجاد أصرة من الحلم بين الخالق والمخلوق من خلال الأيمان في النهايات التي تحسمها الافعال والتي ينجزها الانسان في حياته ، وان الصلاح في النفس والحياة يرتهن بزمن معين يسمى العمر . يقابله صلاح ابدي في زمن مطلق يسمى الفردوس ، وهو ذاته المكان الذي هبط منه أبونا ادم الى الارض ليؤسس للانسان كيانا ووجودا بدأ بشخصين وانتهى باكثر من ملياري شخص). ان المعتقد هو قبل كل شيء احساس بالانتماء الى جبروت قوي ، لأن الانسان عندما قارن جسده الصغير بظواهر الكون وبعض المخلوقات وجده لا يشكل شيئا ازاء قوة وحجم هذه المخلوقات ، لكنه تفوق عليها بهاجس واحد كان فيه هو الارقى انه ملك العقل ، ومن العقل ولدت الفكرة ، وبالفكرة نظم الانسان حياته. يقول الروائي والشاعر نعيم عبد مهلهل : ان المندائية من الاحلام القديمة التي سكنت بلاد سومر وما جاورها ، والتي قيل انها تربطها رؤاها بنبي كان لها تصور في شكل الوجود ، وهذا التصور كما يقول المندائيون ليس وليد مزاج حكيم من حكمائهم ولا هو معادلة عالم من علمائهم بل ان الامر ارتبط بتنزيل سماوي وهو يرتبط بجدلية موروثية ومعرفية فظهرت الالواح المندائية بشكل نهائي. فبعدما ارسى اليقين مع النبي الذي عمد عيسى المسيح وهو النبي يحيى بن زكريا (ع) ، ومنذ ذلك الحين حاول المندائيون في عصور ما ان يظهروا للعالم ازلية الشيء الذي يملكونه لكن العالم الذي عرضوا عليه بضاعتهم كان تتعدد فيه رؤى الالهة وكانت الالوهية للملك وطموحه لاجل الخلود تقف ضد الفكرة المطروحة امامه لذلك ، تم التعامل مع المندائيين بقساوة في بعض العصور القديمة لهذا جنحوا في بعض مراحل عصورهم الى العزلة خوفا من الابادة وهذا ما كان. ويقول ايضا لو كشفنا لصحائف التاريخ سنجد ان حران كانت هي المدينة الازلية للمندائيين الاوائل ولكنهم بعد عصور الايمان من ابراهيم صعودا التحقوا بأمكنة غير حران ، وكانت البطائح الجنوبية لوادي الرافدين المكان المثالي لمن فكر منهم بعزلته الازلية. وستظل هذه الطائفة تركن الى هدوء عاطفتها وتغازل وجودها بتسبيحات ارامية قديمة غير عابئة بالمتغير.
محنة المندائين
كتب في مجال الادب عن محنة المندائيين واوجاعهم وها هي قصيدة سلاما ارض الرافــــدين التي يقول فيها :
(سرك انت مندائي وذهبت تحارب المجهول .
ماذا قال الاس لك ؟
اجبت : هذا قدري ، ولأجله سأرتدي رستة النور واواجه ربي وانا مشتاق لفم حبيبتي .
سنة مندائية اخرى ، ورايات زكريا تضرب في نسيم السماء عطر الطين ، والطين دمى لشهقة حب ارامية بها تشتاق الى ام موسى وهي تستذكرمعنا قصص الاجداد الذين من قبورهم سيظهرون لياكلوا معنا خبز الرز ، وسمك البز ، وينشدون لليل السهارى انشودة القصب حين تصير حبيبتي بطول قامته .
عندها ملاك النور سيحرس عينيك وانا اتبختر بذكورتي .
وما بين رؤية قلب النور والرمش المسحور ، يكتب المندائيون اغانيهم ، سلاما لارض الفراتين ، وعلى الجفن المسرة.)
ان كلمات الشاعر نعيم عبد مهلهل ، نبراس لامع في مسار المخاض العنيد والالم الموجع الذي تمر به الامة المندائية اليوم وليفتح عيوننا على لغة لم نالفها من قبل ، تستحضر تاريخنا المندائي ، طقوسا وتاريخا وارث معا وحاضر ، دون كآبة ، سخرها هذا الشاعر الجنوبي الذي عاشر المندائيين ، بحرص كبير لتكون شعرا وحكايات نثرية غناء اكثر اكتمالا ، ليصبح طقسنا المندائي توثيقا أدبياً.
ان كتاباته ضرب على نمط غير تقليدي ، يحاول الكاتب استقراء موضوعات وحكاياتنا طقوسنا ومحاباتنا في زوايا رحبة من عالمه الشعري ، لغة انيقة ومترفة ، تتسع العبارة فيها ، وتندهش بتعاطفها مع تفصيلات داخل البيئة المندائية التي اتسمت على الدوام بسمة التسامح ، اتاح لها ان تحمل شحنة المفردة العربية بكل نقاءها وتاثيرها ، لتصل الى الجميع في الوطن العراقي الذي يريدون اغتياله.
ان خيال هذا الشاعر هو خيال جامح ، وصاحب ثقافة واسعة ، وريادة مهنية ، وانفتاح لا حدود له على الاخر ، مهما كانت النتائج المتوخاة من ذلك ، باضاءة كل زوايا قلوبنا ، حيث يساهم بنبل كبير في كتاباته باعادة الاعتبار للحلم المندائي وللفكر المندائي الاكثر جذرية في عراقيته ليملأ الثقة بصلات ابناء هذه الطائفة مع كل اطياف الشعب العراقي ، كمن يريد ان يفتش عن سر امتدادنا ووجودنا في هذه الارض المقدسة.
ففي قصيدة رائعة كانت تحمل عنوان ” السر المندائي ” قال فيها :
( السر … هو الخفي الواقف ، امامنا .
اننا نراه ولا يرانا ، السعادات البيض تعطيها له ، وله نعطي صدقة الفقراء …
هو العارف ونحن ندري مقدار معرفته.
هو يلم الضوء بيديه ، مثل الذي يلم القمح برداء التعبد ونحن نبعثر الحب على عصافير سطح الدار .
يغضب … فنفرح … يفرح … فنبكي …
الصائغ الامهر ، الندى الجبين ، صاحب الابتسامة الخضراء .
يقينأ انه يدرك الشيء ، وهذا الشيء نسرقه نحن .
هو يحبنا ، يرزقنا الزبائن واللحم والاحلام .
ونحن نعطيه رسائل الحب فروض المدرسة وكتب الفلسفة .
يبتسم من عطاياه ، ورغم هذا ، بعد منتصف كل ليلة ، نأوى اليه مرتجفين).
مهجرة الماني
ان خواطره هي فسحة أمل لكل المندائيين في شتات هذا العالم بين المسافات التي كان يكتبها من مهجره الالماني لهي الشاهد الكبير على مدى دماثة اقواله وافعاله الرائعة .
انه يراقب كل متغيرة وكبيرة تلوح في افق الادب ، ويبدي رأيه حيالها ، ان مواضيعه شيقة وسلسة ومفيدة وتحمل معاني كبيرة ، في سمفونيته المرسومة الاسلاف يوقعون بهجة الروح الشعرية التي اسكنه في شواطئ احلام ميزوبوتاميا. اهداءاته المتواضعة والبسيطة والمحملة باشارات تكفي لتصنع الاغواء الشعري مرارا للكشف وصنع الرؤية في الكشف من اجل جعل القصيدة نافذة للتطلع والتنبوء والتعامل مع الاشياء والبحث ، ان وعيه الشعري لديه يلتقي في امتداد الروح اولا ومن ثم يذهب بعيدا الى افاق رحبةٍ يدرك معنى أن يكون وتكون .
وهكذا تهمين الشعرية على وجود يبحث فيه الشاعر عن مسارات ابعد وارحب واشهى لنكتشف اصالة الشعر والادب في لونه عندما تهيمن عليه غمامة الشعر، فأن امطار المعنى لديه ستكون مدهشه وحالمة وبمعنى لا يقل ابدا عن المعنى الذي تحمله عاطفة الكاهن والفيلسوف والمعلم. في حنينه الى اور- مدينته التاريخية (( ” ان حبة رمل من اور تساوي في ذاكرة المسافر السومري حديقة باريسية بكل زهورها وعشاقها ، في الضوء الازرق الذي يشع من عيون بو- أبي ملهمتي وقارئة احلامي ، التي تعرف متى تدخل القلب متى تستأذنه بالخروج لحضور صلاة المعبد او لجلب ألواح لعزلتي التي اثمرت وصرت من خلالها كاتب الملك الاول وسمح لي ان احتفظ في خزانة بيتي بنصوص الشرائع والتعاويذ واسرار الامراء ، كان ذلك فيما مضى ، واليوم حبة الرمل ذاتها تضيء في الذاكرة والعيون وتومىء لي باصابع من الدهشة كي احرك جسدي ، واذهب الى الغروب الجميل وراء الزقورة متاملا الطقوس الساحرة لعودة الرعاة والعزف المنتظم لشعباد ، وهي تأذن للملك يشرب القدح الاول.)) لم يكتفي في امنياته الطيبة تجاه سلامة المندائيين في النص اعلاه وحقوقهم المهدورة بل تعداه الى عكس امنيات من ينوب عنهم ، وكانت امنيات الترميذا يوشع بن سهيل ، في قصيدته التي يقول فيها:
( مندائيو الطبيعة لهم لغة واحدة في سبحانيات الخلق .
لغة الماء واشارات جنح الطير وضوء ياتي من السماء .
هو زيوا المبارك بتباشير التعاليم الاولى..
لهذا يدرك الترميذا يوشع بن سهيل حقيقته الباقية من خلال رموش الماء وشفاه ألاس ونبؤة امنا الارض : لقد أعطيت لادم سريره الاول ، ولكم منحت صوت زغاريد تباشير دخلته الاولى على حواء …
لاجل هذا في دفتر العشق الصغير ليوشع ملاحظة صغيرة تقول : “تمنى ولكن لا تسحق الورد بقدميك.
المسيح المبارك مع رداءه الابيض يصنع خريفا ساحرالحسناوات الألب ..
ويحيا بن زكريا بضوءه الأخضر في المحراب الأموي يصنع دموعا لمندائيي جرمانه وكحلاء ميسان وصاغة الذهب في لاهاي .
عندما يفتش المستشرق عن وطن ازلي لشجرة السدر غير القرنة حتما سيجده في دمعة الترميذا .
هذا الطيب الذي سموه صديقأ لبوذا والعباس بن علي .
فقط لانه ابتسم وسكين القاعدة يمشي في رقبته ..
من روما الى سوق الشيوخ ..
من مالمو الى قلعة صالح ..
من بغداد الى جنة عاد ..
يوشع المندائي سيلقي خطاب السلام بقاعة العرش في بابل فلا تفوتكم هذه الفرصة .هو يتمنى وغيره يقتل العصافير ..
هو يحب وغيره يشعل النار …
يوشع يبتسم .. وعلى بدن الشمس يرسم وشما ودرفشا وصليبا وغلافا لنهج البلاغة وراية للسلام ..
من امنيات الترميذا الطيب امنية تبدوغريبة بعض الشيء ولكن تمناها …
أن يصبح ملك العراق القادم مندائيا .
لتصلي كل المذاهب بهدوء ..
لكن امنية يوشع ليست في الدستور ..
وعلى هذا يوشع يعتذر عن امنيته ويهدي وطنه قبلة الحبيب .
لا يملك يوشع بيتا غير رصيف على دجلة او تحت جسر مهدم في ضفاف الفرات ..
يتأمل ما يعانيه العابر القادم …
يسألونه عن برج للحظ أو وزنأ لقيمة قرط عروس ريفية ..؟
يجيبهم وامانيه معلقة كالثريا فوق حدائق صيف الجنوب …
الرب سيجعلنا ورودأ …
ومن لا يحب الورد لن يمنحه الوطن الشهادة المدرسية ..! ) .
1122 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع