ذكرى ميلاد: جرجي زيدان.. اللغة العربية كائن حي
العربي الجديد/سناء أمين:يُعتبر المؤرّخ والكاتب اللبناني جرجي زيدان (1861 - 1914) أحد الذين أعادوا قراءة التاريخ العربي والإسلامي من زاويتَين: الرواية التاريخية والنص البحثي، وطرح إشكاليات أثارت جدلاً ومقارعات فكرية في زمانه عبر 38 مؤلفاً.
باستعادة زيدان، الذي تمر ذكرى ميلاده اليوم، تُستعاد أسئلة أساسية منها أهمية الرواية في التأريخ، ودور الصحافة في التنوير، وضرورات إعادة كتابة التاريخ أو إعادة النظر في ما كُتب.
تعود أصول زيدان إلى حوران، أما أسرته الصغيرة فمن قرية عين عبوق في لبنان، وفيها وُلد وتعلم القراءة والكتابة في مدرسة متواضعة أقرب إلى الكتّاب، أما الفرنسية فتعلمها في مدرسة الشوام، وتعلم الإنكليزية في مدرسة مسائية وكان في فترات فراغه يعمل مع والده في مطعمه الصغير، ثم تعلم صناعة الأحذية واشتغل في هذه المهنة لمدة عامين.
كان سبب تمسك زيدان بالعلم والدته التي وقفت في وجه والده أكثر من مرة وعارضت بقوة الرضوخ لفكراه في أن يبقى الابن عاملاً في المطبخ أو إسكافياً، فكانت تشجعه على مجالسة المثقفين رواد مطعم أبيه، وكانت تحضه على القراءة.
التحق زيدان بالكلية السورية ودرس الطب لسنة واحدة، ثم هاجر إلى القاهرة عام 1883، وفيها اشتغل محرراً في صحيفة "الزمان"، ثم عُيّن مترجماً في مكتب المخابرات البريطانية ورافق الحملة الإنكليزية إلى السودان، قبل أن يعود إلى لبنان عام 1885 وانضم إلى المجتمع العلمي الشرقي وتعلّم العبرية والسريانية.
لم تمض عدة سنوات، حتى عاد إلى القاهرة وأسس فيها "مطبعة الهلال" عام 1891، وأصدر المجلة التي حملت هذا الاسم وأصبحت أوسع المجلات انتشاراً في زمانها واستقطبت أهم المفكرين والكتّاب العرب، ولعبت دوراً أساسياً في التنوير الثقافي والاجتماعي في ذلك الوقت.
اشتهر زيدان برواياته عن تاريخ العرب، وكانت أولاها "المملوك الشارد" (1891)، وبلغ عددها 22 رواية، إلى جانب كتب في التاريخ، منها: "تاريخ العرب قبل الإسلام" و"تاريخ التمدن الإسلامي" الذي صدرت منه خمسة أجزاء، و"تاريخ مصر الحديث"، و"تاريخ آداب اللغة العربية"، و"اللغة العربية كائن حي".
وله طرق في التأريخ عبر الروايات من خلال الرجوع إلى سير شخصيات مختلفة مثل "شارل وعبد الرحمن"، و"شجرة الدر"، و"أبو مسلم الخراساني"، و"الحجاج بن يوسف"، و"العباسة أخت الرشيد".
تُرجمت رواياته إلى الفارسية والتركية والأذربيجانية إلى جانب لغات أوروبية مختلفة، وكان اهتمامه غالباً بالفترات الإسلامية التي تعيش صراعاً على السلطة والنفوذ، ورأى فيه بعض منتقديه كاتباً متأثّراً بنظرة الغربيين للعالم الإسلامي.
انهمك زيدان بالتاريخ الإسلامي وكانت لديه تلك النزعة العروبية، التي نلمسها في عمله المرجعي "تاريخ آداب اللغة العربية" الذي كتبه عامين قبل وفاته في أربعة أجزاء. وقد تأصلت فيه هذه النزعة مع عيشه في مصر، في تيّار عربي إسلامي، حتى أنه أطلق على مجلته اسم "الهلال" الذي لا يخلو من دلالات إسلامية.
على الرغم من كل هذه الكتابات والتبحر، تعرّض إلى هجوم كبير عليه كمسيحي، حين عرضت عليه الجامعة المصرية أن يدرّس التاريخ الإسلامي، وإلى اليوم يُشار إلى أن الدراسات الإسلامية في الجامعات المصرية تخلو من أي طالب قبطي، رغم إقبال الطلاب المسيحيين الغربيين على الدراسات الإسلامية في كل مكان.
721 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع