التجميل أيام زمان - أدوات الزينة في بلاد الرافدين
قبل أن تكتشف مستحضرات التجميل الحديثة، استمدت المرأة زينتها من بيئتها المحيطة، فقد كانت تعتمد الخلطات الطبيعية التي تصنعها بنفسها من النباتات، والأعشاب الطبيعية، ولجأت إلى معالجتها أو سحقها ومزجها مع مكونات أخرى لتتحول إلى مستحضرات تجميلية، وابتعدت المرأة شيئا فشئيا عن كثير من مواد التجميل الطبيعية التي ظلت تستخدمها لقرون طويلة مضت.
تبوأت المرأة العراقية منذ القدم مراتب عليا في بلاد الرافدين القديم، فهي الأم، والأخت، والزوجة. استخدمن نساء بلاد الرافدين مواد التجميل المختلفة لكل من العيون والبشرة لإظهار أنفسهن بالمظهر اللائق، كما استخدمن المساحيق المختلفة لإضفاء الجاذبية عليهن، فكانت النساء يعملن على تجميل العينان والبشرة بواسطة أصباغ ذات اللون الأبيض والأحمر والأصفر والأزرق والأخضر والأسود، وغالبا كن ينظفن أجسامهن بالماء والصابون مع إجراء عمليات المسح بالزيت لتنعيم البشرة، وتفننت النساء بعمل أزيائهن وتصفيف شعرهن وتعطير أجسامهن ولبسن الأساور والقلائد والحلقات ودبابيس الشعر وما إلى ذلك من مواد الزينة المختلفة.
يعود استعمال الكحل الى عصور ما قبل التاريخ، وقد أشارت بعض النصوص المسمارية الى أن النساء استخدمن مواد التجميل لكل من العيون والبشرة في بلاد الرافدين، ولاشك أن تظليل العيون كان جذابا في مطلع الألف الثاني ق.م كما هو واضح من أسطورة نزول عشتار الى العالم الأسفل حيث يذكر النص السومري انهها وضعت كآخر مرحلة من أعداد نفسها على عينيها مرهما يسمى (عسى أن يأتي، عسى أن يأتي أو دعه يأتي، دعه يأتي)، ومن الواضح أن مستحضر التجميل هذا اعتبر جنسيا، ولا نعرف ما اذا كانت العلاقة بين تجميل العيون والجاذبية الجنسية معروفة في بلاد الرافدين أم لا.
وكان تجميل العيون يتبع قاعدة معجون (انثيموني) حيث كان يستعمل دبوس أو (مرود) منحوت من العاج لتثبيت عجينة الكحل، وقد تم العثور على قطع من المحار التي كان يوضع بها الكحل وكذلك دبابيس العاج والبرونز التي كان يوضع بوساطتها الكحل حول العين، وقد حلل هذا أل (انثيمود) استنادا الى الموجودات الأثرية وسجلات الحفريات ليثبت استعمال كبريتات الرصاص، كما أن النصوص الأكدية ذكرت أيضا استعمال الزرنيخ الأصفر، أو رهج القار والصبغ الأحمر للعين، الذي يتغاير مع الصبغة الحمراء الذي كان اكثر استعمالا، وأن الاستعمال الأكدى الى كبريتات الرصاص هو الذي مهد الى ولادة ظهور الكحل .
بائعات مواد التجميل النسائية من عجائز النساء يخترن لهن أماكن على الأرض بالقرب من بعض الأسواق
المشهورة كسوق الجبير حيث النساء يتهافتن على شراء الأقمشة، وسوق الشورجة حيث يزدحم الناس رجالا ونساء على ابتياع شتى الحاجات، هؤلاء البائعات كن يضعن بين أيديهن سلالا وأسفاط يعرضن فيها مواد التجميل على الراغبات من النسوة، وتلك المواد كانت مصدرا من مصادر جمال المرأة :
الديرم : وهو لحاء شجرة الجوز، حيث استخلصته من الطبيعة فضمنت المرأة لنفسها الصحة ودأبت على مضغه فأكمل جمالها وزين شفاهها بلون أحمر قاني، والرومانيين القدماء كانوا يعتقدون أن أصلها بلاد الفرس (إيران)، وقد امتدت زراعتها من جنوب شرق أوروبا إلى آسيا الصغرى وحتى جبال الهملايا. ويرجع تاريخ استخدام الرومان لزيت الجوز إلى لبنان وبقية دول حوض البحر الأبيض المتوسط قبل قرابة القرن الأول قبل الميلاد، وأصبح من مصادر إنتاج الأخشاب وثماره، وقام الرهبان الفرنسيسكان بجلب الشجرة إلى كاليفورنيا بالولايات المتحدة عام 1770.
من أسرار هذه الشجرة أنها غنية بالألياف وتتميز بشكلها الجميل والنكهة اللذيذة وأصلها يرجع إلى المناطق الآسيوية وتستورد من الهند، وهذه العادات مازالت تمارس من قبل النساء الكبيرات في السن فوق أربعين سنة، ويكون الإقبال قليلا من أعمار ما تحت الثلاثين عاماً. ومع مرور الزمن أصبح الديرم حديث الرجال والنساء نظرا لفوائدها العظيمة والمتعددة، وأصبح العديد من الرجال لا يستطيعون الاستغناء عن (الديرم) في تنظيف الأسنان، وفي موسم الجوز يستعاض عنه بقشور الجوز الأخضر الطري، وهو بمثابة القلم الأحمر (الروج) للشفة، والتي تصبغ شفتيها بالديرم يقال عنها (داكه ديرم).
يباع على شكل لفات صغيرة تستعمله المرأة بعد تنقيعه في الماء أو في لعاب الفم لأنه يباع يابسا، في صبغ الشفاه وفرك الأسنان، موجودة بالسوق عند العطارين على شكل قطع خشبية مختلفة الطول ولها رائحة ضعيفة وطعم لاذع (بمعنى حار).
الكحل: وهو نوعان حجري (لونه رمادي فاتح) وكحل البكر (الذي تفضله النساء لنعومة ولشدة سواد لونه). والأداة المستعملة لحفظ الكحل تسمى (مكحلة)، وتصنع أما من القماش أو من النحاس وقد تصاغ من قبل الأغنياء من الفضة منقوشة بالميناء، وتسمى شغل صبه (الصابئة ولهم سوق خاص في بغداد يسمى سوق الصبة يقع حاليا في مدخل شارع المستنصر القريب من جسر الأحرار) وتكحل المرأة عينيها بأداة تعرف باسم الميل وهو يصنع من الخشب أو المعدن على أن يكون صقيلا حتى لا يخدش العيون.
الإسبيداج: أو الباروق لبشرة صافية مشرقة، عبارة على أحجار طبيعية شديدة البياض، مستخرجة من باطن الأرض غنية بالفيتامينات الطبيعية والأملاح المعدنية. كانت قديما تستعمل لمعالجة الطفح الجلدي والتسلخات الناتجة من تأثير اشتداد الحر، وذلك لعلاج أو لمنع إصابات الجلد البكتيرية، لكن تبين أن الباروق يساعد على توحيد لون البشرة وتصفيتها، ويعمل على تفتيح وتبيض وترطيب البشرة. كما أنه يزيل البقع السوداء ويعطي لمعانا ونظارة للوجه وللجسم، وهو مناسب لجميع أنواع البشرة العادية والحساسة.
طريقة الاستعمال تطحن أحجار الباروق جيدا، وتخلط بماء الورد حتى تغدو متجانسة أقرب الى الكريم تدهن على الوجه والجسم على شكل قناع وتترك لمدة 20 دقيقة ثم تشطف بالماء.
والباروق يستخدم للأطفال حديث الولادة حول الرقبة، وتحت الإبط وتحت الحفاضة، ومفيد جدا وأفضل من البودرة، وعلاج قوى للاماكن الداكنة لدى المرأة، يستخدم مع ماء الورد أو عصير ليمون كماسك، يضع على الوجه والرقبة حتى يجف، ويفرك ويغسل بالماء البارد، ويقوم مقام البودرة تستعمله المرأة في تبيض وجهها دلكا، وتستعين به الحفافة في إزالة الشعر من وجوه النساء، وأحسن أنواعه (الإسبيداج قلاي) وهناك نوع أخر يسمى الإسبيداج حلب يباع على شكل (فصوص)، وعند استعماله يحك بالمنخل الناعم ليصبح ناعما ثم يعجن بالماء ويكون صالحا لطلاء الوجه.
الخطاط: وهو ثلاثة أنواع: نوع يباع لدى العجائز من بائعات مواد التجميل، على شكل (عودان سود) تحك أحداها عند الاستعمال براحة اليد، بعد تبليلها بقليل من الماء ومن نقيعها تثبت نونة بين الحاجبين أو منتصف الكصه ( الجبين)، وتبقى النونة عدة أيام اذا لم تغسل، والنوع الثاني من الخطاط هو زباد تباع في قواطي صغيرة مدورة الشكل جاهزة للاستعمال، تستورد من خارج العراق، وتحتوي على مادة ذات رائحة مستحبة تستعمل لتطويخ الحاجبين ورسم النونة، وتصنع المرأة النوع الثالث بنفسها في البيت أيام الربيع عندما تصنع (ماء الورد ) فهي تحتفظ بكمية من أوراق الورد في إناء نظيف، وتضع بداخله قطعة حديد ثم تتركه في الشمس حتى يسود ويثخن وعند ذلك يكون صالحا للتزين.
الأشنان: مادة نباتية يتعاطى العطارون بيعها، وهي تدق بالهاون ثم تنخل وتستعمل استعمال الكرصه في تنظيف الوجه وأحسن أنواعه أبو الوريدة.
الأشنان: أي صابون، وقد وردت هذه الكلمة في أيوب 9: 30 ترجمة للكلمة العبرية "بور" التي معناها "مطهَّر" أو "منظَّف" وفي أرميا 2: 22 وملاخي 3: 2 وردت ترجمة لكلمة قريبة من هذه تنطق في العبرية "بوريث" والنصان الأولان يشيران إلى استخدام الأشنان في غسل الأيدي. أما النص الأخير فيشير إلى استخدام الأشنان في غسل الثياب، ويرجَّح أن هذه الكلمة تشير إلى الرماد القلوي الذي يتخلف عن حريق بعض النباتات المالحة في الصحراء، (ار 2: 22 ومل 3: 2). ينمو في البلاد المقدسة عدة أنواع من نباتات قلوية كحشيشة القلي وهي الأشنان. وتكثر في نواحي دمشق وجرود وبحر لوط وعلى الشواطئ البحرية. يحرقها العرب ويستخرجون مقدارًا كبيرًا من النطرون مع الزيت والشحم تولد الصابون المعروف المستعمل.
طين خاوه: الطين الطبي اسم يطلع على أنواع عديدة ومختلفة من التراب أو الصخور أو طين الصلصال ذات الفائدة العلاجية، يعود استخدام الطين الطبي في الطب الشعبي إلى عصور ما قبل التاريخ، لا تزال الشعوب الأصلية في جميع أنحاء العالم تستخدم الطين الصلصال على نطاق واسع، وهو ما يرتبط بعادة أكل التراب. يعود أول استخدام مسجل للطين الطبي إلى بلاد ما بين النهرين القديمة. تستخدم مجموعة كبيرة من الطين في الأغراض الطبية في المقام الأول للتطبيقات الخارجية، مثل حمامات الطين في المنتجعات الصحية (العلاج بالطين. يسمى في العراق والكويت طين خاوة (أي خامة) ويسمى في المغرب الغاسول أو الطين المغربي وهي صخور بركانية لها فوائد علاجية مشابهة. في الأردن وفلسطين يعرف طين البحر الميت بفوائده الطبية أيضاً. أول استخدام مسجّل للطين الطبي، موجود على ألواح طين بلاد ما بين النهرين حوالي 2500 قبل الميلاد أيضًا، استخدم المصريون القدماء الطين. استخدم أطباء الفراعنة المادة كعوامل مضادة للالتهابات ومطهرات. تم استخدامه كحافظة لصنع المومياوات، كما ذكر أن كليوباترا استخدمت الطين للحفاظ على بشرتها.
الحمرة: وهي نوعان قرص احمر تصبغ به وجنات المرأة، أو قطن احمر تمرر قطعة منه على الوجنة بعد تبليلها.
الكرصه: قطعة مستديرة الشكل تصنع من مزيج النخاع مع الإسبيداج العادي، وهي بحجم الدرهم وتستعمل غالبا في الحمام لإزالة الدهن والأوساخ من الوجه قبل التزين.
الريحة وهي العطور: وأشهرها دهن الورد، يعرفُ دهن الورد على أنّه الزيوت والمواد الدهنية التي تُستخرج من الورود الطبيعيّة، والتي تتميّزُ برائحتها العطرة والمنعشة التي تبعث الفرح والسعادة في النفس، عدا عن التخلّص من العديد من المشاكل الجماليّة التي قد تصيبُ الشعر أو البشرة وغيرها، الأمر الذي يجعله من أغلى الزيوت ثمناً.
ودهن العود: ويعتبر من أرقى العطور، ويشتهر بالرائحة المميزة فهو من أعظم العطور الشرقية المستخدمة لإطلالة ساحرة ورائحة متفردة، وله فوائد علاجية؟ يستخلص دهن العود من شجرة العود وهو المادة التي يستخرج منها الزيت والعطر بعد ذلك، ووجدوا أن له فوائد مميزة في علاج الأمراض الجسدية، كما استخدم في الطب الصيني كطب بديل.
والمسج (المسك)، هو عبارة عن مادةٍ عطريةٍ تفرزها الغدة الكيسية في بطن غزال المسك، حيث توجد الغدة الكيسية عند غزلان المسك الذكور فقط، وحجمها بمقدار بيضة الدجاج، وتكون درجة لزوجة المسك كالعسل، ورائحته قوية، ويستخدم أيضاً في العطور كرائحةٍ ومثبتٍ للعطور.
دهن الرازقي: ويسمى الياسمين العربي أو الفل، وهو نبات شجيري عادي ومتسلق ودائم، أوراقه خضراء غامقة وبيضوية ومتقابلة، الأزهار متجمعة في قمم الفروع، بيضاء كبيرة ناصعة البياض، تظهر في الربيع وحتى أواخره الخريف، وثمار الفل صغيرة، حالات طبيعة الاستعمال مغلي، منقوع، مستحضر سائل، محلول، دهن عطري، كمادات. زيت عطري.
وكل هذه العطور تستورد من الخارج وقد غزت الأسواق بعد الحرب العالمية الثانية أنواع مختلفة مما ابتكره المختصون بالتجميل وخبراء المكياج من مساحيق وإدهان وروائح.
المصدر:
حكمت الأسود
ـ بغداديات عزيز الحجية
668 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع