أمام بورتريه لرفائيل في معرض لأعماله بروما (غيتي)
أندبينديت / إميل أمين:بعد عام من الاحتفالات التي شهدتها إيطاليا والعالم بمناسبة مولد ليوناردو دافينشي الذي غيّر حال ومآل العالم علمياً وفنياً، ها هي إيطاليا حاضرة الفنون وعلى الرغم من وقوعها تحت وطأة فيروس كورونا تتهيّأ للاحتفال بأحد أشهر أبنائها الذين حفروا اسمها على لائحة المجد الفني منذ زمن النهضة وحتى القرن العشرين.
إنه عام رفائيل سانزيو، المهندس المعماري وصاحب الريشة الذهبية المولود في مارس (آذار) عام 1483 والذي رحل في أبريل (نيسان) عام 1520.
أسئلة كثيرة تطرح ذاتها في سياق البحث عمّا جعل رفائيل محبوباً ومرغوباً من إيطاليا بداية، وأوروبا بأسرها تالياً، ولاحقاً يبقى علامة في تاريخ الفن الكلاسيكي... ماذا عن ذلك؟
تناغم الأمم والشعوب
في منتصف شهر فبراير (شباط) الماضي وعلى هامش لقائه الممثلين الدبلوماسيين لدى الكرسي الرسولي، كان البابا فرنسيس يذكّر الجمع بهذه المناسبة، أي 500 عام على رحيل فنان عصر النهضة الأشهر ويتغنّى بقصة حياته، الأمر الذي يجعلنا نتساءل ما العلاقة بين الفنان والبابوية؟
هناك جانب تاريخي في علاقة رفائيل بالبابوات الذين تبنوه ودعموه وفتحوا له أبواب تلك المؤسسة الكبيرة والتي عملت كحاضنة للفن في تلك العصور، وهذا ما سنأتي عليه بالتفصيل لاحقاً.
أما الجانب الفلسفي الذي لفت إليه البابا فرنسيس، فيتعلّق بالعلاقة بين فن رفائيل وبين حال العالم المعاصر، وأحلام الرجل ذي الرداء الأبيض في مدينة فاضلة يوتوبية يعيش فيها البشر على الأرض.
"نحن مدينون إلى رفائيل بتراث ضخم من الجمال، لا يقدّر بثمن"، هكذا تكلم الحبر الأعظم، ولعل المديونية التي يخبرنا عنها تتمثّل في ما هو أبعد من جماليات الصورة عند رفائيل، ذلك أن عبقريته الحقيقية تجلّت في الجمع بين الألوان والمواد الخام والأصوات المختلفة (في الموسيقى)، بطريقة متناغمة جاعلاً منها عملاً فنياً واحداً. كذلك، فإن الدبلوماسية مدعوة إلى خلق تناغم بين ما يميز مختلف الشعوب والدول، من أجل بناء عالم يسوده العدل والسلام، وهو اللوحة الجميلة التي يود الكل رؤيتها.
الفن موهبة أم إرث؟
قديماً تساءل البعض: هل الفرخ الفصيح في البيضة يصيح أم لا؟
من الواضح أن رفائيل كان فرخاً فصيحاً، لاسيما وأنه ولد في بيئة زخمت البذرة الفنية بداخله، فقد كان والده "جيوفاني سانتي"، رساماً للدوق أوربينو، وقد علّمه في طفولته تقنيات اللوحة الأساسية وشرح له مبادئ الفلسفة الإنسانية.
في عمر الـ11 سنة، رحل والده وكانت والدته قد سبقته بفترة وجيزة، وكاد هذا الحدث الجلل أن يهدّد مستقبل الفتى الصغير، إلّا أنّ العبقرية التي تمكنت من رفائيل صغيراً جعلته يتحمل مسؤولية ورشة والده الفنية، وكان إغراقه في استنقاذ إرث والده طريقه لصرف روح الحزن عن قلبه، وكانت بدايات التجليات الفنية لرفائيل عبر تكليفه برسم كنيسة سان نيكولا في المدينة المجاورة.
جرت العادة في زمن النهضة وعصر الفن الكلاسيكي أن تتتلمذ كل موهبة فنية جديدة عند أقدام أحد الكبار في سياق المدرسة الفنية التي يرنو إليها بصره، وكان من حظ رفائيل أن فتح له الرسام الإيطالي المشهور بيروجيا أبواب مرسمه في منطقة أومبريا في وسط إيطاليا. وهناك كانت المفاجأة التي تدفع جميع الباحثين المحققين والمدققين في حياة رفائيل إلى التساؤل: هل الفن موهبة أم إرث؟
لوحة "مدرسة أثينا" بريشة رفائيل (غيتي)
بيروجيا يعترف بعبقرية رفائيل
تخبرنا سيرة رفائيل أنه للوهلة الأولى حين رأى بيروجيا رسومات رفائيل نصح معاونيه أن يتركوه لموهبته من دون أن يقاطعوه في خلوته الفنية، وكان من المثير جداً أن يصيح رفائيل "سيكون في القريب العاجل أستاذي، وليس تلميذي".
جرت الأيام سريعاً بما خبر به بيروجيا، وبدا الأمر حتى للاختصاصيين مرهقاً جداً إلى حدّ المستحيل التفريق بين أعمال رفائيل ورسومات معلمه بيروجيا من ناحية الجودة.
وبعد قليل، ستضيق المدينة الصغيرة بأحلام الفتى رفائيل، وستغازله مدينة فلورنسا الواقعة في الجزء الشمالي من وسط إيطاليا.
كانت فلورنسا منشأ عصر النهضة واشتهرت في العالم بأسره كمهد للفن والعمارة، بمبانيها التاريخية ومعالمها ومتاحفها الغنية، فذاع صيتها كواحدة من أجمل وأهم مدن العالم، ولذلك سُمّيت باسم "أثينا العصور الوسطى"، وسيترك هذا الاسم أثره في نفس رفائيل وعقله ليأتي بعد ذلك بواحدة من أشهر وأهم لوحاته التاريخية "مدرسة أثينا".
في قلب مدينة النهضة، تعلم رفائيل على أيدي الكبار، فأخذ عن الرسام الإيطالي الشهير ماساشيو كيف يرتب وضع المجموعات في اللوحة، ومن أعمال مايكل انجلو اكتسب معرفة وافية وشافية عن جسم الإنسان من الناحية التشريحية. أمّا الانطباع الأكبر، فقد تركه في نفسه أحد رهبان الأديرة المعروف باسم بارتولوميو، الذي كان قد اعتزل الفن قبل أربع سنوات للتفرّغ للصوم والصلاة، إلّا أنّ الصداقة التي نشأت بين الاثنين، جعلت الراهب يمسك بفرشاة الرسم من جديد، لكي يعلم صديقه الشاب أسرار التلوين وخلط الأصباغ ورسم الأقمشة وطيات الملابس وفن البورتريه الذي ينبض بالجمال والحياة.
إلا أن اللوحة التي كان لها عظيم الأثر في حياته وأعماله، كانت لوحة "الموناليزا" لمعاصره دافنشي، السر الأكبر، ضمن أسرار عصر النهضة الإيطالي، والرجل الذي لم يسبر العالم أغواره بالمطلق بعد.
درس رفائيل لوحة "الجوكندة" أو "الموناليزا" بعناية فائقة، وبدت له كسقف لا يمكن أن يبلغه أي فنان، وإن ظلت هناك منافسة مكتومة بين العملاقين، غير أنّ ما ميّز دافنشي عن رفائيل هو اختراعاته الكثيرة وتخصصاته الفريدة التي تجاوزت حدود الفن. أما رفائيل، فقد كان معجوناً بعبقرية الفرشاة مُطارَداً من شياطين الإلهام، ليخلّد طائفة من أرقى ما عرفت الإنسانية من لوحات فنية.
روما حاضنة الفن والفنانين
كانت البابوية في روما في ذلك الوقت في أوج عصرها الذهبي، وهو توقيت مواكب لبناء بازيليك القديس بطرس والقصر الرسولي مقر إقامة البابا، وقد احتضن الباباوات على مرّ التاريخ النحاتين والفنانين. لهذا، فإنّ كنوز الفاتيكان الفنية لا تقدر بثمن.
عام 1504، توجه رفائيل إلى روما وهناك في حاضرة الفاتيكان وجد البابا يوليوس الثاني (1443-1513)، يفتح له الأبواب واسعة ويستعين بريشته المبدعة، الأمر ذاته الذي فعله خليفته البابا ليو العاشر (1475-1521)، وقد كان كلاهما مسحورين برفائيل، لا سيما صور البورتريه التي رسمها لهما، والتي كانت الأصدق في تاريخ الرسم بالزيت.
عُرف رفائيل أيضاً باسم "مدونس" وفي الأعوام الثلاثة التي قضاها وراء جدران الفاتيكان من (1504 إلى 1507)، أبدع في رسم مشاهد وثيقة الصلة بالسياق الديني، مثل معجزة بولسينا وتحرير القديس بطرس. وخلال هذا الوقت، أنتج سلسلة ناجحة من لوحات "مادونا" أو العذارء... والسؤال لماذا؟
المادونا والطفل... رفائيل اليتيم
تركت النشأة الأسرية عند رفائيل أثرها الواضح في فنه وفي لوحاته، والذين تابعوا أعمال هذا المبدع وقر لديهم أن هناك إحساساً دفيناً بالحزن والبحث عن الأم، الأمر الذي تجلّى في لوحاته المتمثلة في السيدة العذراء حاملةً ابنها، أو "المادونا".
كانت "ماغيا" والدة رفائيل سيدة رقيقة المشاعر وتوصف بأنها من الطبقة الراقية، غير أنّ الموت لم يمهلها أن تعيش لوقت طويل مع ابنها، فقد رحلت عن العالم وهو في سن الثامنة، وقد تزوج والده مجدداً، وعلى الأرجح استمر رفائيل في الإقامة مع زوجة أبيه، مع ما في ذلك من مشاعر وأحاسيس لا تخفى على أحد، فزوجة الأب غالباً لا تحتمل أولاد الزوجة الراحلة.
كان الموضوع المفضل عنده هو "المادونا والطفل"، لذلك رسم عدداً كبيراً من اللوحات عنه، و"المادونا" تعني الأم المقدسة، ومن أشهر لوحاته في هذا الإطار لوحة "عذراء الكرسي"، وفيها استوحى لوحته من أم شابة رآها تجلس أمام بيتها تحتضن ابنها، فأخرج قلمه ورسمها في الحال وأوضح فيها جمال الأمومة.
أضف إلى ذلك لوحة "عذراء سيستين"، وهي واحدة من أعظم الأعمال الفنية في العالم، ظلت على الدوام رمزاً مميزاً للتطور الذي شهدته الفنون خلال عصر النهضة الإيطالية، وقد بلغ الاحتفاء بها من قبل النقاد والفنانين إلى اعتبارها المكافئ الموضوعي للوحة "الموناليزا" لدافنشي، وقد أثارت التعبيرات الغامضة التي رسمها رفائيل على وجه العذراء وطفلها جدلاً واسعاً، وحاول النقاد ودارسو الفن فكّها ومعرفة كنهها.
الأمر ذاته سعى إليه المؤرخون والفلاسفة عبر العصور، في محاولة منهم لتفسير المعاني والدلالات التي تضمنتها هذه اللوحة، ومن بين هؤلاء غوته وشوبنهاور وشرودر، فقد تحدّث شوبنهاور عن ملامح الخوف التي ترتسم على محيا الطفل وعينيه، فيما تساءل أخرون عن مغزى إظهار العذراء في حالة حيرة وارتباك.
ولعل السؤال الذي طرقه الباحثون في حياة رفائيل ولم يجد له أحد جواب حتى الساعة: هل كانت لوحة "عذارء السيستين" تحمل أسراراً عرفها الرجل وأودع مكنوناتها هذه اللوحة، وهل ما فيها من غموض يذكّر بغموض ابتسامة "الموناليزا" غير المفهوم حتى الساعة؟
مدرسة أثينا لوحة عابرة للأجيال
يعرف المشتغلون بالفن تعبير "الماستر سين"، وهو بلغة السينما أعلى مشهد في الفيلم، ويمكن للمشاهد أن ينسى كل اللقطات الأخرى، لكنه لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن ينسى أو يتناسى هذا المشهد.
هنا تطفو على السطح لوحة لا يزال يخبر بها في العالم عبر الأجيال، ومنذ أن رسمها رفائيل عبر ثلاثة أعوام من 1509 إلى 1511، وفيها تبدّت عبقريته الواسعة، وبدا وكأننا أمام مفكّر أكثر من كوننا إزاء فنان، ولتضحى أشهر لوحات عصر النهضة، وإحدى أشهر اللوحات في التاريخ الإنساني.
يكاد المرء وبلغة عالمنا المتناحر من حول "صراع الحضارات"، أن يرى في لوحة "مدرسة أثينا" دعوة مبكرة جداً إلى لقاء الأمم والشعوب، أي تناغم الحضارات، واعتبار أن كل شخص من شخوص الصورة قد شارك في ملء خزان الحضارة الإنسانية في وقت الفيض، وكل أخذ منها عند الجفاف وفي وقت الحاجة.
والثابت أن عبقرية اللوحة ليست مصدرها أنها ضمت عدداً ضخماً من الفلاسفة والعلماء من عصور مختلفة تحت سقف واحد فقط، بل إن هذا الجمع الغفير كان مزيجاً بين الدنيوية اليونانية، والهلنستية والرومانية والروحية المسيحية والرشدية الإسلامية.
تبيّن اللوحة علماء الفكر والفلسفة منذ القدم ضمن قاعة كبرى يتحاورون ويشرحون، وقد رُسمت بناء على وعده لتزيين غرف القصر الرسولي في حاضرة الفاتيكان.
ولعلّ كثيرين لم يقدر لهم معرفة الأبعاد الحقيقية للوحة "مدرسة أثينا"، التي قيل إنها عبارة عن تاريخ مصور للفكر الفلسفي الغربي من وجهة نظر أفلاطونية. لماذا؟
باختصار، هذه اللوحة تمثل انقلاباً في المفاهيم الإيمانية لأوروبا القرون الوسطى، فقد كان علم وعلماء اللاهوت النظري القديم يؤمنون بأن كل من هو خارج الكنيسة الكاثوليكية هالك، أي أن لا مكان له في الجنة والنعيم.
بل أبعد من ذلك، فقد كان الاعتبار وطوال القرون الوسطى لدى النخبة من رجال الدين المسيحيين، وبالتبعية عند العوام، أن كل من عاش قبل ظهور السيد المسيح سيكون مصيره جهنم النار الأبدية خالدين فيها لا محالة.
على الجانب الآخر، آمن المفكرون والفلاسفة الذين عاشوا في العصور الوثنية مثل أفلاطون وأرسطو وزرادشت بأنهم سيكونون أفضل حالاً من جموع الجماهير الغفيرة لا سيما الجهّال منهم، ولهذا اعتقدوا أن الأمر سينتهي بهم في المنطقة المعروفة باسم "البرزخ"، أي ما بين الجنة والنار.
هنا يجب أن نتنبّه إلى أمر مهمّ، فلوحة رفائيل تخبرنا بأمر مثير وهو أنه لا فرق في مصير المفكر أو الفيلسوف، سواء عاش قبل المسيحية أو بعدها. لكن ما المعيار الذي يتّخذه رفائيل هنا للتقييم، وهل أعلنه بشكل رسمي أم كان عليه اتّباع مذهب التقية إن جاز التعبير؟
ليس معلوماً على وجه الدقة إن كان رفائيل مثل دافنشي، بالنسبة إلى الانتماء للمجموعات الفكرية السرية التي ملأت أوروبا في ذلك الوقت، وأقدمها وأشهرها الماسونية، وعدد كبير جداً منها كان على خلاف عميق مع المؤسسة الرومانية الكاثوليكية وبابا الفاتيكان.
ومع ذلك، فإنّ لوحة رفائيل تفيد باتجاه إنساني يرفض فكرة تقسيم العالم على أسس ما قبل وما بعد السيد المسيح، ومعياره هو أن الإنسان له نصيب من الراحة والسعادة في العالم الآخر طالما آمن في حياته بالقيم الإنسانية المشتركة والجامعة مثل الحق والخير والحب والحكمة والجمال.
ولعلّ هذه اللوحة كانت أحد الأساسات التي بنى عليها البابا فرنسيس بابا روما الحالي رؤيته عن الأخوة الإنسانية، إذ لا تزال هذه اللوحة أمام ناظريه، وفيها وللمرة الأولى في الفن الغربي يستطيع رسام أن يمثل الوحدة المتناغمة الكامنة في الاهتمامات المتنوعة للعقل الإنساني، من خلال تصوير بعض الأفراد الأكثر مثالية الذين يمثلون التقاليد العقلانية وجمعهم في مكان أسطوري واحد وفي زمن واحد.
فنان أم مفكر وفيلسوف؟
البحث في أعماق رفائيل يجعلنا نتساءل: هل كان الفنان اليتيم رساماً عبقرياً أم مفكراً وفيلسوفاً تجلّت أفكاره في لوحات عدّة منها لوحة "حلم الفارس" الشهيرة والتي تصور فارساً من العصور الأوروبية الوسطى نائماً، فيما تقف الى يمينه ويساره امرأتان، التي تقف الى يساره ترمز إلى الفضيلة وهي ترتدي ثياب آلهة العدالة اليونانية وتمسك بإحدى يديها كتاباً وبالأخرى سيفاً، بينما تقف بموزاة طريق يقود إلى جبل صخري
يظهر في نهايته منحدر بنيت على أطرافه قلعة عالية.
ما الذي ذهب إليه ابن "أوربينا الجبلية"، في هذا المشهد؟
حكماً أنه كان يستنطق الباحثين عن الحق والعدل، والساعين في مواجهة ومجابهة الظلام، وقد كانت العصور الوسطى الأوروبية عصور قلاقل واضطرابات، إذ لم تكن أوروبا قد عرفت بعد معنى ومبنى الدولة الويستفالية بتعريفها الحديث.
في هذا المشهد، يخبرنا رفائيل أن الطريق إلى الحق والفضيلة طريق وعر وسلوكه صعب، ويكلّف صاحبه مشقة وعناء، عطفاً على نضال متصل غير منفصل.
أما السيدة التي على يمين الفارس، فترتدي ثوباً ملوناً وعقداً من اللولؤ، وهي لا تقدم للفارس سوى زهرة صغيرة، والطريق الذي تقف بمحاذاته يمرّ عبر تلال ومروج وينتهي بمنزل يقع على شاطئ البحر.
هل من معنى كامن أيضاً في هذه الصورة؟
المؤكد وببساطة شديدة أنه يقودنا إلى التفكير في أن الحب والعاطفة أيسر بكثير من مسارات الفضيلة، ولا نعني هنا الحب بمعناه ومبناه النقي الأخلاقي الجميل، لكن غالباً ما كان رفائيل يشير إلى فترة التهتك التي عرفها البعض في أوروبا في تلك العصور البعيدة.
حياة قصيرة ورحيل غامض
قصيرة كانت أيام رفائيل على الأرض، 37 سنة، أبدع فيها 287 لوحة معروفة، وهناك قطعاً ما قد ضاع، وربما ما هو غير معلوم.
لم يكن رفائيل رساماً فقط، بل كان معمارياً كبيراً شارك في إنشاء عددٍ كبيرٍ من كنائس ومعابد روما الشاهقة حتى الساعة، كما امتدّ عمله إلى القصور واستطاع بكل نجاح أن يكرّم العمارة ويحيي مشاعر الكلاسيكية من سلفه دوناتو برامانتي.
يصفه البعض بأنه كان وسيما عطوفا، مشرق السجية، ساحر الشخصية، له قدرة كبيرة على تكوين الصداقات والمعارف، وقد أطلق عليه أهل فلورنسا اسم "الأستاذ الشاب".
في السادس من أبريل (نيسان) عام 1520 أي يوم عيد ميلاده، كانت الأقدار له بالمرصاد، ليتوفى فجأة وبشكل غير متوقع ولأسباب غامضة من دون أي مرض اعتراه أو حادثة تعرّض لها، كان ذلك بعد أن أبدع أكبر لوحاته المصنوعة من القماش والمعروفة باسم "التجلّي".
اهتم البابا يوليوس الثاني بمراسم جنازة رفائيل الذي كان يُعتبر ابناً للمؤسسة الفاتيكانية، ودفن جثمانه في مقبرة العظماء، البانثيون، في روما.
رحل رفائيل الذي مرّ على إيطاليا خاصة وأوروبا عامة كأغنية رقيقة أو هبّة نسيم، فحزنت عليه روما، وبكاه الإيطاليون وكل محبي الفن في العالم، وقد أُطلق عليه منذ ذلك الوقت "أمير الرسم الإيطالي".
618 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع