سر شارع المتنبي
يكاد الحزن أن يبلغ أشده وهو يدخل الشارع الذي يبلغ طوله المئة متر عندما يتذكر صوت المكتبي الراحل" نعيم الشطري" وهو يصف المكان وزخم الزائرين له صباح كل يوم جمعة مستعينا بابيات الشاعر الكبير" ابو الطيب المتنبي" الذي قالها ومعه سيف الدولة وهو يصف الخيول العائدة من ساحة المعركة..
يَتَعَثّرْنَ بالرّؤوسِ كَما مَرّ
بتاءاتِ نُطْقِهِ التَّمتَامُ
من هنا تبدأ حكاية شارع المتنبي الذي يعد العقل الثقافي لأهالي بغداد ومثقفيه ومعهم محافظته القريبة والبعيدة ومثلهم زواره من مثقفي الوطن العربي والعالم.
تاريخ يمشي على قدميه
يعود تأسيس" الشارع" الى اواخر الدولة العباسية وكان يسمى آنذاك بدرب زاخا وهذه الكلمة اراميا يقول د. عماد عبد السلام رؤوف في كتابه" معالم بغداد في القرون المتأخرة" ان المكان كان اسمه" الاكمخانة" اي المخبز، اما المؤلف عباس بغدادي يقول عنه في كتابه" بغداد في العشرينيات" ان فيه ومقابل قهوة الشابندر كان الفرن الكبير لصنع صمون العسكر في زمن العثمانيين وعلى راس الشارع من جهة الرشيد كان هناك مخزن ومحل اسطوانات حوريش وابن عمهم يوسف حوريش مغني المقام وفي الركن الاخر خرائب مسقفة.
كما افتتحت فيه مطبعه تعود للقرن التاسع عشر وقد سمي بشارع المتنبي العام 1932 وكان ذلك في عهد الملك فيصل الاول حيث شكلت لجنة متخصصة في ذلك الوقت لتسمية الشوارع والساحات في بغداد برئاسة" حيدر العمري" الذي كان يشغل منصب امين العاصمة انذاك.
معرض دائم للكتاب
يصف د. عماد عبد السلام رؤوف المكان صباح يوم الجمعة حيث يقول: يتقاطر عليه الباعة من كل مكان وهم يعرضون على ارصفته وعلى اديم اسفلته المئات من الكتب وكل مايخطر على البال من كتب العلم والمعرفة والادب ليتحول الشارع بكثرة المشترين والباحثين والمتفرجين الى طقس يكثر فيه الزحام حتى لا يجد المرء فيه مكانا، فاذا انتصف النهار واذن المؤذن لصلاة الجمعة من مئذنة جامع الوزير القريب انفض الجميع وكانهم على موعد فلا تجد الشارع بعد الساعة الواحدة ظهرا الا خاليا لا نسمع فيه صوت انيس.
وعن الكتب والمكتبات يقول رؤوف: لقد أسس محمود حلمي المكتبة العصرية في نهاية الثلاثينيات واستورد الكتب من مصر وبلاد الشام وطبع اولى اعمال القاص الرائد محمود احمد السيد ووزع وطبع قصائد الرصافي ومحمد رضا الشبيبي وكان وكيلا لدار المعارف في مصر ثم انتقلت ملكية المكتبة الى محمد صادق القاموسي بعد وفاة حلمي، كما ان عبد القادر ثنيان قد قام بنقل مكتبته في سوق الصفافير الى شارع المتنبي كذلك توجد مكتبة المثنى لصاحبها الحاج نعمان الاعظمي ومكتبة الفلقي ومكتبة ابراهيم السرايري ومكتبة المعارف لصاحبها محمد جواد حيدر ومكتبة السلام لمحمود قالبجي ومكتبة الاخوين عبد الكريم وعبد الحميد زاهد والمكتبة الحيدرية فيما اسس الشيخ علي الخاقاني مكتبة البيان ومكتبة النهضة لعبد الرحمن حياوي وهذه المكتبات انتشرت فيها الثقافات المختلفة والمتخصصة بالعلوم والتراث وقد وجد مثقفو الستينيات والسبعينيات والادباء والفنانين واساتذه الادب والجامعات ضالتهم فيها.
يضاف اليها اصحاب البسطيات الذين انتشروا في الشارع ليبيعوا الكتب الرخيصة والمجلات القديمة.
أم كلثوم والشاعر معروف الرصافي
أشهر الشخصيات
عزيز بنيان صاحب مكتبة تحدث عن اشهر الشخصيات التي زارت" المتنبي" حيث قال لقد زارت الفنانة كوكب الشرق ام كلثوم الشارع وابدت اعجابها به.
كذلك شهدت الثلاثينيات ايضا زيارة فيلسوف الهند وشاعرها" طاغور" والمستشرق الفرنسي جاك بيرك ود. زكي مبارك وفؤاد اوسركسي استاذ اللغة العربية وحسين علي محفوظ وعلي الوردي اضافة الى نوري السعيد رئيس وزراء العراق السابق.
مقهى الشابندر
الحاج محمد كاظم الخشالي المولود العام 1917 هو صاحب اقدم مقهى في شارع المتنبي (مقهى الشابندر) تحدث عنه التدريسي اسماعيل جمعة قائلا: كانت المقهى مكانا لمراجعي دوائر الدولة والمحاكم لتتحول الى مكان لقراء المقام العراقي فكان الفنان رشيد القندرجي ويوسف حوريش ومعهم العديد من القراء يؤدون فيه وصلاتهم الغنائية وخاصة في شهر رمضان الكريم الذي يجتمع فيه اهالي المناطق القريبة لسماع المقام.
كما شهدت المقهى في الستينيات اجتماع رواد الثقافة فيه لتصبح مكانا يجمعهم ليتبادلوا فيها الافكار والرؤى.
وفي العام 2007 تعرضت المقهى التراثية للتدمير بسبب سيارة ملغومة ادت الى مقتل 30 متسوقا وتدمير العديد من المكتبات والمباني اضافة الى تدمير المقهى التي تعد احد معالم بغداد العريقة.
استنساخ الكتب
شهدت سنوات التسعينيات كما يقول الناقد عباس لطيف ظاهرة استنساخ الكتب الممنوعة ويتابع لطيف مضيفا لقد كان وكلاء الامن يملأون الشوارع بحثا عن كتاب ممنوع فرغم خطورة الاستنساخ الا ان الكثير من الكتب الدينية والسياسية المعارضة المستنسخة قد وجدت اقبالا عليها وكانت اسعارها مناسبة. اضافة الى الاستنساخات الاخرى كالروايات الممنوعة وكتب البرامج والكتب العلمية.ويروي لطيف حكاية رجل الامن الذي جمع عددا كبيرا من رواية" مئة عام من العزلة" لمؤلفها ماركيز ظانا انا تتحدث عن نظام الحكم ورئيسه والصحيح هو رواية خريف البطريك" هي التي تحدثت عما يفعله الجنرال بشعبه من اعمال
مخزية.
المركز الثقافي البغدادي
وعن الفعاليات والنشاطات التي تقام في المركز الثقافي البغدادي تحدث الاعلامي حسين البابلي قائلا: يعود تاريخ هذه البناية الى عهد الولاة العثمانيين وكانت تدعى" الدفترخانة" اي مقر حفظ السجلات الرسمية وفي نهاية العام 2011 تحول المبنى الى مكان تعقد فيه الندوات واللقاءات الادبية والعلمية والادبية، كما اقيمت فيه مهرجانات ادبية واخرى تكريمية كما اقيمت فيه مهرجانات فنية و موسيقية ومعارض تشكيلية وهو مكمل لنشاط شارع المتنبي.
وتابع البابلي مضيفا، كما ان المكان يضم عدة قاعات سميت باسماء مبدعي العراق امثال علي الوردي وجواد سليم ومصطفى جواد والشاعرة نازك الملائكة.
بطاقات للمتنبي
وعن اهمية الشارع في نفوس المثقفين تحدث القاص جبر سوادي: ان المتنبي وشارعه مثل وجبة غذائية يومية تشعر بانك فقدت شيئا من مقومات اليوم وخاصة ايام الجمع التي يجتمع فيه الاصدقاء ممن لا تشاهدهم منذ سنوات واشهر.
الاعلامي حيدر العبودي: ان المكان له سحر خاص فعندما لا نأتي اليه اشعر باني قد فقدت شيئا عزيزا علي.
الشاعر صبيح عفوان: انه طقس اسبوعي للمثقفين والمتنفس الاول لهم بعد اسبوع من الاحداث غير المفرحة.ويرى الفنان سامي نسيم:
ان المتنبي هو مرآة للجميع ففيه ترى الاصحاب والمهتمين بالشأن الثقافي والموسيقي وان يوم الجمعة فيه موعد مع الجميع.ويؤكد المخرج التلفزيوني طه طارق: ان يوم جمعة المتنبي يوم عمل بامتياز فيه ترى الجميع مجتمعين وبالتالي لا تحتاج ان تبحث عن اية شخصية قد تحتاجها في برنامجك لانك ستجدها تتجول في الشارع.الاعلامية صبا هاشم: ان سر المتنبي يكمن في ناسه المثقفين لا سي
ما انه قد شهد في الاشهر الاخيرة اقبال عدد من العوائل العراقية بسبب سمعته وشهرته التي ملأت الدنيا.لؤي صلاح: طالب في كلية الفنون الجميلة: لقد استصحبت والدتي الاسبوع الماضي للشارع بعد ما مسمعت عنه الكثير وقد طلبت مني بالحاح زيارته.
الاكاديمي د. جبار حسين قال: انه موعد مع الاشياء الجميلة ففي جمعته تعود الصداقات والعلاقات التي قطعتها ظروف الحياة وانشغالاتها..
وبالتالي لا احد يعرف ماسر المتنبي وجمعته التي علقت في نفوسنا ولا يمكن التخلص منها.
كاظم لازم - نبراس الذاكرة
1061 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع