"اسمي بولا" ليس مجرد سيرة نجمة سينمائية.. نضال ومقاومة ومواقف بطولية لنادية لطفي
لمياء رأفت - الجزيرة نت:نشرت دار نهضة مصر مؤخرًا كتاب "اسمي بولا" من تأليف أيمن الحكيم، وهو سيرة للنجمة السينمائية المصرية الشهيرة "نادية لطفي"، وعمل عليه الكاتب مطولًا مع الممثلة الراحلة، التي سجلت معه حلقات من مذكراتها على مرّ سنوات صداقتهما الطويلة، وحقق الكتاب سريعًا شعبية في مجموعات القراء على مواقع التواصل الاجتماعي، كما لو أن النجمة لم تكن من أجيال سابقة، لم تصل أعمالها إلى أغلب القراء سوى عبر التلفزيون في إعادات العرض.
عاشت نادية لطفي حياة غنية للغاية، لم تكن أي من مراحلها عادية بالنسبة لامرأة مصرية في عمرها، فحتى اسمها الذي حملته شهادة ميلادها كان غريبًا، فقد أسماها والدها السيد محمد شفيق "بولا" على اسم الراهبة التي ساعدت في ولادتها العسيرة، لتحمل اسما جعلها لا يمكن تصنيفها في دين واحد بسهولة. وفي عمر المراهقة، كانت صديقتها المقربة هي "عنايات الزيات" التي كبرت بعد ذلك وأصبحت كاتبة، ولها رواية شهيرة في الوقت الحالي هي "الحب والصمت" التي أثرت حياة "بولا" الثقافية مبكرًا، وحتى زواجها المبكر نسبيًا جعلها تتعرف على رمسيس نجيب المنتج السينمائي، الذي رأى فيها موهبة كامنة وأنتج أول أفلامها.
وتنقلب حياتها فجأة من الأم الأرستقراطية الشابة إلى نجمة سينمائية كبيرة، ولم يكن ذلك سوى البداية؛ فلم تكتف نادية بالسينما والفن والثقافة، بل كانت لها اهتمامات اجتماعية ومواقف سياسية شهيرة، فبعد حرب السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973 نقلت حياتها إلى مستشفى القصر العيني، لتتطوع بالعمل في العناية بالجرحى والمصابين، ولم تقدم فقط وقتها ومجهودها فحسب، بل استخدمت كذلك معارفها ونفوذها في تسهيل عمل الأطباء، والحرص على تقديم أفضل عناية ممكنة للمرضى وأقاربهم.
وخلال العدوان الإسرائيلي على لبنان، وفي محاولة لدعم المقاومة؛ سافرت خفية إلى هناك، وانضمت إلى المقاومة لتدعمهم عاطفيًا ونفسيًا، وعاشت في ظروف صعبة وتحت خطر الموت قبل عودتها إلى مصر، وفي شيخوختها ظلت متابعة للحراك السياسي العربي، وزارها الرئيس الراحل ياسر عرفات في منزلها لتكريمها، من بين تكريمات كثيرة أخرى حصلت عليها خلال مسيرتها التمثيلية وبعدها.
https://www.youtube.com/watch?v=VrzPuPIosro
شهادة على العصر
لا يعد كتاب نادية لطفي "اسمي بولا" مجرد سيرة ذاتية أو مذكرات لنجمة سينمائية، بل شهادة على عصر كامل، منذ طفولتها وحتى وفاتها، حيث بدأت مسيرتها في النصف الثاني من الخمسينيات بعد ثورة 1952، وتعرفت على أهم نجوم ومثقفي جيلها والأجيال السابقة والتالية لها.
وتم تقسيم الكتاب بالفعل إلى أجزاء متعددة، منها عن السينما، أو عن الثقافة، أو عن السياسة، وكل جزء يحتوي على فصول مختلفة، مخصصة لأعلام وأسماء شهيرة تعرفت عليهم، وذكرياتها مع هذه الشخصيات، حيث يعرفنا الكتاب على تفاصيل دقيقة غير متداولة، أو وجهة نظر نادية لطفي نفسها فيها.
وبحكم عملها في السينما المصرية خلال عصرها الذهبي، تعرفت نادية على أهم نجومها بطبيعة الحال، من رشدي أباظة إلى عمر الشريف وكمال الشناوي، وقدمت خلال مسيرتها السينمائية عددا كبيرا من الأفلام المقتبسة عن أعمال أدبية، وهو ما كان بداية لعلاقتها بأهم أدباء وكتاب مصر، مثل توفيق الحكيم ويوسف السباعي وإحسان عبد القدوس، ثم انعقاد أواصر الصداقة بينها وبين كل هذه الشخصيات المهمة.
كذلك يمكن متابعة الاختلافات التي حدثت في فن السينما على مر سنوات عمل نادية لطفي منذ الخمسينيات، وبالتحديد عام 1958 في فيلم "سلطان" وحتى آخر أفلامها "الأب الشرعي" عام 1988، أي 30 عامًا عملت خلالها مع أهم المخرجين، سواء كانوا من المخضرمين أو الشباب، وكونت خبرة عظيمة، والأهم الآراء الواضحة والدقيقة حول ما كانت عليه السينما وأصبحت، حتى بداية توقفها عن التمثيل نهائيًّا.
وعلى سبيل المثال، وعلى عكس الشائع، لم تهاجم نادية لطفي المنتج "أحمد السبكي"، بل أشادت بدوره في الحفاظ على السينما، حتى لو كان ذلك لأغراض تجارية بحتة، في ظل تراجع رؤوس الأموال وعدم المجازفة في صناعة ثقافية مهمة، ولكن نتائجها ليست دومًا مضمونة.
وبخبرتها الطويلة، وحتى من دون أي دراسة نقدية، استطاعت نادية لطفي في كتابها إظهار الفروق في أساليب المخرجين الذين عملت معهم، وعلاماتهم المميزة، ولغتهم السينمائية، وكيف استطاع كل منهم إبراز جزء من موهبتها.
في النهاية، عاشت نادية لطفي حياة حافلة، سواء من الناحية الفنية أو السياسية أو الاجتماعية، وذلك ما أبرزته في كتابها، فلم تهتم بتقديم أي تفاصيل تتعلق بحياتها العاطفية أو الزوجية، ولم تذكر تفاصيل عن ابنها وزوجها السابق إلا بصورة عابرة، فليس هو الكتاب الذي يهتم بالقيل والقال أو فضائح المشاهير، ولكنه شهادة على عصر سابق بكلمات واحدة من أهم أعلامه.
687 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع