رحلات / مصاطب الرمل .. خمس سنوات في ليبيا - الفصل الثاني/محمد سهيل احمد
القسم الاول
الفصل الثاني
اصول الشعب الليبي
إن القبائل الليبية الأصيلة التي كانت تقطن ليبيا خلال الفتح الإسلامي في سنة 643 م (24هـ) تفرعت من جذعين، وهذا قول النسابة والمؤرخين، حيث ينتهي النسابون بالبربر إلى واحد من أصلين:البرانس أو البتر. البربر أو الأمازيغ وهم سكان شمال أفريقيا الأصليين، كما هو معروف، حيث عاشوا في المنطقة منذ العصر الحجري في نظام قبلي تطور مع قدوم المسلمين العرب.وقد منح البربر للأماكن التي عاشوا فيها أسماء مثل بربر لواتة وهوارة و زناتة ونفوسة في جبل نفوسة وكتامة وصنهاجة وزويلة ومزاتة وأوجلة . ويقول إحصاء يرجع تاريخه الى عام 1931 ان الليبيين بلغ عددهم حسب ذلك الإحصاء حوالى 268,000 الف نسمة أي ما نسبته 52% ، كما هو معروف، حيث عاشوا في المنطقة منذ العصر الحجري في نظام قبلي توطد مع قدوم العرب، وهم ينقسمون إلى فرعين: مادغيس و برانس . وقد أطلق الإغريق صفة بربر على اللييبين وعلى كل شعب لا يتحدث اللغة اليونانية وأخذ الرومان التسمية في عهد الإمبراطورية الرومانية واستمروا في إطلاقها على الليبيين وعلى كل شعب يرفض هيمنتهم . وأما البيزنطيون فقد أطلقوا عليهم تسمية مور وتعني السمر وينقسم الليبيون الأصليون إلى فئتين:ليبيين يتحدثون العربية فقط ويشكل هؤلاء غالبية السكان في غريان وككلة وزليتن وجنزور وصرمان وزواغة، ورغة، ورنزة ، ورفلة، ورشفانة، وريمة، ورغمة، تاورغا، تاغرمين، تاجورا، وترهونة ومسلاتة ومصراتة، وسرت ولمايا ، وأقلية في تاغرمين وتارديا وغيرها . وهناك ليبيون يتحدثون العربية واللغة الليبية بلغ عددهم 119,000 نسبتهم 23% ، ويشكل هؤلاء غالبية السكان في اوجلة وسوكنة وغدامس ونالوت وجادو وزوارة ويفرن وكاباو وامسين واوال وسبها وغيرها . كما ان هناك قبائل بدوية مرتحلة غير مستقرة يطلق الأهالي عليهم اسم العربان او الأعراب وجاء معظمهم من قبائل قحطان وعدنان خلال هجرة بنو سليم و بنو هلال عام 1051م بعد اخراجهم من شبه الجزيرة العربية على يد قبيلة بني تغلب . آما الكراغلة فهم مزيج من أغلبية تركية وبعض الشركس والارناؤوط (الألبان) والكورد وبلغ عددهم 25,000 الاف نسمة أي ما نسبته 5% . ويشكل هؤلاء نسبة معتبرة من سكان الزاوية وطرابلس وزليتن ومصراتة ونسب بسيطة في غريان وزوارة وبنغازي بينما يعود اصل الكريت (القريتلية) الى إحدى جزر اليونان وقد طردوا من جزيرة كريت بعد هزيمة المسلمين في القرن التاسع عشر الميلادي.ويشكل هؤلاء غالبية السكان في مدينة سوسة وعدد لا بأس به يعيش في شحات والبيضاء وقليل منهم في بنغازي وطرابلس وهم يتحدثون اللغة اليونانية والعربية. وهناك الأوروبيون واغلبهم من الايطاليين وصقلية وبلغ عددهم 35,000 الاف نسمة أي ما نسبته 7% ، وقد عاد معظمهم لبلدهم بعد هزيمة إيطاليا في عام 1934. بينما يقدر عدد السود في ذلك التاريخ بحوالي 3,000 آلاف نسمة أي ما نسبته 1%، ويتركز السود في قبيلة تاورغا الهوارية وفي الجنوب بإقليم فزان. إضافة الى التبو وهم ذوو بشرة سوداء وينتشرون في جنوب شرق ليبيا وبالذات في واحة الكفرة . أما اليهود فقد تواجدوا في أوقات مبكرة من تاريخ ليبيا وخاصة في اقليم برقة الشرقي، غير ان الاحتلال الروماني والبيزنطي قلص أعدادهم بدرجة كبيرة بسبب حملات الإبادة والنفي والتشريد . ولهذا السبب نجد ان الفكر الصهيوني كان ينظر الى ليبيا على أنها ارض الميعاد قبل الاستقرار على اختيار ارض فلسطين أرضا لإسرائيل بشكلها الحديث . أما اليوم فلا يوجد يهود اليوم في ليبيا إلا ما ندر. ويشاع أن القذافي نفسه من أصول يهودية والعهدة على الراوي .
في بيت صهري بطرابلس
مكثت خمسة عشر يوما في بيت اختي أم دريد بمدينة طرابلس الغرب او ( أويا ) حسب تسميتها القديمة ، دون ان أفكر لحظة في الخروج من اجل التجول واستطلاع أحياء المدينة . قضينا الوقت في استذكار أيامنا العذبة والمريرة في بصرة الامس القريب والبعيد . ولدى استفساري عن ابنها البكر دريد عرفت بأنه غادر ليبيا الى اسبانيا ومن ثم الى سويسرا حيث افلح في الإقامة في بلدة ( سيون ) هناك .وبقدر سعادتي بأخبار رحلته الناجحة التي تمخضت عن استقراره هناك ، شعرت بقدر لا يوصف من الحزن لافتقادي اياه ، ذلك لأنني فارقته صبيا لم يتعد السادسة من عمره الغض في بصرة أواخر السبعينات . وقد روت لي أمه أكثر من حكاية عن رحلته المحفوفة بمخاطر المجهول لاسيما وان دريد كان صغير السن قضى جل سني عمره العشريني في ليبيا من دون أهل او أقرباء . يروي دريد حكاية وصوله الى مدريد ليلة الاحتفال برأس السنة الجديدة . كان عليه ان ينتظر في اليوم التالي شخصا ما عراقي الجنسية كان بمثابة الصلة بينه وبين طرف ثالث كانت مهمته إيصاله الى مقصده المطلوب . كان عدد من العراقيين المغتربين يعملون في شبكات تمرير او تهريب اللاجئين الى عموم البلدان الأوربية لقاء مبالغ متفق عليها . مكث دريد وحيدا على احدى مصطبات متنزه شبه فارغ من متنزهات العاصمة الاسبانية صابرا منتظرا تحت وابل من المطر حائرا حول كيفية الوصول الى اقرب فندق حتى استحال الى كتلة ناقعة بماء المطر حين دنت منه فتاة اسبانية . وبعد التحية ومعرفتها بأنه عراقي قادم من مكان بعيد وانه لا يعرف شيئا عن طرقات مدريد، دعته بلهجة انكليزية ركيكة الى المبيت لدى أسرتها . فوافق دريد مستقلا معها سيارة الأجرة التي قادتهما الى حي شعبي ومن ثم الى الشقة التي تقيم فيها أسرتها حيث أمّنت له بعض الملابس الجافة ووجبة شهية من طعام العشاء لتستأذنه في النهاية برغبتها في الخروج لتمضية سهرة الاحتفال بالسنة الجديدة مع صديق لها .
شعرت ببعض الحزن لعدم لقائي بابن اختي منشغلا بالصدمة الثانية التي تلقتها شقيقتي وهي تسألني عن أبيها فأخبرتها بأنه قد رحل قبل عام ونصف فانتابتها نوبة نحيب لقيت صعوبة في إيقافها !
كنت راغبا في تقديم أوراقي لوزارة التربية الليبية من اجل تنسيبي لأحدى مدارس العاصمة ، وحين أخبرت صهري محمد برغبتي تلك ؛ قام باصطحابي لما يسمى بشعبية التعليم في طرابلس حيث ابلغني احد موظفيها بأنه يتعين علي تقديم أوراقي الى وزارة التربية الكائنة في مجمع الوزارات في مدينة سرت العاصمة المستحدثة من قبل العقيد القذافي بسبب انتمائه اليها مولدا ونشأة ، وحين سألت عن المسافة بين طرابلس وسرت قيل لي بأنها تتجاوز الخمسمائة كيلومتر : ليبيا شاسعة المساحات وعليك ان تتعود على ذلك . شعرت بمزيد من الاكتئاب لا لبعد الشقة وحسب بل لمفارقتي لطقس الأسرة المتمثل في أبناء أختي الستة جنبا الى جنب والديهما .
اقترحت شقيقتي ان نقوم بجولة في اسواق طرابلس بسيارة زوجها الرينو القديمة تغييرا لأجواء البيت وشراء بعض الحاجيات المنزلية من احدى التشاركيات الحكومية . ما لفت انتباهي هو هيمنة اللون الأخضر على واجهات المحلات تيمنا بذلك اللون الذي يبدو انه اللون المفضل للعقيد والذي آثر اختياره لعلم البلاد مثلما أطلقه تسمية لكتابه التنظيري ( الكتاب الاخضر ) الذي ضمت صفحاته آراء العقيد ومجمل رؤاه السياسية التي قرر تطبيقها في الجماهيرية الليبية العربية الاشتراكية العظمى والتي اثارت قدرا كبيرا من الاستغراب والتندر اذكر من بينها نكتة السادات وهو يردد التسمية قائلا : الجماهيرية العربية الليبية.. خذ نفس ! مكملا .. الشعبية الاشتراكية العظمى !
على الرغم من ان الساحة الخضراء القريبة من البحر تبدو رحبة المساحة ، غير ان معظم الأبنية المطلة عليها تبدو عتيقة الطراز فهي اما عثمانية او ايطالية ، اما شوارع المقريف والشوارع الأخرى التي تصب فيها فلم تكن اقل قدما وكآبة من الساحة نفسها .
لم تكن التشاركية ــ وهي التسمية الليبية لمفردة شركة ــ التي يعمل فيها صهري بعيدة عن الساحة الخضراء . وكان نشاطها ينصب على نصب اعمدة الكهرباء بإدارة كل من المهندس ابراهيم وصهري محمد الذي تخرج من قسم الكهرباء بالمعهد التقني في البصرة وجلّ خبرته متأت من عمله في سبها كبرى مدن الجنوب وهو لهذا السبب كثير التردد على تلك المدينة الغائرة في رمال صحراء تمتد الى أقاصي الجنوب حيث حافات الصحراء الكبرى . وقد لاحظت خلال الزيارتين اللتين قمت بهما لمكتب التشاركية ان العمال ينادونه بالمهندس محمد.
اعود الى موضوع التسوق من مخازن الجمعية الشعبية القريبة من سكن محمد كان يحمل جانبا من خيبة الأمل والسبب رثاثة المعروض حيث ابتاعت لي شقيقتي قميصا عتيق الطراز ( من ايام العصمللي ) على حد قول أبناء جلدتي العراقيين .
ولعل وطأة الصدمة أنني عندما كنت في الكويت ، كنت احرص على اقتناء احدث القمصان وبأسعار زهيدة من سوق واجف هناك .
خلال الأسبوعين اللذين قضيتهما في بيت اختي المستأجر قمت بجولات قصيرة في زنقات ( ازقة ) حي الشرقية التي لم تكن تتعدى الثمانية امتار غير انها لم تكن متشعبة بل متقاطعة وأرضها رملية لا تخلو من بعض الصلابة ومعظم بيوتها من فئة الثلاث غرف أي ان الشرقية كان حيا شعبيا لكن من دون حياة صاخبة.
كان زوج اختي يقضي اول النهار في التشاركية ويعود بسيارته القديمة في فترة الزوال لينعم بقيلولة ساعة او اقل قبل ان يلتقي أصدقاءه ومعظمهم من المغتربين الذين غادروا العراق قبيل وبعد الحرب العراقية الايرانية ومن افراد من المعارضة ممن هربوا من أتون الحرب او من السجن او الإعدام . ومع قدم اقامتهم في ليبيا وحاجتهم لمال ينفقونه على انفسهم او على اسرهم تحول بعضهم الى العمل كمهربين لإفراد المعارضة السياسية . متقلبين في السكنى بين هذا البلد او ذاك . ومن التقيته من ذلك الصنف من المعارضين عبد الحميد عبود الشريف وهو من أهالي منطقة شط العرب ويبدو انه كان ذا اتجاه قومي .تحدث طويلا عن تجربته السياسية زاعما انه قام بصفع صدام حسين ايام اوائل الستينات في احدى المظاهرات! ولست متأكدا ان كانت في روايته شائبة او مااشبه . وكثيرا ما ردد تلك الحكاية كلما قدم للزيارة برفقة زوجته الليبية. النموذج الثاني كان شابا تعود اصوله الى احدى محافظتنا الجنوبية ، التقينا في المتنزه المجاور لميدان الجزائر تلبية لدعوة منه بمناسبة حصوله على اقامة العمل . كان مدرسا بأحد معاهد التكوين ، حسب التعبير الليبي ومعاهد التكوين هي المدارس والمعاهد التابعة للتعليم والتي تسمى عندنا بالمدارس المهنية ، وقد سبق له وأن اقام في رومانيا ودرس هناك وتزوج من فتاة رومانية أنجبت منه طفلا . ولكنه وخلال زيارة قام بها لأهله في العراق طلب منه أعمامه وبناء على اتفاق قبلي سابق ان يفي بوعده بالزواج من ابنة عمه . وقد حاول في بادئ الأمر الاعتذار عن ذلك الزواج الا ان أبويه ضغطا عليه فطلب منهما ان يمهلانه لحين عودته في العام القادم ، وعاد الى رومانيا ليعرض الطلاق على زوجته التي اقترن بها تلبية لنداء القلب لا نداء الواجب . صدمت زوجته الرومانية بذلك الخبر الذي نزل عليها كالصاعقة وحاولت ان تثنيه عن عزمه من اجل مستقبل طفلهما على الأقل .غير انه داس على قلبه وقام بتطليقها ليعود الى قريته ويتزوج ابنة عمه . وبعد شهور وصلته رسالة من زوجته الرومانية تخبره بأنها هاجرت للولايات المتحدة الامريكية وإنها تشعر بالمرارة وتفتقده كثيرا . وحين سألها عن مصدر عيشها ابلغته بأن لا يقلق فكل شئ في الاوكي وأن وضعها المالي فوق الجيد !
يتبع ...
للراغبين الأطلاع على الجزء السابق:
https://www.algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/thaqafawaadab/64696-2024-09-03-15-50-18.html
1388 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع