انور شاؤول ...رائد ألقصة ألعراقية قتلهُ حَنينه للعراق

   


انور شاؤول 1904-1984 شاعر و أديب عراقي

                        

    

     

انور شاؤول من الشعراء العراقيين الاوائل في العصر الحديث ، وهو كاتب قصة من الطراز الاول كتب عنه الاستاذ جعفر الخليلي في كتابه : " القصة العراقية قديما وحديثا " وعده من رواد القصة الحديثة في العراق .

وهو يهودي من مواليد مدينة الحلة –محافظة بابل سنة 1904 تخرج في كلية الحقوق –بغداد سنة 1931 . أصدر مجلة الحاصد " سنة 1929 في بغداد واستمرت حتى سنة 1938 وكان لها دورها في تنمية الوعي الثقافي في العراق .
اسس شركة للطباعة تميزت بأنها تولت طبع عدد من الكتب المهمة من قبيل مؤلفات المؤرخ العراقي الاستاذ عباس العزاوي .

                       

                       المؤرخ عباس العزاوي

 اضطر لترك العراق في السبعينات من القرن الماضي وسافر الى بريطانيا .

من مجاميعه القصصية :
"الحصاد الاول "
" في زحام المدينة "

ديوان شعر بعنوان : " همسات الزمن "

ترجم " قصص الغرب "
" في سبيل الحرية "
"اربع قصص صحية "

كتاب " قصة حياتي في بلاد الرافدين "  الصادر عن مطبعة الشرق العربية بالقدس 1980
كتاب " وبزغ فجر جديد " اصدره سنة 1983


لقد أبدع اليهود العراقيين في الأدب والقصة والصحافة , وكان من بينهم الأديب والشاعر والقاص أنور شاؤول إضافة لمهنة المحامات التي كان يزاولها , فقد ولد في بابل عام 1904 وتلقى مباديء دروسهُ فيها ثم استقر في بغداد عام1916 لانتقال اسرته اليها , لكن وفاءً للحلة وحنينه الى مياه الفرات كان الشوق يلوذ به:
حبي لموطني العزيز والآلي بسطو محبتهم عليّ وأغدقٌ
من مسلم جمع المكارم خلقهُ فأذابهُ ذاك الصباح المشرق
ولهُ قصيدة في رثاء والدته الذي فارقها منذ الصغر:
أُماه عيني بك ما متعت ولم يحزّ منكِ فمي قبله
وعيشتي بعدك ما أينعت والقلب يا أم شكّان عله
فإن جفوني من جوى أدمعت ليلاً وروحي أطلقت أنه
درس الأديب أنور شاؤول في مدرسة الأليانس وأكمل الثانوية فيها , وبسبب دعوة المجلس الجسماني الذي كان يشرف على المدارس والمستشفيات اليهودية إلى ضرورة تدريس أبناء طائفته في المدارس الأهلية فقد عمل في هذه المدارس حتى عام 1924 ثم في الصحافة ( جريدة الصباح الإسبوعية) وكان ينشر شعره باسم مستعار ( إبن السموءل) وكانت له مجله اسبوعية أدبية تصدر باسم( الحاصد) عام1929 وزاول ألمحاماة بعد حصوله على شهادة الحقوق عام1931 .
فقد نظم الكثير من الشعر وكتب الكثير من القصص فقد تجاوزت 11كتاباُ بين ديوان شعر وقصة , وعدهُ الأديب جعفر الخليلي من رواد القصة الحديثة في العراق , ولهُ قصائد جميلة لوصف الحرية وكرامة الشعوب ورفضه للنظام النازي في ذلك الوقت التي بشر بها هتلر والمفتي أمين الحسيني مستشار رشيد عالي الكيلاني في العراق:
نظامَ أقاموه على النار والدم وفيه استباحوا كل فعل محرمُ
لقد سنهُ طاغٍ غشوم مسيطر وأسلمهُ في كف باغٍ ومجرمِ
وحل محل الحق زورُ وباطلُ ودّيس على العدل الحبيب بمنسم
كان الشاعر يدعوا إلى التسامح ورفض الحرب والمأساة وذو المسحة الإنسانية ولكن القدر وخطوب الحروب القاسية كان امتحاناً صعباً وقاسياً لهُ , منها حرب حزيران عام 1967 التي كان لها امتحان عسير لكل أبناء العراق من يهود وعرب , وقد أثبتت وطنيتهم لرفضهم هذه الحرب , ولكن الحكام المستبدين والأفكار البدوية التي كانوا يعملون بها والسائدة على أفكارهم , فوقع على أبناء العراق من اليهود, الاضطهاد والتعذيب والخطف والقتل دون جرم اقترفوه , وحرموا من وظائفهم وعملهم . لكن الأديب أنور شاؤول له دور في المنتديات الأدبية في العراق ومنها المؤتمر العام للأدباء العرب المنعقد في بغداد عام1969 بقصيده عصماء رائعة دلت على حبه لوطنه وشاعريته الفذه:
قلبي بحب بني العروبة يخفقُ وفمي بضادهم يشيد وينطقُ
أولست منهم منبتاً وأرومة قد ضمنا الماضي البعيد الأوثقُ
واليوم نحو المجد نقطع دربنا وإلى الغد ألهاني معاً نتشوقُ
لكن الظلم والجور والإضطهاد واحتساب أنفاس أبناء الطائفة اليهودية من قبل حكام الظلام ألبعثيين , فقد مدت يد زناة الليل إليه ,لاعتقاله وزجه في المعتقل لفترة طويلة ثم أطلق سراحه فنظم قصيدة بذلك:
إن كنت من موسى قبستُ عقيدتي فأنا المقيم بظل دين محمد
وسماحة الإسلام كانت موئلـــــي وبلاغة القرآن كانت موردي
ما نال من حبي لأُمة أحمــــــــــد كوني على دين الكليم تعبدي
سأظل ذياك السموأل في الوفــا أسعدتُ في بغداد أم لم أُسعدِ
لقد إتسم شعره ذو القافية الواحدة الخفيفة المتعددة في إطار التجديد والتنويع من مدح وغزل ورثاء , وقد هام في أيام شبابه بشابة تدعى مريان حباُ وهياماً صوفياً أُحادي الجانب , تلك الفتاة ذات الثغر النوراني فقد قال بحقها:
ابسمي لي ففي ابتسامتكِ سحرً دائم الفعل في قرارة نفسي
ابسمي لي مثل ابتسامة ألدراري واطردي ذكريات يومي وأمسي
هو ثغرً يذكي الصبابة في القلب ويحيي الأهواء في كل حسي

                                                   

                     البروفسور سامي مورية

لقد شارك الشاعر والأديب أنور شاؤول في الأمسيات الاذاعية والتلفزيونية ويشير البروفسور شموئيل سامي مورية استاذ الأدب العربي في الجامعة العبرية يقول:

                                
 
                     الرئيس أحمد حسن البكر

( وقد وجهت الدعوة ألى الأديب والشاعر الكبير الأستاذ أنور شاؤول المحامي مرتين للظهور في ندوات أدبية في التلفزيون العراقي , كما وقد أرسل لهُ الرئيس أحمد حسن البكر باقة من الزهور عند دخوله إلى المستشفى للعلاج, فرأينا بهذه بادرة طيبة لحسن النية).
ولكن هذه البادرة الطيبة لم تدم طويلاً والخير الذي استبشر به الشاعر ابن العراق لم يدوم في عهد الظلم الذي وزع بالتساوي بين أبناء العراق جميعاً , فقد هبت عاصفة التهجير واغتصاب الحقوق , ومصادرة الأموال والأملاك للعراقيين اليهود, بحملة جديدة وبمذبحة جديدة منها مذبحة عائلة قشقوش اليهودية العراقية.. فقد ذبحوا جميعاً والمتكونة من الأبوين وولدين كبيرين وبنت واحدة قد تخلصت من المجزرة بعدم تواجدها في الدار تلك الليلة.

رأي النقاد في الأديب أنور شاؤول

                     
 
                       الدكتور عبد الإله أحمد

لقد خص الناقد الدكتور عبد الإله أحمد رحمهُ الله بفصل خاص من كتابه( نشأة القصة وتطورها 1908-1939) فضلاً كبيراً للشاعر والأديب أنور شاؤول وبقية الأدباء من أمثال نعيم طويق ونسيم عزرا وأدمون صبري وشالوم درويش وإلياس قطان وإلياس ترجي صيون وهارون يهودا .فلليهود الأدباء الأثر الكبير في تطور وتحديث الشعر والعراقي والابداع والاهتمام بتأريخ الأدب العربي.
 
فقد غادر الأديب أنور شاؤول العراق بسبب الاضطهاد والملاحقة مع من غادر من اليهود العراقيين أرض الوطن , بسبب لوعة التهجير والعهّر السياسي والقمع والترويع , الذين ناضلوا من أجله طوال سنوات طويلة لعراق مزدهر ووطن سعيد. فقد تمسك الأديب والشاعر بتربة العراق بحرص ومحبة وترك خلفه كل شيء من ذكريات وكتب وأصدقاء , فكان ذو انسانية كبيرة وموهبة صحفية خارقة , مرهف الحس والقلب متواضع.
إن النزعة العلمانية والأفكار التحررية قد وحدت يهود العراق واندماج عدد كبير من الكتاب في الحياة الثقافية , وكتبوا انتاجاتهم باللغة العربية كالأديب أنور شاؤول الذي كتب الكثير من الشعر ودون سيرته الذاتية عند مغادرته العراق الى المهجر عام1971منها ( قصة حياتي في وادي الرافدين ) وديوانه الشعري ( وبزغ فجر جديد) في نهاية حياته ثم وافتهُ المنية يوم 14 كانون الأول 1984.

                      
 
               كتاب  قصة حياتي في بلاد الرافدين  

كتاب  قصة حياتي في بلاد الرافدين  الصادر عن مطبعة الشرق العربية بالقدس 1980 ، والذي زينته مقدمه الأديب البروفسور شموئيل موريه باعتباره رئيسا لرابطة الجامعيين اليهود النازحين من العراق .
يشكل الكتاب مزيجا من المشاعر والمواقف والأحوال التي كان عليها العراق في السنوات الأولى للحكم الملكي بعد انزياح سلطة الدولة العثمانية وقيام الحكم الوطني ، كما تشكل بعض الإشارات التي يسردها أنور شاؤول بصدق الواثق من نفسه وبيقين العارف محبته وعشقه لجذوره في العراق ، تلك الجذور التي اثبت الزمن انه وغيره من يهود العراق أمناء عليها ما بقي الإنسان والعراق ، ونستطيع إن نتجاوز فنقول انه أرخ جزء من الضيم الواقع على أبناء العراق من اليهود ، والقحط الإنساني الذي حل في النفوس ، والممارسات التي حرصت السلطات المتعاقبة من العهد الملكي مرورا بعهود الانقلابات العسكرية على تنفيذها بحق تلك الشريحة العراقية ، التي تمسكت بالعراق بأنياط قلوبها وبرموش عيونها ، ورحل العديد منهم ولم يزل نخيل العراق ينتج فسائل داخل روحه ، فينقل تلك المحبة ويبوح لأجيال لم تر العراق بتلك العلاقة الأزلية بين الإنسان والوطن ، وبين الإنسان والإنسان
 
     

يستذكر المؤلف طفولته ومرابعه في مدينة الحلة ومابين نهر الحلة وخرائب بابل ، وذكريات نابتة في الروح تتلون صورتها كلما عبرت سنوات أنور ، ومابين الصوب الصغير والكبير ، ومحلة الهيتاويين وثورة العشائر ، تشعر انه يتحدث عن قطعة من القلب تركها قسرا ، وان حروفه مغمسه بألوان الروح العراقية التي تمتد جذورها في أعماق التاريخ السحيق .
وفي حادثة يسردها العراقي أنور تتضمن دلالة أكيدة على تلك الأواصر والروابط الإنسانية المتينة التي تربط العراقيين دون اعتبار للقومية أو للدين أو المذهب ، تلك الروابط التي كان يلتزم بها المجتمع العراقي ويتباهى بها الى جانب كل قيم الخير والنخوة والشهامة والكرم والمروءة ، فقد توفيت والدته ولم يزل رضيعا في الشهر السابع ، وفي لجة انشغال العائلة البحث عن مرضعة له ، تحل عليهم جارتهم ( أم حسين ) التي اعتادت إطعامهم التمر الأشرسي من نتاج نخلات بيتها ، تصطحب معها ابنة عمها ( وضحة – أم عبد الهادي ) التي تتبرع بإرضاع أنور ، ثم تقوم بإرضاعه ليصبح أنور شاؤول أخ لعبد الهادي بالرضاعة .
تلك الحادثة تعبر تعبيرا دقيقا عن عمق المعاني الإنسانية والقيم العراقية التي تسود المجتمع في تلك الفترات ، تلك الشهامة والتسامح والمحبة التي تسود حياة البشر ، وكيف نقارن تلك الواقعة مع ذلك الحقن المتخم بالكراهية الذي ساد بعد حال تجاه اليهود في العراق ، ( حتى تم رفع اسمهم اليوم من الدستور الذي انتظرنا أن يمنح الحقوق للجميع ) ،غير أن جذوة الحقد الأعمى التي تجعل فوارق وعلامات مختلفة على الأطياف العراقية ، فتوزع الوطنية والمواطنة درجات وفقا لمعايير دينية ضيقة أو قومية أو مذهبية أكثر ضيقا مزقت النسيج وأشاعت الفرقة اليوم .
ومابين شط الحلة والطريق الى بغداد ، يبدأ أنور شاؤول مرحلة أخرى من حياته ، تشعر وأنت تقرأ له التصاقه بالعراق وحرصه النابع من وجدانه تجاه كل أهله .

            
 
                          الملك فيصل الأول

وأذ يعبر العرش عن نظرته الإنسانية الدقيقة لمعالم الحياة العراقية من خلال خطاب الملك فيصل الأول ملك العراق وهو يخاطب أبناء العراق ، و الذي جاء فيه : (( لا شيء في عرف الوطنية اسمه مسلم ومسيحي وإسرائيلي، بل هناك شيء يقال له العراق... وإني أطلب من أبناء وطني العراقيين أن لا يكونوا إلا عراقيين، لأننا نرجع إلى أرومة واحدة، ودوحة واحدة ... وليس لنا اليوم إلا واسطة القومية القوية التأثير)) .
وعلى هذه الأسس كانت تتعايش الناس ، ويعود أنور شاؤول يستعرض دراسته الابتدائية وانتقاله بين المدارس وتنقله بين المعلمين ، تشعر بتلك الحرية والفسحة من الحرية التي تتمتع بها الناس في بلد يتسع لكل الأطياف الإنسانية ، خليط من المسلمين والمسيحيين واليهود والصابئة المندائيين والأيزيديين ،لاتميز دياناتهم وخصوصياتهم ، كلهم يسعون لبناء العراق لاتحددهم خصوصيات أديانهم ، فلكل شأنه الخاص ودينه الخاص ايضا . وحين يستذكر أنور المعلمين الذين مروا بحياته ، والأسماء التي بقيت في ذاكرته ، لن يتجاوز أسماء علماء وشعراء من المسلمين كانوا يعملون في مدارس اليهود ، فيذكر السيد محمود الوتري وغالب العزاوي وفضيلة الشيخ عبد العزيز الشواف ( ص 62-65) ، وهذا الخليط المتنوع من الأساتذة والأسماء التي ساهمت في أنجاز الثقافة العراقية بكل خطوطها ، يدل على عمق ما تركته تلك النخب من أثر في تلاميذهم ليس في المعرفة والثقافة والتعليم ، إنما بالالتزام والأخلاق والوطنية .

                 

   
وأذ يستعرض أنور شاؤول جهاده في العمل ومتابعة التعليم ، فأن جذوة الشعر لم تنطفيء داخل روحه ، فكان ينظم القصائد ويبحث عن الشعراء ليتزود منهم ما يستطيع ، فيذكر عن علاقته بالشاعر جميل صدقي الزهاوي وبمعروف الرصافي ، حيث بدأ خطواته الشعرية في العام 1921 ، ثم اكتملت في العام 1925 ، بالإضافة الى مقابلته لشاعر الهند وفيلسوفها رابندرانات طاغور ، تلك الشخصية الكبيرة والمؤثرة .

                         
 
                                  طاغور

ومن أشعاره عن الحلة الفيحاء قصيدة بعنوان مسرح الصبا :
ياديارا حبها تيمني لك في قلبي غرام أبدي
يانسيما هب أبان الضحى أنت جددت الهوى في كبدي
يافراتا ماؤه قد لذ لي لك إني عطش من آمد
بلدي افديك إن عز الفدى بلدي .. ياطيف أمسي في غدي
هاك مني القلب ذكرى لاتني في الوفا صادقة للأبد

ويتابع ذكرياته وعمله في الصحافة العراقية واضعا قدمه على أسس راسخة ، ومن كلية الحقوق الى الشغف بالشعر والعمل في الصحافة ، يستذكر علما من أعلام القانون ومرجعا تعتز باسمه المحاكم العراقية حتى اليوم ، انه القاضي داود سمره ، القانوني الضليع والكبير والنزيه العادل ، وكان أول حاكم لمحكمة البداءة في العراق في العام 1917 ، فيخصص له جزء مهم من هذه الذكريات العبقة .

              

                          يونس السبعاوي

ويعود شاؤول لاستذكار الأسماء التي رافقته في رحلة العمر ومزقت شملهم الأيام ، فيذكر منهم جميل عبد الوهاب الذي صار وزيرا للعدل وصهرا لنوري السعيد ، ويونس السبعاوي احد الضباط الأربعة الذين تم تنفيذ الإعدام بهم ، وعبد القادر إسماعيل الكادر السياسي اليساري والمحامي اللامع ، وعزيز شريف القاضي والسياسي وعضو مجلس السلم العالمي ووزير العدل ، حيث كانوا رفاق رحلة كلية الحقوق .

دخل الكاتب مهنة المحاماة في خريف العام 1931 مندفعا واثقا من قدرته على العمل ، يخوض تجارب تؤهله لأن يكون من المحامين المتميزين في بغداد ، غير انه بعد سنوات لاتتعدى أصابع اليد ارتبط بوظيفة مشاور قانوني لنظارة الخزينة الملكية الخاصة ، بالإضافة الى عمله وكيلا عاما عن شركة دخان طبارة وعبود ، وبالنظر لتوسم السلطات القضائية بثقافة وحيادية أنور شاؤول فقد جرى انتخابه خبيرا في العديد من الوقائع السياسية منها أو الثقافية أمام المحاكم العراقية .

وكان لمجلة الحاصد تأثيرا روحيا كبيرا في نفس شاؤول ، فقد رعاها بماء العيون وسقاها من ثقافته الإنسانية ، وكان للمجلة تأثير واضح وإسهاما بليغا على الثقافة العراقية والجمهور العراقي المتابع ، ما جعلها من بين الصحف والمجلات الشهيرة في العراق وبالتالي صار اسم أنور شاؤول مشتهرا ومعروفا ايضا .

ويوجه الكاتب في الصفحة 166 من الكتاب نقدا للقانون الجنائي العراقي بصدد النظرة الى المتهم السياسي ، ويطرح أفكاره للتفريق بين المتهم العادي والسياسي في أمور لعله لم يكن يتوقع أن يأتي زمان تصر فيه السلطات الحاكمة في العراق على مخالفة تلك المقترحات التي صارت التزاما دوليا ونصت عليها لوائح حقوق الإنسان ، فيتم تعاملها مع المتهم السياسي بأقل قيمة من المجرمين العاديين ، وتلك مصيبة نظرة تلك السلطات حول قضية الفكر .
ومن خلال مسيرة أنور وأوضاع اليهود العراقيين تتلمس ذلك التمازج الإنساني في الحياة ، تلك الحياة البسيطة ، الحرص الذي يلتصق به الجميع ، متطلعين نحو مستقبل يليق بالإنسان .
ويستمر أنور شاؤول في مساهماته الثقافية وإثراء المكتبات العراقية ، ليس فقط بأشعاره وقصصه الواقعية ونقده اللاذع ومقالاته الصحفية ، إنما من خلال تأسيسه لشركة الطباعة التي ساهمت في أنجاز العديد من التراجم والإصدارات العراقية المهمة .
وفي التفاته عن أجواء الحرب العالمية الثانية وما أحدثته النازية من خراب في النفوس ، فقد كان قلة ممن فقدوا الوعي وغفت ضمائرهم يناصرون النازية ويمجدون هتلر زعيم الحروب وقائد الموت ، مع أن تلك النازية تعتبرهم أقل من القرود منزلة ، ولاعجب في بعض ممن يجد في الظالم معبودا وفي السلطات الفتاكة والطاغية خلاصا وانسجاما مع روحه المسكونة بالذل والتردي والانكسار .
ولاريب أن مشروع الطباعة الذي أقدم عليه أنور شاؤول في منتصف الأربعينات عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية ، لم يكن مفروشا بالورود بل كان مشروعا جازف بكل ما يملك من اجل إن يجعل كلمة الحق والثقافة تنتصر ، ليساهم أنور في انتشارها والانتصار لها ، وبالرغم مما كان يعانيه العراقي اليهودي من كبت وقيود وظلم ، لكنه مضى في الطريق بالرغم من كل الغيوم الملبدة التي تغطي الأجواء وتثير الريبة ، إلا أن الروح تلك المتجذرة والنابتة مثل النخل لاتتردد في إن تثق بمنبتها وجذرها الغائر في أعماق العراق ، فقد كانت ثقة أنور شاؤول بالعراق كبيرة ولاتوصف .

               
 
                         الشيخ جلال الحنفي

فيدور دولاب العمل ، حينها يتحدث شاؤول عن مواكب النازحين وإسقاط الجنسية وحجز الأموال وتجميد الأموال والأرصدة ومنع السفر ورقابة الأمن ورقابة الهواتف ، ولكن دار الطباعة تنشر تأريخ العراق بين احتلالين لعباس العزاوي ، وتنشر ديوان الشيخ علي الشرقي وتنشر كتاب الحاكم الأديب مصطفى علي ( جرائم مرت أمامي ) ، وتنشر مباحث في الاقتصاد العراقي ومجموعة قصص للكاتب مير بصري ذلك الطود العراقي الذي بقي يعطي للعراق حتى اخر ايام عمره ، وكتب أخرى للعلامة مصطفى جواد والشيخ جلال الحنفي ونعمان ماهر الكنعاني وعلي الخطيب وبلند الحيدري وحسين مردان وبسيم الذويب .
كل هذا وإسقاط الجنسية والتجريد من الحقوق على قدم وساق ، فيأتي شباط 1963 الأسود يزيد حلكة الحياة في العراق ، ثم يأتي عهد دولتي أبناء محمد عارف الأسود منها والأبيض ، وفي كل تلك الأحوال تزداد قرارات التعسف والمنع والمراقبة وتحديد الإقامة ، وضياع الحقوق في الدستور ، والتنكر لكل المقاييس والالتزامات تجاه رعايا يحملون جذور العراق في أهداب عيونهم .

   
 
يقول شموئيل موريه في المقدمة : أن الذكريات التي دونها الأستاذ أنور شموئيل في هذا الكتاب تروي قصص الآلاف من يهود العراق الذين اخلصوا لبلادهم ومسقط رأسهم ، وعرفوا بوطنيتهم وخدماتهم الجليلة ، وكانوا من أركان نهضة العراق الحديث في ميادين شتى ، فكان جزاؤهم جزاء سنمار ، مما أضطرهم الى مغادرة العراق .
ولعل في تلك المكابدات التي شملت تلك الأعداد التي استلبت أرواحها ، من اليهود العراقيين الذين آثروا البقاء تعلقا وعشقا بالنخل والفرات ودجلة ، فيتم عزلها والتعامل معها بدونية وتنكر ، دون أي سبب مقبول أو معقول ، ويصل الأمر الى التصفيات الجسدية و لصق التهم بالخيانة والتجسس ، وقد تعبر الأبيات التي خطها أنور شاؤول عن الحزن المنكسر في قلب الإنسان فيقول :
 
قطعت دروب العمر أهبط تارة وطورا الى الأعلى أغذ وأصعد
وقلت سألقى الحق يوما وأن نأى فأطرد أحزاني بعيدا وأسعدا
ومر من العمر المقدر جله وكادت يد الأيام بالعزم تقعد
وأذ بنداء الحق يطرق مسمعي لعمرك أنت اليوم عني أبعد
وإذ تتقطع الأوصال وتتبعثر العائلة ، ويشيخ أنور شاؤول بعدما تكلس الحزن في قلبه ، فيزيد جدرانه صدأ وقيح ، وتدفعه الأيام ليشعر بالوحشة والغربة في وطنه وبين أهله ، بعد أن غادره الأولاد والأحبة ، وبات شيخا يشعر بمكابدات الوحشة والفراق ، فيلملم روحه بعد مكابدات ومنازعات عديدة ، وبعد أن صارت ملفاته كبيرة في دوائر الأمن دون جريرة أو تهمة ، وبعد أن تعددت مرات استدعاءه أمام ضباط الأمن وجلاوزة التحريات ، فيغادر جذوره ويحمل روحه مع ما تعلق بها من تراب العراق .

                              
 
يقول الشاعر جميل صدقي الزهاوي :

سيهذب المستقبل الأنسانا حتى يكون أبر مما كانا
حتى يبدل من عداوته رضى ومن القساوة رحمة وحنانا
عاش النصارى واليهود ببقعة والمسلمون جميعهم أخوانا

لم يكن الزهاوي موفقا في نبوءته ، فقد عم الحقد وتأصلت الشرور في النفوس ، وسادت مفاهيم الفرقة ، حتى اضمحلت تلك النقاوة في النفوس ، وتناست الناس تلك المودة والقيم ، ولم تتسع تلك البقعة المباركة لكل الناس ، حيث طغت قرارات الأشرار وحبائلهم تمعن في تقطيع أوصال تلك النفوس الموحدة ، مع أن تلك الأسماء لم يزل من يتمسك بها من أصحاب الضمائر الحية ، ولم تزل تلك المرضعات ( أم حسين ,ام عبد الهادي ) يتذكرن تلك البيوت العراقية من اليهود ، وهي تتمسك بكل تلك القيم والمفردات التي رضعوها من حليب العراق .

                     
 
ولعل أنور شاؤول حين نظم رباعيته الخالدة كان يعبر عن أحاسيسه كعراقي يحمل جذور العراق في تلافيف روحه ، كابد وأصر أن يبقي تراب العراق ينتشر فوق ذلك القلب الكبير ، صلبا ومتحديا كل عوامل الزمن الرديء ، يصد كل عاديات الأيام التي بدأت تنحدر من سيء الى الأسوأ ، لم يكن يعرف أن السمؤل صار أسما في الذاكرة المنسية لايعرفه العديد من أبناء العراق ،والسموأل (القرن السادس الميلادي) شاعر يهودي، ضحى بولده من أجل حفظ الأمانة، واشتهر بلاميته، التي منها البيت المشهور:

إذا المرء لم يدنس من اللوم عرضه فكل رداء يرتديه جميل .

ثم ادركته الوفاة في 14 كانون الاول سنة 1984 غريبا كئيبا وهو يردد
ان كنت من موسى قبست عقيدتي
فانا المقيم بظل دين محمد
وسماحة الاسلام كانت موئلي
وبلاغة القرآن كانت موردي
ما نال من حبي لامسة احمد
كوني على دين الكليم تعبدي
سأظل ذياك السموءل في الوفا
اسعدت في بغداد ام لم اسعد


رحم الله انور شاؤول فقد كان مواطنا شريفا رعى حقوق المواطنة حق رعايتها وكان انساناً نبيل القصد شريف الغاية تخطى كل القيود والسدود فما حال دونه دين ولا حبس من ان يندمج مع اخوانه في نسيج انساني فريد سيذكره له التاريخ بكل فخر واجلال , وعشقه لوطنه  أضناه حتى مماته (اسعدت في بغداد ام لم اُسعد ) للاسف لم يُسعد


ألمصادر
أنور شاؤول الذي يحمل العراق في تلافيف روحه/ زهير كاظم عبود
أنور شاؤول ....... أديب وشاعر وصحفي/ نبيل عبد الأمير الربيعي
مدونة الدكتور ابراهيم العلاف

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

611 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع