زرياب القرن العشرين.... منير بشير
كسر منير بشيرالعود مرتين. الأولى عندما حاول أن يُنزل عود والده المعلّق على الحائط، فسقط من يده على الأرض؛ حادثة جعلت الأب يستعيض عن معاقبة طفله بأن يصنع له نسخةً صغيرةً من هذه الآلة الموسيقية. أما المرّة الثانية فكسرَه برحيله عن عالمنا، في مصادفة التقى فيها غيابه وذكرى مولده في يومٍ واحدٍ هو 28 أيلول/ سبتمبر
منير بشير سيرة ذاتية
منير بشير الموسيقار العراقي وعازف العود المشهور، ولد في الموصل عام 1930 م وتوفي في 28/أيلول ـ سبتمبر عام 1997، كان والده يعمل في صناعة بعض أنواع الآلات الموسيقية الوترية كالعود، وكان عازفا ومغنيا أيضاً.
حصل على درجة الدكتوراه في الموسيقى المقارنة من هنغاريا عام 1962، درس فن الموسيقى في أرقى المدارس النموذجية في بغداد (أسس مدرسة الموسيقى والباليه) فأنشأ بذلك جيلا من محبي ومتذوقي الموسيقى، ويعتبر من العازفين المؤثرين في الموسيقى العربية في العصر الحديث
أعمال منير بشير
موسيقي أكاديمي, ملحن, كاتب أغاني وأوبريت, قصص وروايات, سيره ذاتيه, شاعر, أديب, فنان شامل لكل الفنون والآداب, ولد في مدينة الموصل عام 1930 م, وهو خريج المعهد العالي للفنون المسرحية في القاهرة في أواخر أربعينيات القرن الماضي, وقام عند عودته بالتدريس في معهد الفنون الجميلة في عصره الذهبي لمادة الموسيقى والصولفيج وتخرج على يده العديد من موسيقي تلك الأيام، مرحلة ازدهار الفن العراقي الأصيل.
عمل في التدريس والتأليف الموسيقي للكثير من الأناشيد الوطنية للمدارس ورياض الأطفال والتي لا زالت آثارها باقية في ذاكرة العديد من الناس الذين عاصروها خلال تلك الفترة, وكذلك كان أستاذاً في معهد الدراسات النغمية وأكاديمية الفنون الجميلة, في العقد الأخير من عمره لم يكن يميل للظهور الفني في وسائل الإعلام, لأنه لم يكن راضياً بالمستوى الفني, فقضي أيام شيخوخته يستذكر العديد والكثير من الحوادث والقصص والذكريات التي مرت عليه منذ صباه في مدينته ومسقط رأسه الموصل وقد قام بتدوينها على شكل مجموعات لكل حقبه من حياته.
حياته
يعتبر منير بشير الابن الثاني لعائلة بشير القس عزيز، بعد شقيقه الأكبر جميل، وقبل شقيقه الأصغر فكري، إلى جانب شقيقاته الثلاث. ولد في الموصل في عائلة يعلو بين جنباتها صوت الموسيقى، آلياً على العود، حيث كان الوالد عازفاً قديراً وصانعاً لبعض آلات الوترية، التي من بينها العود, وغنائياً، على صوت حناجر الوالد أيضاً، الذي كان يتمتع بصوت رخيم شفاف ساعده كثيراً في أداء تراتيل كنيسته السريانية الأرثوذكسية شماساً في خدمتها.
أتجه منير بشير منذ نعومة أظفاره نحو الموسيقى، وتأثر خاصة بشقيقه الأكبر جميل، يعزف على الكمان والعود في البيت، قبيل رحيله إلى بغداد للالتحاق بدراسة الموسيقى في المعهد الموسيقي الذي عرف فيما بعد بمعهد الفنون الجميلة. وهكذا انتقل تأثير الأجواء الموسيقية إلى كافة أفراد العائلة.
التأهيل الفني
التحق منير بمعهد الفنون الجميلة عام 1939، ليدرس العود على يد الشريف محي الدين حيدر (أستاذ وعازف بارع للعود والجلو) وليتخرج فيه عام 1946وقد تأثر كثيراً بأستاذه حيدر، وأخذ عنه أساليبه التقنية المتقدمة في العزف. كما كان الأمر عند شقيقه جميل. بينما تأثر زملاؤه سلمان شكر وغانم حداد وسركيس آروش بالروح الشرقية التقليدية.
مبنى الاذاعة والتلفزيون في بغداد
مارس العمل الفني في إذاعة بغداد، وفي تلفزيون العراق بعد تأسيسه عام 1956، عازفاً ورئيساً لفرقتها الموسيقية ومخرجاً موسيقياً، ومن بعد رئيساً لقسم الموسيقى. كما مارس التدريس في المعاهد. وأسس له معهداً خاصاً باسم (المعهد الأهلي للموسيقى)، وصار رئيساً لجمعية الموسيقيين العراقيين. وفي عام(1948) تسلّم رئاسة القسم الموسيقي في إذاعة بغداد، وفي عام(1954) قام بإخراج أول عمل تلفزيوني، إذ كانت رغبته الاتجاه نحو الإخراج التلفزيوني.
ثم سافر إلى هنغاريا في عام 1962، دارساً لعلوم الموسيقى المقارنة (Comparative Musicology) حاصلاً على درجة الدكتوراه في ذلك.
أول رحلة له في عالم الموسيقى قام بها كانت إلى اسطنبول وبعد ذلك ذهب إلى بيروت حيث تعرف على الأخوين الرحباني، وسجّل بعض الأغاني مع السيدة (فيروز) كعازف على آلة العود، ثم لحن لها عدّة أغاني منها: يا حنينة، يا حلو يا قمر، هيك مشي الزعرورة وغيرها الكثير.
ثم سافر إلى بريطانيا ليدرس الإخراج، وخلال وجوده في لندن سجّل للإذاعة البريطانية (56) مقطوعة موسيقية. لكنه لم يتابع دراسة الإخراج في بريطانيا بعدما أكتشف أنّه يجد ذاته في الموسيقى وبالأخص العزف على آلة العود، فذهب إلى هنغاريا وقرر أن يدرس ويستقر هناك لأن لهنغاريا حسب رأيه رابط تاريخي مع منغوليا و منغوليا كان لها رابط تاريخي مع السومريين.
وهناك درس الموسيقى من جديد في أكاديمية (فرانس ليست) وحصل على شهادة الدكتوراه في التأليف الموسيقي، ودرس التربية الموسيقية على يد الموسيقي الهنغاري الكبير (سلطان كوداي) وهناك تزوج من فتاة هنغارية وأنجبا ولديهما: عمر وسعد.
درس سعد منير بشير الباليه في العراق وأكمل دراسته في تصميم الباليه في هنغاريا، وهو الآن يدرس الدكتوراه في تاريخ الفن العالمي، ويختص في الفن التشكيلي في البلدان العربية وخاصة في موطن أجداده العراق. أما أبنه عمر فقد درس الموسيقى في أكاديمية (بودابست) حسب نظام كوداي للتربية الموسيقية و تأدية الكورس والموسيقى الأوروبية، وتعلم العزف على آلة العود من أبيه وعزف معه أكثر من مرة وهو الآن يسير على خطاه.
شخصيته الفنية
حققت له جولاته العديدة والمتكررة في معظم أقطار العالم، استزادة في المعرفة وأتساعا في الخبرة، لترسو عنده بقناعة صميمة ضرورة الحفاظ على التقاليد الموسيقية بكل طقوسها، وتقديمها بما يتوافق مع روح العصر، دون الخروج من لبوس الموسيقى العربية هوية انتماء وأصالة مفاهيم وتعبير جمالي.
كان على خلافٍ مع أساليب ملحني القرن العشرين من العرب، المصريين و اللبنانيين والعراقيين المتأثرين بها، الذين ابتعدوا عن الهوية القومية للموسيقى العربية، جراء استعارة أساليب الغير شكلاً وبنية وتعبيراً. وقد كان جريئاً للغاية في تصديه لتلك الأساليب عبر منابر الصحافة واللقاءات الإذاعية والتلفزيونية والمحاضرات.
جاهد منير بشير للخروج بالآلة الموسيقية العربية من محدودية استعمالاتها بشكل ثانوي في مصاحبة الغناء. مؤكداً قدراتها الواسعة غير المحدودة في الأداء والتعبير. انطلاقاً من تطوير أسلوب التقسيم التقليدي إلى سياحة آفاقية من الارتجالات الحرة المؤسسة على الانتقالات المقامية العربية، بعيداً عن التطريب المفتعل. فصار بحق صاحب مدرسة متفردة في هذا المجال، اقتدى بها العديد من معاهد الموسيقى في العالم العربي، وصار أسلوبه واضحاً في أداء معظم عازفي العود المحدثين العرب. إذ تحول أداؤه من شكل العزف المتوسِّل للإعجاب، إلى منطلقات تأملية وجدانية، فكأن المستمع داخل صومعة متعبد تستوجب الإنصات التام بكل خشوع.
ملامح شخصية
وبالقدر الذي حصل فيه منير على الإعجاب والتقدير لأدائه الفني الفريد، وخدماته في نشر الموسيقى العربية في العالم، حصل كذلك على الكثير من النفور من الناس وحتى من زملاء العمل والأصدقاء. فهناك يعتبره متكبراً مغروراً صلفاً. فالمكابرة عند منير بشير نابعة من إخلاصه للقضية التي حمل لواءها، وهي التحول بالموسيقى العربية من أجواء الطرب الخانع إلى آفاق العلم والعقل ومخاطبة الفكر والوجدان. ولكنه كان يطرح ويقدم فنه بثقة، واعتداد بالنفس أعتبرها البعض غروراً، لكنها كونت بصفاتها المتكاملة شخصية استحق التقديرٍ من العالم مؤسسات ومحافل ثقافية وإعلامية وفنية، ومن رؤساء وملوك وزعماء الدول، الذين شاهدوا فنه وسمعوا موسيقاه لم يلمسوا عنده مثل هذا الغرور والمكابرة، لذلك منحوه الأوسمة والمفاتيح والدروع والشهادات والجنسيات الفخرية.
نعم كان منير بشير حاد الطباع عندما ينبري للدفاع عن الموسيقى العربية وأصالتها، ولكنه، كان كالطفل الصغير في براءة التعبير للآخرين.
عالمية منير بشير
درس منير بشير الفن والموسيقى، في العراق، ومصر وبريطانيا، وبودابست، وعرف فنه وحاضر في جامعات عالمية مهمة، وعزف في صالات عزف لا تفتح إلا لكبار الموسيقيين والعازفين، مثل قاعة أوبرا أبولو في برلين، كما حصل على الكثير من المركز والميداليات والجوائز والتكريمات.
فقد حصل على المراكز التالية:
- الأمين العام للمجمع العربي للموسيقى، جامعة الدول العربية
- نائب رئيس المجلس الدولي للموسيقى/اليونيسكو/
- مدير في اللجنة الدولية في التربية الموسيقية
- عضو في اللجنة التنفيذية للمجلس الدولي للموسيقى، وقد منح عضوية الشرف في اللجنة المذكورة مدى الحياة وعضو شرف دائم في اللجنة العليا للموسيقى في مصر، وبالإضافة إلى رئاسة تحرير عدة مجلاّت موسيقية متخصصة أهمها: مجلة قيثارة باللغتين الاٍنكليزية والآشورية، مجلّة الموسيقى العربية، مجلة الموسيقى.
ومنح الأوسمة التالية:
- وسام الثقافة بدرجة القائد من فرنسا
- وسام الاستحقاق المدني من الدرجة الأولى من ملك أسبانيا خوان كارلوس
- وشاح زميل الجامعة موريسيا في أسبانيا
- وسام الثقافة و الفنون من بولونيا
- وسام الاستقلال الأردني
- وسام الثقافة من الدرجة الأولى من كوبا
- وسام كوماندور مع شهادة (دكتوراه) فخرية من الحكومة الاٍيطالية
كما نال الكثير من الجوائز العالمية منها:
- جائزة شارل كرو لأحسن أسطوانة موسيقية من فرنسا
- جائزة دسك أكاديمي من فرنسا
- شهادة سفير من جمعية الصداقة العراقية الأسبانية
وحصل على الميداليات الذهبية التالية:
- الميدالية الذهبية لبيكاسو
- ميدالية شوبان من بولونيا
- ميدالية ليست فرانس من هنغاريا
- ميدالية بيلا بارتوك من هنغاريا
- ميدالية فيلا لوبوسمن البرازيل
- ميدالية تشايكوفسكي من الاتحاد السوفييتي
ومنح مفتاح مدينة يوكوهاما
وحاضر في جامعات
- جنيف، أكسفورد
- هامبورغ
- كوبنهاغن
- المعهد العالي للموسيقى في دمشق
وأهم ما يميز موسيقى منير بشير (عدا كونه عازفاً بارعاً على آلة العود) هو استلهامه المتميز للتراث بكل صوره و إبداعاته الخالدة، وانطلاقاً من تجربته و اقتداره إلى تشكيل مشهد موسيقي حديث مغاير لا الاٍفتعال أو الزيف وهو لم يبرح تربة التراث ولهذا جاءت طرق تعبيره أكثر إقناعا ورسوخاً في الوجدان وخاصةً بفضل انتقالاته المدهشة ما بين الثراء اللامتناهي للمقامات والأنغام وهارمونياته الأخاذة.
ويعتبر منير يشير من الرواد الكبار في مجال فن الارتجال الموسيقي، فقد أغنى هذا الفن بروائع على قدر كبير من الأهمية كان لها كل الأثر في تأصيل هذا الفن الصعب والذي لا يستطيع الدخول إلى عالمه الرحب الآمن كان يمتلك معرفة عميقة بأسرار المقامات والأنغام وتلويناتها وبحور ثقافية موسيقية موسوعية.
ومن هنا يمكننا اعتبار منير بشير من أكثر الفنانين شمولية وموسوعية، فمن العزف على آلة العود إلى مجال التعليم و تأليف الموسيقى التعبيرية الخالصة وصولاً إلى تأليف الأبحاث و التجارب الموسيقية العديدة التي أبدعها في أكثر من مجال، الآن آلاف من العازفين على العود في أوروبا يدرسون العود حسب أسلوب وطريقة منير بشير، ويوجد الآن طالبة في مصر في المعهد العالي للموسيقى تقدم رسالة دكتوراه عن منير بشير. وعندما كان ينظم المهرجانات في العراق كمهرجان بابل الدولي شكل فرقة مؤلفة من/250/عازف عود، وفرقة مؤلفة من/280/عازف على الآلات المختلفة.
قدم لجمعية المؤلفين والملحنين بفرنسا/600/مقطوعة موسيقية من تأليفه مدوّنة بالنوتة الموسيقية، ما عدا آلاف المقطوعات الموسيقية المرتجلة الموجودة في الأشرطة والأسطوانات والأقراص المدمجة.
وفي الثمانينات عالجت سيدة من أمريكا أبنها بموسيقى منير بشير، وأحد الضباط الذين كانوا مصابين في حرب فيتنام، وفي أيامه الأخيرة أتجه بالتفكير إلى إنشاء بيت لمعالجة المرض بالموسيقى. وكان رأيه في تلحين الأعمال الغنائية أنه يجب على الملحن أن يضع الموسيقى أولاً ثم يأتي الشاعر بنظم الكلمات وليس كما هو السائد.
يتضح حتى للمستمعين عدا الخبراء والدارسين، أن عود منير بشير، وعزفه، كان يعبر عن رؤية، وعن تكنيك اختص به، فبوسع أي مستمع أن يميز موسيقى منير بشير، وقد أستطاع منير بشير أن يؤثر تأثيراً كبيراً على مستمعيه في صالات العزف الكبرى في العواصم العالمية، وكان خبراء وموسيقيين كبار يستسلمون لسحر أنغامه، واستخدامات منير الإبداعية، وذكاؤه الموسيقي الفذ.
حمل منير بشير عوده متنقلاً في رحلات شاقة/ممتعة للتعريف بالموسيقى العربية وعلى آلة العود خاصة. فقد قدم موسيقاه وسحر مستمعيه في أرقى صالات العزف في أوربا والعالم، كان خلالها يبحث عن الجاد ويشن حرباً لا هوادة فيها على الأعمال الفنية الهابطة، وعلى كل ما غير أصيل في الموسيقى العربية.
لذلك تسيطر على منير بشير فكرة تأسيس وخلق جيل موسيقي جديد يطلع من الأجواء الموبوءة السائدة في عالمنا العربي في نفس الوقت الذي يسعى لتعليم الناس فن الإصغاء شأنه في ذلك شأن الصوفيين حينما يستثير أقصى درجة للاستماع والإدراك لدى المستمع لذلك فمنير بشير ليس عازفا مبدعا فحسب بل هو مفكر حضاري يضرب بأفكاره أوتار عوده في أغرار التاريخ الفني والحضاري لبلاده وأمته ليميط اللثام عن جذور الموسيقى العالمية وأصول العديد من الآلات الموسيقية التي بدأت رحلة التاريخ وعبر القارات انطلاقا من بلاد الرافدين.
رحل الموسيقار الكبير منير بشير في 28 أيلول 1997 على أثر نوبة قلبية قبيل رحلة فنية له للمكسيك
رحمّه الله في عليائه من نغمة عوده تحكي هوية وطن
للأستماع الى احدى روائعه رحمّه الله
المصادر - العربي الجديد مقالة الاستاذ عبد الله القصير
شبكة البصرة مقالة الاستاذ الدكتور د. ضرغام الدباغ
الموسوعة الحرة
1096 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع