في رسالة نادرة..ام كلثوم تكتب عن بغداد سنة ١٩٣٢
زارت سيدةُ الغناء العربي أم كلثوم بغداد سنة ١٩٣٢ ، واحيت فيهاعددا من الحفلات على مسرح ملهى الهلال ، نالت اعجاب متذوقي الفن في بغداد ، وتركت من الذكريات الفنية والادبية ، ما هو جدير بالتحقيق والتنويه ... وكانت ام كلثوم مسرورة لما لقته من حسن الضيافة وجميل الصحبة في بغداد ، وبقيت تذكر ايامها تلك بأجمل الاوصاف .
ولعل ما يؤيد ذلك رسالة نادرة لام كلثوم ، كتبتها الى صديقها المخلص ( علي بك البارودي) ، وكان هذا الرجل من المقربين لام كلثوم ، بل وُصف بأنه مستشارها المالي ، منذ ان شاعت شهرتها . فكان موضع اسرارها وكاتم ذكرياتها لسنين طويلة .
وقد نشرت هذه الرسالة مؤخرا ضمن اوراق ام كلثوم الخاصة ، المحفوظة في المتحف الخاص بها . فما زالت هذه الفنانة الكبيرة الشغل الشاغل لمؤرخي الفن العربي ، يبحثون عن كل ما يمت الى تاريخها الشخصي والفني بصلة . وتتضمن الرسالة شيئا طريفا من ذكرياتها عن زيارتها البغدادية الاولى في خريف عام 1932 واليك نص الرسالة :
عزيزي علي بك
اهدي سلامي وشوقي واتمنى لك مزيد من الصحة والسرور وبعد ، اعرفك اني قمت بالطيارة الفخمة من مصر . وكنت مستريحة طول الطريق لم اشعر بأي شيء الى ان وصلت طبرية في فلسطين . وهناك تتقابل الطائرات القادمة من اوربا للسفر الى بغداد ، فتاخرت هذه الطيارات عن الموعد المقرر لها فاضطرت الشركة لنقلنا بطيارة اخرى كانت صغيرة جدا جدا بالنسبة الى الاولى ، فاخذت العواصف تلعب بها والرياح تهبط بها تارة وتصعد اخرى ، مما حرك امعاء الركاب جميعا الا انا واخذوا يطرشون وأغمي على البعض منهم وعلت وجوههم صفرة الموت .
الشاعر الكبير الرصافي يرحب بالسيدة أم كلثوم
وفي الواقع كان منظرا مؤلما الى ان وصلنا بغداد ، فوجدت في مطارها حشدا عظيما من كبار العراقيين يتقدمهم مندوب الحكومة وقنصل مصر وعلي بك العمروسي ورجال المحاماة والطب والصحافة والشعراء وعلى رأسهم الشاعر الكبير الاستاذ الرصافي .
وقدموا لي باقة الورد ثم ركبت السيارة الخصوصية وكانت مزدانة بالاعلام والازهار . وسارت حتى وصلت الى قصر بديع في ضواحي بغداد اعد خاصة لضيافتي ، وعند وصولي باب القصر نحرت الذبائح تحت قدمي ودخلت فاستقبلت وفود المهنئين . وفي المساء اقامت لي القنصلية المصرية مأدبة عشاء دعي اليها رؤساء الوزارات ورئيس البلاط الملكي وقناصل الدول ، وكانت حفلة بديعة .
وفي اليوم التالي دعيت لتناول الشاي في قصر جلالة الملك علي شقيق جلالة الملك فيصل فاستقبلني بالحفاوة وقدمني الى صاحبة الجلالة حرمه والاميرات كريماته ، فتناولت معهن الشاي ، وابى جلالة الملك الا ان اتناول العشاء مع اصحاب الجلالة ( وكان العشاء على كيفك يا سيد علي ) . ثم بدأت بأذن الله وقوته اولى حفلاتي في مساء السبت 19 الجاري ، وتلتها الثانية في مساء الاحد 20 منه ، فكان التوفيق من الله عظيما حيث كان الاقبال والاعجاب يفوقان الوصف . وقد حضر الحفلتين الوزراء ومحافظ المدينة وكبار الموظفين . وكان النظام بديعا . وأخذت الجرائد هنا تفيض بالاطراء و الاعجاب ( بفنانة الشرق انا ) . ثم يتوافد على قصري كل يوم كبار الاعيان ورجال البلاط والوزراء مظهرين شديد اعجابهم وسرورهم بحلولي في بغداد .
اما امس فقد تشرفت بدعوة جلالة الملك فيصل للغناء في حفلة خاصة حضرها الملك وسمو ولي العهد غازي ورئيس الوزراء ورئيس مجلس الاعيان وكبار رجال البلاط وهناك غنت ام كلثوم غناءا بديعا اخرجهم عن صوابهم من شدة ما نال منهم الطرب ، فكانوا يتسابقون الى اظهار اعجابهم بي وتقديرهم لفني وهذا كله من فضل ربي يا سيد علي .
ارسلت لك امس تلغرافا اطمئنك بوصولي ، وسبب تأخيره كان في ادارة البرق لانه غير منتظم بسبب رداءة الجو هنا .وختاما اهديك تحياتي وخالد والسيد يهدونك السلام .
رفعة عبدالرزاق محمد /عن مجلة الراديو المصري 1932
المصدر:المدى
1202 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع