رجل مـن زمـن الثائرين / مذكرات العقيد الركن هادي خماس/ الحلقة١٥

              

رجل مـن زمـن الثائرين / مذكرات العقيد الركن هادي خماس مدير الأستخبارات العسكرية الأسبق/ الحلقة ١٥
  

           

               

سيادة الرئيس
لقد عشنا التجربة جميعاً فكانت قاسية يوم سيطرت الحزبية في زمن قاسم والبعث على الجيش، فماذا كانت النتيجة وأنت أعلم ببواطنها؟.. مشانق نصبت وسيق لها خيرة شبابنا القومي، وسجون فتحت وضمت الصفوة الخيرة من هؤلاء الشباب،وحريات انتهكت وكانت مثار استهزاء وسخرية، وأعراض هتكت بأسلوب دلت على التردي والانحطاط، ورعاع تسلطوا على الأخيار وساد نظام الغاب دون وازع أو رادع، وأخيراً سيطر الشعوبيون والحاقدون على مقدرات البلد وكفروا بمقوماته.
السيد الرئيس
من أجل هذا كله حرصنا على ابعاد الجيش عن السياسة وممارسة الانقلابات – ودعونا مخلصين للعودة للاستقرار ليمكن البناء، ورغم مسؤوليتي كمدير للاستخبارات ترعى الموضوع وتقدر أبعاد الخطر نبهت أكثر من مرة ومرة على وجود هذه التكتلات وخطرها فلم ألمس تجاوباً في الإبقاء على وحدة الجيش ووحدة منتسبيه ، وكلما أردت تفسيراً لذلك أخرج بنتيجة مؤلمة ومؤسفة هي محاولة الإبقاء على الحكم باتباع سياسة التوازن وأقولها صريحة لقد جوبه قاسم ففشل وانهار حكمه.
السيد الرئيس
هذه صورة واضحة بلا رتوش ولا تزلف لمجريات الأمور وما يسود البلاد نابعة من ضمير حي ووجدان واع وإني إذ أضع الصورة في إطارها الأخير ليحز في نفسي وإني أرى الأحداث تتلاحم على الأمة العربية دون اعتبار ما يحدث وما يجري أن أترك الميدان غير مستعد لأشارك في حكم انحرف عن المبادئ التي عثرنا من أجلها. وأني لأرى صورة الأبطال الذين انطلقوا صبيحة 14 تموز 1958 لتتلاشى من الأفق العربي الفسيح وتنزوى بالأفق الضيق بصورة جديدة صورة الحاكمين الذين استهواهم الحكم وغرتهم مفاتنه وأن حكماً هذا شأنه لا يمكني المساهمة فيه وأني أرضيت ضميري إذ بذلت الكثير لتصحيح الانحراف ومقاومته ولم الشمل فلم افلح.. وعليه أرجو من سيادتكم قبول استقالتي من المجلس الوطني لقيادة الثورة داعياً العلي القدير أن ينير لكم وللمسؤولين الدرب ويهديكم السبيل لقيادة سفينة هذه الأمة في بحرها الهائج وموجها العارم.. والله الموفق، والسلام عليكم ورحمته وبركاته.
المقدم الركن
هادي خماس
عضو المجلس الوطني لقيادة الثورة
ومدير الاستخبارات العسكرية
29 صفر سنة 1385 ، 29 حزيران سنة 1965
صورة منه إلى/
أعضاء المجلس الوطني لقيادة الثورة
مجلس الوزراء
الأمين العام للقيادة السياسية الموحدة

  
خامساً- أزمة وزارة الإرشاد:
كانت دائرتا الإذاعة والتلفزيون تابعتين لوزارة الإرشاد التي كان وزيرها العميد الركن عبد الكريم فرحان الذي يمتاز بالتعنت وعدم المرونة ، إذ كان لا يسمح مطلقاً بأن يتدخل أحد في شؤون وزارته وعلى الأخص في دائرتي الإذاعة والتلفزيون، وكانت بداية الأزمة التي حدثت في الوزارة مساء يوم 23/6/1965 حينما اتصل عبد الله عبد المجيد مرافق السيد الرئيس بمدير وكالة الأنباء التابعة للوزارة العميد الركن دريد الدملوجي وطلب منه نشر خبر عن أحداث الانقلاب الذي قام به هواري بومدين بإزاحة الرئيس احمد بن بلا عن الرئاسة وكان نص الخبر كما يأتي:

            

"إن أحداث الجزائر تستأثر باهتمام رجال الثورة في العراق وعلى رأسهم الرئيس عارف الذي يتابع الموقف في القطر الشقيق انطلاقاً من حرص العراق على ثورة الجزائر ومسيرتها وإن الرئيس عبد السلام عارف والرئيس جمال عبد الناصر على اتصال مستمر حول الموقف في الجزائر كما أن هذه الاتصالات تضمنت بذل المساعي الحميدة للحفاظ على حياة الرئيس احمد بن بلا".
وقد نشرت الصحف في مقالاتها الافتتاحية صباح 24/6/1965 تعليقاتها حول الحادث وكان من عادة الإذاعة أن تذيع مقتطفات مما تقوله الصحف وإن إذاعة النص كاملاً أمر مستحيل ويستغرق وقتاً طويلاً فقرر السيد عبد اللطيف الكمالي بصفته مديراً عاماً للإذاعة والتلفزيون اختصار هذه المقالات والتعليقات وإذاعتها من محطة إذاعة بغداد وتلفزيونها فتدخل الرئيس وطلب من مرافقه الاتصال بالأستاذ الكمالي لإذاعة المقالات والتعليقات المتعلقة بانقلاب الجزائر كاملة وبالنص الحرفي إلا أن الكمالي رفض طلب المرافق ، ما دفع هذا إلى أن يتصرف تصرفاً غير مسؤول واتصل بأحد المذيعين لإذاعة النص كاملاً وما كان لهذا المذيع إلا أن ينفذ ما طلب منه، وتفجرت الأزمة بذهاب عبد اللطيف الكمالي إلى السيد وزير الإرشاد شارحاً له ما حدث فحرر السيد الوزير الكتاب التالي:
سري وشخصي
السيد رئيس الوزراء المحترم
الموضوع/ مهمة الإذاعة والتلفزيون ودورها الإعلامي
إن واجبات الإذاعة والتلفزيون خطيرة في مقدمتها بناء الإنسان العربي وتعميق المفاهيم القومية والإنسانية وتوعية المواطن وتربيته لكني لمست أن بعض المسؤولين ما زالوا يتصورون أن هذه الأجهزة وجدت للدعاية للحكام والمسؤولين فأخذوا يضغطون على الموظفين والمذيعين فأربكوا هذه الأجهزة وأثروا على مناهجها فكرها الشعب ورغب عنها.
أرجو تفضلكم بإصدار الأوامر للمعنيين والمسؤولين لتقدير هذه الناحية وعدم الاتصال بأي موظف من موظفي الدائرة المذكورة.
  توقيع
عبد الكريم فرحان
صور منه إلى/
مدير الإذاعة والتلفزيون
وكالة الأنباء العراقية
رئاسة ديوان الرئاسة
مديرية الاستخبارات العسكرية
سكرتارية المجلس الوطني لقيادة الثورة
أرجو تبليغ موظفيكم بذلك

الازمة تتسع
لقد اعتبر السيد رئيس الجمهورية الكتاب موجهاً له وأنه إهانة شخصية فما كان منه إلا أن يتصل تلفونيا بالسيد رئيس الوزراء ، وكان من سوء الطالع وجود عبد الكريم فرحان عند رئيس الوزراء فسمع صياح عبد السلام شاتماً وزير الإرشاد بأقسى العبارات ، ولم يحاول رئيس الوزراء عن قصد أو غير قصد تنبيه الرئيس بوجود عبد الكريم فرحان في دائرته، ويبدو أن عبد الكريم فرحان قرر الاستقالة بعد أن وصلت الأمور إلى الشتائم وتقدم فعلاً باستقالته إلى السيد ريس الوزراء وغادر العراق متوجها إلى القاهرة.
حدثت الأزمة فعقدنا اجتماعا في مكتب السيد صبحي عبد الحميد وقد حضره العقيد الركن محمد مجيد المقدم الركن عرفان عبد القادر وجدي والمقدم الركن هادي خماس وتناقشنا حول استقالة السيد صبحي عبد الحميد تضامناً مع عبد الكريم فرحان ، وجهلنا ما يدور خلف الكواليس. لم يؤيد محمد مجيد وهادي خماس الاستقالة حيث طلبنا منه أن يتريث إلى حين عودة العميد الركن الطيار عارف عبد الرزاق من باريس حيث يحضر معرضاً للطائرات.
لقد ذكرت عن الثلاثي الذي برز في الحياة السياسية المؤلف من الرئيس عبد السلام وحميد قادر وسعيد صليبي وكان هؤلاء يضغطون على العميد عارف عبد الرزاق للانسحاب من كتلة الضباط القوميين وأن يكون مؤيداً لسياسة عبد السلام محمد عارف، وقد وافق على ذلك مخادعة للوصول إلى نوايا عبد السلام الحقيقية. اجتمع بعبد السلام، وفي اجتماعه ظهرت الحقيقة كرابعة النهار وباجتماعه هذا افصح الرئيس عما ينوي عمله قائلاً:
1. إنه سيجري تغييراً وزارياً يبعد فيه عبد الكريم فرحان عن الوزارة والاتحاد الاشتراكي.
2. يُعين السيد صبحي عبد الحميد وزيراً للدولة لشؤون الاتحاد وأميناً له.
3. وللحد من قوة صبحي عبد الحميد يعين العميد سعيد قطان وزيراً للداخلية.
4. يطلب من سعيد قطان أن يصطدم بالسيد صبحي عبد الحميد ليضطر الى الاستقالة.
5. وكمرحلة أولى تخلصنا من وزيرين لهما مكانتهما وشعبيتهما. وفي المرحلة التالية ندبرأمراً ونتخلص من الضباط القوميين.
كنا طلبنا من السيد صبحي عبد الحميد التريث في الاستقالة تضامنا مع عبد الكريم فرحان.. والآن بعد أن ظهرت حقيقة عبد السلام المخادعة والغادرة أخبرت السيد صبحي عبد الحميد ما سرني به العميد الركن عارف عبد الرزاق ولما سمع صبحي قدم استقالته صباح 30 حزيران 1965 إلى رئيس الوزراء تضامنا مع زميله عبد الكريم فرحان وقد تضامن مع السيدين صبحي عبد الحميد وعبد الكريم فرحان السادة الوزراء عبد الستار علي الحسين، وفؤاد الركابي، وعزيز الحافظ، وأديب الجادر، وقدموا استقالاتهم من الوزارة. ورغم المساعي الحميدة والمشاورات المستمرة لاحتواء الأزمة لم يفلح المتفاوضون على حل الأزمة لأن الرئيس عبد السلام عارف كان مصراً على تفتيت القوة القومية ضباطاً ومدنيين ليخلو له الانفراد بالسلطة، وهذا ما أراده وحصل عليه فقبل الاستقالات التي قدمها الوزراء وفي مساء 11 تموز 1965 صدر مرسوم جمهوري بقبول استقالة الوزراء الستة:
1. عبد الكريم فرحان.
2. صبحي عبد الحميد.
3. عبد الستار عبد الحسين
4. فؤاد الركابي.
5. عزيز الحافظ.
6. أديب الجادر.
وبدلاً من الستة المستقيلين تعيين كل من:
1. عبد الرحمن القيسي وزيراً للإرشاد.
2. عبد اللطيف الدراجي وزيراً للداخلية.
3. خضر عبد الغفور وزيراً للتربية.
4. جميل الملائكة وزيراً للصناعة.
5. كاظم عبد الحميد وزيراً للاقتصاد.
6. مصلح النقشبندي وزيراً للعدل.
وهكذا أغلق الستار على الأزمة وطياً استقالة السيد صبحي عبد الحميد وزير الداخلية.

نص استقالة السيد صبحي عبد الحميد
السيد رئيس مجلس الوزراء المحترم
لقد تردت أوضاع البلد في الفترة الأخيرة بشكل أصبح حتى اقرب الناس للحكم وهم القوميون على اختلاف فئاتهم وأشخاصهم يتذمرون منتقدين تصرفات السلطة وضعف الحكم ورغم تحذيرنا ونصحنا لم نجد أي استجابة لإصلاح الوضع بل استمر التدهور واخذ الحكم يجنح إلى الفردية متبعاً سياسة "فرق تسد" هذه السياسة التي أدت إلى تعميق الروح الطائفية وتفتيت الوحدة بخلق الإقليمية وبعثره الصف القومي.
وقد استهين أخيراً بالوزراء واعتبروا مجرد آلات تنفيذية وبلغ الحد إلى توجيه الاهانات إلى وزير ثائر ومكافح معروف بشكل لم يسبق له مثيل في أي عهد من العهود التي مرت على العراق.
لقد فكرت ملياً في الأمر فوجدت أن البلد يحترق وأن الشعب يحملنا هذا الحريق ولما كنا لا نستطيع اخمدا الحريق فقد قررت تقديم استقالتي هذا مستنداً للأسباب التالية:
1. فقدان الثقة والانسجام بين الثوار.
2. انعدام الحكم الجماعي والاتجاه نحو الحكم الفردي.
3. تفتيت الوحدة الوطنية.
4. الاعتماد على العناصر الانتهازية الساذجة والمطبلة.
5. التدخل في شؤون الوزارات وفرص الموظفين على الوزراء دون اعتبار رأيهم الخاص.
6. تشجيع التكتلات في صفوف القوات المسلحة وإثارة الحقد في نفوس الضباط بعضهم ضد الآخر.
7. عدم الالتزام ببرنامج العمل المتفق عليه في القاهرة في اجتماعات القيادة السياسية الأخيرة وذلك
أ. لم يلتزم بمبدأ القيادة الجماعية.
ب. لم يقبل بحث موضوع إنهاء التكتلات في الجيش.
ج.لم تسد الثقة والانسجام بين الثوار.
8. أصبح في اعتقادي أن الطريق إلى الوحدة بعيد المنال وذلك لأن شروط أقامتها إلى تستند على وحدة الجيش ووحدة القيادة ووحدة الصف القومي لم ولن تتحقق لذلك أصبح وجودنا كوزراء وحدويين غير وارد.
وبناء على ما تقدم أرجو التوسط بقبول استقالتي من منصب وزير الداخلية ومن عضوية المجلس الوطني لقيادة الثورة كما أرجو أحالتي على التقاعد من الجيش.
وأخيراً أشكر لكم حسن تعاونكم خلال الفترة التي عملنا بها راجياً لكم التوفيق في خدمة الوطن.
 المخلص
العقيد الركن
صبحي عبد الحميد وزير الداخلية
30 حزيران 1965

أزمة نقل الضباط وحركة عارف عبد الرزاق الأولى:
بعد تشكيل الوزارة وتعيين اللواء الركن محسن حسين الحبيب وزيراً للدفاع وفي الاسبوع من أيلول استدعاه الرئيس عبد السلام محمد عارف وسلمه ورقة فيها أسماء عشرة ضباط طالباً نقلهم من مناصبهم في بغداد إلى وحدات عاملة خارج بغداد. وكان على رأس هذه الأسماء:
 العميد الركن محمد مجيد معاون رئيس أركان الجيش
العقيد الركن هادي خماس مدير الاستخبارات وعضو المجلس الوطني لقيادة الثورة وسكرتير المجلس الوطني
العقيد الركن عرفان عبد القادر آمر الكلية العسكرية
محمد يوسف طه مدير الحركات العسكرية
لقد أدرك وزير الدفاع إن الرئيس عبد السلام محمد عارف جعل منه أداة لتنفيذ خططه في أبعاد ضباط الجيش القوميين وهم مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة وحسن التصرف، وفي حالة تنفيذ ما أراده الرئيس سيقع عليه لوم كبير لا موجب لتحمله والدخول في صراع لا ناقة فيه ولا جمل فرفض استلام القائمة وتنفيذها وقدم استقالته من الوزارة وتضامن معه اللواء الركن ناجي طالب واستقال ولو قبل اللواء محسن الحبيب تنفيذ طلب الرئيس فكان هذا يعني إن الرئيس تخلص من أقوى كتلة في الجيش تنظيماً وشعبية ووطنية بعد أن استقال وزيران هما صبحي عبد الحميد وعبد الكريم فرحان وأراد عبد السلام أن يتبعهما الباقية من الضباط الوحدوين الذين مر ذكرهم وبذلك يتخلص من أقوى كتلة قومية وحدوية في الجيش.

التعامل مع رئيس الجمهورية:
وللحقيقة ولتكون مذكراتي هذه دقيقة وصادقة أقول إن أغلب أعضاء كتلتنا كان ينقصها المرونة وحسن التعامل مع الرئيس عارف وهناك ثلاثة أمثلة أذكرها تدل دلالة قاطعة على عدم التعامل مع الرئيس بهذه الطرق، وهي:
1. لقد أجرت القطعات العسكرية تمريناً تعبوياً في منطقة الكلية العسكرية وحضر هذا التمرين الرئيس عبد السلام محمد عارف وكان المفروض والمطلوب عسكرياً أن يحضر العقيد الركن عرفان عبد القادر في استقباله ومرافقته وتوديعه إلا أن هذا لم يحضر أصلا إلى الكلية وبعد انتهاء التمرين استفسر عن سبب غياب آمر الكلية واظهر استياءه لعدم حضوره.
2. اعتاد العميد الركن عبد الكريم فرحان وزير الإرشاد خشونة الكلام في نقاشه في مجلس الوزراء أو المجلس الوطني لقيادة الثورة وكان يتعمد الخشونة أيضاً مع السيد الرئيس عبد السلام عارف.
3. عدم تنفيذ أوامر الرئيس عارف ويعود السبب في ذلك إلى أن أغلب هذه الأوامر لها غايات كلها تصب في مصير واحد وهو الاستئثار بالسلطة. ومن هذه الأوامر أن المرافق الأقدم لرئيس الجمهورية العميد زاهد محمد صالح اتصل بمعاون رئيس أركان الجيش العقيد الركن محمد مجيد طالبا بأمر السيد الرئيس تكليف مديرية الحركات العسكرية بتشكيل فصيل دفاع وواجبات للقصر الجمهوري، فاعترض السيد معاون رئيس أركان الجيش عن تنفيذ الأمر لسبب منطقي وهو أن في القصر الجمهوري فوجين من الحرس وليس هناك ما يوجب تشكيل هذا الفصيل في الوقت الحاضر للحاجة إلى أكمال نقص الوحدات المقاتلة في الشمال.
إن الأزمات التي افتعلها الرئيس عارف والخلافات التي ذكرتها أدت إلى أن يتخذ الرئيس مساراً جديداً في سياسته هدفها الأول والأخير الحفاظ على كرسي الرئاسة، فاتبع مرة أخرى سياسة "فرق تسد" وشجع الكتل داخل الجيش وأخذ يحرض كتلة على أخرى وفي هذا الجو الخانق أعدنا تنظيماً وانتخبنا العميد الركن الطيار عارف عبد الرزاق رئيساً لنا. ولما فقدنا الأمل بإعادة الثقة وعنصر الانسجام بيننا وبين السيد الرئيس فكرنا بتنحية الرئيس عن السلطة.
اللعبة
بدأ الرئيس لعبته الأخيرة وبدأ يتقرب من العميد الركن عارف عبد الرزاق محاولاً سحبه من تنظيمنا وأبعاده عن كتلتنا وأسدى عارف كمحاولة أخيرة النصح إلى الرئيس لأعادته إلى الطريق الصحيح ففشل. وفي أحد اجتماعاتنا قررنا القيام بعمل ضد عبد السلام ولأجل أخفاء نوايانا لابد من غطاء فاشرنا على عارف أن يساير عبد السلام عارف ويسير على هواه. ولما اطمأن الرئيس من العميد عارف كلفه بتشكيل الوزارة على أن يكون عبد الرحمن البزاز سفير العراق في لندن نائباً لرئيس الوزراء. وهنا لا بد لمن يعرف عبد السلام عارف وفرديته أن يفكر لماذا اختار عارف عبد الرزاق بالذات رئيساً للوزراء وعارف كان قوة لها مركزها ومكانتها فهو قائد القوة الجوية إضافة إلى أنه ينتمي إلى كتلة خاض معها الرئيس عبد السلام عارف صراعاً مريراً وأغلب الظن إن الذي كان يدور في ذهن الرئيس هو أبعاد عارف عبد الرزاق عن قيادة القوة الجوية أولاً وعزله عن كتلته والفئات القومية ثانياً والتخلص من عارف عبد الرزاق بعد أن يكون معزولاً بعيداً عن القوة الجوية ثالثاً، وهذا ما كنا ندركه حق الإدراك واقترحنا على عارف أن يوافق على تشكيل الوزارة وتنفيذ أوامر السيد الرئيس في أشراك الشخوص الذين يريدهم أن يكونوا وزراء. وذلك لحمله على الثقة به وبعد ذلك ندبر أمراً.
لقد شكل عارف الوزارة وأهم ما كان في التشكيلة هو نائبه الدكتور عبد الرحمن البزاز والذي احتفظ بمنصب وزير الخارجية وعبد اللطيف الدراجي وزيراً للداخلية وجمال عمر نظمي وكانت هذه الوزارة ضعيفة هاجمتها القوى القومية بشدة ولم يسلم عارف عبد الرزاق نفسه من الهجوم والنقد اللاذع. لقد اعتقد الرئيس عبد السلام محمد عارف خطأ بان رئيس وزرائه عارف عبد الرزاق سينفذ طلباته بنقل الضباط الذين تم ذكرهم سابقاً والذين طلب نقلهم من وزير الدفاع السابق فاستقال ذلك الوزير. وقد نفذ طلب العميد عارف ما طلب منه كإظهار حسن النية ونقل العقيد الركن محمد مجيد من منصبه كمعاون لرئيس أركان الجيش إلى آمر كلية الأركان.
وفي يوم 12/أيلول/1965 سافر عبد السلام محمد عارف على رأس وفد إلى الدار البيضاء لحضور مؤتمر القمة العربي وطلب من رئيس الوزراء نقل العقيد الركن عرفان عبد القادر وجدي آمر الكلية العسكرية والعقيد الركن مدير الحركات إلى خارج بغداد وقد اعترضنا على هذا النقل قبل صدوره حيث أبدينا حججاً مقنعة للسيد عارف عبد الرزاق بان غيابهما عن مسرح الأحداث سيحول دون نجاح محاولة الانقلاب خصوصاً أن لدى عرفان وجدي الكلية العسكرية وهي قوة ضاربة لها مفعولها وتأثيرها في الحركة ونتيجة لذلك بات عارف عبد الرزاق لا يدري ماذا يعمل فهو من جهة وعد سعيد صليبي صديقه المقرب بمنح عبد السلام فرصة ثلاثة أشهر ليصلح الحال وفي حال انتهاء هذه المدة دون أن اصلاح فلابد من تنحيته ومن جهة أخرى ليس من المعقول القيام بحركة ولما يمض بعد على تشكيل الوزارة أسبوع.
لقد اجتمعت كتلة الضباط القوميين ومارست ضغطاً شديداً على العميد عارف واتفقنا على الآتي:
1. استغلال غياب عبد السلام محمد عارف وحضوره مؤتمر القمة العربي في الدار البيضاء وتنحيته عن السلطة نزولاً عند رغبة أكثر الضباط.
2. أو عدم تنفيذ أوامر نقل الضباط وتأجيل الحركة بعد مجابهة عبد السلام بعد عودته وفرض شروطها عليه بقوة الجيش التي تؤيد رئيس الوزراء ومطالبة الرئيس بأجراء تعديل وزاري بأبعاد العناصر السيئة التي اختارها وإدخال عناصر قومية ذات سمعة جيدة وكفاءة عالية.
وبعد نقاش وإقناع وضغط على العميد الركن الطيار عارف عبد الرزاق رئيس الوزراء تقرر القيام بحركة تغيير وإصلاح وذلك بتنحية عبد السلام عارف من الحكم وتجريده من كافة مناصبه دون المساس بمكانته وشخصيته.

للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:

http://www.algardenia.com/ayamwathekreat/20321-2015-11-26-10-28-18.html

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

776 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع