" عيد الاضحى عالقة في الذهن تستحضرها الذاكرة من الزمن الجميل وما نشاهده اليوم "
العيد واحد الأعياد، مأخوذ من العَوَد، هي ما يتم اتباعها من عادات او عبادات خلال ايام معينة، وتتصف باطلاقها، ومعناه اليوم الذي يعود فيه الفرح والسرور، عاما بعد عام، فالأعياد ظاهرة اجتماعية عامة وقديمة قدم الإنسانية ذاتها، وقد تعلم الإنسان وتعوّد أن يحتفل بها، وهى تعتبر من العادات الجماعية، وتمثل مطلب فطرى تحتاج إليه النفوس لتستريح من عناء الحياة وصعوباتها، فكانت أعياده على مر الزمن كثيرة منها: أعياد للآلهة، وأعياد للطبيعة، واعياد دينية، وأعياد وطنية، واعياد ميلادية، وهي مناسبات تساعد على تقوية التراحم والتواصل الاجتماعى المادى والمعنوى، وهي تزيد من تماسك المجتمع وتقوي بنيانه بقوة تماسك أفراده، وهي فرح لها نكهة ولحالاتها صور، وأيا كان شكلها، وصورتها فهي حالة إنسانية سامية.
العراقييون يقدسون الأعياد فالعراقي معروف بطبيعته فى الاحتفال بها، العديد من الاعياد المقدسة في العالم تعود جذورها الى الديانات السماوية وغيرها من الطرق الدينية، فالاعياد بهجة محببة للنفس، نستعد لها قبل موعدها بفترة، تتزين المنازل بنضافتها الفائقة، ويرتدي الجميع ملابسهم الجديدة يراعي الكل اداب واصول الاعياد، تبرز اعياد اليهود اعياد العهد القديم:عيد الفصح، عيد باكورة الحصاد، عيد الخمسين، يوم الكفارة، عيد الغفران، يبرز عيد الميلاد عند مختلف الطوائف المسيحية كباكورة وذورة للإيمان المسيحي بكليته ورموزه ومعانيه اللاهوتية والإيمانية ويتشاطر مع عيد الفصح، حسب الإيمان والتقليد المسيحي، أبرز حدثان يمثلان معنى للمؤمنين بالدين المسيحي، كذلك الأمر عند المسلمين حيث يمثل عيد الفطر وعيد الأضحى ذروة التعبير والإيمان الديني، النسبة للأديان جميعها، ففي حال توافر شرط إستمرار إيمان أبناءه به، وممارسة المجموعة لطقوسها وأعيادها بشكل جماعي في كل عيد فيؤدي هذين الشرطين الى تأثير مباشر على هوية أفرادها وقيمهم الحياتية والجماعية، فتلعب الرموز والطقوس الدينية دوراً أساسياً في تشكيل هذه الهوية وقيمها بشكل يتقدم بأشواط على الإيمان الديني الصافي غير القائم على الرموز، كما أن غياب هذه الرموز والطقوس وممارستها يترك المجموعة من دون هوية واضحة في بادئ الأمر قد تصل في مراحل متقدمة الى الفتور الإيماني أو حتى إنكار الإيمان، جمعتنا جلسة مع احد الاصدقاء في المقهى التي نعتاد الجلوس فيها على شاطيء البحيرة في الشارقة، ونحن نرتشف فنجان القهوة التركية، بادر الصديق وكجزأ من مداعباته مستفسرا عن كتاباتنا عن شتى المواضيع ومنها الاعياد، ولماذا لم نكتب عن عيد الاضحى الذي كنا قد عايشناه في بلدنا الجميل العراق ومقارنته بعيد الاضحى الذي يصادف مع وباء كرونا الذي خيم وجوده هذه السنة؟؟، أنَّ جائحة كورونا مستمرة لا تتوقَّف ولا تستثني تداعياتها الحياة الدينية، إذ إنَّ القيود الواسعة النطاق المفروضة على الحياة العامة في جميع أنحاء العالم، والتي جعلت الناس حبيسة منازلهم او سكنهم، تشمل أيضًا التجمُّعات الدينية، مثل صلوات الجماعة والقدَّاسات والجنائز، ذلك السؤال، وبما انه ما زال التدوين عالقاً أعود إليهِ بين الحين و الأخر كلما انزوي من تلك الحياة الصاخبة أحياناً و الرتيبة أحياناً أخرى ... فالتدوين ليست بمذكرات و إنما هي حِكاية روح تريد الانطلاق، وبدأت اشحذ سلسلة ذكرياتي وادونها وبدأت امسك بالقلم واكتب مقالتي وكأنها نابعة من قلبي احاسيس جميلة لترى النور، فعيد الاضحى يجدد بهجة الماضي.
قبل حلول عيد الأضحى بأيام قليلة ومثل كل عام، يصطحب الاباء أبناءه لواحدة من المناطق لن يخرج عنها إما محال شارع الرشيد، والنهر بمحلاتهما، حسو إخوان، وأورزدي باك، ونعيم نعمو، وأحمد خماس، وزبلوق، وصادق محقق، والحذاء الأحمر (ريد شو)، والحذاء الذهبي..
وباتا، وصالح محسن، وفي الأعظمية الشريط الأخضر وحكمت جيتانو والخياط سامي السامرائي ومحال مجيد ونة، وأقمشة يوسف محمد طه، كل يعرض ألبسته وأحذيته وأقمشته مع وجود خصومات لجلب الزبائن وتحفيزهم للشراء، والتى يتفاخر مواليد الخمسينات والستينات بأن ذويهم اصطحبوهم لشراء ملابس العيد من تلك المناطق، ليعودوا للبيت حاملين ملابس العيد،
وأهم شىء الحذاء الجديد الذى لم يفارق أحضان الكثيرين من أبناء ذلك الجيل،
وبيجامة العيد نوع ابو القلم من عند الخياط او من بعض الامهات التي تجيد الخياطة بماكنة السنجر، وتقوم ربات البيوت بتجهيز المنزل وغسل النوافذ،
قبل العيد بيومين تبدأ تحضيرات حلوى العيد "الكليجة"، فتبدأ الاستعدادات من جانب النساء، حيث تتجمع بنات الخالات او العمات والأخوات مع ربة البيت لتحضيرها، فالبيت الذي لا يحتوي على الكليجة يعد متقاعساً عن اداء ما توجب عليه، والأطفال يترقبون خروج أول قطعة حلوى ليتدافعوا عليها، فرحاً لنيل شرف تذوقها كأول فرد من العائلة وخصوصاً تلك المحشية بالتمر او المحشية بالجوز والسكر، فالجميع يحبها كباراً وصغاراً، فلا يوجد عيد من دون عمل "الكليجة"،
وتجدر الاشارة فدكاكين الحلاقين تمتلئ بالزبائن ليلة العيد وقبله بسبعة ايام.
تستعد اكثر العوائل لزيارة الأحباب من الأموات في المقبرة، قبل مباشرة أي طقوس مع الأحياء.، حيث تزور عائلة المتوفى لديها في مقابر كل عائلة، في عادات وتقاليد تعود عليها العراقيون منذ قديم الأزل، في زيارة الأموات في المقابر، لها طقوس خاصة حيث قراءة الفاتحة لهم ورش القبور بالمياه وشعل الشمعة والبخور وتذكرهم والدعاء لهم وتوزيع النقود على الفقراء.
اعتادت العوائل الميسورة والمتوسطة الحال من الصباح الباكر بعد صلاة العيد وزيارة المقبرة ذبح الاضحية. يعتبر ذبح الأضحية في عيد الأضحى المبارك من الطقوس التي يجتمع عليها أفراد العائلة، حيث يشتري الكثيرون الأضحية قبل العيد بيومين أو ثلاثة، فيما يأتي التجمع بعد صلاة العيد، فبمجرد أن يأتى الجزار الذى حفظ الأطفال تقاسيم وجهه كل عام، ايام جيلنا كان ذبح الأضحية على عتبات البيوت وقارعة الطرق، وسط تجمعات شعبية من الجيران والأقارب، تبدأ النساء فى تحضير الطشوط، والأدوات الخاصة باستقبال لحمة العيد، كما أن المنازل التي لا يسعفها الحال لذبح الأضاحي يصيبهم منها جانب، فيتلقون الهدية من الجيران أو الصدقة، وهكذا فالجميع تغمره الفرحة سواء قدم أضحية أم لم يقدمو، في بعض الاحيان، تصطحب الذبيحة لأقرب جزار ويصطحب الأب والأم بعض من أفراد الأسرة، ليشهدوا الذبح، وفى خلال عمل متواصل من الجزار والصبى الذى يعمل معه من سلخ وتقطيع.
فى صباح اليوم الأول للعيد تجتمع العائلة سوياً لتناول وجبتهم المفضلة من القيمر و الكاهي مع العسل او المربى، يضاف إليها الأجبان والكليجة، وفي بعض محافظات الجنوب يقدم الرز واللحم وأكثر من نوع من المرق، مثل المجفف أو ما يسمى شعبيَا بـ“المسموطة“الوجبة الأولى في عيد الفطر لدى أهالي الجنوب،
أهالي نينوى يتناولون لحمة الرأس (الپاجة)، بعد الافطار تقوم اكثر العوائل بزيارة بعضهما البعض، حيث يقومون بزيارة الأهل والاقارب أولاً، ثم تتوالي الزيارات للجيران المحيطين بالمنطقة التى تقيم فيها كل العوائل.
كنا نحرص كأطفال اسوة بالاخرين على اختلاف أعمارنا على ثياب جديدة للعيد، فلا تغمض أجفانا إلا بعد التأكد من تجهيز أناقة العيد وتعليقها في مكان يبقيه أمام أعيننا، لأن فرحة العيد لبس جديد وعيدية وهدايا. يبقى تعبير الأطفال تلقائياً ودون رتوش، فالعيد عندهم حفلة، وثياب جديدة، وألعاب وعيدية، وتجمع أطفال في بيت العائلة، << كنت اردد في العيد دوماً أحب العيد لأنه حفلة، وفيه أشياء حلوة .. لبس جديد وهدايا وعيدية>>.
يبدأ الرجال وهم بملابس جديدة حالقين شعورهمم يطوفون على المنازل لتبادل التهنئة، واما الرجال فانهم يذهبون الى المقاهي ويعلو صوت الطرب هناك، وخاصة صوت ام كلثوم وفريد الاطرش وعبد الحليم حافظ، وفي المقهى يتبادلون التهاني بمفردات خاصة، كما يتزاو الرجال وابنائهم الاقرباء خلال ايام العيد وتقدم الكليجة والشاي والمرطبات خلال الزيارات.
الاعظمية مدينة ابو حنيفة النعمان التي ولدت فيها وترعرعت في احضانها والتي لم تنقطع زياراتي لها فيها محلات وأماكن ترفيهية مليئة بالمبادرات والتنوع لتقديم أجمل لحضات الترفيه للأطفال والأولاد والشباب وحتى الكبار في نذكر منها:
النادي الملكي (الأولمبي): يقع النادي في ساحة عنتر، تقوم الهيئة الأدارية بأتخاذ الترتيبات والوسائل لتزين النادي وتهيأته لمواسم الأعياد فتكون هناك الدومبلة، وطاولات كرة المنضدة وأكشاك لعب الجوائز، وأحياناً مسرح صغير لفعالية القرقوز المحبوبة جداً للأطفال، وجر الحبل وغيرها، ويبدأ كرنفالها من الساعة التاسعة صباحاً وحتى الثامنة مساءً، فترى الأطفال والأولاد والشباب وبألبستهم الجديدة والجميلة يمارسون مختلف الألعاب وكلها بأشراف ومراقبة الهيئة الأدارية المتكونة من شخصيات رياضية وشخصيات عسكرية ومدنية، في أيام العيد يحصل تعارف بين الجنسين وبحدود أنساني طبيعي لاتشوبها أية ممارسات غير أخلاقية، وفي باب النادي يتوزع با ئعي العنبة واللبلبي والشلغم والدوندرمة والجرزات وكل حسب مواسمه.
كان النادي الاولمبي الرياضي والذي تأسس عام1939، وهو من أوائل مشاريع المباني العامة المصممة بإشراف أحمد مختار إبراهيم، ويعتبر هذا المعمار أول عراقي نال شهادة في العمارة من أوروبا، النادي الأولمبي يرمز الى تاريخ العراق الحديث الذي وضعت أسسه في عام 1921، وهو ايضاً النادي الوحيد في العهد الملكي الذي كانت تؤمه العائلات وتقضي فيه اوقاتاً ممتعة مساء كل يوم اضافة للعديد من الشخصيات العامة والمسؤولين الكبار من الوزراء ورؤوساء الوزارات والمدراء العامين وكبار رجال الدولة وعوائلهم من هواة النشاطات الرياضية المختلفة، فكان النادي الاولمبي اضافة لكونه نادي رياضي فقد كان مركز اشعاع وتنوير للعديد من الشرائح الاجتماعية من خلال الندوات والمحاضرات والاحاديث التي كانت تدور بين الرواد من كلا الجنسين، وكان تواجد اعداد غفيرة من النساء في بعض الاحيان اضعاف ما يتواجد من الرجال يتبادلون الاحاديث ويقضون فيه اسعد الاوقات في حديقة النادي ومنهم الطبيبات والمحاميات والمهندسات والمدرسات، واشتهر العديد منهم في ريادة الحركات النسائية ونشر الوعي الثقافي والعلمي أو نساء المسؤولين الكبار في الدولة، في بهو النادي، هناك لوحة جدارية تمثل التلاحم الشعبي عبر الرياضة والألعاب الشائعة مثل الشطرنج
إضافة الى الفنون مثل الموسيقى والرسم كلّف بها الفنان فائق حسن في العام 1972، وعبر هذه الجدارية التي تتوسط محور المنظور في بهو الدخول في النادي يصبح للنادي أفضلية أخرى بالحفاظ على واحدة من أندر الأعمال الفنية الثابتة في موقعها، هذا الصرح الحضاري الكبير شكل تحفة معمارية مميزة في بغداد وصرحاً معمارياً وأثراً شاخصاً في ذاكرة البغداديين عامة وأبناء الأعظمية خاصة، كان النادي قمة في العطاء والنجاحات في مجال الرياضة، والذي رفد العراق برموز رياضية في كرة القدم والسلة والطائرة والملاكمة والتنس والشطرنج وكرة المنضدة ، قبل اكثر من سنتين تعرض النادي الى عملية هدم وتخريب، وقبل فترة جرى بيعه لغرض الاستثمار لبناء مول تجاري، طالب شباب ورياضيي الاعظمية الجهات المختصة وهي وزارة الشباب ايقاف صفقة الفساد لهدم وتحويل النادي الى مول تجاري، هذا الصرح الذي شكل بداية تأريخية للعمارة العراقية ذات الارث البغدادي النادر، وإعادة تأهيل المبنى وفق تصميمه الأصلي المميز وتأكيدا للمشهد الحضري للساحة العريقة، كما كتب الصديق الدكتور ضياء الصفار رئيس الهيئة الادارية للنادي مقالة مهمة عن النادي واهميته ومكانته في المجتمع بعنوان "النادي الاولمبي..نادي الاعظمية الرياضي"، وجه وزير الشباب والرياضة عدنان درجال بأيقاف كافة الاجراءات وعدم اضافة اية مكونات مستقبلا في مشروع النادي، وكنا نتمنى ان يشمل التوجيه اعادة النادي الى هيئته المعمارية الفريدة بدلا من وضعه الحالي المزري حيث الخراب والاهمال.
نادي الأعظمية في الشارع المؤدي الى المقبرة الملكية، المتميز بكثرة رواده، وهو أكثر شعبية من النادي الملكي نظراً لسهولة الأنتماء له، مع ذلك كلا الناديين أحتوى على خيرة اللاعبين الذين أنجبهم العراق في المصارعة والملاكمة وكرة السلة وكرة الطائرة والسباحة وغيرها من الألعاب الفردية والجماعية، هناك هيئة أدارية للنادي من الشخصيات الرياضية ومحبي الرياضة وبدورهم يعتمدون على لاعبي النادي في مهام أنجاح برامج العيد ويوزودون بعلامات في ألبستهم وكنت أحد اللذين يشاركون بذلك، فكان النادي يعمل من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الثامنة مساءً وكانت الألعاب هي الدومبلة وجر الحبل وطولات كرة المنضدة وأحياناً كرة السلة للناشئين، ولعب أخرى وكان النادي يمتليء طوال الوقت ولمختلف الأعمار من الطفولة الى الشباب وبأشراف الهيئة الأدارية، ويذهب ريع النادي لشراء المستلزمات الرياضية ومساعدة بعض اللاعبين المعتازين، وفي خارج النادي هناك عربة المأكولات والعنبة، ولعب اللكو والسي ورق حيث لها روادها من يحبون المقامرة والغشمة الذين يتم أصطيادهم.
كان الاطفال فى بعض احياء الاعظمية يذهبون الى المراجيح، والمراجيح مبعث حلاوة ونشوة، وينتقل الاطفال من المرجوحة الى ديلاب الهوى الذي يشبه الناعور وهو مصنوع من الخشب وكل مقعد يجلس عليه طفل او طفلان، ومن ديلاب الهوى الى الفرارة الخشبية، في النصة والكسرة وراغبة خاتون، وفيها يزين اصحاب العربات التي تجرها الخيول التي تحمل الاجراس وشرائط الزينة، وكانت كل عربة تقوم بجولة في المناطق القريبة،
وهناك يأكل الاطفال الأطعمة البسيطة، من لفات البيض والكبّة والسميط والداطلي، هي اقصى السعادة بالنسبة للأطفال.
تكتظ قاعات السينما التي كانت منتشرة في شارع الرشيد وباب الشرجي والسعدون ومنطقة الأعظمية، وغيرها من المناطق، بالحضور في العيد، حيث يحتدم الصراع بين صناع الأفلام للسيطرة على إيرادات شباك التذاكر، ومحاولة جذب أكبر قدر ممكن من المشاهدين من مختلف الاعمار، فالسينما من الأماكن التي تشهد انتعاشًا وازدحاما في أيام الأعياد، سواء كان الفطر أو الأضحى، والأفلام التي تشاهد في السينما في الغالب تظل عالقة في أذهان من يرتادها من الاطفال والشباب، تلك الافلام الخاصة منتقاة تحوي افلام خاصة ومنتقاة للعيد مثل: الكاوبوي من قصص رعاة البقر والهنود الحمر والبوليسية والكوميدية، ولا يفوتهم طبعا اصطحاب "الشامية والكرزات" الى داخل الصالة مع مناداة بياع الـ "ببسي كولا لشراء قنينة، اما الحفلات المسائية فهي الأفلام الرومانسية التي ترتادها العوائل.
بغداد بجمالها وانفتاح مبانيها وسكانها ، حيث النوادي الاجتماعية والمراقص والحانات، النوادي الاجتماعية هي القلب النابض للحراك الاجتماعي البغدادي، ويشكل بؤرة التفاعل المجتمعي الترفيهي والادبي، وهي ملتقى يجمع الرجال والنساء والاولاد، ، ويكتسب "النادي" قيمة مضافة وأهمية خاصة خلال العيد، حيث يصبح وجهة للالتقاء والتمتع بالعيد من حيث الفعاليات الجميلة التي تسعد من يحضرها.
كانت المتنزهات في بغداد من اهم الوسائل الترفيهية التي تجمع العائلات العراقية ايام العيد، ومتنزه ابو نؤاس وغيرها من المتنزهات التي تملأ العاصمة بغداد، وخارج بغداد كمتنزه سلمان باك والفحامة وصدر القناة.
تأدية فريضة الحج في السابق كانت تتسم بالكثير من المشقات والصعوبات، خاصة في الفترة التي كان يعتمد فيها الأشخاص على التنقلات البرية، السفر بالسيارات، بالتالي تطول الرحلة، فيقضون الأيام والشهور من أجل الوصول إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة لإتمام مناسك الحج، وعودتهم بعد السفر الطويل كانت بمثابة الحياة الجديدة، استقبال الحجاج في العراق عادات وطقوس متوارثة مازالت مستمرة،
وتبدأ منذ وصول الحجاج؛ حيث يستقبلهم الأقرباء في مواكب السيارات في أجواء من الاحتفال والأهازيج، وما يميز استقبالهم للحجاج هي الفرق الشعبية الموسيقية ، التي تجول في الحي لاستقبال الحجاج، وتعزف الموسيقى التي يرقص عليها الأطفال، كما تستعد النساء في البيوت بعمل « الكليجة» مواكب الاستقبال والأغاني الشعبية والحلوى حاضرة في مراسم استقبال الحجيج، وأشهر أنواع الحلويات هي الكليجة، فتعم الأفراح في الحي، وتوضع الأعلام كبشارة بوصول الحاج إلى منزله بالسلامة، وعند زيارة الحاج يقدم البعض الذبائح وآخرون التمر، ويحرص على جلب بعض الهدايا للأطفال كالألعاب، وللكبار مثل السبحة وسجادة الصلاة والعرقجين، أن الاستعدادات لاستقبال حجاج بيت الله الحرام تظهر من خلال الزينة التي تنتشر على واجهات البيوت والجدران ترحيباً بعودة الحجاج، كانت تتزين البيوت بالأعلام التي توضع فوق السطح، دليلاً لأهل المنطقة على وجود حاج في هذا البيت، وتجمع أهالي الحي في منزل الحاج وإقامة الولائم وتوزيع الهدايا، واليوم أصبحت مظاهر استقبال الحجاج أكثر تكلفاً.
نستقبل عيد الاضحى هذا العام ببسمة الاشتياق بلا لون، ولكن
عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ - بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيك تجديدُ،
أَما الأَحبة فكورونا أبعدهم، وكيف يصح لنا عيد دونهم، مع الاعتذار للمتنبي، فالعيد كذلك لن يكون كعادته، في وقت يواصل فيه العالم مكافحة "جائحة كورنا"، الأمر الذي حتم فرض عدد من الإجراءات التي تجعل تلك المناسبتين الدينيتين "عيد الفطر وعيد الاضحى" بنكهة مختلفة واستثنائية، في عيد الفطر تسبب قرار تعليق صلاة العيد في المساجد في حرمان المصلين من أداء صلاة العيد في المسجد،، والتوجه لزيارة القبور، والدعاء للأموات بالرحمة والمغفرة، وقراءة الآيات القرآنية على قبورهم، ولا ملابس جديدة يتفاخرون بها مع اقرانهم، ولا باستطاعتهم زيارة الأقرباء، وزيارة الجيران أيضًا، والاكتفاء بالتواصل مع الأهل والأقارب عبر التليفون ووسائل التقنيات الحديثة من خلال الفيديو، كما لم يستطع الأطفال في العيد لزيارة أقاربهم، وأخذ العيدية "الخرجية" التى تقدم لهم في أول يوم من أيام العيد، فعلى الرغم من تطورات العصر، إلا أن العيدية لا تزال مبلغ همهم، ولاسيما في الأحياء الشعبية، إذ يقوم الآباء والأمهات والأشقاء الأكبر والأعمام والأخوال في تقديم مبلغ من المال للطفل كعيدية ينفقها على شراء الحلوى والألعاب واستئجار الدراجات الهوائية، وارتياد الحدائق العامة التى خصصت مساحات منها لألعاب الأطفال، حيث تُفتح الحدائق العامة، وتُنصب المراجيح والألعاب الأخرى، ويذهب الأطفال من أجل اللعب فيها، أو اللعب أمام المنازل.
في عيد الاضحى لهذا العام 2020، قررت السعودية تنظيم موسم الحج بعدد "محدود جداً" ألف شخص من داخل المملكة من الحجاج لمختلف الجنسيات من المقيمين على أراضيها فقط، بعدما كانت قد علّقت أداء العمرة في18 آذار بسبب المخاوف من انتشار الفيروس في أقدس المدن الإسلامية، مما ادى الى حرمان الملايين من المسلمين من اداء فريضة الحج والعمرة وزيارة الاماكن المقدسة، وهو قرار صائب وانساني يحفظ للجميع امنهم وسلامتهم، فلم يسبق ان ألغي الحج وذلك منذ ظهور الإسلام إلى يومنا هذا إلا في زمن الخليفة عمر بن الخطاب، حينما كان وباء الطاعون منتشرا في المنطقة، فقرر ثاني الخلفاء الراشدين إلغاء فريضة "الحج"، وتذكر كتب التاريخ أنه وقع تعطيل موسم الحج في ما يقرب من أربعين مرة على مر التاريخ الإسلامي، "بسبب أحداث وكوارث لازمت مواسمه منها: ما فعله القرامطة لأسباب ترجع لعقيدتهم الدينية حيث اعتبروه من بقايا أعمال الجاهلية، وانتشار الأمراض والأوبئة، والاضطرابات السياسية، وعدم الاستقرار الأمني، والغلاء الشديد والاضطراب الاقتصادي، إلى جانب فساد الطرق من قبل اللصوص والقُطاع، الأمر لم يقتصر على المسلمين فحسب، حيث أجبرت الأوبئة العديد من أتباع الديانات الأخرى على تغيير طقوس احتفالاتهم بأعيادهم، كما حدث حين ضربت "الإنفلونزا الإسبانية" العالم عام 1917، حيث تصادف ذلك مع عيد الفصح.
عيد الاضحى هذا العام لم يبق منه إلا اسمه، اجواء مختلفة وطقوس غائبة.. لقد غادرته السعادة تاركة إياه عيداً بجناح مكسور وقلب مثقوب، فالتباعد وتجنب الاختلاط سماته، عيد بلا حجاج من خارج السعودية، عيد بلا تزيين ولا استقبال للمهنئين لعودة الحجاج، عيد بلا تقديم ماء زمزم للعائدين من الحجاج، عيد بلا الأطفال الذين حرصوا على تأدية صلاة العيد بصحبة أسرهم، عيد بلا زيارات عائلية ولا استقبالات كالتي كانت تتم طوال أيام العيد، عيد بلا زيارة المقابر، ولا الذهاب الى السينما، ولا سفر، ولا مطاعم، والكثير من الاطفال محرومين من اللعب مع أقرانهم، ولا تجمع إلا في البيت الواحد، واستخدام كل الاحترازات خاصة مع الأغراض القادمة إلى البيت، فتعقم قبل ان تدخل البيت وحتى يمنع لمسها إلا بعد التطهير والغسل للوقاية من خطر انتقال فيروس كورونا اللعين، وسيقضي الكثيرين هذا العيد في بيوتهم تطبيقا للتباعد الاجتماعي، ومع ذلك وإن كانت الأيادي لن تتصافح والرقاب لن تتعانق، فإن بسمة الوجوه وطلاقة محياهم ستُشرق في كل وسائل التواصل وإن كانوا لن يتزاورون ولا القدرة على صلة ألارحام بالتنقل إليهم، فإن الهواتف لن يتوقف رنينها عندهم في بيوتهم مهما تباعدت، وكأنهم بينهم وسيهنئونهم بالعيد، هل ستطرق الفرحة أبوابنا؟ أم أن عيدنا هذا «عيد زمن كورونا» سيخلو من الفرح وسنكتفي بتذكر أيام الأعياد الجميلة التي كنا نعيشها، ونتذكر احتفالاتنا السعيدة؟، العيد.
اختلفت مظاهر العيد، اليوم، كثيراً، عما كانت عليه في طفولتي ومرحلة الصبا، ولم يتبق من طقوسه وعاداته القديمة إلا أقل القليل الذي نسعىى مع تقصيرنا في الحفاظ عليها من الاندثار، تغيرت العادات بين الأجيال، شيئا فشيئ، ولم يعد الكثيرون يحرصون على عادات وتقاليد المحلة كما كانت في عهدنا وعهد آبائنا وأجدادنا، ربما بسبب الأوضاع الاقتصادية واختلاف الاجيال، فمظاهر العيد في الوقت الحالي اضافة الى تقييدات جائحة كرونا، تغيرت، فما عادت هناك فرحة للعيد الذي تبدّل كثيراً، وكأن قلوبنا كبرت مـع الزمن وكأننا كبرنا على العيد، فما عادت فرحته تؤثر فينا كما كانت في أيام الطفولة، لقد كان العيد، بهجة حقيقية للصغار ومازال، لكن اختلفت المعالم والمقاييس، ذهبت تقاليد وجاءت أخرى، واندثرت عادات وطقوس، لتحل محلها غيرها بتبدل الأجيال وتغير طرق التربية، ونتيجة أيضا لكم التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية الهائلة التي مرت بها منطقة الاعظمية، مثلها في هذا مثل باقي مجتمعنا العراقي، فقد أحدثت نظم الحياة المتنوعة، والمادية والاستهلاكية التي تحتل كل يوم أجزاء كبيرة من عقولنا ووجداننا وتطلعاتنا وثقافتنا انقلابا كبيرا أراه بأم عيني هنا، إذ باتت التقنية والتكنولوجيا تسرق عادات العيد الجميلة في غفلة من الزمن، وأوشكت الكثير منها على الاندثار، حتى أصبحت طقوس العيد الجميلة آيلة للسقوط في زمن التواصل الاجتماعي المتنوع، وتاهت مفاهيم العيد وطقوسه الخاصة، فأصبحت رسالة من أربع كلمات عبر تطبيق "الواتساب" يكتب فيها "كل عام وأنتم بخير" تختصر زيارة العيد ولمة الأهل والأحباب..، فهل تغتال التكنولوجيا طقوس العيد، وتصبح ذكريات العيد من حكايا الأجداد؟، وهل الاستغناء عن بعض الطقوس ومنها التباعد الاجتماعي والاكتفاء بالتقارب النفسي، يمكن ان تكون البديل مستقبلا؟!، ومن الله التوفيق
سرور ميرزا محمود
655 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع