محلة الرحمانية وسوقها .. رئة الكرخ
لأحياء ومحلات الكرخ القديمة سحراً وجمالاً لا يضاهيها جمال الأحياء الجديدة التي أنشأت فيه وهذه القيمة لا يقدرها إلا من عاش فيها وذاق طعم الصداقات مع أفرادها ومارس العابها كالدعبل والمصاريع والطوبة أم تلاث دراهم في ازقتها، ولا يعرفها إلا من لعب المحيبس في مقاهيها أيام شهر رمضان الكريم والعيش في بيوتها العتيقة والتي تفوح منها روائح الغيرة والمحبة والشهامة وحسن المعشر في أروع مزيج من ناس هذه المحلات رغم شظف العيش والأوجاع فتراهم يقتسمون رغيف العيش فيما بينهم وهم راضون مستبشرون، صغارهم يلعبون سوياً ثم يتعاركون ويتصالحون دون ضغينة، نسائهم يفترشن عتبة الدار عند العصر وقبل المغيب يتسامرن ويتجاذبن الحديث ورجالهم ذوو نخوة وشهامة عند كل شدة ونائبة تصيب أبن الطرف والمحلة والغريب العابر الذي يدخل الأزقة يُسأل عن حاجته وتقدم له المعونة، وإن أحسوا أنه جاء للشر والعداوة لأي فرد من المحلة فسيجد الف صفعة وصفعة في انتظاره.
وفي هذه المحلات الكرخية كانت الفتاة هي أبنة وأخت للجميع فنادراً وغريباً أن يتعرض لها أحد في الطريق، بل من النادر والغريب أن يعتلي أحد سطح داره ليطلع على جاره وكان أفراد المحلات يطعمون بعضهم البعض ويتشاركون في الأفراح والأتراح والمناسبات وخاصة عند قدوم شهر رمضان الكريم.
هكذا كانت محلة الرحمانية - والتي كانت تسمى قديماً بمحلة السليمانية - وكأنها بيت كبير لمت شمل العديد من الناس والذين لازال الكثير منهم مستمرين بالعيش بين جنباتها بينما رحل الأخرون عنها وتوزعوا بين محلات الكرخ المختلفة. كانت هذه البقعة عبارة عن بساتين وزروع، نمت وكبرت شيئاً فشيئاً الى أن أخذت مساحتها حالياً والتي حدودها شارع الشيخ معروف شرقاً ومحلة الشيخ علي جنوباً ومحلة الجعيفر الثانية شمالاً وسكة قطار الشالجية والنزيزة ودور السكك غرباً.
ولتوضيح جغرافية المنطقة وبيوتها وشخصياتها عندما ندخل للمحلة من جهة شارع الشيخ معروف تكون على جهة اليسار مقهى الفدائي والتي سبق وأن تحدثنا عن تاريخها في مقالتنا – بيوت ومحلات مطلة على شارع الشيخ معروف – بعد المقهى مطعم كباب شاكر أبو بحر يليه محل ياسين الحلاق ثم خليل الحلاق وفرن أسماعيل أبو الكعك وكنا نشتري منه صواني المكاوية اللذيذة لغرض بيعها ونحن صغار، يليه محل كماليات أيوب العبيدي ثم بيت الشورتان وهي عائلة من الفلوجة بعده محل أبو عدنان للخياطة وتقريم الملابس ثم محل ناجي أبو الركي بعده دربونة سكنها المرحوم طه أبو الطحين وهي تؤدي الى خزان ماء الجعيفر أو تانكي الماء ثم محل عباس البلداوي ثم كهوة جمعة الزوبعي ثم الكصاب خليل شنونه ومحل بيع خضروات عائد لأبو عجاج ثم فرن صمون كاظم أبو عامر ثم بيت محمود الحنتوش ثم محل طه أبو الطحين بعده دربونة بيت غريبة وسميت الدربونة على أسم جدة الأخ أحمد صبري لأبيه.
ومن أوائل من سكن فيها المرحوم صبري غريبة والد الصحفي المعروف والعروبي التوجه الأخ أحمد صبري، ثم يليه محل غازي أبو الجبن ثم محل بيع خضروات عائد لخالد جبونه ثم محل توفيق لبيع القماش ثم محل ركن لدربونة بيت سوقية محل لبيع الفافون وأواني الطبخ وهو عم المرحوم صباح عداي، ثم محل دحدوح أبو الباجة ثم بيت كاظم العزاوي والذي شغل منصب مدير عام في وزارة النفط وهو شقيق رحيم العزاوي ثم اخيراً محل عاتي أبو الركي وهو والد المشجع الرياضي مهدي عاتي.
نعود للجانب الأيمن من الشارع ونجد في ركن الشارع مقهى علوان وكان يؤمها شباب الكرخ من معتنقي المبادئ القومية بعدها محل حلاقة شريف الحلاق ثم محل صادق الحلاق -أبو باسم- ثم محل أمان لبيع المشويات أو كما تسمى- فشافيش- ثم مطعم كبة حجي حميد ثم كهوة كاظم الكنجي وتشكل ركنا لدربونة حسينية بيت قزقوز ثم كهوة فاضل عمرة تحولت ملكيتها الى خليل الدوري ثم ادارها لاحقا ستار السامرائي - بيت أبو الحش-.
وهناك حادثة مشهورة حدثت في هذه المقهى ألا وهي المشاجرة التي حصلت بين وهاب السامرائي وشخص يدعى فاروق من معتنقي المبادئ الشيوعية وانتهت بنهاية مفجعة. ثم محل صالح البايسكلجي
وهناك مخبز زاره مرة عبد الكريم قاسم وقال له صاحب المخبز: شوف سيادة الزعيم، أني حاط صورتك شكبرهة فوك التنور، فأجابه قاسم : أبني إذا تحبني صغّر الصورة وكبّر الكرصة.
بعده محل آخر لأيوب للكماليات ويشكل المحل ركناً لدربونة عباس الدليمي -أبن ليلة- ثم كهوة طه الجبوري أبو ياسين ثم محل سيد سلمان المشهداني وبعدها محل حلاقة شاكر ثم محل محمد التتنجي ومحل شمران لبيع الفواكه والمحل يشكل ركن لدربونة خلف أبو الطرشي والذي كان يديره أبن خالته محمد وفي هذه المحلة كان يوجد حائك يحوك على الجومة القديمة ثم هناك مطعم كباب حمدان ثم محل مكوى طالب الأوتجي ثم محل حسون أبو الركي ثم بيت الصحفي أبراهيم العاني وبعده محل عطارة صبحي العاني ثم علوة حجي كريم وهي ركنا لدربونة المختار حسن الجعفري ثم محل الأوتجي كمر ثم صالحة أم الصمون ومحل تصليح بريمزات ومحل أبو علي لتصليح الساعات ثم دربونة بيت مِري والى محلات سوق الرحمانية والتي سيرد ذكرها وتفاصيلها لاحقاً.
سوق الرحمانية الذي أقيم على طول الشارع الواصل من دور السكك ولغاية حمام الرحمانية للرجال يتميز أنه المتنفس الأهم لسكنة هذه المنطقة الواسعة وصولا الى العطيفية الأولى، يتسوق منه الأهالي الخضروات واللحوم الطازجة والأجبان والقيمر صبيحة كل يوم، وكنت تشاهد عربات الصغار محملة بالمسواك اليومي والرقي وهي تهدر خلف المتبضعين في رحلة العودة من سوق الرحمانية الى الجعيفر الثانية والعطيفية الأولى، وسكنة شارع حيفا كذلك ..حيث يجلس الباعة مع موادهم على ارض السوق الى أن تم بناء مسقف يحمي الباعة والمتبضعين من شمس الصيف اللاهب وأمطار الشتاء يمتد السوق شمالا، حيث محل محمد شنونه الكصاب يليه محل عطارة كاظم المكصوصي ثم محل أبو خولة ومحل الصايغ حامد ومحل علي أبو طالب الكصاب ثم محل حجية أم خالد ومحل طارق أبو الكماليات وعند الاستدارة محل جميلة العجمية.
نتجه الى مدرسة اليقين الابتدائية ومعلم الدين فيها الأستاذ فاروق صبري العاني وأخيه فخري العاني كما درّس فيها الأستاذ التربوي عبد اللطيف الطلفاح، وكذلك هناك مدرسة المسعودي وهي تقابل جامع مصعب بن عمير ومديرها الأستاذ المرحوم كامل ملا حويش ومدرس الدين فيها مجيد السامرائي، رويداً رويداً كبرت ونمت هذه المحلة فأقيم فيها معمل عيسى للطحين وعلى نفس الجانب والمقابل للسوق وجدت هناك عدة مقاهي منها كهوة كاظم يكة لأبو علي البهادلي والتي كانت مقراً لفريق أنوار الرحمانية والذي ضم بين صفوفه خيرة اللاعبين منهم جبار شغاتي وصادق موسى ووحيد الأسود وسلمان زنوبة ورزاق عبد علي وحارس المرمى الشهير معروف السامرائي وكان حارساً غيوراً على مرماه وأخذت الفرق الشعبية تأتي للتنافس مع فريق أنوار الرحمانية من مختلف مناطق بغداد كالثورة والأعظمية والعوينات حيث تجري المباريات على ملعب الرحمانية الكائن خلف سكة القطار.
كما يقابل سوق الرحمانية وبجهة المقهى حمام الرحمانية للرجال والذي شيّده خيرالله أبو كريم فيقدم الخدمة للزبائن بمبلغ خمسون فلساً مع أستكان شاي دارسين ونعيماً أغاتي.
ثم جامع وحسينية الرحمانية والتي شيّدها الحاج حسن مسير في العام 1963 وليس ببعيد عنها مسجد مصعب بن عمير المشيد عام 1989، وخلف ما وصفناه لاحقاً كانت هناك منطقة سميت بالنزيزة وهي منطقة صغيرة منخفضة محصورة بين سكة القطار والمحلات التي وصفناها فعند موسم الأمطار تتحول الى بحيرة صغيرة أغتنمها مربو الجاموس وأقاموا هناك لتربية جواميسهم وبرز منهم شخص يدعى صكبان كان يقود قطعان الجاموس لغاية نهر دجلة لغرض تبريده في موسم الصيف في منطقة سميت بعدئذٍ شريعة الجاموس وتقع تحت مقهى البيروتي على كورنيش العطيفية.
ومما يضيف جمالا لهذه المحلة هو المزيج العشائري الطيب الذي تسامى فوق كل الخلافات والأحقاد فتجد فيها -العزاوي والنعيمي والسامرائي والدوري والحيالي والكعبي والتكريتي والدليمي- كما أن أجمل ما في هذه المحلة بعد كل ما ذكر هو العيد بأيامه فتجد العربات والخيول تجول بالصغار والكبار في كل شوارعها ودواليب الهواء والمراجيح في كل زقاق وترى البهجة والفرح والسرور تملأ صدور الصغار والكبار على حد سواء وتدخل كل بيت فقيراً كان أم ميسوراً.
أما دور السكك وكم الحيدري فهي الأخرى كانت تؤلف المشهد الخلفي لمحلة الرحمانية، بنيت هذه الدور صغيرة المساحة للعمال والفنيين العاملين في السكك الحديدية وكان زميل الدراسة الأخ صباح فرج يسكن أهله أحد هذه البيوت في كم الحيدري كون أن والده رحمه الله كان أحد موظفي مصلحة السكك الحديدية آنذاك.
الحاج فرج الصالح والد زميلنا صباح
وترى أيضا جامع السكك وعلى مقربة منه مقهى ياسين قامة أبو رعد يرحمه الله كان ميال للنكتة و يسمي فترة ما قبل تموز 1968 زمن الهيونطة .. في عام 1970 بُنيت في المقهى غرفتين اضافية لأغراض الاجتماعات الحزبية. ومقهى علي فيشة للألعاب ومنها الفيشة والمنضدة .
وكذلك تشاهد فسحة الأرض والتي كان يقام عليها مراجيح الأطفال وخاصة أيام الأعياد ويطلق عليها أسم الجوبة.
سكن هذه المحلة وأطرافها عزيز أبن مسلم صاحب الابتسامة الدائمة ومحل العطاريات العائد له بجانبه عيادة قلع وتداوي السنان العائدة للمضمد فهد عبادي التكريتي، وهو نائب ضابط يعمل في مستشفى الرشيد العسكري ويمارس المهنة في المحلة بعد أوقات الدوام، كما سكن هذه الأزقة العديد من العوائل الكرخية المعروفة كبيت سليّم المختار وسليم القبطان مؤسس وأول صاحب لمقهى القبطان الشهيرة، وبيت حمزة الجبوري الملقب بالصوفي نسبة الى جدهم كريم الذي كان يعمل حائكا وهو والد أبراهيم وأرحيم أبو العوف وحمزة والد المرحوم جمال ومحمود ومحمد وهم ينتسبون الى جدهم الأكبر محمود الخميّس وهو خال الدكتور عبد المنعم الغرب وزير الأوقاف السابق، وكان محمد الخميّس يعمل مؤذناً في جامع ثريا في محلة التكارتة، وإذا سأل عم أبو جمال حجي وين ساكن هسه، فيجيب والله يابة ساكن بجزيرة الواق واق، كناية عن بعد المكان عن محلة التكارتة، علماً أنه شيّد داره في عام 1954 بجانب العيادة الشعبية حالياً، وكذل هناك بيت توفيق الهبش والد السادة المرحومين فائق وطالب الملقب طالب نوفة وطارق، وبيت محمد أحمد الخلف وصديقنا أيام الطفولة الدكتور طالب وبيت أمير الحلو زوج المقدمة التلفزيونية أبتسام عبد الله، وبيت صباح عداي وبيت حسين دية السياسي القومي المعروف وبيت محمد علي السامرائي والد السيدين موفق المذيع التلفزيوني وجمال الذي عمل بقناة الجزيرة القطرية وبيت الأستاذ والمربي والشاعر خضر الطائي وولديه عبد الستار وعبد الكريم وبيت كربالة والأخوين ماهر وشاكر وبيت المختار أحمد المرير المشهداني والد مجيد صاحب مقهى المشاهدة في الجعيفر الثانية وبيت الأخ مجيد المشهداني الذي مثّل رفقة عمو زكي في برنامجه جنة الأطفال وهو شقيق الأستاذ التربوي هادي المشهداني وبيت صادق الجميلي وبيت المرحوم مزاحم العاني وأخيه باسم وبيت عبد الله التكريتي وأولاده المرحومين نجم وسمير وسعد أبو مروان وامين وفارس وبيت أبراهيم التكريتي والد السادة الحاج فاضل وخالد والحاج سالم وخليل ملوح، وبيت مهدي الدليمي والد صلاح وخالد ووليد وطارق ومحمد وقيس وبيت تركي الخزرجي أبو عرب والد العشر بنات وبيت عبد القادر العيّاش وأولاده سلام وشكري وعبد الله وبيت عبد الرحمن العيّاش وأولاده عبد الحليم وعبد العظيم وعبد الحكيم وعبد ألخالق وبيت الرفاعي صاحب التكية الرفاعية في المحلة وبيت أم فاضل أم الصمون وبيت محمد كامل وأخيه عباس وبيت سدرة وأولاده المرحومين سعد وجمال وبيت خلف كنفذ المكصوصي وأولاده المرحوم السفير عباس وحميد كتف وعلي لاعب المنتخب العراقي لكرة اليد سابقاً وبيت دعدوش وأولاده حميد وجمال وعادل وخالد وعلاء وبيت سيد نافع أبو وليد والسيد نافع شقيق السيدين نوفان ومجبل وبيت خسارة والأخوين حميد وصباح وبيت حسين علوان المفوض في الجنسية العامة وأخويه حسن وصبحي – ديحي - وبيت أحمد المشهداني صاحب معمل كاشي المشهداني وولديه شهاب وعمر وبيت نايف المشهداني وولديه حميد المفوض في الجنسية العامة وعبد الواحد الذي فقد في الحرب العراقية الأيرانية وبيت محمد السكران المشهداني وأولاده الشهيد حكمت والمرحوم جاسم والأخ عماد وبيت سيد عبد المشهداني والد علي الشرطي ووليد وبيت حامد حمزة وولديه ثائر ورياض وبيت الأخ ماجد عبد الله وأخيه الأستاذ ناظم وبيت حجي طه المعتصم الحملة دار وبيت نجمة والدة الأخوة الأعزة محمد الصحفي وأخيه فلح بلجيكا ومحمود وسعد وماجد وكذلك بيت حسيبة وأخيها المرحوم زميلنا العزيز غازي الملقب بالفنان وبيت الأخ أبو طه وصيحته المدوية في الجعيفر الثانية – وينهم .. وينهم – وبيت ودكان رشيد الدليمي وولديه أياد ورائد. وبيت الأخ حسين نافع وبيت شاكر المشهداني -أبو عروبة-
هذه هي أغلب العوائل الكرخية التي سكنت أطراف محلة الرحمانية، فعذراً إن نسينا البعض منها فجل من لا يسهو،
هذه العوائل قدم أغلبها من محلات سوق الجديد والست نفيسة وخضر الياس والتكارتة مفضلة السكن قرب محلاتها القديمة والتي تم استملاكها توطئة لهدمها من قبل الدولة.
المصادر:
ألصحفي الأستاذ أحمد صبري
ذكريات شخصية للكاتب
ذكريات بعض من سكنة المحلة
مقالة في صحيفة الرأي العام العراقية العدد 150 في 26 آب 2006 للكاتب حسين العقابي.
843 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع