كيف تأسست دائرة الإطفاء في بغداد؟
المدى/إسراء عبد المنعم السعدي:اهتمت القوات البريطانية منذ الأيام الأولى لدخولها بغداد عام 1917، بموضوع الإطفاء وأفردت له عناية خاصة، لما تلحقه الحرائق من أضرار مادية كبيرة في الممتلكات. ولهذا وجهت هذه القوات اهتمامها بهذا الجانب، وأنشأت في العام ذاته فرقة إطفاء عسكرية وأخرى مدنية لمساعدة المواطنين، وهيأت لها جميع الأدوات التي تحتاجها في إخماد الحرائق، وفي السنوات الأولى للتأسيس كانت تمتلك سيارة واحدة من نوع (دنيس)، وعدد العاملين فيها سبعة أشخاص مع المدير المستر فيشر.
وتطورت فرقة الإطفاء وأصبحت دائرة قائمة بذاتها ووصفها أحد المراقبين البريطانيين بأن أصبحت لبغداد مصلحة إطفاء عصرية في عام 1921. واهتمت بلدية بغداد، وبعدها أمانة العاصمة بدائرة الإطفاء، فخصصت لها جزءاً من ميزانيتها لبناء بناية خاصة بها بالقرب من السراي، بعد أن كانت تدفع لها بدل إيجار عن الدار التي تشغلها، فأصبحت بناية دائرة الإطفاء الجديدة ملكاً للأمانة بعد أن اشترت عرصتها.وللقيام بواجباتها في الأماكن التي يصعب الوصول إليها إلا عن طريق النهر، زودت الأمانة دائرة الإطفاء بزورق بخاري من نوع (ميرك ويندر). وبذلك تكون دائرة الإطفاء في عام 1925 قد امتلكت ثلاث مكائن و(ماطور) واحد. وسيارتين من نفس النوع الأول وسيارة فورد لوري وسلماً للانقاذ من الحريق، مع 400 فوهة من الأنابيب الكتانية و82 فوتاً من الأنابيب مع سيارة رش استوردت من انكلترا خصيصاً، وهذه السيارة تعتمد على التزود بالماء ذاتياً باستعمال مضخة صغيرة تسحب المياه من الفوهات..
ومن أهم الأعمال التي قدمتها بلدية بغداد للمدة من 1921- 1923 وهي الفترة التي سبقت انشاء امانة العاصمة هي الاهتمام بتنظيم دائرة الاطفاء وتزويدها بما يجعلها من اهم مظاهر العمل البلدي للعاصمة.حيث قامت بتهيئة اللوازم المطلوبة في عملية الاطفاء، في عام 1922 اشترت البلدية دينامو كهرباء للإطفاء ليشغل فوهات المياه والاهتمام بتوفير سيارات رش حديثة.
وأصبحت الدائرة ذات مركز مهم في العاصمة، حيث توجد دائرتان إحداهما مدنية والأخرى عسكرية، يتعاونان معاً في إطفاء الحرائق، وتتكون الدائرة من مدير الإطفائية بدرجة عريف ومعاون ورئيس السواق وسواق وإطفائي وعريف وكاتب عمومي ومحافظ تلفونات.واهتمت البلدية والمتصرفية بإيجاد مبنى خاص للإطفائية ودفع إيجاره من قبل ميزانية البلدية. حيث كانت تجري كشفاً خاصاً على بعض العرصات وتقدير ما تحتاجه لجعلها محلاً للإطفائية، وهذا ما قامت به في اختيار علوة الحيدرخانة لحاجة البلدية إلى جعلها مكاناً للإطفائية.
وفي نيسان 1922 قرر المجلس البلدي بناء العرصة المجاورة للبلدية في السراي وجعلها مركزاً لدائرة الإطفائية.
وبعد عدة أشهر قرر المجلس استملاك العرصة المجاورة لدائرة البلدية الأولى وجعلها مقراً للإطفائية.وللمحافظة على حياة الأهالي أغلقت البلدية دكاكين بيع الحصران في جانب الكرخ لتجنب وقوع الحريق.
دائرة الاطفاء:
لهذه الدائرة أهمية خاصة لما لها من ارتباط وثيق بحياة الناس، وكان عملها مرتبطاً بتوفير عاملين، أولهما المياه التي تساعد على إطفاء الحرائق، وثانيهما الآلات المستخدمة في عملية إطفاء الحرائق، لذلك كان الاهتمام بها أسبق من بقية دوائر الأمانة، حيث مرت بمراحل تطور منذ تأسيس البلدية عام 1917 وحتى توحيد البلدية بمؤسسة أمانة العاصمة عام 1923.وكانت لها بناية خاصة مستقلة عن دائرة البلدية بجوار البلدية قرب السراي ويسمى الشارع الذي تطل عليه بشارع الإطفائية، وأضيف لها مخزن خاص بها بعكس دائرتي الهندسة والمفتشية اللتين كانتا مرتبطتين بالبناية المركزية للأمانة.
ولأهمية عملها ومنذ المدة الأولى لإنشاء دائرة الاطفاء أنيطت إدارتها إلى الميجر المستر فيشر، واستمر بإدارتها حتى عام 1936، حيث أنهي عقده وأنيطت إدارتها إلى ابراهيم شندل.
وكان الاهتمام بإدارة الإطفاء أمراً مستمراً، حيث يتطلب تواجد ضابط المركز الإطفائي دون غياب للحفاظ على حالة مدينة بغداد، ومنع خطر الحرائق، ويكون ضابط الإطفاء مدرباً تدريباً جيداً ومهيئاً للعمل في أي وقت من الأوقات وذا دراية تامة.وقد تميز مفتشو ومراقبو الاطفاء بوضعهم علامة على الصدر ذات رمز أحمر مع الملابس نفسها التي حددت لموظفي الأمانة.
وعلى مر السنوات لم يتغير عدد العاملين في دائرة الإطفاء عن السنوات السابقة، حيث ينقسم الموظفين على قسمين: قسم يطلق عليهم (موظفون على الأرض) وهم كل من: مدير الإطفائية، ومعاون المدير، ورئيس السواق، و4 سواق سيارات، وعريفين، و26 إطفائياً، كاتب عمومي، ومحافظا تلفونات. أما القسم الثاني فيطلق عليهم (موظفون على النهر) وهم: سائق زورق، وسائقا فوهات، وعريف، و4 إطفائيين، وبذلك يصبح المجموع 47 موظف. وأضيف إلى عدد العاملين شخص آخر هو نجار الإطفائية محسوب على موظفي الأرض، ويتقاضى راتباً شهرياً 120 روبية.
وزاد عدد المضخات المستخدمة في إطفاء الحرائق في أماكن متفرقة من بغداد، حيث أنشئت مضخة أمام وزارة الأوقاف وفندق مود، ومضخة أخرى في الميدان وشارع السراي. وفي السنوات اللاحقة زادت إسالة الماء عدد الفوهات في الأعظمية بناء على طلب المواطنين ودائرة الإطفاء، إذ لا يوجد سوى فوهة واحدة وبعيدة عن أماكن حدوث الحرائق لذلك وضعت أسالة الماء ست فوهات إضافية في أماكن متفرقة من الأعظمية لتتمكن فرقة الإطفاء من استخدامها بسهولة في إخماد الحريق.
وعندما تسلم السيد ابراهيم شندل معاون المستر فيشر إدارة الإطفائية حصل على سيارتين جديدتين ونقل الدائرة من منطقة القشلة إلى منطقة الشيخ عمر في بناية جديدة لتوسع أعمالها.
ولم تقتصر مهمة دائرة الإطفاء على إخماد الحرائق فقط، إنما ألحقت بها مهمة أخرى وهي إجراء فحص على السيارات مع سائقيها لغرض منحهم إجازة للسفر خارج البلاد لا سيما الى الأقطار المجاورة للعراق وهي سوريا ولبنان وإيران. وقد ذكرت في أحد تقاريرها عام 1925 يسجل في الشهر الواحد في دائرة الإطفاء لغرض الفحص والحصول على إجازة السفر 88 سيارة ويجاز 35 للسفر إلى الشام و6 إلى حلب و19 إلى إيران، ومنحت 20 إجازة سوق بعد إجراء الاختبار لهم مع 18 سيارة للتسجيل.
وقد زاد عدد السيارات في عام 1927، حيث تقدم لمنح الإجازة 174 سيارة، ومنحت 45 إجازة فقط للسفر إلى بيروت وحلب وإيران، ومنحت 19 إجازة لسيارات شركة دفيلت تايرن، ومنح 39 سائقاً للحصول على إجازة سوق و9 سيارات للتسجيل. وفي الثلاثينيات أعطت دائرة الإطفاء صلاحية لسيارات الحمل بين سوريا والعراق لكي تنال إجازة السفر لكل سفرة على حدة.
وقامت الدائرة بالكشف على أجهزة الحريق في محلات السينما والملاهي وغلق المحال التي يكون إنشاؤها بالقرب من محال بيع البانزين لتفادي حدوث الحرائق، وتساعد دوائر الدولة بإجراء الكشف على مطافئ الحريق والتأكد من صلاحياتها للعمل. وكذلك تجري دورات لبعض ضباط وزارة الدفاع ليتمكنوا من اتخاذ التدابير الكافية لمقاومة الحريق لحين وصول فرقة الإطفاء.
عن رسالة (تاريخ أمانة العاصمة 1921 ــ 1933)
377 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع