محاولة اغتيال ياسين الهاشمي ورشيد عالي الكيلاني ونوري السعيد سنة ١٩٣٦

           

محاولة اغتيال ياسين الهاشمي ورشيد عالي الكيلاني ونوري السعيد سنة ١٩٣٦

   

           

بعد انقلاب بكر صدقي يوم 29 تشرين الأول 1936م، تشكلت حكومة الانقلاب برئاسة حكمت سليمان في اليوم الأول للانقلاب، وقد أثيرت شائعات في بغداد أفادت ان هناك قائمة أعدتها الوزارة الجديدة لتصفية الحساب مع خصومها لاغتيالهم وبإيعاز من بكر صدقي لقتل نوري السعيد وياسين الهاشمي ورشيد عالي الكيلاني، وأعضاء الحكومة السابقة.

وقد ذكر عبد الرزاق الحسني في كتابه تاريخ الوزارات العراقية أنه ذهب الى وزير المعارف جعفر حمندي , لغرض الاتصال بحكمت سليمان والوقوف على حقيقة تلك الشائعات ولما التقى بحكمت سليمان سأله عن موضوع تلك الشائعات , فاخبره حكمت سليمان ان بكر صدقي قد جاءه إلى ديوان وزارة الداخلية مساء يوم الانقلاب,وان بكر صدقي قد أبدى رغبته في ان يتناول العشاء عنده هو وبعض الضباط والجنود, ولما التقيا في دار حكمت سليمان قال بكر صـدقي : ((إن كل من هؤلاء الضباط سيتولى قتل احد الوزراء فما تقول))، لكـن حكمت سليمان أجابه : ((بأنه مستعد لاستحصال إرادة ملكية تجعل بكر صدقي رئيساً للوزارة فيفعل ما يشاء)) , وعندها استغرب بكر صدقي من جواب حكمت سليمان قائلاً له : ((إن القوم سيقتلوننا ان لم نقتلهم ألان)) , وقصد بذلك : (نوري السعيد وياسين الهاشمي ورشيد عال الكيلاني)، لكن حكمت سليمان رفض تلك الفكرة.
ويتضح من ذلك ان حكمت سليمان كان لا يتفق مع أفكار بكر صدقي الداعية لتصفية الخصوم السياسيين الذين رأى فيهم بكر صدقي الخطر الذي يهدده ويهدد حكومة الانقلاب التي يتزعمها حكمت سليمان، إذ ان حكمت سليمان حاول صرف بكر صدقي عن فكرته, وانه قد أوصى الخدم بإيقاظه عند حدوث أي حركة من قبل الضباط لغرض تنفيذ مخططات بكر صدقي , وهذا ما يفسر قيام حكمت سليمان بالاستنجاد بعلي غالب احد اعوان بكر صدقي في ذلك الموضوع , لكنه وجد أن المذكور كان يشارك بكر صدقي في فكرته تلك.

           

التجأ نوري السعيد إلى السفارة البريطانية , واخبر السفير البريطاني (كلارك كير) حول نية بكر صدقي في تصفيته هو وياسين الهاشمي ورشيد عالي الكيلاني بعد قيامه بقتل صهره جعفر العسكري.

قام السفير البريطاني على اثر ذلك باستدعاء (اد موندز) Edmonds مستشار وزارة الداخلية , وطلب منه الذهاب الى رئيس الوزراء حكمت سليمان , وطلب منه بوجوب المحافظة على حياة الوزراء الثلاثة: (نوري السعيد وياسين الهاشمي ورشيد عالي الكيلاني)، وبالمقابل فان حكمت سليمان ابلغ المستشار البريطاني(اد موندز) بموافقته على الحفاظ على حياة الوزراء الثلاثة : (نوري السعيد وياسين الهاشمي ورشيد عالي الكيلاني) على شرط ان يغادروا العراق.

      

كانت لدى ياسين الهاشمي قناعه بان بكر صدقي لديه النية في تصفية خصومه السياسيين , واتضح ذلك من خلال حديثه مع صالح جبر وزير العدلية في حكومة الانقلاب حين سألة صالح جبر عن رأيه في دخول الوزارة كوزير للعدلية في حكومة الانقلاب، اذ اجابه ياسين الهاشمي بضرورة قبول ذلك التكليف، وعلى الرغم مما أبداه صالح جبر من اعذار تحول دون ذلك، لكن ياسين الهاشمي اشار اليه بقبول ذلك التكليف للحد من غلواء الحكومة الجديدة، وقال له : ((ان القوم مصممون على التعرض لحياتنا))، وذكر رشيد عالي الكيلاني حول قيام الملك غازي بارسال مرافقه الاول العقيد احمد محمود اليه يوم 30 تشرين الاول 1936م، وقد ابلغه بوجوب تركه العراق حالاً، وان ياسين الهاشمي ونوري السعيد قد بلغا نفس التبليغ الذي حمله اليه العقيد احمد محمود مرافق الملك غازي.

             

وترددت شائعات ان رئيس الوزراء حكمت سليمان هو من اشار على الملك غازي ان يشير على ياسين الهاشمي ونوري السعيد ورشيد عالي الكيلاني بمغادرة العراق رعاية للمصالح العامة وخشية من ان يصيبهم مكروه على ايدي الضباط المتحمسين من اعوان بكر صدقي.
غادر ياسين الهاشمي ورشيد عالي الكيلاني العراق الى سوريا, ومنها الى لبنان يوم 30 تشرين الاول 1936م، في حين غادر نوري السعيد بغداد الى القاهرة بعد يوم واحد من مغادرة ياسين الهاشمي ورشيد عالي الكيلاني, وكان بصحبته عائلته وابنه صباح، وقد حملتهم طائرة حربية بريطانية الى هناك.

أصدرت الحكومة العراقية بياناً حول مغادرة ياسين الهاشمي ونوري السعيد ورشيد عالي الكيلاني، وعدت سفر المذكورين من مقتضيات استتباب الامن والاستقرار.
وكانت فكرة اغتيال ياسين الهاشمي ونوري سعيد ورشيد عالي الكيلاني لم تبرح بال بكر صدقي حتى بعد نفيهم، ويتضح ذلك من خلال ما تحدث به الاخير الى كامل الجادرجي احد وزراء حكومة الانقلاب حين زاره في مقر وزارته وقال له : ((اذا اتفقنا نحن الثلاثة، أنا وأنت وأبو التمن (جعفر ابو التمن)، وزير المالية في حكومة الانقلاب على امر، فنؤدي خدمات جلى لهذه البلاد))، ثم أضاف الى ذلك قائلاً : ((انه قرر قتل أولئك الوزراء في منفاهم))، وحين أستنكر كامل الجادرجي ذلك الكلام، رد عليه بكر صدقي((بأنه كان مازحاً في حديثه)).
ويمكن الوقوف على حقيقة دوافع بكر صدقي لمحاولة اغتيال كل من ياسين الهاشمي ونوري السعيد ورشيد عالي الكيلاني من خلال تناول طبيعة العلاقة بينهم وبين حكومة الانقلاب وقائد الانقلاب بكر صدقي تحديداً.

       

حينما حدث انقلاب 29 تشرين الأول فوجئ ياسين الهاشمي بذلك الانقلاب، واتصل ببكر صدقي للوقوف على حقيقة ذلك الانقلاب ونواياه، اذ اخبره بكر صدقي ان الحركة قامت بعلم وموافقة الملك غازي، وحين أنكر الملك غازي ذلك , طلب منه ياسين الهاشمي ان يترك بغداد هو والحكومة وينسحبوا إلى الألوية، وجمع بعض القطعات العسكرية لمقابلة قطعات الجيش الموالين للانقلاب، لكنه لم يلق تأييداً من قبل الملك غازي بخصوص ذلك واقتنع ان الملك غازي لديه ميول نحو جانب الانقلاب لذلك أبدى استعداده لتقديم استقالته.
أما بالنسبة لموقف نوري السعيد فأنه اقترح إرسال مناشير موقعة من قبل الملك غازي ترسل بالطائرات، وتلقى على قطعات الجيش في جلولاء، تتضمن اعلاناً بتمرد بكر صدقي،لكن الملك غازي تجاهل ذلك المقترح ولم يعلق عليه، فقال له نوري السعيد: ((سيدي إذا كنت مؤيداً لهم فنحن نستقيل، وإلا فنحن مستعدون للمقاومة)) , فرد عليه الملك غازي قائلاً : ((الأفضل أنكم تنسحبون حقناً للدماء، لأنهم على أبواب بغداد))، مما أعطى إيحاء لنوري السعيد بأن الملك غازي على علم بالانقلاب، فضلاً عن ذلك قيام نوري السعيد وياسين الهاشمي بمحاولة استمالة السفارة البريطانية من اجل ان تتدخل بريطانيا بصورة مباشرة لإحباط الحركة الانقلابية، لكن السفير البريطاني رفض ذلك، وعد ما حدث حركة داخلية، وان بنود المعاهدة العراقية تنص على قيام بريطانيا بالتدخل في حالة وقوع تدخل أجنبي أو اعتداء خارجي فقط.


المدى/رياض فخري البياتي

عن رسالة (ظاهرة الاغتيالات السياسية في العراق)

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1310 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع