حظ أمحيسن ! مـسلـسل تلفزيوني بين الحقيقة والخيال من الحياة الأجتماعية في العراق في الحقبة الواقعة في منتصف الأربعينيات ولغاية أحتلال بغداد في9/نيسان2003
الحلقة / 21
تلقى "أمحيسن" دعوة من زوجته الروسية لزيارتها ومساعدتها في تقويم سلوك ابنها, وفرح في قرارة نفسه, وراح يستعد للسفر,.. فوصل مطار موسكو في حزيران 1978 وكانت الزوجة بأستقباله ورافقته إلى شقتها ,فوجدها خالية من الأثاث,عدا بعض الضروريات وهكذا قضى"أمحيسن" ليلتة, يجترعذاب السنين وضياع سنين شبابه!, فهل آن الأوان للانتقام أم العفو؟, كما أمرنا الله"العفوعند المقدرة",
ألا أنه لم يجد وسيلة لطرد الأفكار من ذاكرته,.. ولذا فتح المسجل ليسمع أم كلثوم تردد من كلمات الشناوي أغنية, "بعيد عنك":
نسيت النوم .. وأحلامه = نسيت لياليه.. وأيامه
بعيد عنك .. حياتي عذاب = ما تبعدنيش بعيد عنك
ما ليش غير الدموع أحباب = معاها بعيش بعيد عنك
غلبني الشوق .. وغلبني = وليل البعد دوبني
ومهما البعد حيرني = ومهما السهد سـهرني
لا طول بعدك يغيرني = ولا الأيام بتبعدني
وعلى أية حال,فأن زوجة "أمحيسن",كأية حواء, حاولت أن تغريه إلا أنه لم يدنـس حياته الزوجيه مع من طعنته لكي ترضي والديها!
استمر"أمحيسن" يصارع الليل ويطوي بين أضلعه الآهات وكلمات العتاب الممزوجة بالدموع تارة وبـسخرية من ذاته تارة أخرى!, ولم يتذكرمتى نام,.. وصباحاً أخذ علماً بزيارة ابنه بعد قليل,.. وهكذا بدأ يستعد للقاءه,.. وحدثته أمه عن تصرفاته, ثم طلبت منه أن يجهز له الأكلة العراقية التي يحبها والموسومة بـ ( الخبيطه)!,..وكان لها ما أرادت ، وخرجا معاً للتسوق وعادا إلى الشقة بسرعة ،.. فبدأ بهمة بالطبخ,.. ودموعه تتساقط من دون أرادته, لذا هونت عليه زوجته إلا أنه لم يستطع، وما إن رأى إبنه الذي لم يراه منذ ثمانية سـنوات وهو يعبر الشارع, حتى عاد للنحيب, وراحت تتوسل به كي لا يراه ابنه في حالته المزرية ,.. واستطاع أخيراً أن يكبح عواطفه, وما إن اقترب منه وضمه إليه, حتى عاود النحيب ,..إلى أن تمكنت الأم من سحب ابنها, وعاد" أمحيسن" لوعيه, وبدأ يحدثه وسأله عن أسمه؟، ونطقه بالعربي، بعد أن غيرته أمه إلى الروسي!,.. ثم عرض على ابنه, تصاوير إخوانه من زوجته العراقية, وفرح بمشاهدتهم وأشار إلى أحدهم على أنه شبيه له!, وهكذا استمرت الجلسة وتناولوا طعام الغداء سـوية ، ثم قرروا الذهاب إلى مركز المدينة لشراء ملابس له وقد حاول "أمحيسن" أن يختلي بأبنه ولو للحظات ليخبره بواقع الحال الذي أدى لوضعه, وسـبب انفصال والديه ، إلا أنها لم تسمح بذلك مطلقاً ولما احتد الجدل, اخذ جانب أمه ولم يهتم بكلام والده, ..ثم تفوه بكلمات "ساقطة" بشأن والده,.. رامياً سبب الطلاق عليه, وأنه ترك أمه ولم يعينهما طيلة تلك السنوات!
علم "أمحيسن" ان لا مجال لعودة المياه إلى مجاريها وان الطفل قد غسل دماغه وصار حانقاً عليه ، إضافة إلى عدم اكتراث الأم بمشاعره و لم تنطق بأي اعتذار لسوء ادبه !
وهكذا تبين أن استدعاءه لزيارتها وطفلها في موسكو, كان للانتقام بعدما اتقنت تدريس أبنها لكي تشفي غليلها وتقطع صلاته العاطفية !
فهم "أمحيسن" خريطة الطريق وألتزم الصمت,..وعرج بمعيتهما وأشترى له بعض الضروريات ثم وضع له في البريد "قسم الأدخار" مبلغاً من الروبلات , يدفع له بحدود 300 روبل شهرياً,لمدة سنة كاملة , مع العلم أن راتب الطبيب آنذاك 90 روبل!
توجه "أمحيسن" للمبيت عند أحد أصدقاءه منهكاً , فألقى بنفسه على السرير ,وتذكرالمرحومة المطربة عفيفة أسكندر,وفتح مسجله وراح يستمع لأغنية : جوز منهم لا تعاتبهم بعد ,..جوز:
جوز منهم, لا تعاتبهم بعد,.. جوز
شلك عدهم ناس ما الهم عهد, جوز
جوز منهم,.. لا تعاتبهم بعد,.. جوز
شلون جازونه بهجر؟,.. و بلا عذر
تالي باعونه,.. بسعر,.. ما ينذكر!
هاي هم قسمة و وعد؟, ..جوز منهم
احنه ربينه و تعبنه و شفنه لوعات و سهر
و احنه دارينه و شربنه كاس مرمن الزهر
و يعلم الله,.. شكثر من شوقي حزنت!
و يشهد الله.. شكثر من شوقي حزنت !
وبعد تسع من السنين في الغربة ، أصاب "أمحيسن", السأم من حياته, وبدأت لديه مشاعر الكآبة والخوف من الموت!,.. بالرغم من علمه "أنه حق على الجميع"، وتذكر قول الأمام علي كرم الله وجهه حينما سأل" لماذا تكره الحق ؟,فقال(الموت حق وأنا لا أحب الموت) لم يهدأ" أمحيسن " إلا بعد أن اتخذ قراراً بالعودة للوطن، .. وفي تلك السنة صدر في بغداد قانوناً يشجع عودة العقول المهاجرة للوطن ، سمي بقانون "الكفاءات",.. واستلم رسالة من صديق له ينبئه بإعادته للجامعة, وفق ذلك القانون في يوم مباشرته في الكلية !،.. واحتساب فترة انقطاعه والبالغة تسعة سنوات لاغراض الترفيع والتقاعد!
قدم" أمحيسن", استقالته وسفـَّرعائلته وتفرغ لتصفية كافة أعماله وسافر إلى أوربا لشراء أثاث لبيته الجديد, وسيارة, " ستعفى" من الضرائب وفق قانون الكفاءات،.. ولكن ما إن وصل بغداد حتى علم بإلغاء قانون الكفاءات وعدم اكتمال بناء داره !
ولم يستغرب, فحظه كحظ "أمحيسن", فهما وجهان لعملة واحدة!, وبجهود مضنية أستطاع أكمل بناء الدار وتحول بها وهي خالية من الأثاث,وتحولت غرفة الأستقبال كساحة للعب كرة القدم لأطفاله!
وفي فجر 22/9/1980 كان "أمحيسن" يتمشى بحديقة المنزل حاملاً أصغر أبناءه ليهدأه من مغص أتعبه,..فشاهد طائرتان تحومان فوق داره القريبة من مطار"صدام الدولي",.. وبعد لحظات قصفَ المطار, وأصاب الجميع الهلع عند سماعهم صوت الأنفجارات,.. وبمرور الأيام أزداد القصف على كافة مناطق بغداد,.. حيث بدأت الحرب العراقية - الأيرانية,وصارت أصوات القصف مألوفة ، وبدأ سكان بغداد يتعايشون مع هذه الحالة ، والأطفال يذهبون لمدارسهم .
استمرت الحرب بين العراق وإيران ثماني سنوات لا كما قدر لها في بدايتها بعشرة أيام فقط!، حيث كانت حرب استنزاف للطرفين، ولم يََجن أحد منها أي شيء سوى الخراب.
وفجأة توقف أطلاق النار في 8/8/1988، بعد أن أكد الخبراء استحالة توقف تلك الحرب، وقد عانى الجميع ويلاتها واستبشر الناس خيراً من توقفها،وسـُمح بعد أيام بالسفرللخارج وأستغل "أمحيسن", الحالة الجيدة، وشَـمرعن ساعديه، متحدياً كل العقبات لكي يتمم كل الإجراءات الرسمية المتعلقة بالسفر للعمل في أي وطن عربي آخر.
يتبع في الحلقة 22 / مع محبتي
للراغبين بالأطلاع على الحلقةعشرون:
http://www.algardenia.com/maqalat/9867-2014-04-15-14-57-17.html
476 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع