حظ أمحيسن ! الحلقة الثانية والعشرين

                                             

     

   حظ أمحيسن ! مـسلـسل تلفزيوني بين الحقيقة والخيال من الحياة الأجتماعية في العراق في الحقبة الواقعة في منتصف الأربعينيات ولغاية أحتلال بغداد في9/نيسان2003  
            
     
                   الحلقة الثانية والعشرين

لم تثمـُر أحلام "أمحيسن" بالهجرة الثانية ، وطارت الفرحة عندما سمع المذيع من راديو سيارته وهو في طريقه نحو دائرة الجوازات الواقعة في الباب الشرقي في بغداد , معلناً قيام ثورة في الكويت,اهتز لها العالم, وفوراً أصدرت الدوائر الحكومية المختصة أوامرها بمنع السفر لخارج العراق مهما كانت الأسباب, و سـرت إشاعة مفادها,الأتصال بقائد طائرة عراقية  بالعودة بعد ان غادر مطار بغداد بدقائق قبل الإعلان عن غزو الكويت, وتحويله الى قائمقامية تابع لمحافظة البصرة !

   
 
                    حرائق آبار النفط في الكويت

وهكذا,..أغلقت الأبواب في دائرة الجوازات,وعاد" أمحيسن" وأسرته لدارهم بخفي حنين, ولا يدري كيف سيجتاز المطب الجديد,.. وراح يردد مقاطع من أغنية المطرب عبدالجبار الدراجي:


دكتور جرح الأولي عوفه      =   جرح الجديد عيونك تشوفه!
تعايش " أمحيسن" وأسرته مع تلك الفترة العصيبة وساءت حالتهم النفسية ولام نفسه على إضاعة فرص عديدة للهجرة ،... ولكن هل ينفع الندم؟!
ومرَت الأيام, ودارت الأيام ,.. وفي 15/1/92، أتمت قوات التحالف خطتها, وأنذرت العراق بسحب قواته من الكويت ، إلا أن الحكومة العراقية لم تذعن لأي نداء بالانسحاب من الكويت,.. وصار" أمحيسن" أمام موقف خطير،.. واتخذ قراراً بمغادرة بغداد,حيث بات الجو  ينذر بحرب قد تستخدم فيها الغازات السامة ، وسافر إلى "حصيبة / القائم" القريبة من الحدود السورية ليعيش بكنف أخت زوجته ، لأن الجيش السوري شـارك في الحرب , لأخراج الجيش العراقي من الكويت ,..أي أنه تحالف مع الجيوش الغازية لبلد عربي ونسـى موقف العراق يوم أن حارب بجانبه عندما هاجمته اسرائيل وكادت أن تدخل  دمشق لولا جيش العراق الباسل الذي حال دون ذلك ,.. ولعنة الله على كل جاحد !
 وعلى أية حال,.. أستمرت تلك الأوضاع الرهيبة أكثر من ثلاثة أشهر, وانقطعت الكهرباء وشحت المواد الغذائية ،.. وأن وجدت فلا يمكن شرائها, حيث تصاعدت أسعارها عشرات المرات ، وراحت الآلة الحربية لقوات التحالف تسحق البنية التحتية في كافة أنحاء العراق، ولم يسلم من ذلك حتى أبسط الأبنية لمحطات المياه والكهرباء في القرى والأرياف ،.. وقد أصاب الدمار كل أرجاء الوطن, وأصر العراق على موقفه إلى أن بدأت الحرب البرية , وبعد يومين من بدايتها، حلت الكارثة بين صفوف الجيش العراقي بسبب الانسحاب غير المبرمج, حيث أكد صدام حسين رئيس الدولة والقائد العام للقوات المسلحة ليلة بداية الحرب :
أن ليس هناك أي انسحاب حتى لو سمع ذلك بصوتي!
ولذا عمت الفوضى  المقاتلين واستمروا بالنزوح العشوائي من أرض المعركة بشتى الوسائل، إلى أن أعلنت قوات التحالف إيقاف أطلاق النار بشكل مفاجئ بالرغم من وصولها إلى محافظة المثنى (السماوة), والتي لا تبعد عن بغداد بأكثر من 350كم،.. ولم تعرف الأسباب الحقيقية وراء إعلان القوات الدولية توقف زحفها اتجاه بغداد؟,..  فـسبب  ذلك قلقاً وأرتباكاً في العديد من القطعات العسكرية ,..وعمت المظاهرات معظم المدن العراقية.
 وبعد توقف إطلاق النار، عاد "أمحيسن" وعائلته من مدينة "حصيبة" إلى بغداد، وقد بدأت الأحوال تتحسـن لحد ما، الا ان , الكهرباء ما زالت مقطوعة والبنزين مفقود والأسعار التهبت بشكل غير معروف من قبل، وهبطت قيمة الدينار العراقي، فبعد أن كان الدينار الواحد يساوي أكثر من ثلاثة دولارات،.. صار الدولار الواحد بخمسة دنانير وكيلو اللحم باثني عشر دينارًا، والدجاج بعشرة دنانير،.. وليس هذا المهم، والأهم هو عدم استقرار تلك الأسعار فهي في تزايد حتى وصل سعر الدولار ( في التسعينيات), أكثر من ألفي دينار عراقي !
وفي نهاية (ابريل) بدأت الحياة الدراسية تعود في كافة المراحل، وراح "أمحيسن" يخطط لمغادرة العراق ، وحاول الحصول على أجازة بشكل رسمي حينما استلم عرضًا من أحدى الجامعات العربية ولم يوفق، فقدم استقالته وصمم على الهجرة فور توفر الفرصة, وفعلاً صدر في تموز (يوليو) 1992، بيان يسمح للعراقيين بالمغادرة لخارج العراق،..

    

            جانب من الساحة الخضراء في طرابلس / ليبيا

فأستغل "أمحيسن" ذلك البيان، وأكمل إجراءات السفر، وغادر بمفرده إلى ليبيا , وفي اليوم التالي من وصوله إلى ليبيا توجه إلى كلية العلوم ووجد متغيرات عديدة، وبعد الاستفسار تمكن من مقابلة رئيس القسم، وكان الوحيد من بين أعضاء هيئة التدريس الذي لا تربطه معرفة سابقة بـه,.. وقد قابله بكل جفاء واعتذر عن إعادة تعيينه بالقسم بحجة عدم وجود الحاجة لخدماته ، فخرج من تلك المقابلة ذليلاً,.. وفي الطريق  التقى بنفس الدكتور الذي تعاقد معه في بغداد سنة 1970, وتبادل الطرفان المجاملة والترحاب وما هي إلا ساعة واحدة حتى جاءه بعرض عمل من رئيس قسم الكيمياء نفسه الذي اعتذر عن قبوله قبل أيام, بعدم وجود شاغر !

                       

ترك "أمحيسن" الأمر للزمن أو قل لمشيئة الله ، ولم يكترث لكل العقبات التي تحول دون هجرته الى امريكا, متخبطاً فيها وحيداً بعد أن كانت الآمال مفتوحة والكل يشجعه بالهجرة, ولكن الوضع السـياسي في العراق المعادي لأمريكا, و العداء المتأزم بين نظام القذافي والسياسة الأمريكية , جعلت حصوله على الفيزة شبه معجزة!
لم يرغب "أمحيسن" بسرد ما حدث له بالتفصيل الممل ,.. فقد اجتاز العديد من المطبات التي يصعب تدوينها لفضاعتها, و سألني :" لماذا تبرز أمامي المطبات؟", ثم راح يسـرد مطبات حدثت له رغماً عنه ، منذ نعومة اظفاره وليومنا هذا, وتسائل: هل أنا " أعمى البصيرة أم أنني أسير بطريق مُظلم؟
فقلت له : أن المطب الذي عَصَفَ بـك وقادك إلى الطريق المظلم,.. لم يكن بسبب فقدان بصيرتك, بل أنه أمر مجهول, ويحدث للكثيرمنا,ثم سرد لي الكثير مما تعرض له في الماضي ,  و أبتسـم بسـخرية وقال : حظ أمحيسن !

 يتبع في الحلقة الثالثة والعشرين

للراغبين الأطلاع على الخلقة الحادية والعشرين:

http://www.algardenia.com/maqalat/10043-2014-04-24-20-04-31.html
 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

625 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع