خراجُكِ لنا حيث تمطرين

                                        


                            علي السوداني

وهذه ليلة من الليالي التي لم يبقَ في أوشالها منزع صبرٍ وتصبّرٍ ، وقد زرَعَنا الربُّ الكريم منبَتَ ناسٍ إن عاد واحدُهم داره أو دار جاره والعيال ،

ولم يجدَ في قدْرهِ مرَقاً ، وفي ضرعهِ حليباً ، شالَ سيفهُ ونزل إلى الشارع صائحاً مزلزلاً مجلجلاً متشيّماً بالأنصار وبالمريدين وبالمعذّبين عليها ، أن اتبعوني واتّبعوني وعاجلوني ، فلا قيامةَ لكم من بعدي ولا قائمة ولا خبزاً ولا زرعاً ، حتى تضجُّ بنا ونضجُّ بها ، فتتّسعُ ما حطّت عليها قدمٌ وساعد . سأستوي غداً وهو أقرب للناطرين المقهورين ، من خضرة ورائد الرقبة ، على عرشٍ ضخمٍ عالٍ نابتٍ لا تهزّهُ الريح حتى وإن كانت ريحَ صرصرٍ قالعة تالفة . سأرسخُ بموضعٍ من بغدادَ الأبدية ، بين رصافتها وجسرها والماء وما شالت الأكلاك والدواب ، فأصيحُ على عاملنا بكرخها فيجيبنا أن اذهب وحشدك فقاتلا إنّا معك ذاهبون . سأفرشُ تحتي فرشةً من شوكٍ وعاقولٍ وصبّارٍ . سأُركزُ حجارةً ناتئة بسرّة بساطيَ حتى لا تأخذني نومةٌ ولا تدغدغني راحة . سأكسرُ الكأسَ والجرةَ وأذرُّ الخميرةَ المخمّرةَ ، فتراني الناسُ من جهاتي الأربع وقد صرتُ وصار الذين معي من شدَدَة الأحزمة والأنطقة والعقلات ، من نوع السكارى وما هم بسكارى . سأُعيدُ زعيمَ القبيلة والفخذ إلى بطن الديوان ، وعالي العمامة إلى منبر مسجدهِ ، فإن جنحوا لها سنجنح ، وإن ركبوا الرؤوس عناداً وجهلاً وضلالةً ، سنركبها بالحقّ وبالعدل ، وسنسوّرههم بجيشٍ أوّلهُ راسخ تحت الشجرة المبروكة التي نستظلُّ ، وآخرهُ عند مهبط خشم أخيرهم .
 سنخلعُ عباءتنا على مغرب الدار ومشرقها ، ونقفُ على طولنا الذي ليس فيه حدبة ظهرٍ أو خنخنة خشمٍ ، فإن مرّتْ بسقفنا غيمةٌ إلهيةٌ سمينة ، ركضنا وشمّرنا الأردان والسواعد ، وحملنا الفؤوس والرفوش والمحاريث الثقيلة التي نجرّها جرّاً ، وتجرّها الثيران وما تيسّر من دواب على أربعةٍ تمشي . سنطشّ الأرض ببذرات يابسات وبمشتولات غضّات ، فإن أمطرتْ فالمناجل مستلة بأيمان الشِداد ، وصوامع الطين والحجر مفتوحة أبوابها ، وإنْ نفخها العالي القدير العادل ، نفخة خير وبركة وسارتْ حتى حطّت بباب عبادان وما حولها ، شكرناه وبِسْنا اليد وجهاً وقفا ، وزففنا غيمتهُ بالهلاهل وبالتكبيرات وبالصلوات المستجابات ، وقلنا لها جهراً وهمساً وبما بين الضلوع ، إنّ تَمركِ ورزّكِ ولوزك وزيتونك وتينك وعنبك والمرعى والمهوى ، لنا حيث تهطلين وتمطرين .
سنبني مدينةً فاضلةً ، فيها جامعٌ يؤذّن وكنيسةٌ ترتّل ، وصوامع نسكٍ وتطهّر وتعبّدٍ وتأمّلٍ للخلق أجمعين . سنبلّطُ للرعية صراطاً سهلةً ، لا منبوشات فتنة في ضلعها ، ولا منتوفات ضلالةٍ في حشاها . صوموا وصلّوا وحجّوا إن كان الأمر تحت اليمين المستطاع . أخرجوا من رزقكم الحلال ثلمةً واجعلوها حقّاً للسائل والعاجز والمحروم .
بخواصر مدينتنا وثنياتها ، دار علم وفنّ وأدب ، ومطعم ودار موسيقى وحانة ومقهى وسينما ومنحتْ . سأرقبكم من فوق سطح داري بعينٍ تكادُ لا تنام من قوة الله . إنَّ أحسنكم عندي ، هو أحسنكمْ عند الناس والزرع وما دبَّ عليها وما انتشر .
 عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
عمّان حتى الآن

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

430 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع