صفعة احتجاج!

                                        

                             زينب حفني

نُطالع في نشرات الأخبار بين حين وآخر، مشهد احتجاج قد يستظرفه بعض الناس ويتضاحكون عليه، وقد يستهجنه البعض الآخر ويرون بأن التعبير عن الاعتراض له وجوه أخرى كثيرة!

وما زال الجميع يتذكّر الحادثة التي وقعت بعد دخول القوات الأميركيّة للعراق، حين قذف أحد الصحفيين العراقيين حذاءه في اتجاه الرئيس الأسبق جورج بوش أثناء المؤتمر الصحفي الذي عقده، ونجحت كاميرات الصحفيين وقتها في تصوير الواقعة، وكيف استطاع بوش تفادي الحذاء بمهارة!

هذا المشهد تكرر منذ عدّة أسابيع بالأردن، عندما تعرّض رئيس الوزراء الأردني عبدالله النسور للموقف نفسه، وذلك بعد أن ألقى مواطن أردني غاضب بحذائه تجاه المنصة التي كان يجلس عليها، وتمَّ على الفور التحفّظ على كاميرات المصورين خوفاً من تسريب الصور.

ثقافة الاحتجاج ليست جديدة على الغرب، فمشهد رمي رئيس الوزراء بالبيض، أو بقالب حلوى، نراه كثيراً على شاشة التلفاز، لكن في عالمنا العربي لم يتجرأ مواطن في الماضي على الإتيان بهذا الفعل الفاضح الذي يرى فيه الكثيرون كسراً لهيبة الدولة ولمسؤوليها! لكن بعد الاحتلال الأميركي للعراق، وقيام الثورات العربية التي حرّكت رياح الغضب في قلب الشعوب، نبتت بذرة المجازفة في القلوب ولم تعد تخشى التعبير عن مكنونات نفسها!

مؤخراً انشغل العالم بمتابعة حادثتين منفصلتين هزّتا العالم وما زالتا حديث الساعة! الأولى حادثة الطائرة الماليزيّة المفقودة التي لم يتم العثور على حطامها إلى اليوم، والتي كما أعلن الخبراء أن البحث قد يستمر لعدّة سنوات، وهو ما دفع الأهالي إلى التظاهر للضغط على الحكومة الماليزيّة لبذل المزيد من الجهد والمال، والحادثة الأخرى غرق العبّارة الكورية الجنوبيّة، والتي راح ضحيتها مئات التلاميذ.

أب لأحد التلاميذ الذين غرقوا في العبّارة، فاجأ رئيس الوزراء وهو يتحدّث أمام الأهالي المنكوبين محاولاً تهدئتهم، بصفعه على وجهه. من رأى المشهد اندهش من ردّة فعل رئيس الوزراء الذي أرخى رأسه تعبيراً عن أسفه لما جرى، وتقديراً لحزن الأب، معلناً في الحال استقالة حكومته.

أنا لا أريد أن يفهمني البعض خطأ، ويعتقد بأنني أحرّض على ضرب الوزراء، ولكن في الوقت نفسه أرفع قبعتي إعجاباً برئيس وزراء كوريا الجنوبيّة الذي تحمّل المسؤولية كاملة، ولم يأمر باعتقال الأب الذي صفعه ومصادرة كاميرات المصورين، لأنه رأى بأن الخلل نابع من حكومته، وأن الأوان قد حان لترك الوزارة لمن هو أكفأ منه.

«ياسلام سلّم» تمنيّتُ أن تشيع ثقافتا الاعتذار والاستقالة بين مسؤولينا حين تتورّط وزاراتهم في وقوع نكبة في بلدانهم. أغلبية المسؤولين العرب للأسف ماهرون في إرخاء الستارة وإعلان نهاية فصل المسرحية الأخير، وأبطالها الحقيقيون يلهثون من خلف الكواليس منتظرين أدوارهم.

عادة التهرّب من المسؤولية أصبحت منتشرة في أغلبية أوطاننا العربية! ففي السعودية على سبيل المثال لا الحصر، ظلّت وزارة الصحة تُشكك في انتشار مرض الكورونا إلى أن أثبتت أعداد الوفيات أنه وضع موجود، وأن على وزارة الصحة مواجهته بجديّة، وهو ما دفع الملك عبد الله إلى إعفاء وزير الصحة لاحقاً من منصبه. ولو وقف د. الربيعة منذ البداية وأعلن حالة الطوارئ لما تفشّى المرض، ولما أصبح أهالي جدة تحديداً يُشاهدون صبيحة كل يوم فيلم رعب، ولما انتشر بين الناس رهاب اسمه مرض الكورونا.

المسؤول حتماً لا يحمل مصباح علاء الدين ليحل به كل المشاكل العالقة في وزارته! ولكن المسؤوليّة تلزمه أن يكون أميناً وأن يجعل شعاره الشفافية كما يحدث في دول الغرب. ثقافة المواجهة هي الطريق الأمثل لحل مشاكلنا الشائكة بدلاً من ردمها تحت التراب!

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

431 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع