خالد القشطيني
هذا فرع مهم في ميدان الصحافة والأدب الغربي، ويعيش عليه عدد كبير من الكتاب والأدباء والصحافيين والمصورين، ولكننا مع الأسف لم نعد نعطي أدب الرحلات ما يستحقه من حيز، وقد شغلتنا كل هذه المشكلات والمصاعب.
كانت الروائية الشهيرة برواياتها ومسرحياتها البوليسية، أغاثا كريستي، مغرمة بالسفر إلى الشرق الأوسط وخصوصا العراق. ومن وحي هذه الأسفار كتبت رواية «جريمة في قطار الشرق» القطار الترف المعروف بـ«الأورينت إكسبريس». قرأ الرواية الأديب الإنجليزي أندرو إيمس، المختص بأدب الرحلات، فاستهوته حكايتها وحياة مؤلفتها، فعقد العزم على السير في مسار «الأورينت إكسبريس» من لندن إلى بغداد وانتهاء بمدينة أور التاريخية، حيث التقت أغاثا كريستي بزوجها المنقب الآثاري. تمخضت رحلته عن كتابة هذا العمل الغني والواسع «قطار 8 - 55 إلى بغداد». وكتبه بلغة العشاق، والعشيق الذي هام به هنا هو العراق والشعب العراقي، فلم ترد كلمة واحدة في الكتاب تجرح مشاعر العراقيين، وهو والله إنجاز كبير.
أصبح المركز الثقافي العراقي في لندن خبيرا في التنقيب أيضا، ولكنه في التنقيب عن مثل هذه الشخصيات وتصيدها. فجاءنا به في محاضرة قيمة استعرض فيها محبته للعراق ورحلته من إنجلترا إلى أور وما تضمنته من مغامرات، وهو ما أشارت إليه الزميلة وحيدة المقدادي في تعريفنا بالكاتب. المغامرات هوايته ومهنته. وهل من مغامرة أكثر من الوقوع في حب العراق، وأن يذهب للعراق أثناء النظام الصدامي ونشوب حرب الخليج الثانية؟ اعتقلته الشرطة متلبسا بكاميرته ثم أطلقوا سراحه على ألا يستعملها في تصوير أي شيء، ولكنه أبى واستكبر فراح يصور بها معالم مدينة أور والقنابل الأميركية تتساقط من حوله.
أدب الرحلات يتألق بالطرائف والغرائب، وهو ما يحلو ويبدع فيه الرحالة الإنجليز. يروي أندرو ايمس أنه سار في مسار من سبقه من السياح والباحثين في الذهاب إلى الفندق الذي نزلت فيه أغاثا كريستي في مدينة حلب، وأقام في الغرفة التي أقامت فيها. لاحظ أن أرضية الغرفة كانت مبلطة بالإسمنت، وهو شيء غريب في فندق درجة أولى، فسأل مدير الفندق في الأمر وحصل على هذا الجواب الظريف: أشيع أن الكاتبة الإنجليزية كتبت رواية خلال وجودها هناك، وخوفا على مصير المسودة من التلف أو السرقة أخفتها تحت ألواح الأرضية الخشبية، ثم سافرت ونسيتها فبقيت هناك ولم تنشر. سمع بذلك كل من جاء يسعى وراء أغاثا كريستي وتراثها. بادروا إلى السكن في تلك الغرفة. وما كادوا يستقرون فيها حتى عمدوا إلى خلع الألواح الخشبية بحثا عن تلك المسودة. وتكررت العملية، وفي كل مرة اقتضى على إدارة الفندق أن تأتي بنجار حلبي يعيد تثبيت الألواح في مكانها، وأخيرا وليس آخرا سئموا هذه العملية وتكاليفها فخلعوا الأرضية الخشبية وبلطوا الغرفة بالإسمنت. ولم يحاول أندرو ايمس نبش ذلك بحثا عن المسودة.
899 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع