أحمد فخري
كلما فكرت بفكرة الاستقلال التام لاقليم كردستان شعرت بقشعريرة تهز بدني وحزن يؤلمني بشدة ويبعث الحسرات الى قلبي كما يحزن الاخ لفراق اخيه. ان اخواني الاكراد يحلمون بها منذ امد بعيد ويؤمنون ان العملية السياسية الحالية هي خطوة اولى ومرحلة تمهيدية لذلك الحلم الاكبر الذي يحلم به كل كردي في يومنا هذا.
هل هذا الاستقلال حدث فريد من نوعه؟ الم نسمع مثلاً بامم اخرى انشقت من دولتها الام واستقلت واصبحت دويلتان او ثلاثة؟ اين نحن من تلك الدول؟ هل هم افضل منا ام اكثر ملائمةً لواقعهم الاجتماعي والجيوسياسي؟ هل ساعدتهم ظروف ما او انظمة ما كي يحققوا ذلك الاستقلال؟
لكي نجيب على تلك التسائلات وغيرها دعنا على سبيل الحصر ان نسطر الامثلة بباقي دول العالم على مدى التاريخ.
ففي عام 1871 احتلت المانيا مقاطعتي الزاس ولورين اثر نصرها في الحرب الفرنسية النمساوية فاصبح جزء الزاس يقع على الضفة الغربية من وادي الراين وشرق سلسلة جبال الفوسغاس. اما جزء اللورين يقع في الجزء العلوي من وادي الموسيل شمال تلك الجبال. كان الزاسيون يشكلون 93 بالمائة من سكان منطقة الزاس ولورين والباقي فرنسيون. اما لورين فكانت من الزاسيون فقط. بعد الحرب العالمية الاولى عادت هذه المنطقة الى السيطرة الفرنسية. وصار يطلق عليها رسميا بـ الزاس-موسيل. ان عاصمة الزاس ولورين هي مدينة ستراتسبورغ.
بقي هذا النزاع ما بين المانيا وفرنسا الى ما بعد الحرب العالمية الاولى، واثر خسارة المانيا للحرب، عادت هذه المقاطعة تحت السيطرة الفرنسية. وابان الحرب العالمية الثانية 1940 استقطعها الجيش الالماني (جيش هتلر) واصبحت جزءاً من المانيا. إذ اصبحت خاضعة للسيطرة الادارية والعسكرية للرايخ الالماني. وجُنّد شباب هذه المقاطعة في الجيش الالماني للقتال تحت راية المانيا. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية واثر خسارة جيش هتلر عادت المقاطعة تحت السيطرة الفرنسية وبقيت هكذا حتى يومنا هذا، وبقت المانيا تطالب بها كذلك حتى يومنا هذا.
كذلك شاهدنا امثلة كثيرة ومتعددة في التاريخ القديم والحديث عن نزاعات اقليمية دارت حول مقاطعات تقع بين فكاك الدول التي تتنازع عليها. واقرب مثال لنا ما جرى بين عامي 1992 - 1995 بين الطوائف الثلاثة الصربيون والكروات والمسلمون في يوغسلافيا السابقة. وكيف تكالبت عليهم ثلاث دول عظمى وهي الماني (مساندة الكروات) وروسيا (مساندة الصرب) وامريكا (مساندة المسلمون ليس حباً لعيون المسلمون طبعا ولكن لغاية في صدر يعقوب). بعد حرب ضروس راح ضحيتها ما يقارب 200 الف قتيل واكثر من 350 الف جريح وقرابة 150 الف مفقود حسب احصائية الامم المتحدة. وماذا كانت النتيجة؟ انقسمت يوغوسلافيا الى ثلاث دويلات هي صربيا وعاصمتها بلغراد وكرواتيا وعاصمتها زغرب ودولة الهرزك كوفينا وعاصمتها سراييفو. وتفرق الاخوان كما ينبغي او كما ارادت الدول العظمى.
ولازالت الانقسامات بين الدول تتبلور كل يوم كما وقع في شبه جزيرة القرم والنزاع ما بين روسيا واوكرانيا. وتقسيم دولة تشيكوسلوفاكيا الى تشيكيا وسلوفينيا. وحتى الاتحاد السوفياتي نفسه تقسم الى عدة دويلات. وتقسم السودان الى شمال وجنوب. وما زالت الانقسامات في كل مكان من العالم على قدم وساق.
فهل هذا ينطبق على منطقة كردستان العراق؟ ولم لا؟ اليس للاكراد حق في تقرير مصيرهم كما هو الحال في باقي دول العالم التي انشقت دمويا او سلمياً؟ الم يثبت الاكراد للعالم كله ان لديهم الحكمة والدراية في ادارة منطقتهم وتقرير مصيرهم منذ اكثر من ربع قرن؟ اليس منطقة كردستان ملاذاً آمنا للعراقيين العرب ممن يبحثون عن الامن والامان اليوم ولا يجدونه في مناطقهم السنية-الشيعية؟ والجواب على كل هذه الاسئلة نعم نعم ثم نعم. إذاً ما المانع من الاستقلال؟
دعني استرعي انتباه القارئ الى حقيقة قد يكون يعرفها لكنه لم يربطها بالمشهد السياسي العراقي او بالقضية الكردية بشكل عام.
بادئ ذي بدئ عندما يقال (كردستان) فهناك الكثير من التأويلات لهذا المصطلح. فمن وجهة نظر الاكراد فهو يعني المنطقة المحصورة ما بين غرب ايران وشرق وجنوب تركيا وشمال والشمال الغربي للعراق وشمال سوريا. هذه المنطقة كلها يطلق عليها اسم كردستان من قبل بعض الفصائل الكردية. الا ان اكراد العراق يطلقون على الجزء الواقع بداخل الحدود العراقية حالياً بمنطقة كردستان العراق. والهدف الاعظم لجميع الاكراد ان تتحرر هذه المناطق الواحدة تلو الاخرى وتصبح دولة كبيرة ذات سيادة على اراضيها. الا ان هذه الدولة تحمل الكثير من الغرابة في تكوينها الديمغرافي والعرقي. فاكراد العراق مثلاً يختلفون اختلافاً كليا عن اكراد تركيا وسوريا وايران، هذا ما أخبرني به الاخوان الاكراد انفسهم. والبعض يذهب ابعد من ذلك، فهم يقولون ان اللغة ما بين هذه الاجزاء تختلف قليلاً في بعض الاحيان وتختلف كلياً في احيان اخرى.
إذاً، فاذا ما تحقق ذلك الحلم، فان ما سيجري بداخل (كردستان العظمى) سيصبح اشبه ما يحدث اليوم بداخل اسرائيل التي اُسست كي تجمع اليهود من جميع بقاع العالم بلغات ولهجات لا تختلف كثيراً عن نظيرتها للدولة الكردية. ولازال اليهود الروس يتعالون ويتكبرون على اليهود الشرقيون. والاشكناز يمتازون بمحسوبية كبيرة اكثر من غيرهم بداخل اسرائيل بعد اكثر من 66 سنة على تأسيس دولة اسرائيل.
ولو فرضنا جدلاً ان هذه المشاكل سيتمكن الاكراد من حلها فان المناطق التي سيستملكها الاكراد لانفسهم اثر استعمال القوة العسكرية ستسبب لهم مشاكل مستقبلية ومطالبات باستقلال لا نستطيع ان نتنبأ عواقبها، كمنطقة كركوك ذات الاغلبية التركمانية والموصل ذات الاغلبية العربية (بغض النظر عن ما اذا تلاعب الاكراد بالنسب الديمغرافية). ولو فرضنا جدلاً ان كل هذه العقبات ستحل في المستقبل، فهناك مشكلة كبيرة تنتضرهم، الا وهي الحدود. فـ (كردستان العظمى) ستكون محاصرة من جميع الجهات من قبل دول اقل ما يمكن القول عنها انها دول غير صديقة مثل العراق و ايران وتركيا وسوريا. وبما ان (كردستان العظمى) سوف لن يكون لها مخرج جغرافي ارضي او بحري او جوي فان المشكلات التي تنتضرهم ستكون عظيمة قد تخلق لهم اهتزازات لا يستطيعون السيطرة عليها مستقبلاً. هذا ناهيك عن الاكراد الذين سيُرَحّلون من (المناطق الغير كردية) في الدول السابقة كالمناطق العربية بالعراق وسوريا وتركيا وايران وبذلك سيطلق عليهم لقب الاكراد المرحلون او (التبعية) كما عمل الحكم السابق بزمن صدام حسين. لذا فاننا سوف نشاهد سيناريو خطير جداً اثر تشكيل تلك الدولة الاسطورية التي يتمناها جميع الاكراد.
نحن لا نتمنى لاخواننا الاكراد الا الخير، فقد تخاوينا وتجاورنا وتناسبنا وتحاببنا لقرون عدة ولم نفكر يوما انهم سيكونون اي شيء سوى عراقيون منا وفينا. ولكن يبدو ان في هذه المرة قد عزموا العزم على الطلاق بالثلاثة. وهم اصحاب القوة العسكرية والاقتصادية الغالبة في الوقت الراهن. ولن يستطيع اي نظام ان يحيدهم عن نواياهم الانفصالية. لذا فنحن نأمل لهم النجاح والموفقية من كل قلبنا ونود اعلامهم باننا سنبقى فاتحين اذرعنا وقلوبنا اليهم مستقبلاً اذا ما قرروا الرجوع الى ما كانوا عليه بالماضي.
698 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع