أصوات للبيع

                                  

                         خالد القشطيني

دوت إشاعات بين العراقيين تفيد بأن بعض الفائزين في الانتخابات الأخيرة اشتروا من الناخبين أصواتهم. صرح إياد علاوي، زعيم الائتلاف الوطني بأن أحد الموظفين عرض عليه مقعدا في المجلس لقاء مليون دولار.

أشيع أيضا بأن نحو ألف صوت قد بيعت في هذه الانتخابات بسعر 50 ألف دولار. ليس في ذلك من جديد، فقد قيل إن الناخبين العراقيين كانوا في الثلاثينات يبيعون أصواتهم بدينار واحد، يقسمه المرشح لنصفين، ويعطي نصفا مقدما للناخب، ثم يعطيه النصف الآخر بعد أن يدلي بصوته! وقد اعتاد المرشحون في العراق والبلاد العربية الأخرى على إقامة الولائم السخية للناخبين، وهو ما يعني في الواقع شراء الصوت بوجبة كباب ودولمة وكأس لبن. الله يزيد الرخص!

جرت الإشاعة الأخيرة بعد أيام قليلة من دوي إشاعة مشابهة في تايلاند ببيع وشراء الأصوات في انتخاباتهم الأخيرة.

يجرني ذلك إلى الرأي المطروح مؤخرا في الغرب، وهو أن حق التصويت شيء يرثه كل مواطن عند ولادته، ومن حقه أن يفعل به ما يشاء، كما يفعل بأي شيء يرثه، له أن يستعمله في الانتخابات أو يبيعه، إنه سلعة خاضعة لاقتصادات السوق، من حقي أن أساوم عليه أو أعلن في الصحف عن رغبتي في بيعه وأحدد ثمنه، أو أقف أمام مركز الاقتراع وأعرضه على المرشحين بالمزاد!

ولهذا الطرح خلفيته السياسية، فبعد أفول الاشتراكية والقومية لم تعد المبادئ تلعب دورا في الانتخابات، أصبحت برامج الأحزاب متشابهة، ولم يعد الجمهور يعبأ بما تقول، فعلى الغالب يعدون بالكثير ثم يتراجعون ولا ينفذون وعودهم. كما فقد الجمهور احترامه للنواب والساسة عموما، بعد أن تعددت فضائح الفساد، قدم بعضهم وثائق وفواتير لا شرعية للحصول على فكة من الفلوس، وقبض آخرون مبالغ من الشركات ليتبنوا مآربها. كل يجري لمصلحته ولشخصه، تمخض ذلك عن انخفاض كبير في نسبة التصويت في سائر الدول الغربية إلى حد أن قال المعلق البريطاني أندرو رونسلي، بأن الحزب الذي سيفوز في الانتخابات القادمة سيكون حزب القاعدين في بيوتهم. لماذا أكلف نفسي عناء الذهاب إلى مركز الاقتراع؟ أنا شخصيا لم أعبأ بالذهاب في بعض الانتخابات البريطانية، تكاسلت عنها، وبذلك أضعت صوتي، ويا ليت يأتي أحد أستطيع أن أبيعه هذا الصوت في الانتخابات القادمة، أو يدعوني لوجبة عشاء شاتوبريان في الدورتشستر.

يقول أصحاب هذا الرأي إن الساسة يشترون على أي حال أصوات الناخبين بتبني إجراءات تنفع الناخب، مثلا تخفيض الضريبة عن العمال في المناطق العمالية، أو زيادة معاشات المتقاعدين والمسنين في الدوائر الانتخابية، التي يكثر فيها المتقاعدون والمسنون، إنها نوع من الرشوة أو ثمن مقابل الأصوات، الأسوأ فيه أن المرشح أو النائب الفائز يدفع كلفة ذلك من الخزينة العامة وعلى حساب دافعي الضرائب الآخرين، وكان الأفضل لو أنه دفع من جيبه واشترى الأصوات اللازمة لفوزه بمقعد في المجلس.

هذه نقيصة واحدة من نقائص الديمقراطية البرلمانية التي ما زالت تحير فقهاء القانون الدستوري. وهل سيأتي يوم تباع فيه الأصوات بالمزاد العلني في سوق الهرج؟

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

464 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع