د.منار الشوربجي
برغم أن أقصى اليمين المتطرف في أميركا يكنّ عداء واضحاً للعرب والمسلمين، فإنه قرر في الآونة الأخيرة أن يقلدهم! فهو دعا أخيراً لما أطلق عليه «عملية الربيع الأميركي»، على غرار ما أطلق عليه «الربيع العربي».
فقد تشكلت حركة بذلك الاسم، أي «عملية الربيع الأميركي»، وحددت يوم 16 مايو الماضي، ودعت الملايين للزحف فيه من شتى أنحاء الولايات المتحدة إلى العاصمة واشنطن، واحتلال الشارع الطويل الواقع بين البيت الأبيض والكونغرس، والشوارع المحيطة بالمنطقة، ثم المدينة كلها.
وتعطيل المرور وكل الأعمال فيها، إلى أن تتم «إزاحة أوباما من منصب الرئاسة واستعادة الدستور»! وقد توقعت الحركة أن يذهب إلى واشنطن في 16 مايو ما بين 10 ملايين و30 مليون مواطن أميركي على الأقل، وقالت إنها متأكدة تماماً من وجود 8.1 ملايين، من أعضاء حركات الميليشيات المسلحة في أميركا.
أما باقي الثلاثين مليوناً، فكان كما قالت الحركة، هو تقديرها الأولي لأعداد أولئك الذين يناصرونها من زاوية شعورهم بالتذمر إزاء الحكم في واشنطن «الذي لم يعد دستورياً».
وقد أعلن أحد زعماء الحركة، الكولونيل المتقاعد هاري رايلي، عن خطة من خطوات عدة، الأولى هي الزحف إلى واشنطن من جانب كل تلك الملايين، والثانية هي بقاء مليون على الأقل في حالة اعتصام مستمر في المدينة، من أجل شلها بالكامل، إلى أن تتم إزاحة أوباما ونائبه بايدن وقيادات الكونغرس الأربعة من الحزبين، فضلاً عن وزير العدل.
أما الخطوة الثالثة فهي إقامة محكمة تحاكم تلك القيادات كلها، وقد اختارت الحركة بنفسها رموزاً من أقصى يمين الحزب الجمهوري ليختاروا قضاتها، ثم يتم اختيار (لا انتخاب) الرئيس الجديد للبلاد ليختار وزيراً للعدل، في غياب الكونغرس على ما يبدو! وقد أعلنت الحركة لمناصريها أن الله مع «الوطنيين الذين يخافون الله»، والذين سيجتمعون في العاصمة، وسيدعمهم في «عملية الربيع الأميركي».
ولكنها حذرت المشاركين من العنف الذي قد تستخدمه الحكومة ضدهم، والذي قد يصل «إلى استخدام أوباما الطائرات بدون طيار لتدمير العاصمة، من أجل التخلص منا فقط».
وقد أيد الحدث بعض الشخصيات التي ارتبطت سابقاً بقناة فوكس نيوز الإخبارية، وحذر أحدهم من أن باراك أوباما سوف يحاول استباق الحدث وإجهاضه، عبر الإعلان في اليوم ذاته عن وجود حياة على الكواكب الأخرى!
ثم جاء السادس عشر من مايو، ولم يحضر إلى العاصمة واشنطن إلا المئات، أو ربما الآلاف، فكانت هزيمة مدوية.
اللافت للانتباه كان ردود أفعال جمهور اليمين المتطرف على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما فشلت «عملية الربيع الأميركي» تلك.
فقد بدأ فوراً البحث عن طرف يعلقون عليه فشلهم، فالكل بالقطع مخطئ إلا هم. فأنصار اليمين المتطرف يعرفون أنفسهم كما تقدم بأنهم «الوطنيون الذين يخشون الله»، ومن ثم هم بالضرورة لا يخطئون.
ومن هنا، حفلت مواقع التواصل الاجتماعي بأشكال عديدة من نظريات المؤامرة التي اتهمت الشيوعيين والاشتراكيين والمسلمين والليبراليين والحكومة بإفشال «الربيع الأميركي».
أكثر من ذلك، بعد أن كانت الحركة قد سرقت فكرة «الربيع» من العرب والمسلمين، وحين فشل الربيع الأميركي، عاد المسلمون أعداء من جديد! فها هو أحد المعلقين يقول «الفكرة من الأصل كانت فيها «شرقنة» (من الشرق) للموضوع كله.
فالربيع الأميركي يبدو مسلماً أكثر من اللازم»، وقال آخر «أسمع «الربيع الأميركي» وأتذكر مصر».
الطريف في الأمر طبعاً أن هؤلاء لم يدركوا خصوصية كل مجتمع، إلا بعد أن فشلت الفكرة عندهم!
والحقيقة أن هذه ليست المرة الأولى التي يحاول فيها اليمين الأميركي المتطرف أن يدعو لإغلاق العاصمة ومحاصرة أوباما، فقد تمت الدعوة من قبل وفشلت أيضاً.
غير أن الخطر هذه المرة هو ما بدا من ميل واضح للعنف في الخطاب السياسي، بعد أن «فشلت محاولة إزاحة أوباما سلمياً».
فعلى مواقع التواصل الاجتماعي وعبر الإنترنت، برز جدل مخيف حول «ماذا بعد؟»، اقترح فيه بعض الأطراف صراحة اللجوء إلى العنف.
والعنف له أشكال عديدة استخدمها الكثير من قوى اليمين المتطرف، فهناك العنف اللفظي الذي يستخدمه هذا الفريق طوال الوقت. فالقس المعروف وايلي دريك الذي كان مرشحاً لمنصب نائب الرئيس مع المرشح آلان كيز، قال علناً إنه يصلي من أجل موت أوباما.
فقد دعا بعض قوى هذا التيار في أكتوبر الماضي، إلى تجمع 30 ألف مقطورة «من أجل الدستور» حول العاصمة، فلم يجتمع إلا ثلاثون منها، وكان هدفها خطف زعيمة الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب نانسي بيلوسي.
وقد تزعمت فريق المقطورات سيدة تؤمن بقوة بأن أوباما هو نفسه أسامة بن لادن!
الأخطر من هذا كله هو بروز حركات الميليشيا المسلحة على السطح، والحديث عنها أول مرة علناً، باعتبارها أحد أطراف اللعبة السياسية.
وفي حدود متابعتي للسياسة الأميركية، فإن أكثر ما يلفت الانتباه هو ذلك الصمت المدوي الذي قابل به الإعلام الأميركي حديث حركة «عملية الربيع الأميركي» عن اشتراك حركات الميليشيا معها.
فحركات الميليشيا لم تكن يوماً لاعباً «سياسياً» في أميركا، يشترك في التظاهرات والاعتصامات، فهي لا تعرف سوى السلاح.
568 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع