المرشد البحري رعد الموسى ومواعيد الأقدار المؤجلة

                                        

                        كاظم فنجان الحمامي

         

                         

التحق المرشد البحري الأقدم (رعد عبد القادر الموسى) لأول مرة بالموانئ العراقية في صيف عام 1958 بصفة متدرب في سلك الإرشاد ، وأمضى 18 شهراً في التدريب العملي على سفن المسح والحفر البحري، ثم تحول للتدريب العملي على السفن والناقلات التجارية المترددة على الموانئ العراقية.

كان خاله الكابتن البحري وربان المرفأ الأقدم (يوسف العامر)، الذي تميز بين أقرانه بلباقته وأناقته ومهاراته الملاحية العالية، فنشأ هذا الشبل برعاية ذلك الأسد، وربما كان (رعد) أصغر الحاصلين على شهادة التأهيل البحري العالي بدرجة (مرشد أقدم) في تاريخ الموانئ العراقية.
من المفارقات العجيبة في حياة هذا الرجل انه تعرض عام 1961 لحادث تصادم سيارتين على طريق الفاو، وكان معه في السيارة المرشد البحري (أحمد عبد الرحيم)، الذي كان يعمل بوظيفة ضابط سيطرة في محطة (الهاتف) بميناء الفاو، ومعهم أيضاً المرشد البحري (وليد حسين العسكري)، فاصطدمت سيارة الموانئ التي كانت تقلهم اصطداما مروعا بإحدى باصات الأجرة. أودى التصادم بحياة (أحمد) وسائق سيارتهما وبعض ركاب السيارة الأخرى، وأصيب (رعد) و(وليد) بكسور وجروح خطيرة. نُقلوا على إثرها إلى المستشفى، وشاءت الأقدار أن يستشهد رعد الموسى عام 1986 في المكان الذي وقع فيه حادث التصادم، وكأنه كان على موعد مؤجل منذ ربع قرن مع مسرح الحادث المؤسف.
المفارقة الثانية في حياة (رعد) أن والده هو الذي كان عسكرياً متخصصاً بدرجة عميد ركن (زعيم)، ومن دورة الزعيم عبد الكريم قاسم، في حين لم يكن (رعد) عسكرياً البتة، ولا علاقة لعمله الملاحي بجبهات القتال، لكنه كان مرغماً على خوض المعارك الساخنة، وفي الخنادق الأمامية، من دون أن يكون له أي خيار، فطحنته بلدوزرات الحرب الضروس، ولم يعثروا على رفاته حتى الآن. وهكذا اختفت أخبار (رعد)، وأدرج من ضمن المفقودين في معارك تحرير الفاو، تاركاً وراءه زوجته الحائرة وأربع بنات وثلاثة أولاد، هم: عمر ومضر وزيد.

     

المفارقة الثالثة أن المرشد البحري (وليد العسكري)، الذي أصيب مع (رعد) في حادث السيارة هو ابن خالته، وخالهما الكابتن (يوسف العامر)، وأن (وليد) قرر بعد تماثله للشفاء أن يترك العمل في الموانئ، ويعلن تخليه عن النوبات الملاحية الشاقة، فرحل إلى بغداد، والتحق بكلية الحقوق ليحصل منها على ليسانس مهنة المحاماة، ويشق طريقه في مسالكها الوعرة. بينما أرتبط (رعد) بعلاقة عشق مع سواري السفن على ضفاف شط العرب، فواصل تألقه في سلك الإرشاد، ولم تثنه المعوقات الملاحية الصعبة، ولا المهمات الثقيلة، فتدربنا على يده، وتعلمنا منه الشيء الكثير، واستفدنا من خبراته الملاحية المتراكمة في هذا المضمار، وكان له الفضل الكبير في تأهيلنا ملاحياً ومهنياً.
رحل (رعد الموسى) عام 1986 وترك في قلوبنا لوعة تستعر نيرانها حزناً وألماً وأسفاً، لكنه ظل رمزاً وطنياً من رموز النهضة الملاحية التي ارتقت بموانئنا إلى مصاف الموانئ العالمية، وظل اسمه يتردد بين زملائه وتلاميذه حتى يومنا هذا، ولم يغب ذكره حتى الآن عن مجالس أصدقائه الذين رافقوه في رحلات الصيد بين أحراش أهوار العراق، ولطالما حدثني عنه الأستاذ ماجد الذكير أطال الله في عمره.
والحديث ذو شجون
 للكابتن أحمد عبد الرحيم ولد واحد اسمه (مبتهل) استشهد في الحرب, وثلاث بنات (ابتهال وسوسن ونيران). وهو من أسرة بحرية عريقة احترفت الملاحة منذ زمن بعيد، نذكر منهم الكابتن جاسم كرم، والكابتن جاسم محمد حسين، وجاسم حمزة، وعبد الله حمزة، وطارق حمزة، وفاروق عبد الله. وعبد السلام عبد الرسول.
انتقل المرشد البحري (وليد حسين العسكري) إلى رحمة الله في الكرخ ببغداد عام 2013.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

503 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع