من ديكتاتورية واحد لديكتاتورية عشرين

                                   

                       إبراهيم الزبيدي

يتحدّث المالكي، من موقع قوة وثقة، عن توافر النصاب القانوني الذي يحقق له الغالبية السياسية لتأليف الحكومة العراقية الجديدة.

وسواء كان صادقا أو مراوغا لإرهاب الخصوم وإيهامهم بأن الرئاسة صارت محسومة، وسواء أيضا إذا كان قد حقق النصاب، فعلا، بالعصا الإيرانية، أو بالمليون دولار والسيارة المصفحة، أو بتهديد النواب السنة بملفات الإرهاب أو الفساد، فإن النتيجة واحدة.

وما عوة المالكي إلى خيمة التحالف الطائفي (غير الوطني) إلا التفافا والتزاما بنصيحة إيرانية متشددة تهدف إلى الحفاظ على ما أسمته بوحدة البيت الشيعي، وذلك لسحب البساط من تحت أقدام الرجعية الرافضة لعودة المالكي، ولتنكيس أعلام المجلس الأعلى والتيار الصدري، وتقوية قبضة المالكي على أشقائه داخل التحالف، خصوصا وأنهم غروره وخبثه واستخفافه بمصالحهم في ثماني سنوات من القهر والتهميش والتكسير وتضييق الخناق.
بالمقابل بدأت الأطراف الأخرى التي كانت متشجنجة ومتشددة في رفض الولاية الثالثة ترخي عضلاتها وتضع على ألسنة الناطقين باسمها لغة أخرى أقل سخونة وأشد غموضا وقابلية للتراجع عند الضرورة.
فقد صار أغلبهم يقول باحترام (خيار التحالف الوطني، سواء كان المالكي أم غيره، بشرط تعهد التحالف بإصلاح ما انكسر في الولاية الثانية والأولى). والمدعو سليم الجبوري وصالح المطلق وجمال الكربولي وفاضل الدباس، مثلا.
والمعروف أن ائتلاف دولة القانون داخل التحالف هو الأكثر مقاعد برلمانية، وبالتالي فهو الأقوى صوتا وسطوة، خصوصا وأنه الحاكم الفعلي لجيوش الدولة وقوى أمنها وشرطتها ومخابراتها وماليتها وإعلامها وقضائها، ولو كره الكارهون.
إن ما نريد الوصول إليه هنا حقيقتان، الأولى أن المالكي ساقط في حساب الشعب العراقي الذي ذاق على يديه وما زال يذوق الأمرين، سواء عاد إلى الرئاسة أو سمح لغيره من التحالف بتشكيل الوزارة. فالشعب العراقي مغيب في كل ما يجري وراء الأبواب المغلقة من مساومات ومزادات وصفقات وعمولات بقلة ذوق ووطنية وحياء.
والثانية هي أن البدعة الجديدة المسماة (وحدة البيت الشيعي) ما هي إلا صيغة جديدة مطورة من الوصاية الإيرانية الحاكمة. فالسلطة، في السنوات الأربع المقبلة، إيرانية خالصة يديرها وكلاؤها المخلصون.
وبكل الاحتمالات فإن ما يحدث على الساحة السياسية العراقية هذه الأيام لا يحدث في وطن حر ومستقل أبدا. فلا يرضى بهذه الدرجة من الاستهانة بالسيادة والكرامة أي شعب على وجه البسيطة يحترم نفسه وتاريخه الطويل ودماء أبنائه الذي ماتوا دفاعا عن هذه السيادة والكرامة عبر معارك المصير.          
فحتى لو حدثت المعجزة وتمكن المجلس الأعلى والصدريون من وضع النظام الداخلي لهذا التحالف الوطني وتثبيت قواعد اختيار رئيس الحكومة، كما صاروا يروجون هذه الأيام، فإن التحالف، بموجب النظام الداخلي الجديد، لو تم إقراره، هو الذي " يتولى تحديد شروط تشريع القوانين داخل البرلمان، ومناقشتها داخل التحالف الوطني، وبالتالي نستطيع تحديد عمل الحكومة والبرلمان معاً ". يعني أن البرلمان والحكومة، وربما رئاسة الجمهورية أيضا، من أملاك التحالف وحده، دون شريك. يعني أن الوطن كله، بعربه وكورده وتركمانه، بشيعته وسنته، بمسلميه ومسيحييه، مختطف، وحتى إشعار آخر. من ديكتاتورية فرد واحد إلى ديكتاتورية عشرين.
وبطبيعة تكوين التحالف فإن كتلة المالكي هي الأقوى. بمعنى آخر. إن الوطن سيظل أربع سنوات أخرى تحت أقدام المالكي وصهريه وباقي أفراد أسرته الحاكمة. وكل الذي كتبناه وكل الذي ظل يردده السياسيون والمحللون والمراقبون والمواطنون والمرجعية والمجلس الأعلى والصدريون والسنة (غير سنة المالكي) والكورد والمدنيون الديمقراطيون، في الإذاعات والفضائيات والصحف والمنتديات والتظاهرات والمنشورات والبيانات، عن فشل المالكي وعن رفض ولايته الثالثة ذهب أدراج الرياح، وداست عليه أقدام الولي الفقيه وخدمه المنافقين.    
وكان الأمل أن يكسر عمار الحكيم ومقتدى الصدر قشور التحالف الطائفي (غير الوطني) ويقيموا جبهة وطنية حقيقية عابرة للطوائف، وخارجة من تحت العصا الإيرانية الظالمة، ويعيدوا الوطن إلى جادة صوابه من جديد. ورغم أن فاقد الشيء لا يعطيه فما زال هذا الأمل ينبض في صدور العراقيين، رغم كل شيء. فهل تحدث المعجزة ويتحرر الوطن ويستعيد عافيته من جديد؟    

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

723 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع