تعاسة الإيرانيين

                                          

                               إبراهيم الزبيدي

لاشك في أن إيران دولة كبيرة وغنية بشعبها ومواردها وتاريخها الحضاري العريق.

 ولكن تخيلوا حالها وحال شعبها وشعوب المنطقة، وربما العالم أيضا، لو كان النظام الحاكم فيها سويا مهذبا مسالما بَناءً يستثمر حيوية شعبه وإنجازاته وطاقاته الإبداعية العظيمة وثروات الدولة الإيرانية الطائلة في إسعاد شعبه وإعمار مدنه وقراه وتحديثها وإغنائها، وفي ترسيخ الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة، وفي نبذ الحروب والعنف والظلم والإرهاب، ولو نأى بنفسه وشعبه عن ثقافة العصور الجاهلية وعاداتها وطقوسها المتخلفة.
ثم دققوا معي في حجم إنفاق النظام الإيراني على إشعال الحرائق في العراق وسوريا ولبنان واليمن والسودان والبحرين وغيرها، وتدبير المؤامرات والدسائس والاحتراب، وتمويل وتسليح وتدريب المئات والآلاف من القتلة الإرهابيين، شيعة وسنة.
وابحثوا في آثار العقوبات الدولية على حركة الاقتصاد الإيراني، وانعكاساتها المدمرة على حياة الإيرانيين. ثم فتشوا، بعد ذلك، عن الضرورة الوطنية والقومية والدينية التي حكمت على الولي الفقيه بأن يناطح العالم، ويدفعه دفعا إلى فرض تلك العقوبات وإغراق الملايين الإيرانية بالتعاسة.
واحسبوا كم خسر المواطن الإيراني مما كان يكسبه في دول الخليج والمنطقة والعالم، بسبب حكامه المشاكسين.
وافترضوا أن النظام الإيراني أعطى لأبناء الطائفة الشيعية في لبنان جميع المليارات التي أنشأ بها حزب الله وسلحه ودربه وواصل تمويله سنين طويلة ليقيموا بها مشاريع إنتاجية ومدارس ومستشفيات وجامعات، أما كان سيجعلهم أغنى أغنياء لبنان، وأصحاب ثروات طائلة تتضاءل أمامها ثروات الحريري وغيره من أصحاب الملايين الآخرين في لبنان؟، وأما كان ذلك أنفع للطائفة وللبنان، وأنجح في تركيع اللبنانيين، بدون سلاح واغتيالات واحتلالات، وبلا مآتم وصناديق بالعشرات تحمل كل يوم موتى من شباب الطائفة سقطوا في حروب الولي الفقيه؟
مناسبة هذا الكلام دراسة حديثة أجراها (معهد غالوب للدراسات) بينت أن العراق هو أتعس دولتين في العالم لسنة 2013 هما إيران والعراق، ثم مصر، بينما احتلت سوريا المركز الخامس، وحل لبنان عاشرا.
مع ملاحظة أن تعاسة مصر وسوريا ولبنان نتجت عن تدخلات إيران مباشرة، أو بالجماعات التكفيرية والإرهابية السنية والشيعية التي أنشأتها وتحركها في هذه الدول.
واعتمدت الدراسة على استفتاء مواطنين في 138 بلدا في العالم عام 2013 يتضمن أسئلة عن مشاعرهم السلبية.
وأشار التقرير إلى أن أهم أسباب تعاسة الإيرانيين هو ارتفاع معدلات البطالة، وتقييد الحريات، فضلا عن الأثار السيئة للعقوبات الدولية المفروضة على النظام.
وافاد التقرير بأن الإيرانيين احتلوا المرتبة الأولى في الفقر وصعوبة الحياة المعيشية بين 19 بلداً في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال عامي 2012 و2013.
وأكد نصفُ المواطنين الإيرانيين أنهم عجزوا في العام الماضي عن توفير الطعام والسكن لأسرهم في بعض الأحيان.
والمحزن أن هذه التعاسة لا يأتي ذكرها في خطابات الولي الفقيه. فقد يكون مساعدوه يحجبون عنه أخبارها، أو أنه ملمٌ بتفاصيلها وأوجاعها ولكنه (يطنش)، وذلك لأنه مؤمن بأن على الشعب الإيراني أن يتحمل أقسى أنواع الضنك والعوز والبطالة، وأن يضحي بحريته وكرامته من أجل أن يتحقيق الحلم الامبراطوري القديم، وأن يركز النظام الإيراني المعمم رايات الخميني وخامنئي على شواطيء البحر الأبيض المتوسط والأحمر والخليج.
وقد يكون هذا هو سر مباهاة الولي الفقيه وأعضاء حكومته وكبار قادة جيوشه ومليشياته  بانتصاراتهم، وقد يكون، هو نفسه، سر تهديداتهم للدولٍ الكبرى والصغرى معا، واعتقادهم بأنهم جعلوا إيران دولة غادرت مقهى الدول الصغيرة ودخلت نادي الدول الكبرى التي تقررمصير الكون.
يصاب بهذا الوهم كثيرون، إذا كانت نفوسهم مريضة، وشخصياتهم ضعيفة، ولا يعرفون حدودهم. فالقصير يظن نفسه طويلا، والدميم وسيما، واللص عفيفا وشريفا وأمينا، والظالم عادلا، والأرنب أسدا، والقرد في عين نفسه وأمه غزال.
قبل أيام خطب المرشد الأعلى عند قبر الخميني في الذكرى الخامسة والعشرين لوفاته، فأعلن أن إيران اليوم، رغم العقوبات المفروضة عليها، "تطلق الأقمار الصناعية، وترسل الكائنات الحية إلى الفضاء، وتنتج الطاقة النووية، وأنها باتت واحدة من الدول العشر الأوائل في الكثير من العلوم الحديثة".
وأكد أن بلاده استطاعت بملايينها الـ 75 أن تقف في مواجهة (الكيان الصهيوني) وتدافع عن المظلومين بكل قوة، وأن التجربة التي حققها الشعب الإيراني خلال العقود الماضية ستوصله إلى القمة.
وقبل أيام قليلة أيضا تحدث نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني العميد حسين سلامي خلال مراسم تجديد ميثاق كوادر مؤسسة "تعبئة المستضعفين" فقال إن الثورة التي قادها روح الله الموسوي الخميني "تماثل بعثة النبي".
وأضاف أن الثورة الإسلامية في إيران " قلبت الموازين العالمية، بحيث إن أي توازن أمني أو سياسي في العالم الاسلامي اليوم أصبح غير ممكن التحقق دون إحراز رضى إيران".

وأردف: الزيارة غير المعلن عنها سلفاً للرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى أفغانستان، تؤكد النهاية القريبة لأكبر إمبراطورية في العالم، بعدما قرر الرئيس الأمريكي القيام بها "دون إعلام" نظيره الأفغاني، وفقاً لما نقلته وكالة "فارس" الإيرانية شبه الرسمية عن "سلامي".
 
أما نائب رئيس هيئة الاركان المشتركة الايرانية للشؤون التعبوية والثقافية والدفاعية العميد مسعود جزائري فقد انتقد تصريحات الرئيس الاميركي التي أعلن فيها أن جميع الخيارات ما زالت مطروحة على الطاولة ضد إيران، وقال " إن أوباما لا يخجل من تكرار تصريحاته الخاوية، وإن أميركا وحلفاءها يدركون أن العدوان على الجمهورية الاسلامية الايرانية يعني زوال تل أبيب، وإشعال نار الحرب داخل الولايات المتحدة ذاتها".
إن حمى النرجسية هذه لا تليق بدولة تظن نفسها كبرى. وقبلهم أصيب بهذه الحمى صدام حسين فهدد بالمدفع العملاق وبصواريخ الحسين والعباس وبنهاية الامبراطورية الأمريكية إن هي غزت العراق، وبشار ألأسد هدد بحرق الخليج وها هو يحترق وصواريخ معارضيه تدك مسقط رأسه المنيع، والقذافي هدد بهزيمة أمريكا في عقر دارها، ثم ذهب وذهبت أوسمته وصولجاناته وخطاباته، وغرقوا، كلهم، في مياه التاريخ الجارفة.
وإيران لن تكون عصية على الزمن الصعب. فقبلها احتلت جيوشٌ جرارة بلادا كثيرة واستعمرتها عشرات، بل مئات السنين، ثم هبت عليها عواصف الغبار الدامي، فهوت من عليائها، وداست عليها أقدام الشعوب المستضعفة.
والكبير العاقل الواثق من دولته وقدرات جيوشه لا يثرثر ولا يهدد ولا يتطاول على أحد، لأن قوته تتحدث عنه، وترهب خصومه، دون كلام.
تذكرنا هذه اللغة النارية بفيلم (الجيد والسيء والقبيح)،حين دخل على الممثل (إيلاي والاش) وهو يستحم في حوض ماء خشبي صغيرشخصٌ له معه ثأر قديم، فاعتقد بأنه باغته وهو أعزل في حوض الاغتسال، ولكنه قبل أن يطلق عليه النار راح يتباهي ويستعرض أسابه لقتله، وولاش ساكت يتأمله، وفجأة عاجله برصاصة قاتلة  من مسدس كان والاش يخفيه في الحوض وهو يقول له، إذا كان عليك أن تطلق النار فأطلق ولا تتكلم.
وفي عام 187هـ نقض نقفور امبراطور الروم معاهدة الصلح التي كانت بين الروم والمسلمين وكتب هارون الرشيد :( من نقفور ملك الروم ، إلى هارون ملك العرب ، أما بعد ، فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ، وأقامت نفسها مقام البيدق ، فحملت إليك من أموالها ما كنتَ حقيقاً بحمل أمثاله إليها، لكن ذلك ضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها، وافتد نفسك بما يقع به المصادرة لك، وإلا فالسيف بيننا وبينك )
فلما قرأ هارون الرشيد الكتاب استبد به الغضب، ودعا بدواة وكتب على ظهر الكتاب:
( بسم الله الرحمن الرحيم، من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قد قرأت كتابك يابن الكافرة، والجواب ما تراه لا ما تسمعه، والسلام .)
وطهران ذاتها، من أول أيام جمهورية الخميني، من خمسة وثلاثين عاما، رفعت شعار تحرير فلسطين من النهر الي البحر ومحو إسرائيل من الخارطة، وما زلنا ننتظر.


  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

608 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع