سارة فالح الدبوني
مهنةٌ الطب، تلكَ المهنةُ النبيلةُ الإنسانيةُ التي شرَّفها الله برسالتها السامية، واخلاقياتها التي تتسمُ بشتى انواع الممارسات المحترمة لهذه المهنة .. وتلكَ الأخلاقياتُ هي بلا شكٍ ذاتيةَ المنشأ ولايفرضها قانونٌ مُعين، بل يتلبسُ بها كُلَ من يخوضُ في هذهِ المهنة ..
ولكن .. العصر المادي الذي نعيشهُ اليوم قد طغى بأخلاقياته الرذيلةِ ليعمد الى طمس اتلكَ لمفاهيم والقيم السامية .. حتى أصبح من الأطباء من يتبعون ممارسات تخالفُ خُلقَ الشهادةِ التي يحملونها .. وعلى مايبدو أن تلك الفئة من الأطباء يعتقدون في صحةِ الناسِ عبارةً عن تجارة تدرُ ذهباً بغضِ النظرِ عن نتائجها التي لاتطالُ الا المريضَ نفسه .. !
وكواحدةٍ من تلكَ المُمارسات المُخالفة للاخلاق السامية التي تحملها مهنة الطب في رسالته النبيلة، هي تلكَ التي تكادُ تكون الأغرب نتيجة انتشارها كما الوباء في المناطق التي تحوي عيادات الطبيب أو صيدليات مثل شارع الأطباء الواقع في الجزء الجنوبي من منطقة العشار في البصرة .. !!
كما قُطاعِ الطُرُقِ يُلاحقونَ المَارَّة، يتطلعونَ بهم ويتأملونَ وجوههم .. رُبما يكونون مرضى ليسألونهم (شنو مرضك .. ؟؟!! أو ياطبيب تريد؟؟!!) .. .. !!!
نعم . .إنهم الدلالون .. ليسوا دلالي العقارات، بل دلالو الأطباء، أو بمعنىً أصح يمكنُ تسميتهم بالسماسرة .. ! الذينَ يستغلونَ أناتَ المرضى وآهاتهم وتعبهم أثناءَ رحلةِ تنقلهم الطويلة بينَ نقاط المخطط الإجباري المكون من الطبيبِ والتحاليلٍ والأشعة والسونار والصيدلية .. ! ليكونوا شركاء في عمليةِ التجارة بصحةِ الناسِ .. فيقتسموا أجرَ مُعاينةِ المريضِ مُناصفةً معَ من يُسمونَ أنفسهم أطباءً!
لاأعرف .. .كيفَ لطبيبٍ بدرجتهِ ومهنتهِ التي يفترضُ بها أن تكونَ مهنةً إنسانيةً مُقدسة، يرتضي لنفسهِ أن يَنحَطَ إلى هذا المستوى ويقبلَ أن يُشاركهُ أحدٌ مهنتهُ بأن يعمل لهُ دعاياتٍ على حِسابِ صحةِ الناسِ وجيوبهم .. .!
أن يستعينَ بوسطاءٍ يتولونَ تشجيع المرضى على مراجعة عياداتهم الخاصة مستخدمينَ أساليبَ تشمل المُبالغة في وصفِ خبراتهم الخاصة .. وسطاءُ منهم من لايعرفُ القراءةَ والكتابةَ حتى .. !!
يترصدونَ للمرضى ويتنافسونَ فيما بينهم لاستقطابِ أكبرِ عدد منهم مُستغلينَ صُفرةَ وجوههم وبساطتهم فيقنعونهم للجوءِ إلى أطباءَ قد يكونوا غيرَ كفوءين .. وعلى أقلِ حجم من الفائدةِ لهم .. !
ليسَ هذا وحسب .. فأولئكَ السماسرةُ لايعملونَ لحسابِ الأطباءِ فقط .. بل لحساب الصيادلة كذلك .. حيث يتقاضون مبالغَ مُتفقٌ عليها معَ الصيدلي لقاءَ كُل وصفة طبية تصله عن طريقهم من أحد المرضى .. فقد أصبحوا يشكلونَ مافيا حقيقية تبيعُ أرواح الناسِ وتشتريها عبرَ اتباعهم شتى سُبل التظليل و الابتزاز ..
لرُبما كانت تلكَ وسيلةً للرزق .. ولكن .. هُنالكَ سُبُلُ أُخرى لكسبِ الأرزاق، دونَ أن يُتاجرَ أحدٌ بصحةِ أحد .. ودونَ أن يستغلَ أحدٌ آهاتِ أحدٍ وأوجاعهُ .. !! ولرُبما كانَ الطبيبُ بحاجةٍ لسُبلَ تجعلُ منهُ معروفاً .. ولكن .. هُنالكَ سُبلُ كثيرة يتألقُ فيها الطبيبُ وتلمعُ صورتهُ بينَ الناس .. بالأمانةِ وشرف المهنة .. بعيداً عن الغشِ والوساطات غيرِ المُشَرِّفة لمكانتهِ وشهادته!
وبالتأكيد .. أنا لاأُهاجمُ بقولي جميعَ الأطباء .. فهُنالكَ من الأطباءِ من لطالما كانوا شرفاءً مؤمنينَ بأن مسؤوليةَ الطبيبِ مسؤوليةٌ أخلاقيةٌ قبل كل شيء .. ولكني أقصدُ بالقولِ أولئكَ الذينَ حولوا مهنةَ الطب الى مهنةٍ خاضعةٍ للعرضِ والطلب .. جيثُ تحولَ هؤلاءِ الى أشباهِ أصحابِ مكاتب عقارات لاعياداتٍ تتسمُ ببسمةِ الإنسانيةِ الروح الاخلاقية ..
فمهنةُ الطبِ لم تكن طارئة، بل وجدت ونمت مع البشرية .. وكمثالٍ على ذلك، يذكرُ لنا التاريخُ أن أبوبكرٍ الرازي قد ألفَ منذُ قرون كتاباً مفادُ عنوانه (طبيبكَ قبل ان يصلكَ الطبيب) يتناول طرق التطبيب بالاعشاب لأغلب الأمراض المتعارف عليها في ذلك الوقت وذلك تسهيلاً وتعميماً للفائدة لالهدفٍ آخر .. ! ومنذُ قرونٍ أيضاً جابَ إبن سينا البلدان والمدن والقرى والبيوت بحثاً عن المرضى لغرض مداواتهم وعلاجهم ..
أنا على يقينٍ بأنهُ لوتسنى للرازي وابن سينا أن يعودا للحياةِ ويشهدان سيناريوهات الجزارة الطبية لأصيبوا بالدهشةِ والذهول، ولظنوا أنهم في زمانٍ قبل زمانهم لابعده .. ولأصابتهم الحسرةُ لما آلت اليهِ مهنةُ الطب بعدهم، ومافعلوه كثيرٌ ممن توارثوا مهنتهم النبيلة من احتيالٍ وتحليلٍ للحرام وقبولٍ بالقُبح واستئناسٍ بالدناءةِ بدل غسلها وتنظيفِ الساحةِ الطبيةِ بأكملها منها .. !!
فقد أصبحَ المريضُ عبارةً عن رهينةٍ قصريةٍ في بعضِ العيادات التي باتت تأخذُ منحىً تجارياً لاانسانياً، بينما يجبُ أن لايكونَ ضحيةً لما يفرضهُ عليهِ المرضُ بالجلوسِ الحتمي في إحدى تلكَ العيادات بعدَ أن أوكلَ بنفسهِ الى الدلالين، أو يمكنُ أن أُسميهم الجلادين ممن قد يحكمونَ على ذلك المريضِ بالإعدامِ غير المُباشر حينَ يكونُ في أمَسِ الحاجةِ الى علاجٍ كفوء ..
وأختتمُ قولي بتعظيمِ احترامي لكُلِ طبيبٍ يحترمُ مهنتهُ ويقدسُها ويلتزمُ بشرفِ هذهِ المهنةِ بكُلِ مافيها من ممارساتٍ وأخلاقياتٍ خوضاً بالمبدأ الإنساني قبلَ المالي .. وإن لم يكونوا كُثراً .. !!
وأستشهدُ بقولَ رسولنا الكريم محمد صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ الطيبين الطاهرين بأن: (لا إيمانَ لمن لاأمانةَ لهُ، ولادينَ لمن لاعَهد لهُ) .. .!!!
585 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع